تحسّن مناخ الاعمال للشركات الألمانية خلال شهر أكتوبر حيث ارتفع مؤشر ifo بشكل طفيف إلى 86.5 نقطة، بعد أن كان عند مستوى 85.4 نقطة في سبتمبر الماضي. وهذا هو الارتفاع الأول بعد أربع انخفاضات متتالية. وأتى هذا التحسن بسبب ارتفاع مستوى رضا الشركات عن مستوى أعمالها في الوقت الحاضر الى جانب التحسن في توقعاتها بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة. ويبدو ان تراجع أداء الاقتصاد الألماني المستمر منذ الربع الثاني من العام الحالي قد توقف مؤقتًا.
في قطاع الصناعة، لم يستمر الاتجاه التنازلي لمؤشر مناخ الاعمال في هذا القطاع في شهر أكتوبر حيث ارتفع المؤشر مسجلًا مستوى ( -20.6 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -21.4 نقطة) في سبتمبر، ويعود هذا التحسن في قيم المؤشر إلى التوقعات الأكثر إيجابية بمستوى الاعمال خلال الفترة القادمة من قبل الشركات، رغم أن تقييمها لمستوى الاعمال الحالي كان أسوأ بشكل ملحوظ، حيث لا يزال نقص الطلب يمثل مشكلة رئيسية، كما انخفضت معدلات استغلال الطاقة الإنتاجية بنسبة 1.2 نقطة مئوية، لتصل إلى 76.5 بالمئة، وهو أقل بكثير من المتوسط طويل الأجل البالغ 83.4 في المئة.
كما عاد مؤشر مناخ الأعمال في قطاع الخدمات إلى المنطقة الإيجابية حيث ارتفع في اكتوبر الى مستوى 0.1 نقطة بعد ان كان عند مستوى (- 3.5 نقطة) في الشهر السابق. وقد أبدت الشركات مستوى رضا أكبر عن اعمالها في الوقت الحاضر كما تحسنت توقعاتها للأعمال خلال الثلاثة الأشهر القادمة. وتحسن مناخ الاعمال بشكل خاص في قطاعات الدعم اللوجستي، السياحة، وتكنولوجيا المعلومات.
أما في قطاع التجارة، فقد ارتفع مؤشر الاعمال بشكل طفيف مسجلًا في شهر أكتوبر مستوى ( -29.3 نقطة) فيما كان عند مستوى ( -29.8 نقطة) في الشهر السابق. وقد تحسنت توقعات شركات هذا القطاع قليلاً لمستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة، لكنها أعربت عن رضا أقل تجاه اعمالها في الوقت الحالي.
وسجل مؤشر مناخ الاعمال في قطاع البناء تراجعا طفيفًا في أكتوبر عند مستوى ( -25.7 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -25.3 نقطة) في سبتمبر. ويرجع هذا التراجع الى التوقعات الأكثر تشاؤما من قبل الشركات عن مستقبل اعمالها في الأشهر القادمة على الرغم من ان تقييمها لمستوى اعمالها في الوقت الحاضر كان أفضل نوعا ما بالمقارنة بالشهر الماضي.
وفي سياق متصل، اظهر استطلاع أجرته شركة S&P Global للخدمات المالية، ان تراجع الاقتصاد الألماني شهد تباطؤًا غير متوقع خلال شهر أكتوبر. حيث ارتفع مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص، الذي يشمل قطاعي الصناعة والخدمات معًا، بمقدار 0.9 نقطة ليصل إلى 48.4 نقطة، وكان اقتصاديون قد توقعوا زيادة طفيفة فقط إلى 47.6 نقطة. لكن المؤشر، الذي يُتابع على نطاق واسع في الأسواق المالية، لا يزال دون علامة 50 نقطة التي تشير إلى النمو. وعلق Cyrus de la Rubia، كبير الاقتصاديين في بنك هامبورج التجاري (HCOB)، قائلًا: “بداية الربع الأخير من العام جاءت أفضل من المتوقع”. وأوضح أن “نمو قطاع الخدمات بشكل أسرع، وتراجع الإنتاج في قطاع الصناعة بوتيرة أقل من الشهر الماضي، يجعل من الممكن تحقيق نمو اقتصادي إيجابي في الربع الرابع”. وقد ارتفع المؤشر للقطاع الصناعي وحده بمقدار 2 نقطة ليصل إلى 42.6 نقطة، بينما زاد المؤشر لقطاع الخدمات بمقدار 0.8 نقطة ليصل إلى 51.4 نقطة.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بتقديرات النمو لمجمل العام 2024م، خفضت الحكومة الألمانية من توقعاتها بالنسبة لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري، حيث تتوقع الآن انكماش الاقتصاد بنسبة 0.2 في المئة بينما كانت تتوقع في الربيع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة. أما بالنسبة لعام 2025م، فترفع الحكومة توقعاتها بشكل طفيف، حيث يُتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.1 في المئة بدلًا من نسبة واحد في المئة المتوقعة في السابق، وفي عام 2026م، سيصل النمو المتوقع إلى 1.6 في المئة. وتوجد فجوة بين توقعات الحكومة الألمانية للنمو في العام 2025م، والبالغ 1.1 في المئة وتوقعات أبرز المعاهد الاقتصادية التي لا تتجاوز توقعاتها لنسبة نمو الاقتصاد في العام القادم حاجز 0.8 في المئة. ويعود جزء كبير من هذا التفاوت الى افتراض الحكومة ان حزمة النمو الإضافي التي اقرتها والتي تشمل 49 إجراءً، الى جانب تقديم دعم للشركات الناشئة بمبلغ 12 مليار يورو، ستضيف 0.5 نقطة مئوية للنمو الاقتصادي. بينما لا تتوقع المعاهد البحثية الرئيسية ان تحقق حزمة النمو هذا القدر من النمو الاقتصادي.
من جانبه، ذهب صندوق النقد الدولي (IWF)، في أحدث تقاريره ان يسجل الاقتصاد الألماني ركوداً خلال العام 2024م، حيث سيسجل النمو صفر في المئة، بدلاً من توقعات الصندوق السابقة بتحقيق الاقتصاد في ألمانيا نموًا طفيفًا بنسبة 0.2 في المئة. اما في العام القادم 2025م، فتشير توقعات الصندوق الى نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0.8 في المئة. وهو ما يعد تراجعًا عن التوقعات السابقة لنسبة النمو والتي كانت 1.3 في المئة. ومن ضمن الدول الصناعية التي يتوقع لها صندوق النقد الدولي ايضاً نموًا منخفضاً العام القادم، إيطاليا حيث جاء في تقرير الصندوق ان “الضعف المستمر في القطاع الصناعي يؤثر بشكل كبير على نمو ألمانيا وإيطاليا”. وعلى العكس من ذلك، يتوقع الصندوق ان يحقق الاقتصاد الأمريكي نموًا بنسبة 2.8 في المئة في العام 2025م، وان يحقق الناتج المحلي الإجمالي في اسبانيا نموًا ايضًا بنسبة 2.9 في المئة.
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى ان ألمانيا تعاني من “انخفاض حاد في أسعار العقارات” و”التقشف المالي”. وبينما يناشد الصندوق جميع الدول للحد من ديونها وتكوين احتياطيات مالية للأزمات المقبلة يستثني الصندوق ألمانيا صراحةً من هذا المطلب، بل يدعو منذ فترة إلى تخفيف قيود الديون. بالإضافة الى ذلك يرى الصندوق ان ألمانيا تعاني من عدة تحديات، من بينها “اللحاق السريع” بالصين في مجال إنتاج وتصدير السيارات الكهربائية. فقد نجحت الصين في السنوات الخمس عشرة الأخيرة في الاستحواذ على حصة كبيرة من السوق، بينما تراجع نصيب صناعة السيارات الألمانية. وإذا استمرت هذه الحالة بنفس الاتجاه، وهو أمر محتمل، فإن أوروبا ستخسر على المدى المتوسط 0.3 نقطة مئوية من النمو وعددًا كبيرًا من الوظائف.
ووفقًا للصندوق تظل التوقعات للنمو في ألمانيا على المدى المتوسط منخفضة. وتبقى هناك مخاطر أخرى تهدد الاقتصاد العالمي، والتي قد تؤثر بشكل خاص على ألمانيا. وتشمل هذه المخاطر الحرب في أوكرانيا والأزمة في الشرق الأوسط والاضطرابات التضخمية الجديدة نتيجة انقطاع سلاسل التوريد. كما تتسبب تغيرات المناخ بتكاليف اقتصادية متزايدة وغير متوقعة، كما ظهر مؤخرًا مع إعصار “ميلتون” في الولايات المتحدة.
سوق العمل: تراجع اعداد العاطلين عن العمل وتوقعات بزيادة البطالة في العام 2025م
انخفض عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر سبتمبر بمقدار 66 ألف شخص ليصل اجمالي عدد العاطلين الى 2,806,000. شخص. لكن بالمقارنة مع شهر سبتمبر من العام الماضي فان عدد العاطلين عن العمل قد ارتفع بنحو 179 ألف شخص. وانخفض معدل البطالة في سبتمبر 2024م، بنسبة 0.1 في المئة ليصل المعدل الى نسبة 6 في المئة، وبالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي فان معدل البطالة قد ارتفع بنسبة 0.3 نقطة مئوية.
وصرحت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة الوكالة الاتحادية للعمل (BA)، في تعليقها على تطورات سوق العمل “انخفضت البطالة في سبتمبر، ولكن بشكل أقل مما هو معتاد في هذا الشهر. لذا، فإن الانتعاش الخريفي في سوق العمل يسير ببطء هذا العام.”
في جانب برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي بلغ عدد الموظفين الجدد الذين تم تسجيلهم خلال الفترة من 1 إلى 23 سبتمبر، حوالي 65 ألف شخص، وهو عدد أكبر بشكل ملحوظ مقارنة بنفس الفترة من الشهر السابق. اما فيما يتعلق بأجمالي عدد المستفيدين من البرنامج، وبحسب أحدث بيانات وكالة العمل الاتحادية لشهر يوليو، فقد بلغ 212 ألف موظف بعد ان كان 220 ألف موظف في شهر يونيو و196 ألف موظف في شهر مايو الماضي. كذلك بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية في شهر سبتمبر 696 ألف وظيفة بانخفاض قدرة 65 ألف وظيفة شاغرة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. ومع استمرار تناقص عدد الوظائف الشاغرة المستمر منذ نحو عام تقريبًا الا ان مستواها ما يزال مرتفعًا.
وفي سياق متصل، وبحسب دراسة أجراها معهد أبحاث سوق العمل والمهن (IAB)، من المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة في جميع الولايات الألمانية العام المقبل بسبب الركود الاقتصادي. حيث يُتوقع أن ترتفع نسبة البطالة في شرق ألمانيا بمقدار 0.2 نقطة مئوية لتصل إلى 7.6 في المئة، وفي غرب ألمانيا بمقدار 0.1 نقطة مئوية لتصل إلى 5.7 في المئة. ومن المتوقع أن تنمو فرص التوظيف في غرب ألمانيا بنسبة 0.6 في المئة، في حين ستظل مستقرة في شرق ألمانيا.
وذكر Rüdiger Wapler، الخبير في المعهد، أن “البيئة الاقتصادية تظل غير مستقرة”. وقال إن “انتعاش الاستهلاك بشكل أسرع وزيادة التجارة الخارجية يمكن أن يكون لهما تأثيرات إيجابية. أما إذا تصاعدت النزاعات التجارية أو زادت التوترات الجيوسياسية في أوروبا او مناطق أخرى في العالم، فقد تتدهور أوضاع أسواق العمل في مختلف الولايات الفيدرالية”.
وفقًا للتوقعات، ستشهد ولايات تورينجن ومكلنبورج-فوربومرن وساكسونيا وبافاريا أكبر الزيادات في أعداد العاطلين عن العمل العام 2025م، في حين ستكون الزيادات في البطالة محدودة نسبيًا في ولايات سكسونيا السفلى، بريمن، وشمال الراين-وستفاليا. ومن المتوقع أن ترتفع فرص التوظيف بشكل أكبر في ولايات هامبورج وشمال الراين-وستفاليا وهيسن، بينما ستنخفض بوضوح في تورينجن وساكسونيا-أنهالت.
تقرير الوحدة الألمانية: تمثيل أقل لمواطني الولايات الشرقية وفرص اقتصادية أفضل في الشرق
بعد 34 عاما من إعادة الوحدة الألمانية ما تزال هنالك اختلافات أساسية بين شطري ألمانيا حيث لا يزال سكان شرق ألمانيا ممثلين بشكل ضعيف في النخب، سواء في المناصب القيادية للشركات الكبيرة أو في العديد من المواقع في الهيئات الحكومية. كذلك، يفتقر شرق ألمانيا بشكل خاص إلى القوى العاملة المتخصصة في العديد من القطاعات الاقتصادية. لكن من ناحية أخري، يمكن القول إن هناك وضع اقتصادي متطور في الشرق أكثر من الغرب من جهة توفر الوظائف بالإضافة إلى وجود استثمارات أكبر في القطاعات التكنولوجية سواء في صناعة السيارات الكهربائية او صناعة الرقائق الالكترونية واشباه الموصلات.
وأشار تقرير حالة الوحدة الألمانية الذي قدمه Carsten Schneider، مفوض الحكومة الألمانية لشؤون شرق ألمانيا، إلى انه “لا تزال وجهات نظر الألمان الشرقيين تُطرح بشكل نادر في النقاش العام”. ويرجع ذلك إلى التمثيل الناقص في المناصب القيادية المهمة، سواء في الاقتصاد أو وسائل الإعلام أو النظام القضائي، كما يشمل هذا النقص أيضًا الهيئات الحكومية. ومع ان هناك زيادة طفيفة في عدد الألمان الشرقيين في المناصب القيادية مقارنةً بالإحصاءات السابقة، لكن النسبة لا تزال تبلغ حوالي 15 في المئة، وهو أقل من نسبة سكان شرق ألمانيا إلى إجمالي سكان البلاد (أقل بقليل من 20 في المئة). وتدخل العاصمة برلين في هذه الإحصائية باعتبارها ولاية شرقية، ولكن إذا تم استثناؤها، فإن نسبة شغل الالمان الشرقيين للمناصب القيادية تنخفض إلى 7.8 في المئة فقط. ويعود هذا الاختلال إلى أن العديد من الهيئات الحكومية لا تزال تحتفظ بمقرها الرئيسي في غرب ألمانيا. بينما أشار الألمان الشرقيون في المناصب القيادية إلى أن التمثيل الناقص يعود جزئيًا إلى التمييز بناءً على أصولهم الشرقية. فيما اتفقت النخب الغربية والشرقية على أن المجتمع يمكن أن يستفيد من تجارب الألمان الشرقيين. وشارك 68 في المئة من النخب الغربية في الرأي القائل بأن الألمان الشرقيين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
على الرغم من ذلك، يوفر الاقتصاد في شرق ألمانيا إمكانيات وفرص استثمارية كبيرة، خاصة في الصناعات الجديدة، مثل استثمارات شركة تسلا في ولاية براندبورج، وإنتاج الإلكترونيات الدقيقة من شركة BASF في ولاية براندبورج أيضا. الى جانب المشاريع الكبيرة لعدد من الشركات العالمية لأنشاء مصانع كبرى للرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في ولايتي ساكسونيا وساكسونيا-انهالت. لكن ولايات شرق ألمانيا تواجه نقصا متزايدًا في القوى العاملة المتخصصة، كما زادت الفجوة في هذا المجال مع الولايات في الغرب في السنوات الأخيرة وذلك بسبب نمو الاقتصاد واحتياجات الشركات التكنولوجية الجديدة المتزايدة، بالإضافة الى ان المزيد من الناس في الشرق يتقاعدون مقارنة بالغرب حيث ان السكان في شرق ألمانيا أكبر سناً في المتوسط. ويتوقع الخبراء استمرار هذا الاتجاه، مما سيجعل من الصعب العثور على القوى العاملة بشكل متزايد.
ويفاقم نقص العمالة المتخصصة في شرق ألمانيا أيضًا استمرار نزوح الشباب من الولايات الشرقية الألمانية، حيث انتقل في العام الماضي المزيد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا من الشرق إلى الغرب مقارنة بالعكس. وفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، بلغ صافي الهجرة 7100 شاب من الولايات الشرقية الألمانية إلى الولايات الغربية في عام 2023م. (لم يتم تضمين برلين في هذه الحسابات.)، ووفقًا لباحثي مكتب الإحصاء الاتحادي، يُلاحظ منذ سنوات أن الشباب هم الفئة التي تغادر شرق ألمانيا بشكل رئيسي. فمنذ عام 1991م، يعاني شرق ألمانيا من خسارة مستمرة في الهجرة لصالح الغرب في هذه الفئة العمرية، واستمر هذا الاتجاه في عام 2023م. وإجمالًا، ومنذ عام 1991، غادر 727 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا من الولايات الشرقية الألمانية إلى الغرب. أحد الأسباب المهمة للهجرة يتمثل في الأجور، حيث لا تزال الفروقات في الدخل بين غرب وشرق ألمانيا كبيرة. في العام الماضي، كان الموظفون بدوام كامل في شرق ألمانيا يكسبون أقل بمعدل 824 يورو شهريًا إجمالًا من زملائهم في الغرب.
لكن من اللافت هنا أن الاقتصاد في شرق ألمانيا ينمو أسرع من الاقتصاد الألماني ككل. فوفقًا لتقرير لمعهد ifo، فرع دريسدن، من المتوقع أن ترتفع الإنتاجية الاقتصادية في الولايات الألمانية الشرقية هذا العام بنسبة 1.1 في المئة، بينما لا يُتوقع أي نمو في الاقتصاد الألماني ككل، بل تراجعًا وفقًا لتقديرات الحكومة الألمانية بواقع 0.2 في المئة. ولكن هناك تفسير أقل إيجابية لهذا النمو. حيث يقول Joachim Ragnitz، الخبير في المعهد أن هذا “الفارق في النمو هذا العام يرجع بشكل أساسي إلى أن ألمانيا ككل تمر بمرحلة ضعف صناعي. والمفارقة هنا، ان الشرق ينمو بشكل أسرع لأن الصناعة هناك ليست قوية.” كما تشير البيانات إلى أن قطاعي الخدمات القريبة من المستهلك والتي تتضمن القطاع الصحي والسياحة هي المحركات الرئيسية للنمو في الشرق.
الركود الاقتصادي يؤثر بقوة على الشركات الناشئة
تساهم الشركات الناشئة في ألمانيا بشكل فعال في جميع القطاعات الاقتصادية، مما يدعم الابتكار والرقمنة وتعزيز القدرة التنافسية بشكل شامل. ويشكل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحصة الأكبر بين الشركات الناشئة، حيث تعمل حوالي 28.3 في المئة من هذه الشركات في هذا المجال. يليه قطاع الصحة، الذي يشهد نشاطاً ملحوظاً بنسبة 11 في المئة، مما يجعله ثاني أهم قطاع للشركات الناشئة. وفي قطاع الأغذية والسلع الاستهلاكية، تنشط حوالي 7.6 في المئة من الشركات، بينما يشكل التعليم 5.6 في المئة من نشاطها. كما تساهم 5 في المئة من الشركات الناشئة في قطاع الطاقة وبنفس النسبة تعمل الشركات الناشئة في قطاع النقل والدعم اللوجستي. وتعكس هذه الأرقام الدور الهام الذي تلعبه الشركات الناشئة في دعم التحول الاجتماعي والبيئي، خاصة في مجالات التعليم، الطاقة، والتنقل.
مع تسجيل الاقتصاد الألماني تراجعًا اقتصاديًا في العام 2023م، بواقع 0.3 في المئة وتزايد توقعات المعاهد الاقتصادية الرئيسية بحصول تراجع مرة أخرى خلال العام الحالي 2024م أيضا، بدأت اثار هذا التراجع في الظهور على الشركات الناشئة، وهو ما أوضحه تقرير “مراقب الشركات الناشئة الألمانية” (DSM) والذي أصدره اتحاد الشركات الناشئة الألماني بناءً على استطلاع لأكثر من 1800 شركة ناشئة لتقييم أوضاعها الاقتصادية والتغيرات التي طرأت عليها خلال الفترة الأخيرة.
وبحسب التقرير، ولأول مرة منذ سنوات، يتراجع عدد الموظفين في الشركات الناشئة، حيث بلغ متوسط عدد موظفي هذه الشركات في الوقت الحالي 16.7 موظفاً لكل شركة مقارنة بـ 18.9 موظفًا في العام السابق. وبذلك، يتوقف الاتجاه التصاعدي في التوظيف الذي ميز ظاهرة الشركات الناشئة والذي استمر منذ عام 2019م. وبالرغم من ذلك لاتزال الشركات الناشئة تخطط لتوظيف المزيد من الأشخاص وان انخفض متوسط العدد المتوقع من الموظفين الجدد من ثمانية اشخاص الى ستة اشخاص لكل شركة. كذلك لاحظ التقرير تراجع نسبة النساء من رائدات الاعمال والمؤسِسات من اجمالي عدد المؤسسين للشركات الناشئة، حيث انخفضت نسبتهن إلى 18.8 في المئة في العام 2024م، بعدما كانت 20.7 في المئة في العام 2023م. ويبلغ معدل الموظفين الأجانب في منظومة الشركات الناشئة في ألمانيا 30.8 في المئة، وفي 34.9 في المئة من هذه الشركات تعتبر اللغة الإنجليزية لغة العمل الرسمية. أما في برلين، التي تعد اهم مدن ألمانيا وأوروبا في مشهد الشركات الناشئة، فتصل نسبة الموظفين الأجانب إلى 42.3 في المئة وتصل نسبة الشركات الناشئة التي تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة العمل الرسمية إلى 55.8 في المئة.
في الوقت نفسه ومع استمرار الركود، يزداد الاحتياج إلى رأس المال بشكل حاد، حيث تحتاج ثلاثة أرباع الشركات الناشئة حالياً إلى تمويل جديد خلال الاثني عشر شهراً القادمة لضمان البقاء، حيث انخفضت الاستثمارات في الشركات الناشئة الألمانية بنحو 40 في المئة خلال العام الماضي. ونتيجة انتهاء سياسة الفائدة المنخفضة أصبح المستثمرون المحتملون أكثر انتقائية بالإضافة الى أن ضعف أداء الاقتصاد تسبب في ان تواجه العديد من الشركات الناشئة خطر نفاد الأموال، مما قد يؤدي إلى ارتفاع عدد حالات الإفلاس. ووفقًا لتقرير (DSM) ارتفع عدد حالات الإفلاس في الأشهر التسعة الأولى من العام 2024م، إلى 320 حالة، مقارنة بـ 293 حالة خلال العام 2023م بأكمله.
إلى جانب صعوبات التمويل، لم تحقق الشركات الناشئة تقدمًا في التعاون مع الشركات الكبرى. فقد أظهرت الإحصائيات أن 62 في المئة فقط من الشركات الناشئة كانت لديها علاقات تعاون مع شركات كبرى في ألمانيا، وهي نسبة مماثلة للعام الماضي وبعيدة عن ذروتها التي بلغت 72 في المئة في عام 2020م. وقالت Verena Pausder، رئيسة اتحاد الشركات الناشئة ان “التعاون مع الشركات الناشئة، سواء من خلال الشراكات أو الاستثمارات أو الاستحواذ، يعد واحدًا من أهم الطرق للشركات الكبيرة للبقاء مبتكرة، لكن للأسف لم تدرك جميع الشركات في ألمانيا ذلك بعد”.
ومع تزايد صعوبات حصول الشركات الناشئة على تمويل إضافي ونتيجة عوامل أخرى بدأت طبيعة عمل هذه الشركات تشهد تغيرات أساسية، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متزايد الأهمية. فوفقًا لتقرير (DSM)، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا في العديد من الشركات. ووفقًا لتقرير آخر من الاتحاد الألماني لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (Bitkom)، فإن ثلاثة أرباع الشركات الناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي الآن، مقارنة بـ 49 في المئة فقط في العام السابق. كذلك تزايد اعتماد الشركات الناشئة في ألمانيا على البحث العلمي وبالتالي الاعتماد بشكل رئيسي على الجامعات ومراكز الأبحاث التي تشكل غالبًا المركز الأساسي للابتكار. وأفاد نصف المشاركين في تقرير (DSM) بأنهم حصلوا على دعم من هذه المؤسسات عند تأسيس شركاتهم.
كما دفعت تغيرات البيئة الاقتصادية وظروف التمويل العديد من الشركات الناشئة الى تغيير نماذج اعمالها فبعد ان كانت النسبة الأكبر من الشركات الناشئة، ولفترة طويلة، تستهدف المستهلكين الافراد (B2C)، تتوجه الآن حوالي 58 في المئة من الشركات الناشئة نحو العملاء التجاريين من الشركات والمؤسسات الأخرى (B2B).
تقديرات بانخفاض الإيرادات الضريبية للدولة الألمانية حتى العام 2028م
أظهرت أحدث تقديرات الخبراء للإيرادات الضريبية المتوقعة للدولة الألمانية والتي تشمل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الفيدرالية والبلديات، ان هذه الإيرادات سوف تنخفض بأكثر من 58 مليار يورو حتى العام 2028م. ويتوقع الخبراء ان تبلغ الإيرادات الضريبية لهذا العام 941.6 مليار يورو، وهو ما يقل بـ 8.7 مليار يورو عما كان متوقعًا. وبهذا النقص في الإيرادات تتوقع الحكومة الاتحادية ان تسجل الميزانية الاتحادية للعام الحالي 2024م، عجزًا قدره 3.4 مليار يورو.
اما بالنسبة للعام المقبل 2025م، يتوقع الخبراء إيرادات ضريبية تصل إلى 982.4 مليار يورو للدولة بشكل عام، وهذا يقل بنحو 12.7 مليار يورو عن التوقعات التي تم وضعها في مايو الماضي. وبينما يتوقع أن تسجل الحكومة الاتحادية زيادة طفيفة في الإيرادات الضريبية بمقدار 700 مليون يورو، نتيجةً لتعديلات في إيرادات الضرائب الموجهة للاتحاد الأوروبي، تشير التوقعات الضريبية إلى أن الإيرادات في الولايات ستشهد تراجعًا في عامي 2025م و2026م، بنسبة تتراوح بين 1 و1.5 في المئة من إجمالي الإيرادات الضريبية. لذلك، تستعد بعض الولايات بالفعل لثغرات مالية جديدة بمليارات اليورو في ميزانياتها. وهو ما اعتبره العديد من المتخصصين ” أمر خطير بالفعل”.
وفيما يتعلق بتراجع الإيرادات الضريبية على المدى الطويل، صرح Christian Lindner، وزير المالية الاتحادي ان ” نتيجة التقديرات الضريبية تظهر أنه لا يمكننا الاعتماد على تدفق الإيرادات الضريبية باستمرار. نحن بحاجة إلى نمو اقتصادي.” مشددا على ان مشروع الميزانية الاتحادية للعام القادم يحتاج الى تعزيز حيث ” لن يكون من الممكن تقديم كل الخدمات الحكومية”.
وتخطط الحكومة الاتحادية ان تبلغ نفقات الميزانية الاتحادية للعام 2025م، حوالي 490 مليار يورو، سيتم تمويل أكثر من 10 في المئة منها عن طريق الاقتراض. وبالرغم من أن ذلك مسموح به بموجب المادة الدستورية الخاصة بالحد من الديون، إلا أن المعارضة، والبنك المركزي، وبعض الاقتصاديين يرون أن أرقام الميزانية المقترحة غير جدية أو غير واقعية إلى حد كبير. حيث لا تزال هناك فجوة في ميزانية عام 2025م، تبلغ 12 مليار يورو، وتحاول حكومة الائتلاف تقليصها إلى نحو 9 مليارات يورو مع الأمل في أن تُغلق الفجوة المتبقية تلقائيًا. وذلك اعتماد على توقع عدم انجاز بعض المشاريع المخطط لها في الميزانية او وجود عوائق في الإدارة او طول الإجراءات البيروقراطية والتي تحول دون إنفاق الأموال وهو ما سيؤدي في النهاية الى توفر مبلغ بالمليارات يمكن استخدامه في سد عجز الميزانية. ولكن إذا تراجعت الإيرادات الضريبية وفق ما هو مُتوقع، فلن تتحقق هذه الحسابات.
ويأتي خفض التقديرات الضريبية نتيجة تأثير العديد من العوامل، فمن ناحية خفضت الحكومة الاتحادية توقعاتها للنمو الاقتصادي التي تعتمد عليها التقديرات الضريبية. حيث يُتوقع الآن تراجعًا في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.2 في المئة لهذا العام، ونموًا بنسبة 1.1 في المئة فقط للعام المقبل. ويعني النمو الأضعف إيرادات ضريبية أقل.
من ناحية أخرى ستؤدي الزيادة في الاشتراكات الاجتماعية إلى خفض الإيرادات الضريبية. إذ من المتوقع أن يرتفع الاشتراك في الضمان الاجتماعي بمقدار 0.3 نقطة مئوية العام المقبل، كما سيرتفع الاشتراك الإضافي في التأمين الصحي القانوني بمقدار 0.8 نقطة مئوية. هذه الزيادات في النفقات الاجتماعية ستكون الأكبر منذ 20 عامًا. ونظرًا لأن هذه الاشتراكات قابلة للخصم ضريبيًا، فإن الحكومة ستخسر نتيجة ذلك المليارات من الإيرادات الضريبية خلال السنوات القادمة.
كما أن بعض إجراءات التخفيف المالي والاعفاءات الضريبية التي تعتزم الحكومة تنفيذها قد تكلف الكثير. فعلى سبيل المثال، سيكلف قانون “التطور الضريبي” الذي يرفع الحد الأدنى المعفى من الضرائب، حوالي 75 مليار يورو حتى عام 2028م. بالإضافة إلى ذلك، ستكلف التخفيضات في ضريبة الكهرباء والطاقة الحكومة حوالي عشرة مليارات يورو بين عامي 2026م و2028م. كما يتضح أن تكلفة المدفوعات الخاصة بإعانة المواطن (Bürgergeld) ستكون أعلى مما كان متوقعًا.
علاوة على ذلك يسعى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي له المستشار اولاف شولتز إلى تقديم المزيد من الدعم للصناعة المتعثرة، مثل تقديم إعانات حكومية لمواجهة ارتفاع تكاليف الكهرباء ودعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وستكلف هذه المساعدات أيضًا بضع مليارات يورو، لكنها لم تُدرج بعد في أي خطة ميزانية.