تحسّن مناخ الاعمال للشركات في ألمانيا خلال شهر أبريل، حيث ارتفع مؤشر مناخ الأعمال ifo   إلى 89.4 نقطة، مقارنة بـ 87.9 نقطة في مارس الماضي. وهذا هو الارتفاع الثالث على التوالي للمؤشر. ويعود هذا الارتفاع الى ان الشركات أصبحت أكثر رضاً عن مستوى الأعمال الحالية بالإضافة الى تحسن التوقعات بشأن مستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة. ويؤشر هذا التحسن في مناخ الاعمال الى ان الاقتصاد في ألمانيا مستقر على الرغم من توقعات النمو الطفيف.

     في قطاع الصناعة، ارتفع مؤشر مناخ الاعمال في شهر أبريل الى مستوى (-8.5 نقطة) بعد ان كانت قيمة المؤشر في شهر مارس الماضي عند مستوى (-9.9 نقطة). ويرجع هذا الارتفاع بدرجة رئيسية الى تحسن التوقعات بخصوص مستوى الاعمال خلال الفترة القادمة بشكل كبير وإن كان تقييم الشركات الصناعية لمستوى اعمالها الحالي ما يزال سلبيًا خصوصًا مع تراجع الطلبات وعدم ظهور أي مؤشرات على زيادة في الإنتاج.

     وتحسن مناخ الاعمال بدرجة ملحوظه في قطاع الخدمات حيث سجل المؤشر مستوى 3.2 نقطة في أبريل صاعدًا من مستوى 0.4 نقطة المسجل في شهر مارس الماضي، حيث تحسن تقييم الشركات لمستوى الاعمال في الوقت الحاضر كما ظلت التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة ثابتة تقريبًا وان ظلت متحفظة نوعًا ما.

     أيضًا في قطاع التجارة، ارتفع المؤشر في شهر أبريل إلى مستوى (-22 نقطة) بينما كان قد سجل في مارس الماضي مستوى (-22.9 نقطة)، وتحسنت توقعات الشركات بخصوص اعمالها في الفترة القادمة بشكل كبير، لكنها أظهرت قدر أقل من الرضا عن مستوى اعمالها الحالية خصوصا بين الشركات العاملة في تجارة الجملة بينما تحسن مستوى الرضا لدي شركات تجارة التجزئة.

     في قطاع البناء، تحسن مناخ الاعمال للمرة الثالثة على التوالي حيث ارتفع المؤشر الى (-28.5 نقطة) من مستوى (-33.2 نقطة) المسجل في الشهر الماضي، ويرجع ذلك إلى التوقعات الأقل تشاؤمًا بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة كما قيمت الشركات الوضع الحالي لأعمالها بدرجة أقل سلبية وان كانت العديد من الشركات تشكو من نقص الطلبات.

     في غضون ذلك خفض صندوق النقد الدولي (IWF)، توقعاته لنمو الاقتصاد الألماني حيث اظهر أحدث تقارير الصندوق ان الاقتصاد في ألمانيا سوف ينمو العام الحالي بنسبة 0.2 في المئة فقط وهو النمو الأضعف بين الدول الصناعية السبع. وقال Alfred Kammer، المدير الأوروبي لصندوق النقد الدولي، إن سبب خفض توقعات النمو في ألمانيا يعود الى تدهور مناخ المستهلكين والأعمال في الربع الأول. وأضاف “للأسف المستهلك الألماني ليس هو المستهلك الأمريكي الذي يظل متفائلاً رغم الأزمات”. ويرى صندوق النقد الدولي تحسنا طفيفا في العام 2025م، حيث يتوقع ان ينمو الاقتصاد الألماني بنسبة 1.3 في المئة وقال Kammer: “نتوقع انتعاشا متواضعا وتدريجيا لألمانيا في السنوات المقبلة”.

     وأبدى تقرير صندوق النقد الدولي شعورًا بالقلق إزاء المشاكل الهيكلية التي تواجهها ألمانيا مثل انخفاض عدد السكان العاملين والعقبات التي تواجه الاستثمارات. وأشاد المدير الأوروبي للصندوق Kammer بمشروع قانون فرص النمو، الذي تريد الحكومة الاتحادية من خلاله تخفيف الضرائب عن الشركات وتشجيع الاستثمار. لكنه يقول: “إنها ليست كافية على الإطلاق لمعالجة المشاكل الهيكلية في ألمانيا”. وتناقش أحزاب الائتلاف الحكومي في الوقت الحاضر حزمة من الإجراءات لمكافحة الضعف الاقتصادي. ومن وجهة نظر صندوق النقد الدولي فإن الوقت يشكل أهمية بالغة في اجراء هذه الإصلاحات، ويؤكد Kammer أن “الإصلاحات التي تعمل على زيادة الإنتاجية، مثل الحد من البيروقراطية تتقدم ببطء شديد، وعندما يتعلق الأمر بالتحول الرقمي فإن ألمانيا تأتي في ذيل دول الاتحاد الأوروبي”.

من جهتها عدلت الحكومة الألمانية توقعاتها للنمو للعامين 2024م و2025م في تقرير الربيع حول تطورات الاقتصاد حيث رفعت من توقعات النمو للعام الجاري بنحو 0.1 نقطة مئوية الى 0.3 في المئة فيما خفضت توقعات النمو للعام القادم الى واحد في المئة فقط. وصرح روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الاتحادي ان التضخم في ألمانيا سيستمر في التراجع ليصل هذا العام الى 2.4 في المئة بعد ان كان قد وصل العام الماضي الى 5.6 في المئة وعلى ان يتراجع في العام 2025م الى 1.8 في المئة.

     بالنسبة للاقتصاد العالمي رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته لنسب النمو لتصل الى 3.2 في المئة بزيادة قدرها 0.3 نقطة مئوية عن اخر تقرير للصندوق، واعتبرت Kristina Georgiewa، رئيسة صندوق النقد الدولي، انه وبهذه النسبة من النمو المتوقع ” تجنبنا ركودًا عالميًا وأيضًا مرحلة من الركود والتضخم معًا”، الا انها استدركت قائلة ” ان الحقيقة المخيبة للآمال هي أن النشاط الاقتصادي العالمي ضعيف بالمقارنة مع متوسط النمو التاريخي”، حيث بلغ نمو الاقتصاد العالمي في العام الماضي نسبة 3.2 في المئة، وهي نفس النسبة المتوقعة للنمو هذا العام والعام القادم ايضًا، وهو ما لا يعد كثيرًا بالنسبة للمعايير العالمية حيث بلغ متوسط نمو الاقتصاد العالمي التاريخي  3.8 في المئة سنويًا.

     وعلى مستوى الاقتصاديات الكبرى واقتصاديات الدول الصناعية يتوقع صندوق النقد الدولي ان تحقق الهند اعلى مستوى للنمو في العام الحالي والعام القادم بنسبة 6.8 في المئة و6.5 في المئة على التوالي تليها الصين بنسبة نمو في 2024م تبلغ 4.6 في المئة وفي 2025م بنسبة 4.1 في المئة والولايات المتحدة بنمو متوقع العام الجاري بنسبة 2.7 في المئة و1.9 في المئة في العام المقبل، اسبانيا 1.9 في المئة و2.1 في المئة للعامين 2024م و2025م، كندا 1.2 في المئة و2.3 في المئة، اليابان 0.9 في المئة و1 في المئة، فرنسا 0.7 في المئة و1.4 في المئة، إيطاليا 0.7 في المئة للعامين الحالي والقادم اما بريطانيا فيتوقع ان تسجل نموًا في العام 2024م بنسبة 0.5 في المئة و 1.5 في المئة العام 2025م.

     في سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات) ان العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تستطع الالتزام بالقواعد المتعلقة بعجز الميزانية والدين العام في عام 2023م. وشهدت إحدى عشرة دولة عجزا يزيد على ثلاثة في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والمحدد من الاتحاد الأوروبي كحد اقصى للعجز المسموح به، وباستثناء قبرص والدنمارك وأيرلندا والبرتغال، أنفقت جميع دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين أموالاً أكثر من إيراداتها العامة، وسجلت إيطاليا أعلى عجز بنسبة 7.4 في المئة تليها المجر بعجز بلغ6.7 في المئة ورومانيا بنحو 6.6 في المئة، وبلغ عجز الميزانية الاتحادية في ألمانيا العام 2023م نسبة 2.5 في المئة.

     والى جانب قاعدة عدم تجاوز عجز الميزانية نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تنص قواعد الاتحاد الأوروبي ايضًا على ان لا تتجاوز نسبة الدين العام نسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي العام 2023م، ووفقا لمكتب الإحصاء الاوروبي، كانت نسبة الديون في 13 دولة في الاتحاد الأوروبي أكثر من 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت أعلى نسب الديون في عام 2023م، في اليونان بنسبة 161.9 في المئة وإيطاليا بنسبة 137.3 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي تليها فرنسا وإسبانيا وبلجيكا. وكانت أدنى نسبة لحجم الدين العام في إستونيا بنسبة 19.6 في المئة وبلغاريا بنحو 23.1 في المئة تليها لوكسمبورغ، الدنمارك، السويد بالإضافة إلى ليتوانيا. وبلغت نسبة الدين العام في ألمانيا العام 2023م حوالي 63.6 في المئة من حجم ناتجها المحلي الإجمالي. ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، سيرتفع الدين العام في العديد من الدول الأوروبية مرة أخرى ولكن على عكس هذا الاتجاه، من المتوقع أن تنخفض نسبة الدين العام في ألمانيا تدريجيا حتى تقل عن نسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى اعتبارا من العام 2027م.

سوق العمل: تراجع البطالة والطلاب الأجانب أحد الحلول لمواجهة النقص في العمالة الماهرة

     تراجع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر مارس 2024م بنحو 45 ألف شخص ليبلغ اجمالي عدد العاطلين 2,769 مليون شخص. وعلى الرغم من هذا الانخفاض فانه اتى بمستوى أقل من المعتاد لهذه الفترة من العام. وبالمقارنة مع عدد العاطلين عن العمل في نفس الشهر من العام الماضي فان عدد العاطلين أعلى بنحو 176 ألف شخص. وانخفض معدل البطالة في مارس 2024م بنسبة 0.1 نقطة مئوية إلى 6 في المئة. وبالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي، ارتفع المعدل بنسبة 0.3 نقطة مئوية.  وأكدت Andrea Nahles، رئيسة وكالة العمل الاتحادية في تعليقها على تطورات سوق العمل في شهر مارس بالقول “لقد انخفضت معدلات البطالة في شهر مارس ولكن أقل من المعتاد خلال هذا الشهر حيث لا يزال الانكماش الاقتصادي يؤثر على سوق العمل. لكن بشكل عام، لا يزال سوق العمل في حالة جيدة نسبيًا”.

     فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة من 1 مارس إلى 24 مارس 2024م، 48 ألف شخص، أي أقل بمقدار 10 الاف شخص بالمقارنة مع الشهر السابق. وبحسب أحدث بيانات وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ اجمالي عدد المستفيدين من البرنامج خلال شهر يناير 2024م، حوالي 194 ألف موظف بعد ان كان عددهم 154 ألفًا في ديسمبر و175 ألفًا في نوفمبر. وبالنسبة الى عدد الوظائف الشاعرة المسجلة في وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ عددها في شهر مارس 2024م، 707 ألف وظيفة أي أقل بـ 70 ألفًا بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

     في جانب النقص في العمالة الماهرة الذي تعاني منه ألمانيا يعد الطلاب الأجانب عنصرًا مهمًا بشكل خاص بسبب إمكانية مساهمتهم في سد النقص في عدد العمال والمتخصصين من ذوي المهارات الموجود بشكل أساسي في الوظائف العلمية والتقنية. فوفقًا لبيانات معهد الاقتصاد الألماني (IW)، هناك نقص بنحو 285 ألف عامل ماهر في المهن التقنية. وفي تصنيف الدول الأكثر جذبًا للطلاب الاجانب، تحتل ألمانيا الآن المركز الرابع خلف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، وذلك بحسب البيانات الصادرة عن هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD) والمركز الألماني للأبحاث الجامعية والعلوم (DZHW). والتي تشير أيضا الى ان عدد الطلاب الأجانب المسجلين في مختلف الجامعات الألمانية في الفصل الشتوي 2022/2023م قد بلغ 368 ألف طالب وطالبة. ويأتي واحد من كل خمسة من الطلاب الاجانب من الصين أو الهند، وتبلغ حصة كل منهما حوالي 11 في المئة، وتأتي سوريا في المركز الثالث والنمسا في المركز الرابع وتركيا في المركز الخامس، حيث تبلغ حصة كل دوله من هذه الدول حوالي أربعة في المئة.

     ويتميز الطلاب الأجانب باتجاههم الى دراسة التخصصات التي يطلق عليها MINT مثل الرياضيات وعلوم الكمبيوتر والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، بنسبة أكبر من الطلاب الألمان، ففي الفصل الشتوي 2022/2023م، تم تسجيل حوالي 55 في المئة من الطلاب الأجانب للدراسة في إحدى هذه التخصصات، بينما كانت نسبة الطلاب الألمان أكثر قليلا من الثلث. وتظهر مساهمة الطلاب الأجانب الإيجابية في سوق العمل في ألمانيا من خلال الدراسة التي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والتي اشارت الى ان 45 في المئة من الطلاب الأجانب لايزالون يعيشون في ألمانيا بعد مرور عشر سنوات على بدء دراستهم. وفي مقارنة بالدول الصناعية، فإن كندا فقط هي التي تحقق قيمًا عالية مماثلة. الا ان هذه النسبة تظهر أيضا أن أكثر من نصف الطلاب الاجانب غادروا ألمانيا مرة أخرى، إما دون إكمال دراستهم أو كخريجين.

     وبحسب استطلاع لجمعية المانحين للعلوم الألمانية يأتي في أعلى قائمة الأسباب لمغادرة الطلاب الأجانب لألمانيا بعد تخرجهم صعوبة اللغة الألمانية، حيث اشتكى أكثر من واحد من كل ثلاثة مشاركين في الاستطلاع من عدم توفير المعلومات المهمة باللغة الإنجليزية، كما أفاد 20 في المئة أيضا من المستطلع آراؤهم بوجود صعوبات مع البيروقراطية الألمانية خصوصا مع سلطات الهجرة. هذا بالإضافة الى ان حوالي ثلث الطلاب الأجانب يجدون صعوبة في العثور على وظيفة، أحد أسباب ذلك هو افتقارهم إلى الخبرة العملية أو عدم قدرتهم على الوصول إلى أصحاب العمل المحتملين. وبالنسبة لبعض المشاركين في الاستطلاع الذين تركوا دراستهم أو غادروا ألمانيا مرة أخرى، تلعب المشكلات المالية دورًا أيضًا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة أو عدم تجديد التأشيرات. وبحسب الاستطلاع ايضًا فإن السبب الرئيسي للانتقال إلى بلد آخر بعد الدراسة في ألمانيا هو الفرص الوظيفية الأفضل الموجودة هناك.

خلافات الأحزاب حول قاعدة كبح الديون في الدستور الألماني

     في شهر مايو 2024م ستبلغ قاعدة كبح الديون عمر 15 عامًا حيث تم إقرار هذه المادة الدستورية في عام 2009م خلال فترة الحكومة الائتلافية بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر برئاسة المستشارة انجيلا ميركل، وتضع هذه المادة حدودًا صارمة لديون الدولة، حيث يُسمح للحكومة الاتحادية بالاقتراض بحد أقصى قدره 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. وهذا يعني 22.4 مليار يورو هذا العام. وبسبب كبح الديون، لا يُسمح للولايات الفيدرالية بتحمل أي ديون جديدة. فقط في أوقات الأزمات وفي حالة الطوارئ يسمح بالحصول على حجم ديون أكبر.

     وخلال العشر سنوات الأولى من عمر المادة الخاصة بكابح الديون ونتيجة نمو الاقتصاد وارتفاع عائدات الضرائب وانخفاض أسعار الفائدة حافظت الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات على سياسة كبح الديون دون أي مشاكل، الا انه ومع بداية جائحة كورونا العام 2020م والتكاليف العالية لمواجهة تبعاتها تم تعطيل المادة الخاصة بكابح الديون بموافقة البرلمان الاتحادي (البوندستاج) حتى العام 2023م، وقررت الحكومة الاتحادية العودة الى الالتزام بكابح الديون بداية من العام 2024م وهو ما واجة انتقادات من قبل العديد من السياسيين خاصة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر وعدد من الخبراء الاقتصاديين الذين يرون ان كابح الديون يعيق الاستثمارات ويعطل تمويل العديد من المشاريع الاستراتيجية خصوصا في مجال حماية المناخ والانتقال في الطاقة.

     ويتشارك في هذا الرأي أيضا العديد من الاتحادات وجمعيات رجال الاعمال مثل اتحاد الصناعات الألمانية (BDI)، والذين يشيرون إلى الاحتياجات الاستثمارية المرتفعة التي يتطلبها الوضع الاقتصادي الحالي لإعادة هيكلة الاقتصاد بما يتوافق مع حماية البيئة بالإضافة الى إعادة تسليح الجيش الألماني بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وكذلك تحديث البنية التحتية الأساسية. بالإضافة الى انه ليس أمام ألمانيا من خيار سوى مواكبة سباق دعم الاقتصاديات والشركات المحلية العالمي الذي أطلقته الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة. ويعتقد منتقدو قاعدة كبح الدين أن التحديات التي تفرضها التحولات والتحديات الجديدة في الاقتصاد العالمي لا يمكن التصدي لها ضمن حدود الدين الصارمة التي تفرضها قاعدة كبح الديون، والتي تجعل ايضًا أي شكل من أشكال التخفيضات الضريبية مستحيلا تقريبا. ولهذا السبب يطالبون بإصلاح المادة وتخفيف القيود على قدرة الحكومة على الاقتراض.

     في الجهة المقابلة أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة Friedrich-Naumann، وأعلن عن نتائجها Lars Feld، المستشار الاقتصادي لوزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر والرئيس السابق للجنة حكماء الاقتصاد، أن قاعدة كبح الديون تتعرض للانتقاد بدون وجه حق، بل إنها بالأحرى كانت “مرساة استقرار لاقتصاد السوق الاجتماعي”، وأنها ساهمت بشكل أساسي في تقليل الديون وزيادة القدرة على الانفاق بمستواها الحالي. وأضاف Feld “ليس لقاعدة كبح الديون تأثير سلبي على الاستثمارات العامة”، لذلك، فإنه لا يُعتبر منطقيًا تخفيف قاعدة تقييد الديون من أجل تعزيز الاستثمارات العامة، إذ أنه “ليس من المنطق تغيير شاشة الهاتف الذكي عندما تتعطل البطارية.”

     وفي هذا المجال خلصت الدراسة التي حملت عنوان “كبح الديون – ضمان لسياسة الميزانية المستدامة”، والتي تعد أول دراسة تجريبية لتأثير كبح الديون الألمانية، بحسب معدي الدراسة، الى أربع نتائج رئيسية:

  • أن كابح الديون كان مسؤولا عن ضبط الميزانية بنجاح في السنوات التي تلت تطبيقه. حيث لم يتحقق ضبط الأوضاع المالية من خلال ارتفاع النمو فحسب، بل وأيضاً من خلال قاعدة الدين ذاتها. حيث انه وبدون كابح الديون كان الدين العام في ألمانيا سيرتفع بمقدار 20 نقطة مئوية في حدود العام 2021م.
  • وفقا للدراسة، كان على الحكومة الاتحادية دون كبح الديون، أن تدفع أيضا مبالغ أكبر بكثير مقابل الفوائد على الديون الجديدة، “وعندها كان لا بد من تمويل هذه التكاليف من خلال زيادة الايرادات أو خفض النفقات”.
  • لم تستفد ألمانيا من انخفاض الديون وانخفاض تكاليف الفائدة في الماضي فحسب، بل إنها لا تزال تستفيد من ذلك حتى اليوم. “لولا كابح الديون، لكان نطاق وإمكانية إنفاق الحكومة الاتحادية أقل اليوم”.
  • وفقا لمؤلفي الدراسة، فإن الانتقادات الأكثر شيوعا وشدة لقاعدة الديون غير مبررة حيث لم تكن قاعدة كبح الديون عائقا للاستثمار. وتقول الدراسة “على عكس مما يُسمع في كثير من الأحيان، لا يمكن إثبات أن كبح الديون أدى إلى انخفاض استثمارات الحكومة الاتحادية”.

     وتدعم نتائج هذه الدراسة موقف كريستيان ليندنر وزير المالية الاتحادي وزعيم الحزب الديمقراطي الحر المؤيد لبقاء المادة الخاصة بكبح الديون والالتزام بها بدون تعديل، والذي يرى انه وبمجرد تخفيف القيود المفروضة على الديون، فإن الأبواب سوف تُفتح بشكل متزايد أمام جميع أنواع الديون وفي النهاية لن يكون هناك سوى المزيد من الديون، ولكن لن يكون هناك المزيد من الاستثمارات. كما يقول كريستوف ماير، نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر “ان الدراسة تُظهر أن كبح الديون منطقي من الناحية الاقتصادية، وهو عادل للأجيال القادمة ويعمل في مصلحة المواطنين، وانه ليس حقيقيًا أن كبح الديون يؤدي إلى استثمار أقل أو أن الدولة لا تستطيع القيام بمهامها دون ديون”.

التطورات الديموغرافية في ألمانيا حتى العام 2040م

     تشير أحدث دراسة عن التطورات الديموغرافية في ألمانيا حتى العام 2040م أجرتها مؤسسة Bertelsmann Stiftung ان التركيبة السكانية في ألمانيا سوف تتغير بشكل ملحوظ خلال السنوات القادمة، حيث سوف ينمو عدد السكان في عدد من الولايات الفيدرالية فما سيتقلص عدد سكان عدد اخر من الولايات بشكل كبير. ووفقا للدراسة فسوف يبلغ عدد سكان ألمانيا في العام 2040م، حوالي 83.67 مليون شخص ويمثل ذلك زيادة بنسبة 0.6 في المئة مقارنة بعام 2020م، وتساوي هذه النسبة حوالي نصف مليون نسمة. ويوضح معدو الدراسة ان هذا العدد المتوقع من السكان هو أقل من العدد المقدر للسكان في ألمانيا في العام 2023م بحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، ويرجعون ذلك إلى ان النمو السكاني في ألمانيا لا يسير في خط تصاعدي، وان العدد الإجمالي للسكان سينخفض ​​مرة أخرى بعد زيادة لفترة قصيرة.

     وتعد أبرز نتائج الدراسة توقع انخفاض عدد السكان بشكل كبير في ولايات شرق ألمانيا بحلول العام 2040م، والذي سيبلغ في ولاية ساكسونيا-أنهالت نسبة 12.3 في المئة والذي سيعد أكبر انخفاض سكاني في جميع الولايات الفيدرالية ومن ثم تأتي ولاية تورينجن والتي سينخفض عدد سكانها بنسبة 10.9 في المئة بحلول العام 2040م، كذلك سينخفض عدد سكان ولاية مكلنبورج- فوربومرن بنسبة 7.3 في المئة. في الجهة المقابلة سيرتفع عدد سكان برلين بنسبة 5.8 في المئة في نفس الفترة وكذلك ولاية بادن-فورتمبيرج بنسبة 4.6 في المئة وولاية بافاريا بنسبة 4.4 في المئة وولاية هامبورج بنسبة 3.5 في المئة.

     وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة إن ألمانيا تتقدم في السن أكثر فأكثر وهو ما سيكون له عواقب وخيمة خصوصا على سوق العمل حيث ان عدد السكان في سن العمل آخذ في الانخفاض وسيكون هناك نقص في العمالة في ألمانيا في السنوات والعقود القليلة المقبلة.  ويقدر الباحثون أنه بين عامي 2020م و2040م، سينخفض ​​عدد الأشخاص القادرين على العمل في الفئة العمرية من 25 إلى 44 عامًا بنحو 1.6 مليون شخص وهو ما يمثل تراجعًا بنسبة 7.7 في المئة، وفي الفئة العمرية من 45 إلى 64 عامًا، يتوقعون أن يتقلص العدد بمقدار 3.2 مليون شخص وبنسبة تراجع تبلغ 13.3 في المئة. ويظهر هذا التراجع في حجم القوة العاملة في ألمانيا في الولايات الشرقية بشكل أكثر وضوحًا، وهنا أيضاً تبرز ولاية ساكسونيا-أنهالت والتي يتوقع الباحثون أن عدد الأشخاص القادرين على العمل في الفئة العمرية من 25 إلى 64 عامًا سينخفض فيها ​​بنسبة 23.6 في المئة.

     وتتوافق نتائج وتوقعات دراسة مؤسسة Bertelsmann إلى حد كبير مع بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي والذي يتوقع أن ينخفض ​​عدد الأشخاص في سن العمل بشكل كبير، خاصة في شرق ألمانيا على الرغم من الهجرة، وأشار خبراء مكتب الإحصاء الاتحادي الى حقيقة ان عدد الولادات في ولايات شرق ألمانيا انهار بعد إعادة التوحيد بالإضافة الى هجرة عدد كبير نسبيا من الناس خصوصا من فئة الشباب الى الولايات الغربية في العقود الماضية. وقالت Bettina Sommer، خبيرة التنمية السكانية في مكتب الإحصاء الاتحادي “حتى مع ارتفاع معدلات الهجرة نسبياً، كما نلاحظ حالياً، لا يمكن تعويض الخسائر المرتبطة بتراجع عدد السكان في سن العمل”.

     احدى الدلالات الهامة لتراجع حجم القوة العاملة بالرغم من نمو عدد السكان ولو كان طفيفا هو أن المجتمع يشيخ بشكل متزايد. ووفقا لحسابات مؤسسة Bertelsmann، فإن الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فما فوق كانوا يشكلون ما يقرب من 22 في المئة من إجمالي السكان في عام 2020م. وفقا للتوقعات، فان هذه النسبة ستصل في العام 2040م، إلى ما يقرب من 28 في المئة. وعلى الرغم من الاختلافات في هذه النسبة بحسب الولايات المختلفة الا ان هذه الزيادة ستشمل كل الولايات الفيدرالية تقريبًا. ويرجع ذلك أساسًا إلى أن جيل طفرة المواليد الذي شهده عقد الستينات من القرن الماضي سوف يتقاعدون خلال السنوات القليلة القادمة. وتشير التوقعات إلى أن عدد الأشخاص من متلقي المعاشات التقاعدية سيرتفع بشكل حاد إلى حوالي 16.2 مليون شخص بحلول عام 2035م، في حين كان هذا العدد قد بلغ حوالي 12.3 مليون شخص في العام 2020م. بالإضافة الى ذلك ستشمل التغيرات الديموغرافية في ألمانيا متوسط العمر حيث سيرتفع هذا المتوسط في عموم ألمانيا 1.2 سنة ليصل إلى 47.1 عامًا بحلول عام 2040م.الا ان هذا المتوسط يشهد اختلافات كبيرة بين الولايات الفيدرالية قد تصل الى ما يقرب من 10 سنوات. ففي ولايتي هامبورج وبرلين سيبلغ متوسط العمر في العام 2040م، حوالي 43 عامًا. بينما سيتراوح هذا المتوسط في اغلب ولايات شرق ألمانيا بين 52 و53 عامًا.

     ويري باحثو مؤسسة Bertelsmann ان لهذه التطورات الديموغرافية عواقب وتأثيرات كبيرة ليس فقط على حجم العمالة ولكن أيضًا على أنظمة التقاعد والحاجة إلى الرعاية. ودعا Ralph Heck، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، مؤكدًا على ” الحاجة إلى استراتيجيات هادفة لبناء بنية تحتية مناسبة للأجيال الأكبر سنا والتغلب على التحديات الاقتصادية الناجمة عن ذلك”.

تزايد اعتماد ألمانيا على استيراد المواد الخام والمواد الصناعية الأولية

     مع تزايد الازمات والتحديات الجيوسياسية خلال السنوات الأخيرة والتي منها على سبيل المثال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب في الشرق الأوسط والتوترات بين الصين وتايوان أسبابًا لتزايد المخاوف حول أمان سلاسل التوريد ومدي تبعية واعتماد ألمانيا والشركات الألمانية على عدد محدود من الدول والموردين لتزويدها بالمواد الخام والمواد الصناعية الأولية. وبحسب دراسة جديدة أجرتها شركة Deloitte للاستشارات فان اعتماد الشركات الألمانية على استيراد المواد الخام الهامة مثل الليثيوم والسيليكون والكوبالت وكذلك المنتجات الصناعية الأولية مثل البطاريات وأشباه الموصلات قد زادت خلال العشر السنوات الماضية.

     وتؤكد الدراسة أيضًا ان سلاسل التوريد لنحو نصف الشركات الألمانية تأثرت في عام 2023م بندرة المواد الخام، وكان ثلاثة أرباع هذه الشركات متأثرة أيضًا بارتفاع أسعار المواد الخام. كما ارتفعت مخاطر اضطراب سلاسل التوريد للشركات في ألمانيا فعلى سبيل المثال في حال تصاعد الصراع بين الصين وتايوان او حدوث كوارث طبيعية في البلدين فان ذلك “سيؤثر على ضمان 24 في المئة من واردات ألمانيا من كربونات الليثيوم و41 في المئة من واردات بطاريات الليثيوم و33 في المئة من واردات أشباه الموصلات والشرائح الإلكترونية”. وتتفاوت درجة اعتماد ألمانيا على المواد الخام والمواد الصناعية المختلفة فمثلا تعتمد ألمانيا على 70 في المئة من وارداتها من مادة كربونات الليثيوم والتي تستخدم في صناعة الالمونيوم من دولتين هما تشيلي بنسبة 47 في المئة والصين بنسبة 24 في المئة والتي كان نصيبها من واردات ألمانيا من هذه المادة لا يتجاوز نسبة واحد في المئة العام 2013م. ويرتفع اعتماد ألمانيا في وارداتها من بطاريات الليثيوم من الصين الى 41 في المئة بعد ان كانت هذه النسبة تصل قبل عشر سنوات الى 27 في المئة فقط. في أشباه الموصلات والشرائح الالكترونية تعتمد ألمانيا على وارداتها من أسيا بشكل كبير حيث تحصل على 23 في المئة من حاجتها من هذه المواد الصناعية الأولية من تايوان و13 في المئة من ماليزيا و10 في المئة من الصين و8 في المئة من الفلبين وكذلك نفس النسبة من تايلند.    وتزداد اعتمادية ألمانيا على بعض المعادن والمواد الخام الى درجة كبيرة خصوصا في المعادن التي تحتكر الصين انتاجها ويشمل ذلك بدرجة رئيسية الجاليوم والجرمانيوم، اللذان يعتبران عنصرين مهمين لصناعة أشباه الموصلات والتي تعتمد ألمانيا بنسبة 83 في المئة من واردتها من هذين المعدنين على الصين، بالإضافة إلى المواد الخام النادرة مثل براسيوديم، نيوديميوم، تيربيوم وديسبروسيوم، والتي تشكل جزء أساسيًا لا يستغنى عنه في تصنيع المحركات الكهربائية وتوربينات الرياح والتي تبلغ نسبة احتكار الصين لإنتاج وتجارة هذه المواد نسبة 87 في المئة.

     وتمثل الإشكالية في احتكار الصين لإنتاج العديد من المواد الخام والمعادن النادرة في إمكانية استخدامها في بعض الأحيان من قبل الحكومة الصينية في الصراعات الجيوسياسية ويظهر ذلك جليا من خلال تقييد الصين المؤقت لصادراتها من الجاليوم والجرمانيوم بداية من أغسطس2023م لعدة أشهر وهو ما أدى الى نقص كبير في المعروض من هذين المعدنيين في الأسواق لمدة أربعة أشهر، ويعود عدم حدوث أزمات خطيرة  في صناعة أشباه الموصلات إلى ان الشركات اليابانية الكبيرة المصنعة لأشباه الموصلات كانت قد قامت ببناء مخزون كاف من هذين المعدنيين مسبقًا.

     وينتقد معدو الدراسة التفاؤل الزائد التي تظهره الشركات الصناعية الألمانية في موضوع استلامها حاجتها من المواد الخام والمواد الصناعية الأولية في الوقت المناسب، وينتقدون أيضًا، وباستثناء القليل من الحالات، ان الشركات الألمانية لا تقوم بإنشاء مخزونات استراتيجية من هذه المواد كما تفتقر إلى إدارة المخاطر المناسبة “بالطبع، يرتبط بناء المخزونات بتكاليف إضافية، لكن التكاليف ستكون أغلى في حال توقف الإنتاج بسبب نقص المواد الخام.”   ويسعى الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذه الاعتمادية المتزايدة على واردات المواد الخام ولهذا قدمت المفوضية الأوروبية قانون المواد الخام الحيوية والذي وفقًا له، لا يجوز أن تأتي أكثر من 70 في المئة من الاحتياجات السنوية للمواد الخام الاستراتيجية من دولة واحدة خارج الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030م.