واصل مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني التحسن الذي بدأه في الشهر الماضي حيث ارتفع مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى 93.0 نقطة في مايو، بعد ان كان قد سجل 91.9 نقطة في أبريل. ويرجع هذا التحسن قبل كل شيء الى ان الشركات كانت أكثر رضا بشكل ملحوظ عن مستوى أعمالها الحالية. ومن ناحية أخرى، لم تتغير توقعات الاعمال خلال الأشهر القادمة كثيرا حيث ما تزال العديد من الشركات الألمانية متشككة حول كيفية تطور اعمالها على المدى القريب.  وقد وصف Clemens Fuest رئيس معهد ifo  تحسن مناخ الاعمال في شهر مايو بانه دليل على ان “الاقتصاد الألماني اثبت أنه قوي على الرغم من مخاوف التضخم ونقص المواد الأولية والحرب في أوكرانيا”. مؤكدا على انه “لا توجد حاليا أي دلالات او مؤشرات على احتمال حدوث ركود اقتصادي خلال الأشهر القادمة”.

     في قطاع الصناعة، ارتفع مؤشر الاعمال بشكل ملحوظ حيث وصل الى مستوى 2.8 نقطة بعد ان سجل في شهر ابريل الماضي مستوى -0.7 نقطة. وقد قيمت الشركات العاملة في القطاع الوضع الحالي لمستوى اعمالها بشكل أفضل إلى حد ما. كما زادت توقعات مستوى الاعمال خلال الفترة القادمة حتى مع استمرار نوع من التشكك وحالة عدم اليقين بسبب اثار حرب أوكرانيا.

     كما تحسن مناخ الأعمال في قطاع الخدمات بشكل ملحوظاً حيث ارتفع المؤشر الى مستوى 8.1 نقطة في مايو من مستوى 5.5 نقطة في شهر ابريل السابق وهي أكبر زيادة شهرية في المؤشر منذ يونيو 2021م. وكان مقدمو الخدمة أكثر رضا بشكل ملحوظ عن مستوى أعمالهم الحالية. من جهة اخرى عادت توقعات شركات القطاع إلى التشاؤم مرة أخرى، خصوصا لدي شركات النقل والخدمات اللوجستية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة المتزايد.

     في قطاع التجارة، ارتفع مؤشر مناخ الأعمال مرة أخرى بعد انخفاضين لشهرين على التوالي حيث ارتفع المؤشر الى مستوى – 10.8 نقطة في مايو من مستوى – 13.2 نقطة، حيث تحسن رضا الشركات عن مستوى اعمالها في الوقت الحاضر. كما حصل تحسن طفيف على توقعات مستوى الاعمال في الأشهر القادمة مع بقائها متشائمة بشكل عام.

     في قطاع البناء، تعافى مناخ الأعمال إلى حد ما بعد التراجع الكبير الذي شهده في أبريل، حيث ارتفع المؤشر الى (- 13.4 نقطة) من مستوى (– 20 نقطة)، وهنا أيضا كان لمستوى رضا شركات البناء عن أعمالهم الحالية الدور الأساسي في تحسن المؤشر خصوصا مع بقاء الشركات متشككة بالنسبة للأعمال خلال الأشهر القليلة القادمة.

     كذلك شهد مؤشر ifo لتوقعات التصدير في شهر مايو تحسنا حيث ارتفع المؤشر الى مستوى 4.5 نقطة من مستوى 3 نقاط المسجل في شهر ابريل الماضي، وذلك على الرغم من المشاكل اللوجستية التي تواجها الصناعة الألمانية في الوقت الحاضر الى جانب نقص المواد الأولية المستمر منذ فترة.

     ومن مؤشرات التعافي التوقعات بنمو قطاع الصادرات لصناعة السيارات مرة أخرى، مع ان المصنعين لا يتوقع حاليًا حدوث نمو كبير في المبيعات الخارجية.  كما لا يزال مصنعو المعدات الكهربائية يتوقعون نموًا ثابتًا في الصادرات ويسود تفاؤل حذر في شركات صناعة المعدات والآلات فيما يتعلق بمستوى صادراتها خلال الأشهر القادمة، بينما يتوقع مصنعو المواد الغذائية حدوث انخفاض طفيف في الصادرات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، كما هو الحال أيضا بالنسبة لتوقعات شركات صناعة النسيج التي تتوقع أيضا تراجعا محدوداً في صادراتها.

     في سياق متصل ارتفع معدل التضخم في ألمانيا خلال شهر أبريل الى مستوى 7.4 في المئة، وهو الأعلى منذ أكثر من أربعين عاماً، وذلك وفقا لمكتب الإحصاء الاتحادي. وترجع معدلات التضخم العالية هذه الى اثار الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير الى جانب اختناقات التسليم للمواد الأولية والمواد الوسيطة.

     وشهد شهر ابريل 2022م، ارتفاع إجمالي في أسعار السلع بنسبة 12.2 في المئة مقارنة بشهر أبريل 2021م، وارتفعت بشكل خاص أسعار الطاقة بمتوسط 35.3 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. فبالإضافة إلى آثار الحرب والأزمة في أوكرانيا، كان للزيادة في ضريبة ثاني أكسيد الكربون في بداية العام من 25 يورو إلى 30 يورو لكل طن من ثاني أكسيد الكربون أيضًا تأثير. حيث تضاعفت تقريبا أسعار زيت التدفئة الخفيف (وصلت الزيادة إلى 98.6 في المئة). كما كان على المستهلكين أن يدفعوا أكثر بكثير للبنزين والذي ارتفعت أسعاره في ابريل أيضا بنسبة 38.5 في المئة، الى جانب الغاز الطبيعي الذي ارتفع بنسبة 47.5 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة 19.3 في المئة. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل فوق المتوسط ​​في أبريل وبنسبة 8.6 في المئة.

     ووفقًا لخبراء اقتصاديين، يجب على المستهلكين في ألمانيا الاستعداد للتكيف مع معدلات التضخم المرتفعة في الوقت الحالي، حيث يتوقعون أن يبلغ متوسط ​​معدل التضخم أكثر من ستة في المئة بالنسبة لعام 2022 ككل، وهو ما سيمثل أعلى معدل تضخم سنوي منذ إعادة توحيد ألمانيا.

      من جهتها تتوقع المفوضية الأوروبية، ونتيجة للحرب في أوكرانيا، انخفاضًا ملحوظًا في النمو الاقتصادي وارتفاعًا حادًا في الأسعار في دول منطقة اليورو، حيث تتوقع المفوضية نموا في منطقة اليورو بواقع 2.7 في المئة للعام 2022م، بعد ان كانت التوقعات السابقة تشر الى نمو بواقع 4 في المئة. اما بالنسبة لألمانيا، فقد خفضت المفوضية تقديراتها السابقة للنمو الاقتصادي في عام 2022م، من 3.6 في المئة إلى 1.6 في المئة فقط.  وبحسب المفوضية فإن الحرب “جلبت تحديات جديدة في الوقت الذي كانت فيه اقتصاديات دول الاتحاد تتعافى من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا”. واوضح نائب رئيس المفوضية الأوروبية Valdis Dombrovskis إن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة دفع التضخم إلى “مستويات قياسية” وفرض ضغطًا على الشركات والأسر الأوروبية.

     وتشير تقديرات المفوضية الى أن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا سيكون لها تأثير كبير على تطورات الأسعار، إذ وبحسب التوقعات الحالية، فإن معدل التضخم في منطقة اليورو سيرتفع إلى 6.1 في المئة هذا العام. وقال مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية في الاتحاد الأوروبي Paolo Gentiloni ” ان الهجوم الروسي على أوكرانيا يضغط على الانتعاش الاقتصادي في أوروبا”، حيث أدى الصراع إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتفاقم مشاكل سلسلة التوريد. وأكد Gentiloni أن التضخم سيظل مرتفعًا لفترة زمنية طويلة نسبياً، فوفقًا لمفوضية الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن يتجاوز التضخم في منطقة اليورو في العام 2023م، الحد الأعلى الذي وضعه البنك المركزي الأوروبي (ECB) والبالغ 2 في المئة مع معدل تضخم متوقع قدره 2.7 في المئة. بالنسبة لألمانيا، تتوقع المفوضية الاوروبية معدل تضخم يبلغ 6.5 في المئة في عام 2022م، مع التوقع أن ينخفض ​​إلى 3.1 في المئة في العام القادم 2023م.

سوق العمل: استمرار انخفاض عدد العاطلين عن العمل وعدد العاملين في ألمانيا يعود الى مستوى ما قبل ازمة كورونا

     مع استمرار تخفيف إجراءات كورونا، يستمر التعافي في سوق العمل حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل في شهر ابريل بنحو 53 ألف شخص ليصل مجموع عدد العاطلين عن العمل الى 2309000 شخص، ويمثل هذا العدد من العاطلين اقل بنحو 462 ألف شخص مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، كما انخفض معدل البطالة من مارس إلى أبريل بنسبة 0.1 نقطة مئوية إلى 5 في المئة، وبالتالي فهو أقل بمقدار نقطة مئوية واحدة عن نفس الشهر من العام الماضي. وقال Detlef Scheele، رئيس مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية الفيدرالية (BA)، انه “وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في سوق العمل، مع ذلك فإن التطور يتباطأ بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا”.

      في برنامج العمل بدوام مختصر بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة الممتدة بين 1 و27 ابريل 120 ألف شخص. وبحسب بيانات وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ عدد الأشخاص الذين استلموا تعويضات من برنامج الدوام المختصر في شهر فبراير الماضي حوالي 723 ألف شخص.

     علاوة على ذلك اظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ان اجمالي عدد العاملين والموظفين في ألمانيا في الربع الأول من العام 2022م قد بلغ حوالي 45.1 مليون موظف وعامل، ويمثل هذا العدد زيادة بنحو 217 ألف شخص او ما نسبته 0.5 في المئة مقارنة بمجموع العاملين في الربع الرابع من العام 2021م.   كما ان عدد العاملين في الربع الأول من العام الجاري يعد أكبر بنحو 43 ألف شخص او ما نسبته 0.1 في المئة مقارنة بالربع الرابع من العام 2019م، الربع الأخير قبل بدء القيود بسبب جائحة كورونا في ألمانيا.

     بالإضافة الى ذلك وبالمقارنة بالربع الأول من عام 2021م، ارتفع عدد الأشخاص العاملين في الربع الأول من العام 2022م على أساس سنوي بمقدار 687 ألف شخص أي ما نسبته 1.5 في المئة وهو ما يعتبر أكبر زيادة في التوظيف في ألمانيا منذ الربع الثاني من العام 2007 والذي ارتفع فيه عدد العاملين بمقدار 700 ألف شخص او ما نسبته 1.8 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام الذي سبقه، وترجع الزيادة الكبيرة في عدد العاملين في ذلك الوقت الى اصلاح منظومة الرعاية الاجتماعية والمعروفة ب (Hartz-Reformen).

     وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من الإجراءات لاحتواء جائحة كورونا وتدفق اللاجئين من أوكرانيا منذ مارس أدى إلى زيادة عدم اليقين عند تقدير عدد الأشخاص العاملين. ومع ذلك، فإن الزيادة في المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر، والتي تراجعت مرة أخرى في هذه الأثناء، ليس لها أي تأثير على عدد الأشخاص العاملين، لأنه وفقًا لمفاهيم حساب التوظيف، لا يزال المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر يُحتسبون كموظفين.

     وقد ساهمت قطاعات الخدمات بشكل رئيسي في زيادة عدد الأشخاص العاملين في الربع الأول من عام 2022م مقارنة بالربع نفسه من العام السابق، حيث ارتفع عدد العاملين في قطاعات الخدمات المختلفة بنحو 650 ألف شخص أي ما نسبته 2 في المئة.  كانت أكبر مكاسب التوظيف في قطاع الخدمة العامة من مقدمي خدمات التعليم والصحة مع زيادة بحوالي 242 ألف موظف، وبنسبة 2.1 في المئة. يليها قطاع التجارة والنقل والضيافة مع زيادة بما يقرب من 190 ألف موظف وبنسبة 2 في المئة، ومقدمي خدمات الشركات، من نموذج وكلات التوظيف وتوفير العمالة، بزيادة 112 ألف موظف وبنسبة 1.9 في المئة.  في قطاع المعلومات والاتصالات، كان النمو في التوظيف أكثر ديناميكية حيث ارتفع عدد العاملين في هذا القطاع بحوالي 66 ألف شخص وبنسبة زيادة تصل الى 4.7 في المئة.

     في الصناعة (باستثناء البناء)، ارتفع عدد الأشخاص العاملين في الربع الأول من عام 2022م بشكل طفيف على أساس سنوي للمرة الأولى منذ الربع الثالث من عام 2019م، اذ ازداد عدد الموظفين في القطاع بنحو 14 ألف موظف فقط وبنسبة 0.2 في المئة. فيما استمر تحقيق مكاسب التوظيف في قطاع البناء والذي زاد عدد العاملين فيه ب 30 ألف شخص وبنسبة 1.2 في المئة. وعلى العكس من اتجاه ارتفاع عدد الموظفين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، انخفض عدد العاملين في الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، بمقدار 7000 شخص، أي بنسبة 1.3 في المئة، وهو الانخفاض المستمر منذ فترة في هذه الصناعة.

     علاوة على ذلك اظهر تقرير مكتب الإحصاء الاتحادي ان عدد الموظفين الخاضعين للضمان الاجتماعي في الربع الأول من العام 2022م قد ارتفع مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، حيث وصل عدد المشمولين بالنظام الى 41.2 مليون موظف بزيادة بمقدار 719 ألف موظف او ما نسبته 1.8 في المئة، بما فيهم من عمال ذوي الأجور المنخفضة والعاملين بعقود قصيرة الأجل، بينما استمر عدد العاملين لحسابهم الخاص في الانخفاض، بما في ذلك العاملين في المشاريع الأسرية، حيث تراجع عددهم بنحو 32 ألف شخص وبنسبة 0.8 في المئة الى 3.9 مليون شخص.

زيادة الإيرادات الضريبية في ألمانيا العام 2022م وأكثر من ترليون يورو توقعات الإيرادات الضريبية للعام 2026م

     اظهر تقرير صادر عن وزارة المالية الألمانية عن تقديرات الإيرادات الضريبية للعام الجاري 2022م، زيادة في هذه الإيرادات بمبلغ 40.4 مليار يورو مقارنة بتقديراتها السابقة المعلنة في شهر نوفمبر الماضي.  ووفقاً للتقديرات الجديدة ستصل الإيرادات الضريبية للعام الجاري الى 889.3 مليار يورو تقريبا (375.1 مليار يورو إيرادات الضرائب المخصصة للحكومة الاتحادية، 345.2 مليار يورو إيرادات الضرائب المخصصة للولايات، 127.4 مليار يورو الضرائب التي تحصلها البلديات بالإضافة الى 41.6 مليار يورو الضرائب المخصصة لاتحاد الأوروبي).

     وبشكل اجمالي وبحسب توقعات وزارة المالية الجديدة سوف تحصل الدولة الألمانية على 220 مليار يورو كإيرادات ضريبية إضافية خلال السنوات الممتدة من 2022م وحتى العام 2026م. كما اشارت تقديرات الوزارة الى ان العائدات الضريبية للدولة الألمانية سوف تتجاوز حاجز الترليون يورو في العام 2026م، حيث تشير التقديرات الى ان هذه الإيرادات ستبلغ 1031.8 مليار يورو.

     وعلى الرغم من الأرقام الإيجابية لهذا التقديرات الا ان وزير المالية كريستيان ليندنر شدد على ان هذه التقديرات لم تأخذ بالحسبان التخفيضات الضريبية التي ستمنح للمواطنين والشركات لمواجهة ارتفاع التضخم ومخاطر حرب أوكرانيا الى جانب اثار جائحة كورونا المستمرة منذ عامين والتي قد تبلغ تكلفتها في العام 2022م حوالي 17 مليار يورو، وان يصل اجمالي كلفتها حتى العام 2026م أكثر من 51 مليار يورو.

     من جهة أخرى أعلن ليندنر بان وزارة المالية تخطط الى ان تبلغ الديون الجديدة للعام الحالي 138.9 مليار يورو، قبل ان تعاود الحكومة العمل “بكابح الديون” في العام القادم 2023م، والذي لا يتيح ان يتجاوز حجم الديون الجديدة للحكومة الاتحادية حاجز 7.5 مليار يورو في العام. معتبرا ان الإيرادات الضريبية الإضافية المتوقعة لن تحدث فرقا جوهرياً في الخطط الموضوعة لأوجه إنفاق الميزانية الألمانية خلال الأعوام القادمة، حيث سيتم إعادة توجيه الجزء الأكبر منها الى المواطنين الى جانب إمكانية تراجع حجم هذه الإيرادات الإضافية بشكل سريع إذا ساءت مشاكل سلسلة التوريد الناجمة عن عمليات الإغلاق في الصين، أو إذا تركت حرب أوكرانيا اثارا سلبية واضحة على الاقتصاد الألماني، كما يخشى بعض الاقتصاديين.

     ويعود الارتفاع في تقدير العائدات الضريبية للعام الجاري والاعوام القادمة، على الرغم من خفض الحكومة الألمانية لتوقعاتها بنمو الناتج المحلي الإجمالي  بنسبة 2.2 في المئة للعام 2022م وبنسبة 2.5 في المئة للعام 2023م، الى معدلات التضخم العالية وارتفاع أسعار السلع والذي عادة ما يؤدي الى زيادة الإيرادات الضريبية، خصوصا اذا لم يتراجع الميل للاستهلاك لدى المواطنين بدرجة كبيرة وهو ما لا يحدث في الوقت الحاضر  بسبب الوفورات والمدخرات التي تراكمت لدى المواطنين بعد تراجع الانفاق اثناء جائحة كورونا وسعي العديد منهم الى تعويض هذا التراجع في الاستهلاك إضافة الى تزايد انفاق الشركات بعد عودة الغالبية من موظفيها الى العمل من مكاتبهم بدل العمل من المنزل.

ارتفاع قياسي في أسعار العقارات في ألمانيا

     يستمر ارتفاع الأسعار في سوق العقارات الألماني بزخم مستمر، حيث اظهر تقرير لاتحاد بنوك الرهن العقاري الألمانية (VDP)، أن أسعار العقارات ارتفعت بنسبة 8.8 في المئة في الربع الأول من عام 2022م، مقارنة بالربع الأول من عام 2021م. وبهذا الارتفاع وصل مؤشر أسعار العقارات الخاص باتحاد بنوك الرهن العقاري الى مستوى 190.8 نقطة وهو مستوى قياسي بالمقارنة مع سنة الأساس للمؤشر في العام 2010م والذي يساوي 100 نقطة.

     ويعتمد المؤشر على تقييم ربع سنوي لبيانات معاملات العقارات من أكثر من 700 مؤسسة ائتمانية يقوم بها اتحاد البنوك (VDP)، وقال الرئيس التنفيذي لـ VDP، Jens Tolckmitt: “لا يزال سوق العقارات في ألمانيا في حالة صعود، على الرغم من أن جائحة كورونا لم تنته بعد، وكذلك بالرغم من الصدمة المقلقة للغاية التي تسببت بها الحرب الروسية على أوكرانيا “. وأضاف أنه حتى لو لم يكن هناك أي تأثير في الوقت الحالي على سوق العقارات المحلي، يبقى أن نرى إلى أي مدى سيتأثر السوق في الربعين الثاني والثالث من هذا العام.

     وقد سجلت العقارات السكنية مرة أخرى أقوى نمو في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حيث ارتفعت بنسبة 10.7 في المئة في جميع أنحاء ألمانيا. وارتفعت أسعار العقارات التجارية للمرة الثانية على التوالي بنسبة 1.8 في المئة، ومثلت أسعار العقارات المكتبية، التي ارتفعت بنسبة 3.9 في المئة في الربع الأول من عام 2022م مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، المحرك الأساسي لأسعار العقارات التجارية بشكل عام. من ناحية أخرى، تراجعت أسعار عقارات مبيعات التجزئة بنسبة 3.2 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

     هذا وكان رئيس VDP، Louis Hagen قد قال إنه من المتوقع أن تستمر أسعار العقارات في الارتفاع في السنوات المقبلة، وإن كان ذلك مع ديناميكية أقل. وأضاف Hagen إن ارتفاع أسعار الفائدة البنكية المتتالي وما يرتبط به من انخفاض القدرة على تحمل تكاليف العقارات السكنية سيكون لهما تأثير كابح على الطلب على العقارات، كما ان تراجع النمو الاقتصادي يمكن أن يؤثر على سوق العقارات التجارية. الا انه من ناحية أخرى، لا يمكن توقع تأثيرات سلبية ملحوظة على سوق العقارات السكنية إلا إذا كانت هناك زيادة هائلة في البطالة.

     ويفاقم ارتفاع أسعار العقارات في ألمانيا انخفاض عدد الشقق والمنازل المبينة خلال العام 2021م، وهو الانخفاض الأول مند العام 2011م، حيث تم انجاز بناء ما مجموعه حوالي 293000 شقة جديدة في عام 2021م، وهو ما يقل بنسبة 4.2 في المئة عن عام 2020م. بالرغم من ان تصاريح البناء الجديدة الصادرة في العام 2021م قد بلغت 380736 تصريح وبزيادة بنسبة 3.3 في المئة عن عدد التصاريح الصادرة في العام 2020م، الا ان الشقق والمباني المنجزة يبقى اقل مما تم التصريح به. وكانت الحكومة الألمانية قد وضعت انجاز بناء 400 ألف شقة ومنزل سنوياً كهدف من اجل معالجة النقص المزمن في عدد المنازل والشقق السكنية الذي تعاني منه ألمانيا خصوصا في المدن الكبرى.

     وقد شمل الانخفاض في المباني السكنية المنجزة في العام 2021م، كل أنواع المباني، حيث انخفض عدد المنازل الجديدة المخصصة لسكن أسرة واحدة العام الماضي بنسبة 10.4 في المئة إلى 78209 منزلًا، وتراجع عدد المنازل المخصصة لسكن العديد من الأسر بنسبة 3.6 في المئة إلى 147925 منزل. كذلك انخفض عدد المنازل المخصصة لسكن عائلتين بنسبة 1.7 في المئة إلى 20118 منزلاً.   ويرجع خبراء قطاع البناء هذا التراجع في انجاز المباني الى اختناقات التسليم ونقص المواد الخام، والزيادات الكبيرة في الأسعار نتيجة لزيادة الطلب على مواد البناء مثل الخشب والصلب وغيرها من المواد، الى جانب نقص الموظفين والعاملين المهرة في صناعة البناء.

أثار نقص المواد الأولية على قطاع الصناعة

     تتزايد عقود الطلبات لدي شركات قطاع الصناعة الألماني بشكل متزايد حتى وصلت قيمتها الى نحو 100 مليار يورو، وهو ما يكفي لان تستمر الشركات الصناعية في الإنتاج لعدة أشهر حتى دون تلقى أي طلبات إضافية، وبحسب استطلاع للرأي اجراه معهد ifo لنحو 2000 شركة صناعية فان شركات صناعة السيارات تأتي في مقدمة الشركات الصناعية التي لديها طلبات تكفي لان تستمر في الإنتاج لأكثر من سبعة أشهر دون تلقي أي طلب إضافي. تليها شركات صناعة المعدات والآلات والتي تكفي عقود الطلبات التي لديها لاستمرارها في الإنتاج لنحو ستة أشهر ونصف دون اية عقود إضافية.

     وعلى الرغم من ان هذا الحجم من الطلبات يدعو الى التفاؤل الا ان Thomas Hüne المسؤول في اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) لا يرى ذلك سببًا للاحتفال، اذ يؤكد انه “في الماضي، كنت ستشعر بالسعادة إذا كان لديك هذا الحجم من الطلبات، حيث كانت هناك دائمًا مشكلة في الطلب”. “الآن لدينا مشكلة في الإمداد، وهذا يعني أن الشركات ترغب في الإنتاج، لكنها تفتقر إلى المواد الأولية او المواد الوسيطة أو أنها تفتقر إلى العمال المهرة ولا يمكنها التعامل وتلبية جميع الطلبات التي لديها”.  ويضيف Hüne ” أحيانًا تكون أجزاء صغيرة مفقودة، فلقد واجهنا مشكلة النقص في أشباه الموصلات في العام الماضي، وفي ربيع العام الحالي واجهتنا مشكلة توقف واردات أحزمة الكابلات التي يتم إنتاجها في أوكرانيا”. ” وعلى سبيل المثال في صناعة المعدات والآلات، يكون لدى الشركات في بعض الأحيان مستودعات كاملة من آلات ومعدات على وشك الانتهاء، ولكن لا يزال جزء صغير أو آخر مفقودًا، وبدونه لا يمكن تسليمها.”

     مشكلة نقص المواد الأولوية والوسيطة التي تعاني منها حاليا شركات القطاع الصناعي الألماني مرشحة للتفاقم خلال الأسابيع القادمة نتيجة إجراءات الصين لمكافحة جائحة كورونا واستراتيجيتها القائمة على “صفر كوفيد” والتي بسببها تم الاغلاق الشامل والصارم للعديد من المدن الصينية، واحده من أهمها مدينة شانغهاي اهم الموانئ الصينية، حيث انه ومع عدم وجود عمال يستطيعون تفريغ وتحميل السفن، فبالكاد تغادر أي شحنات الموانئ الرئيسية في الصين. ويؤكد Timo Wollmershäuser من معهد ifo “ان 15 في المئة من المنتجات الأولية التي تشتريها ألمانيا تأتي من الصين. وتستغرق السفن عادة ستة أسابيع من حين مغادرة الصين حتى تصل الى الموانئ الألمانية “. لذلك فان الإغلاق الذي بدأ قبل بضعة أسابيع في الصين لن يظهر اثرة على واردات الشركات الألمانية من المواد الأولية إلا في الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين.

     ولمواجهة إشكالية نقص المواد الأولية تحاول الشركات الألمانية توسيع مجموعة الموردين بحيث لا تبقى معتمدة على عدد قليل من الموردين حيث تُنصح الشركات بعدم الاعتماد بشكل كبير على بلد واحد ومورد واحد الا ان تنويع وتوسيع بلدان التوريد يحتاج الى وقت طويل. هذا الى جانب زيادة التخزين والذي يخلق مشكلة إضافية حيث ان سعي الشركات الى بناء مستودعات تخزين كبيرة سيؤدي الى زيادة الطلب على المواد الأولية والتسبب في رفع أسعارها. ويستتبع هذه الزيادة في الأسعار ان تقوم بعض الشركات بتمرير جزء منها الى المستهلكين النهائيين والذين تتسبب إشكالية نقص المواد الأولية لهم في مشكلتين رئيسيتين: فترات الانتظار الطويلة للحصول على المنتجات المطلوبة وارتفاع الأسعار.