تحسن مناخ الأعمال للشركات الألمانية خلال شهر ديسمبر بشكل ملحوظ، حيث ارتفع مؤشر Ifo لمناخ الأعمال إلى 88.6 نقطة بعد ان كان قد سجل 86.4 نقطة في شهر نوفمبر الماضي. ويعود هذا التحسن الى ان الشركات قيمت مستوى أعمالها الحالي بشكل أفضل مرة أخرى. كما تحسنت توقعاتها بمستوى الأعمال خلال الأشهر القادمة، وهو ما رفع الآمال بأداء أفضل للاقتصاد الألماني خلال الشتاء الحالي والربع الأول من العام 2023م.
في قطاع الصناعة، تحسن مستوى المؤشر بشكل كبير حيث سجل في شهر ديسمبر مستوى (- 5.6 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-11.5 نقطة) في الشهر السابق. وقد تحسن مناخ الأعمال في جميع فروع الصناعة تقريبًا، وعلى وجه الخصوص، تحسنت توقعات الأعمال في الأشهر الستة القادمة، كما كانت الشركات أكثر رضا عن مستوى الأعمال الحالي.
في قطاع الخدمات، تحسن مناخ الأعمال في شهر ديسمبر بشكل ملحوظ مسجلا مستوى (- 1.2 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (- 5.3 نقطة) في شهر نوفمبر الماضي. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى تراجع التشاؤم فيما يتعلق بالأعمال في الأشهر الستة المقبلة. كما صنفت شركات قطاع الخدمات مستوى أعمالها الحالي بشكل أفضل.
كما ارتفع مؤشر مناخ الأعمال في قطاع التجارة في ديسمبر إلى أعلى مستوى له منذ يونيو 2022م، مسجلا مستوى (- 20 نقطة)، بينما كان قد سجل المؤشر مستوى (- 26.9 نقطة) في الشهر السابق. وقد قيمت الشركات وضع أعمالها الحالي بشكل إيجابي وذلك لأول مرة منذ أغسطس. كما تراجع تشاؤم الشركات بالنسبة لتوقعات الأعمال في الفترة القادمة. في قطاع البناء، تراجع مناخ الأعمال بشكل طفيف حيث سجل المؤشر (- 22.2 نقطة) متراجعاً من مستوى (- 21.5 نقطة) المسجل في شهر نوفمبر الماضي. وكانت الشركات أقل رضا عن مستوى الأعمال الحالية. وعلى الرغم من تحسن التوقعات بمستوى الأعمال في الأشهر القادمة الا انها ظلت في المجمل غير إيجابية.
في سياق متصل، تحسن مؤشر مناخ الأعمال لشركات التصدير في ألمانيا خلال شهر ديسمبر ليصل الى المستوى الأعلى له منذ ستة أشهر، حيث سجل المؤشر مستوى 1.6 نقطة، بينما كان المؤشر في شهر نوفمبر الماضي عند مستوى 0.9 نقطة. ويعد هذا التحسن في مناخ أعمال التصدير الثالث على التوالي.
وفي هذا المجال، تتوقع صناعة السيارات نمواً كبيراً في الصادرات وإن كان أقل بقليل مما كان عليه في الشهر السابق. من جانبها ترى الشركات العاملة في صناعة الإلكترونيات المزيد من الفرص في الأعمال التجارية الأجنبية. وكذلك الحال مع الشركات المصنعة للمشروبات. على العكس من هذا الاتجاه تتوقع شركات صناعة الكيماويات أن صادراتها سوف تنخفض خلال الفترة القادمة، وهو الأمر الذي تنتظره أيضا شركات قطاع صناعة المعادن، فيما لا تزال صناعة الأثاث متشائمة أيضًا بشأن الأعمال الأجنبية.
كما يتوقع معهد Ifo أن يتباطأ نمو الصادرات الألمانية بشكل كبير في العام المقبل 2023م، حيث يتوقع ان تنمو الصادرات بنسبة 3.9 في المئة فقط مقارنة بنمو الصادرات الألمانية خلال العام الجاري 2022م، والذي قد يصل الى 14.8 في المئة. ويرى خبراء المعهد ان ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، وأزمة الطاقة وارتفاع معدلات التضخم لها تأثير سلبي على مستوى الأعمال والنمو في العديد من أسواق المبيعات الرئيسية للسلع والبضائع الألمانية.
في جانب توقعات النمو الاقتصادي للعام الحالي والعام القادم يرى باحثو معهد Ifo ان الاقتصاد الألماني يتجه نحو الدخول في حالة ركود في هذا الشتاء كنتيجة مباشرة لارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة وانقطاع سلاسل التوريد، ومع ذلك، يتوقع المعهد أن هذا الركود سيكون على الأرجح أقل مما كان متوقعا في البداية. كما لا يُتوقع حدوث نمو اقتصادي حتى عام 2024م.
وفقاً لتوقعات معهد Ifo، سينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1 في المئة فقط في العام 2023م. بينما كانت توقعات معهد الاقتصاد الألماني (IW) أكثر تحفظاً إلى حد ما بشأن النمو في العام القادم إذ يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.75 في المئة. اما البنك المركزي الألماني (Bundesbank) فيرى أن الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا سينخفض في العام 2023م، بنسبة 0.5 في المئة. وبالرغم من ان جميع التوقعات تشير الى حدوث ركود اقتصادي في العام المقبل الا ان نسب هذه التوقعات قد تحسنت بالمقارنة مع التوقعات الصادرة قبل بضعة أشهر.
ويشير Timo Wollmershäuser، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في معهد Ifo، الى ان الطلب المرتفع حتى الآن على السلع والخدمات، سيكون له أثر في جعل الركود في فصل الشتاء أكثر اعتدالاً إلى حد ما مما كان متوقعاً، كما أنه من المرجح أن ينخفض معدل التضخم في العام القادم إلى 6.4 في المئة بسبب تطبيق برنامج السقف الأعلى لأسعار الكهرباء والغاز الذي أقرته الحكومة الاتحادية.
وقال Wollmershäuser إن الاقتصاد سجل اداءً “أفضل بكثير مما كان متوقعا” مع تسجيل نمو طفيف في الربع الثالث من العام 2022م. حيث اعتمد المستهلكون بشكل كبير على مدخراتهم للتعامل مع ارتفاع الأسعار، كما تم دعم الاستهلاك الخاص من خلال المساعدات الحكومية ورفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الرواتب. لذلك يتوقع باحثو معهد Ifo الآن نمواً اقتصادياً بنسبة 1.8 في المئة لعام 2022م، بدلاً من النسبة المتوقعة سابقاً والبالغة 1.6 في المئة.
في جانب أخر، وفي ظل الإنفاق الحكومي الهائل على التعامل مع أزمة كورونا والطاقة، سيتعين على الحكومة الاتحادية جمع أكثر من نصف تريليون يورو من اسواق رأس المال خلال العام المقبل. وذلك وفقاً لوكالة المالية المسؤولة عن إدارة الديون الحكومية Finanzagentur، حيث من المقرر إصدار أوراق مالية اتحادية (سندات حكومية) بمبلغ 539 مليار يورو، وهو ما سيعني تجاوز الرقم القياسي السابق البالغ 483 مليار يورو المسجل في عام 2021م. اما في العام الجاري 2022م، فقد طرحت الحكومة سندات مالية بقيمة 449 مليار يورو في الأسواق المالية.
وبحسب خبراء ماليين فإنه من الواضح أن الاحتياجات المالية للحكومة الاتحادية ستحقق أرقاماً قياسية في ظل الإنفاق الهائل لتخفيف أزمة الطاقة. ولا ترجع هذه الاحتياجات المالية للحكومة الى برامج المساعدات المختلفة، خصوصا برنامج مكابح أسعار الغاز والكهرباء وحسب، بل أيضا بسبب العجز المتوقع ان يظهر في الميزانية الاتحادية في العام القادم، بالإضافة إلى ان السندات الحكومية والأوراق المالية الاتحادية الأخرى التي يزيد حجمها عن 325 ملياراً سوف تستحق السداد في عام 2023م، وهو ما يجبر الحكومة على إعادة تمويلها.
ومن المتوقع ان تلفت السندات الحكومية الألمانية نظر العديد من المستثمرين الذين سينجذبون إلى ارتفاع أسعار الفائدة. خصوصا ان كثير من كبار المستثمرين في الأوراق المالية، مثل شركات التأمين ومديري الثروات من الأوراق المالية ذات الدخل الثابت، قد انسحبوا في فترة سابقة من أسواق الأوراق المالية بسبب انخفاض العوائد.
وفي نفس السياق، تخطط وكالة المالية Finanzagentur أيضًا لتوسيع مجال السندات الاتحادية الخضراء في العام القادم، وهي السندات التي تُستخدم لتمويل الإنفاق الصديق للبيئة. ويتراوح حجم هذه السندات ما بين 15 و17 مليار يورو.
سوق العمل: استقرار سوق العمل وعودة ارتفاع المسجلين في برنامج الدوام المختصر
انخفضت البطالة في نوفمبر 2022م، بنحو 8 الاف شخص مقارنة بالشهر السابق، ليصل اجمالي عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا إلى 2434000 شخص، الا ان هذا العدد من العاطلين يظل أعلى من العدد المسجل في شهر نوفمبر من العام الماضي بمقدار 117 ألف شخص. كما بلغ معدل البطالة في نوفمبر 2022م، 5.3 في المئة وهو نفس المعدل المسجل في شهر أكتوبر، الا انه يظل أيضا أعلى من معدل البطالة المسجل في نفس الشهر من العام 2021م بنحو 0.2 درجة مئوية.
اما في إطار عدد المسجلين في برنامج الدوام المختصر الحكومي فقد بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة من 1 إلى 24 نوفمبر2022م، نحو 82 ألف شخص. وبشكل اجمالي بلغ عدد الموظفين الذين حصلوا على تعويضات البرنامج بحسب أخر البيانات الصادرة عن وكالة العمل الاتحادية في شهر سبتمبر حوالي 157 ألف موظف وموظفة. اما في جانب الطلب على الموظفين الجدد، وعلى الرغم من أن الطلب لا يزال مرتفعا، إلا أنه قد ضعف مؤخرا بشكل ملحوظ، حيث تم تسجيل 823 ألف وظيفة شاغرة في وكالة العمل الاتحادية خلال شهر نوفمبر، بزيادة 15 ألف وظيفة بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي. الا انه وبالمقارنة مع الشهر السابق قد انخفض بحوالي 7 الاف وظيفة.
في سياق متصل اظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) ان عدد العاملين في شركات قطاع الصناعة التي توظف 50 شخصاً او أكثر قد وصل في نهاية شهر أكتوبر 2022م، الى ما يقرب من 5.5 مليون موظف وعامل، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 60 ألف موظف او ما نسبته 1.1 في المئة مقارنة بشهر أكتوبر 2021م. وهذا يعني أن عدد الموظفين في هذا القطاع قد زاد للمرة العاشرة على التوالي.
وارتفع عدد العاملين في صناعة المعدات الكهربائية بنسبة 4.4 في المئة وفي صناعة معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية بنسبة 3.7 في المئة وهو ما يعد ارتفعا بنسبة فوق المتوسط في أكتوبر 2022م، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. كما كان النمو في عدد الموظفين والعاملين أعلى من المتوسط في صناعة المعادن ومعالجتها بنسبة 2.1 في المئة، وفي صناعة المعدات والآلات بنسبة 1.2 في المئة. وفي صناعة الأغذية والأعلاف الحيوانية، كانت الزيادة في عدد الموظفين أقل بقليل من المتوسط عند 0.9 في المئة. من ناحية أخرى، انخفض عدد العاملين في صناعة السيارات وقطع غيارها بنسبة 0.8 في المئة.
علاوة على ذلك انخفض عدد ساعات العمل في قطاع الصناعة في أكتوبر 2022م، بنسبة 2.5 في المئة مقارنة بأكتوبر 2021م، إلى 661 مليون ساعة. وتجدر الإشارة إلى أن شهر أكتوبر 2022م، كان لديه يوم عمل واحد أقل من نفس الشهر في العام السابق، وفي بعض الولايات الفيدرالية حتى يومين عمل أقل. كما بلغ اجمالي الرواتب التي دفعتها شركات قطاع الصناعة لموظفيها في شهر أكتوبر 2022م، حوالي 24 مليار يورو. في الاثني عشر شهرًا الماضية، أي من نوفمبر 2021م إلى أكتوبر 2022م، ارتفع إجمالي الأجور بنسبة 4.5 في المئة مقارنة بالأشهر الاثني عشر السابقة.
ارتفاع مساهمة الفحم والغاز الطبيعي في انتاج الكهرباء
على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الغاز في الأسواق العالمية، ارتفعت مساهمة الغاز الطبيعي في انتاج الكهرباء في ألمانيا بشكل كبير في أشهر الصيف من العام الحالي 2022م. كذلك كانت الزيادة في توليد الطاقة الكهربائية من المحطات التي تعمل بالفحم أكثر وضوحًا، حيث أتى أكثر من ثلث انتاج الكهرباء في ألمانيا من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهو ما يجعله أهم مصدر لتوليد الكهرباء في ألمانيا.
وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، بلغت نسبة مساهمة الفحم في توليد الطاقة الكهربائية خلال الفترة الممتدة من شهر يوليو وحتى سبتمبر 2022م، نحو 36.3 في المئة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 13.3 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. كما ساهم الغاز الطبيعي في نفس الفترة بنسبة 9.2 في المئة من الطاقة الكهربائية المنتجة وبارتفاع بلغت نسبته 4.5 في المئة مقارنة بالربع الثالث من العام 2021م والذي بلغت مساهمة الغاز خلاله 8.8 في المئة.
كما جاء 7.4 في المئة من الكهرباء المنتجة في الربع الثالث من العام 2022م، من محطات الطاقة النووية، وهو ما يمثل انخفاضاً كبيراً بالمقارنة بالربع الثالث من العام الماضي حين بلغت نسبة مساهمة المحطات النووية في توليد الكهرباء نحو 14.1 في المئة. ويعود السبب في هذا الانخفاض الكبير الى إيقاف ثلاث من محطات الطاقة النووية الست التي لا تزال قيد التشغيل نهاية العام 2021م، كجزء من سياسة التخلي عن الطاقة النووية.
ونظراً للعدد الكبير غير المعتاد لساعات الشمس المشرقة، زادت نسبة الكهرباء المولدة عبر الطاقة الشمسية في الربع الثالث 2022م، الى 16 في المئة مقارنة بنسبة 13.3 في المئة المسجلة في نفس الفترة من العام السابق. كما ارتفعت نسبة مساهمة الرياح في انتاج الكهرباء خلال الربع الثالث من العام الحالي لتصل الى 16.8 في المئة، وان كانت هذه الزيادة غير كبيرة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق والتي بلغت 16.5 في المئة. كذلك ساهمت الطاقة الكهرومائية بنحو 2.9 في المئة من انتاج الكهرباء في المانيا في الربع الثالث من العام الحالي وهو ما يمثل انخفاضاً كبيراً مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي والتي بلغت مساهمة الطاقة الكهرومائية فيه 4.4 في المئة. ويعود هذا الانخفاض بدرجة رئيسية الى الجفاف الذي عانت منه ألمانيا وبقية الدول الأوروبية خلال الصيف وانخفاض منسوب مياه الأنهار والبحيرات الرئيسية.
بشكل عام، وعلى الرغم من زيادة حصة الفحم والغاز الطبيعي كمصادر لإنتاج الكهرباء، انخفض إجمالي كمية الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة التقليدية في ألمانيا بنسبة 3 في المئة على أساس سنوي. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الانخفاض الكبير في الطاقة النووية والتي تراجع انتاجها من الكهرباء خلال العام الجاري بحوالي النصف (47.8 في المئة). هذا وما تزال 55.6 في المئة من الطاقة الكهربائية المنتجة في ألمانيا مولدة بواسطة مصادر الطاقة التقليدية (الوقود الاحفوري).
ويدعو الخبراء الاقتصاديين إلى التنوع والتوسع بشكل أكبر في استخدام مصادر الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء، وكذلك وفي نفس الوقت التوسع في بناء محطات توليد الكهرباء بواسطة الغاز الطبيعي التي يمكن مستقبلا استبداله بالهيدروجين الأخضر. بالإضافة الى زيادة خطوط أنابيب نقل الغاز داخل دول الاتحاد الأوروبي وكذلك زيادة الانابيب القادرة على نقل الغاز الطبيعي او الهيدروجين من الموردين المهمين مثل النرويج وبريطانيا أو دول جنوب البحر الأبيض المتوسط.
لم تقتصر الزيادة في استخدام الفحم في توليد الكهرباء على ألمانيا بل ارتفع الاستهلاك العالمي للفحم هذا العام الى أعلى مستوياته على الإطلاق. وهو الامر الناتج بدرجة رئيسة عن نقص الامدادات وارتفاع أسعار الطاقة بسبب حرب أوكرانيا. كما لا يُتوقع أن ينخفض الطلب على الفحم في السنوات القادمة أيضًا، حيث قد يصل استهلاك الفحم العالمي إلى مستوى قياسي جديد. فبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية IEA، يتوقع الخبراء أن يتجاوز استهلاك الفحم 8 مليارات طن لأول مرة في عام 2022م وبالتالي يكون أعلى بنسبة 1.2 في المئة تقريبًا عن العام الماضي، ووفقا لذلك أيضا يكون حجم استهلاك الفحم في العام الحالي قد تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في العام 2013م.
ارتفاع استثمارات الشركات الألمانية في البحث العلمي والابتكار
عاد إنفاق ألمانيا على البحث العلمي والابتكار الى الارتفاع مرة أخرى خلال العام 2021م، سواء كان هذا الانفاق من قبل الحكومة الألمانية او شركات القطاع الخاص. حيث زادت استثمارات البحث والتطوير بنسبة ستة في المئة تقريبًا في عام 2021م، لتصل إلى إجمالي 101.3 مليار يورو، منها 75.2 مليار يورو تم انفاقها في المؤسسات داخل ألمانيا، بالإضافة الى 26.1 مليار يورو تم انفاقها على برامج ومشاريع التطوير والابتكار في مؤسسات البحث العلمي خارج ألمانيا. ويأتي هذا الارتفاع في نفقات البحث العلمي بعد التراجع الذي تم تسجيله في هذا المجال خلال عام كورونا، اذ بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، قامت جميع الدول الصناعية في العام 2020م، بزيادة الاستثمارات في مجال البحث العلمي والابتكار ما عدا دولتان هما ألمانيا وإيطاليا والتي انخفضت فيها الاستثمارات في هذا الجانب.
اجمالا بلغت قيمة إنفاق ألمانيا على البحث العلمي خلال العام 2021م، ما نسبته 3.13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ساهمت الدولة بنحو الثلث، واتى ثلثاها من الشركات الخاصة. وبالرغم من ان هذه النسبة تعتبر عالية، الا انها في بلدان أخرى أعلى بشكل ملحوظ، فوفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تبلغ نسبة الانفاق على البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الجنوبية 5 في المئة. وفي الولايات المتحدة الامريكية 3.5 في المئة وفي اليابان 3.3 في المئة. اما بالنسبة الى ترتيب اهم مواقع الأبحاث الصناعية على مستوى العالم، فوفقاً للمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW) كانت الصين أهم موقع للأبحاث الصناعية في العالم في عام 2020م، تليها الولايات المتحدة ثم اليابان، فيما جاءت ألمانيا في المركز الرابع. وفي مجال عدد العاملين في مجال البحث والتطوير في ألمانيا فقد بلغ عددهم نهاية العام 2021م، نحو 477 ألف موظف وموظفة بدوام كامل. وهو ما يمثل زيادة قدرها 2.1 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق، كما يشكل هذا الرقم ايضاً رقما قياسياً في عدد الباحثين والمطورين في الشركات الألمانية.
في سياق متصل، ووفقاً لبيانات اتحاد المانحين للعلوم الألمانية (Stifterverband für die Deutsche Wissenschaft) سجلت بعض القطاعات الاقتصادية في ألمانيا خلال العام 2021م، زيادة في نفقات البحث العلمي بنسبة أكثر من غيرها من القطاعات حيث استثمرت شركات تطوير اللقاحات في العام 2021م، أكثر من 3.5 مليار يورو على البحث والتطوير وبنسبة 14 في المئة أكثر بالمقارنة بالعام السابق. كما استثمرت صناعة السيارات مرة أخرى أكثر من 25 مليار يورو في البحث والتطوير، بزيادة قدرها 1.4 مليار يورو عن العام السابق. الا انه بالرغم من هذه الزيادة فان صناعة السيارات لم تصل بعد الى مستوى انفاقها على البحث العلمي المسجل بالعام 2019م، حيث ما تزال نفقات البحث العلمي في 2021م، أقل بنحو 2.4 مليار يورو. وهو ما يؤثر على مجال البحث العلمي بأكمله بالنظر الى أن 34 في المئة من ميزانية البحث والتطوير التي تنفقها شركات القطاع الخاص في ألمانيا تأتي من صناعة السيارات.
وبشكال عام، وعلى الرغم من الزيادة الأخيرة في الإنفاق على البحث والتطوير، يعتقد رئيس اتحاد المانحين للعلوم الألمانية، Michael Kaschke، أنه يصعب على الحكومة الاتحادية تنفيذ تعهدها بزيادة الانفاق على البحث العلمي الى مستوى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول عام 2025م، موضحاً انه “لم تعد هناك مخاوف من حدوث مزيد من الركود في عام 2022م، على عكس ما هو متوقع في العام 2023م، إذ من المحتمل أن الشركات التي ستمر بحالة ركود ستقلل أيضًا من الإنفاق على البحث والتطوير مرة أخرى”.
ومن أجل رفع كفاءة الأنفاق على البحث العلمي، يدعو Kaschke، رئيس اتحاد المانحين، الى استثمار فعال للأموال المتاحة التي تقدمها الشركات الخاصة والحكومة للبحث العلمي في ألمانيا وتجنب الاستثمارات المزدوجة وضرورة الاعتماد على التعاون المشترك، ويضيف Kaschke، انه وعلى سبيل المثال ” ليس من المنطقي، ان تقوم مختلف شركات صناعة السيارات، كل على حده، بتطوير حلول برمجية لا حصر لها والتي تستهلك غالبية ميزانية البحث والتطوير”، حيث تدرس وتطور شركات صناعة السيارات حاليًا ما يصل إلى 60 برنامجاً مختلفًا لأنظمة التشغيل.
من جانبها وصفت وزيرة التعليم والبحث العلمي الاتحادية Bettina Stark-Watzinger، زيادة استثمارات الشركات الألمانية في البحث والتطوير بأنها “أخبار جيدة”. الا انها شددت أيضا على ضرورة عدم الاكتفاء بهذا المستوى من الانفاق، بل يجب ان يكون ذلك “حافزاً لزيادة الجهود المالية في البحث العلمي، خصوصا في الأوقات الصعبة”.
مبادرة أوروبية لمواجهة التمدد الاقتصادي العالمي للصين
يعمل الاتحاد الأوروبي على مواجهة مبادرة طريق الحرير الصينية، والتي تهدف الى مد النفوذ الاقتصادي العالمي للصين، حيث تمتلك بكين ضمن هذه المبادرة طرقًا سريعة وموانئ وخطوطًا للسكك الحديدية مبنية في جميع أنحاء العالم، كما تقوم بتطوير هذه المبادرة حتى الوصول الى أوروبا عبر شراء مواني وشركات نقل ودعم لوجستي تعمل في الدول الأوروبية. وفي هذا الإطار أطلقت المفوضية الأوروبية منذ عام مبادرة اقتصادية عالمية تحت عنوان “البوابة العالمية”. تهدف الى توحيد جهود المفوضية والدول الأعضاء والقطاع الخاص لتشكيل “فريق أوروبا”، وتوفير 300 مليار يورو لتمويل مشاريع بنية تحتية كبرى في عدد من مناطق ودول العالم وخصوصا في افريقيا.
تعتبر ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية دعماً لمبادرة “البوابة العالمية”، حيث أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك “انه في إطار منافسة الصين، لا يكفي وجود حجج جيدة لنموذجنا الديمقراطي الليبرالي”. “علينا أيضًا أن نظهر للدول الأخرى أنه بإمكاننا، بصفتنا الاتحاد الأوروبي، تقديم عروض أفضل، وعلى قدم المساواة ودون عقود ملزمة.” كما شددت الوزيرة الألمانية على ان أهمية المبادرة الأوروبية متعلقة بالمستقبل “خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا المستقبلية الرئيسية مثل حماية المناخ، والتحول في الطاقة والرقمنة”. معتبرة ان “الأفكار والمفاهيم موجودة، لكن الامر يرتبط أكثر بالتنفيذ السريع لمشاريع استراتيجية رائدة”.
وقد أرسلت الحكومة الألمانية الى مفوضية الاتحاد الأوروبي، وبصورة غير علنية، قائمة بالمشاريع الاستراتيجية المقترح تنفيذها في إطار مبادرة “البوابة العالمية”، والتي بلغ مجموعها 20 مشروعاً نموذجياً مبتكرا ورائداً، والتي “يجب أن تكون كبيرة بالدرجة التي يتم ملاحظتها وتقوم بأحداث فرق على ارض الواقع. على عكس التعاون الإنمائي الصغير السائد في الوقت الحاضر”. ومن ضمن هذه المشاريع دعم بوتسوانا وناميبيا في بناء محطات طاقة شمسية كبيرة، الى جانب ربط دولة بوركينا فاسو، التي لا تمتلك منفذا على البحر، بمواني غانا بواسطة خطوط السكك الحديدية، من اجل المساهمة في “الاستقرار والتكامل الاقتصادي لغرب إفريقيا”.
ويعد انشاء مزرعة لتوربينات الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية بالقرب من العاصمة الغانية أكرا، أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية لمبادرة “البوابة العالمية”، ليس فقط في مجال دعم التحول في الطاقة وحماية المناخ والبيئة ولكن أيضا لوجود منافسة من الصين لتنفيذ المشروع، ونتيجة ايضاً الى ان الغانيين يفضلون الشركاء الأوروبيين على الصينيين.
كما يدخل ضمن قائمة هذه المشاريع دعم استخراج الليثيوم في صربيا من أجل تعزيز إنتاج البطاريات الأوروبية وتقليل الاعتماد على الصين في الحصول على المواد الخام. وفي نفس الإطار تقترح ألمانيا ان تكون منطقة البلقان احدى المناطق التي تركز عليها مبادرة “البوابة العالمية”، عبر بناء مزرعة رياح في جمهورية البوسنة والهرسك من اجل تعزيز “فرص الانتقال إلى إنتاج الطاقة النظيفة”، خصوصا ان الصين تخطط لبناء محطات كهربائية تعتمد على الوقود الاحفوري “مما يؤدي إلى التبعية ويشكل خطراً على حقوق العمال والبيئة”.
كما دعت الرسالة الألمانية الى المفوضية الأوروبية الى تعزيز تأثير الاتحاد الأوروبي في آسيا، والتي يدخل من ضمنها أن تعمل أوروبا على تحسين روابط النقل بين لاوس وفيتنام وتايلاند، حيث “يمكن أن يكون المشروع بديلاً أوروبيًا مناسبًا لمبادرة الحزام والطريق (BRI) “، الاسم الرسمي لمشروع طريق الحرير الصيني.
بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكلاسيكية ومشاريع الطاقة الخضراء، تريد الحكومة الألمانية أيضًا الاستثمار في الرقمنة. حيث يمكن أن تحصل المبادرة الأوروبية على حصة في مشروع مد كابل تحت البحر يربط بين شيلي وأستراليا، والذي من المتوقع أن يبدأ تشغيله في عام 2025م، وسيؤدي الى نمو هائل في حجم البيانات المتبادلة عالمياً.
وتأتي الرسالة الألمانية بخصوص مبادرة “البوابة العالمية” للاتحاد الاوروبي في مجال النقد لطريقة تعامل بعض دول الاتحاد مع المبادرة، خصوصا انه تم ادراج مشاريع التنمية التي كان الاتحاد الأوروبي قد خطط للقيام بها سابقاً، تحت شعار المبادرة وهو ما حذرت الرسالة الألمانية منه معتبرة انه “من الأهمية بمكان لمصداقية الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ألا نعيد تسمية مشاريع التعاون الإنمائي القائمة أو المخطط لها بالفعل”. وبدلاً من ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي “تحديد المشاريع الرئيسية الجديدة وتعبئة أموال القطاع الخاص لتنفيذها في أسرع وقت ممكن”.
واعتبرت الحكومة الألمانية أن “مبادرة البوابة العالمية هي أداة لها أهمية كبيرة في تعزيز التأثير الاستراتيجي والعالمي للاتحاد الأوروبي، خاصة في ضوء التنافسية الكبيرة السائدة في العالم في الوقت الحالي “.