تحسن مناخ الاعمال للشركات الألمانية في شهر مارس بشكل ملحوظ حيث ارتفع مؤشر ifo لمناخ الاعمال خلال هذا الشهر ليصل إلى 87.8 نقطة، بعد ان كان عند مستوى 85.7 نقطة في فبراير الماضي. ويعود هذا التحسن في المؤشر الى التقييم الايجابي للشركات لمستوى الاعمال في الوقت الحاضر وأيضًا، وبشكل خاص، إلى تحسن توقعات الشركات لمستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة. ويظهر ارتفاع مؤشر مناخ الاعمال تزايد الآمال بتحسن أداء الاقتصاد الألماني خلال الفترات القادمة.
في قطاع الصناعة ارتفع مؤشر الاعمال بشكل ملحوظ حيث سجل في شهر مارس مستوى (-10 نقاط) بعد ان كان عند مستوى (- 17.1 نقطة) في الشهر السابق، حيث كانت الشركات أكثر رضاً بشكل ملحوظ عن مستوى أعمالها الحالية. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت توقعات الشركات عن مستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة على الرغم من استمرار تراجع مستوى تراكم الطلبات.
وارتفع مؤشر مناخ الأعمال بشكل ملحوظ أيضا في قطاع الخدمات مسجلًا قيمة إيجابية عند مستوى 0.3 نقطة بينما كان في شهر فبراير الماضي عند مستوى (- 4 نقطة) ويعزى هذا بشكل خاص إلى التوقعات الأكثر تفاؤلًا بمستوى الاعمال في الفترات القادمة. كما قامت شركات القطاع بتقييم وضع اعمالها الحالي بشكل أفضل إلى حد ما. وشهدت مجالات النقل والخدمات اللوجستية وكذلك صناعة الضيافة تحسنًا بشكل خاص.
كما حقق مؤشر مناخ الاعمال في قطاع التجارة مكاسب كبيرة حيث وصل الى مستوى (-22.9 نقطة) في شهر مارس بينما كان المؤشر في شهر فبراير السابق عند مستوى (-30.8 نقطة)، ويعود ذلك بشكل اساي الى ان الشركات أصبحت أكثر رضا عن مستوى الأعمال الحالية، بالإضافة إلى ذلك، لم تعد التوقعات المتعلقة بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة سلبية إلى حد كبير، خصوصا لدي شركات قطاع البيع بالتجزئة التي تعلق آمال كبيرة على تحسن الاعمال.
وبعد ان وصل مؤشر مناخ الاعمال في قطاع البناء إلى أدنى مستوى تاريخي في الشهر السابق والذي بلغ مستوى (-35.4 نقطة) ارتفع المؤشر بشكل طفيف في مارس ليحقق مستوى (-33.5 نقطة)، وتم تقييم الوضع الحالي للأعمال من قبل شركات القطاع بشكل أفضل إلى حد ما، كما ارتفعت التوقعات بخصوص مستوى الاعمال خلال الاشهر القادمة بشكل نسبي وان لازالت سلبية الى حد كبير.
وعلى الرغم من هذا التحسن العام في مناخ الاعمال للشركات الألمانية الا ان توقعات معاهد البحوث الاقتصادية والحكومة الألمانية أصبحت أكثر تشككًا بشأن الاقتصاد الألماني، حيث قامت أهم المعاهد الاقتصادية في ألمانيا بمراجعة توقعاتها بشكل كبير نزولا، وأشارت في تقرير الربيع للاقتصاد ان الاقتصاد سيسجل نمواً منخفضاً بنسبة 0.1 في المئة للعام الحالي 2024م. ووفقا للتقرير،” فإن الناتج المحلي الإجمالي حاليًا عند مستوى أعلى بالكاد مما كان عليه قبل جائحة كورونا ومنذ ذلك الحين، توقفت الإنتاجية وانخفضت الصادرات على الرغم من تزايد النشاط الاقتصادي العالمي”. كما أشار التقرير الى ” الازمة العميقة” التي يمر بها قطاع البناء. أما بالنسبة لعام 2025م، فقد تركت المعاهد توقعاتها دون تغيير تقريبًا عند نسبة نمو بلغت 1.4 في المئة.
ويشارك في أعداد تقرير الربيع للاقتصاد معهد البحوث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo، ومعهد Leibniz للأبحاث الاقتصادية في هاله، ومعهد كيل للاقتصاد العالمي IfW، ومعهد RWI Leibniz للأبحاث الاقتصادية في إيسن، والمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين. يخدم التقرير الحكومة الاتحادية كأساس لتوقعاتها الاقتصادية الخاصة، والتي تشكل بدورها الأساس لتقدير الضريبة. وكانت الحكومة الاتحادية أيضًا قد خفضت مؤخرًا توقعاتها للنمو في العام 2024م من 1.3 إلى 0.2 في المئة.
ويتفق أعضاء في الحكومة على ان أرقام النمو الاقتصادي “سيئة بشكل كبير”، كما يقول وزير الاقتصاد الاتحادي روبرت هابيك ولهذا السبب، يتعين على الساسة أن “يعملوا على تعزيز الإصلاحات من أجل تعزيز والحفاظ على قدرة ألمانيا التنافسية في بيئة عالمية متغيرة بالكامل”. من جهته يؤكد وزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر على ان ألمانيا ” في حاجة إلى سياسة اقتصادية مختلفة، ويتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا لتحقيق المزيد من النمو”.
من جانبه أوضح معهد كيل للاقتصاد العالمي IfW أن “الانتعاش الاقتصادي لا يزال يحتاج إلى وقت طويل حيث ان المؤشرات المبكرة تشير إلى أن الأداء الاقتصادي لن يتحسن في النصف الأول من العام.” ووفقا لأحدث التوقعات، لن يظهر التحسن إلا بعد الربيع. ويقول Timo Wollmershäuser، رئيس قسم الاقتصاد في معهد ifo، إن التعافي الملحوظ لن يظهر الا بعد فترة ومع الإزالة التدريجية لأعباء الفوائد والأسعار وتأثيرات ارتفاع القوة الشرائية للمستهلكين، فإن الأداء الاقتصادي لن يتسارع إلا في منتصف العام. وفي الربع الحالي، يتوقع معهد ifo أن ينخفض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.1 في المئة وأن تنزلق ألمانيا إلى الركود الفني، لأنه في نهاية عام 2023م، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بالفعل بنسبة 0.3 في المئة وقال Wollmershäuser “إن القيود على الاستهلاك وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الأسعار وإجراءات التقشف الحكومية وضعف الاقتصاد العالمي تؤدي حالياً إلى تثبيط الاقتصاد في ألمانيا وتؤدي إلى ركود شتوي آخر”.
فيما يتعلق بمعدل التضخم فيتوقع خبراء معهد IfW ان يبلغ المعدل في العام الحالي 2.3 في المئة فقط وان ينخفض في العام 2025م الى 1.7 في المئة. بينما يتوقع معهد ifo ان يبلغ معدل التضخم في المانيا خلال العام 2024م 2.3 في المئة على ان يتراجع في العام 2025م الى معدل 1.6 في المئة وهو أقل من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المئة. من جانب أخر وبحسب تقديرات معهد دراسات الاقتصاد العالمي في كيل فمن المتوقع أيضاً أن تنخفض الصادرات الألمانية بشكل ملحوظ بنسبة 1.7 في المئة خلال العام 2024م، قبل أن تنتقل إلى مسار توسع معتدل مع انتعاش التجارة العالمية تدريجياً. ويرى خبراء المعهد أن حركة الشحن المتعطلة في البحر الأحمر نتيجة للحرب في الشرق الأوسط لم تؤثر إلا لفترة وجيزة على التجارة الخارجية الألمانية.
في جانب معدل الاستهلاك والذي يلعب دورا أساسيا في تحفيز النمو الاقتصادي أشار تقرير صادر لجمعية أبحاث المستهلك (GfK) ومعهد نورمبرج لقرارات السوق، ان معنويات المستهلكين في ألمانيا قد تحسنت في فبراير بعد انتكاسة حادة في يناير. ولكن الزيادة ضئيلة للغاية بنسبة 0.6 نقطة وهو الامر الذي لن يحدث فرقًا يذكر بحسب Chris-Oliver Schickentanz الخبير في مناخ الاستهلاك الذي اعتبر ان أسعار الفائدة المنخفضة التي سادت خلال السنوات الماضية هي من ساعدت على رفع الاستهلاك الخاص مؤكدًا “إن ما أعطانا استهلاكاً لائقاً على مدى سنوات عديدة هو مبدأ اشتر الآن وادفع لاحقاً، اشتر الآن وقم بتمويل الأمر برمته”، “لكن الأمر أصبح الآن يكلف الكثير من المال لأن الفائدة أصبحت الآن باهظة الثمن”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصعوبات الاقتصادية بالطبع لم تمر مرور الكرام على معظم الألمان، حيث “يشعر الكثير من الناس بالقلق بشأن مستقبل وظائفهم، وهذا لا يشجعهم على استهلاك المزيد.” ويؤكد تحليل (GfK)لمناخ المستهلك ان الكثير يتوقعون أن يتطور دخلهم بشكل إيجابي ولكن عدد قليل فقط من الأشخاص يرغبون في شراء أشياء جديدة، بينما تريد الاغلبية تحقيق المزيد من التوفير. ووفقًا لـ GfK، لم يكن هناك ميل أعلى للادخار من الفترة الأخيرة سوى خلال الأزمة المالية والاقتصادية في عام 2008م.
سوق العمل: ارتفاع البطالة ونصف النساء العاملات يعملن بدوام جزئي
ارتفع عدد العاطلين عن العمل في شهر فبراير 2024م بنحو 8 ألف شخص مقارنة بشهر يناير السابق ليصل مجموع عدد العاطلين عن العمل في المانيا إلى 2814000 شخص. وبالمقارنة مع شهر فبراير من العام الماضي، فإن عدد العاطلين عن العمل أعلى بمقدار 194 ألف شخص. وبلغ معدل البطالة في شهر فبراير 2024م، 6.1 في المئة، وهو نفس المعدل المسجل في شهر يناير. وبالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي، ارتفع المعدل بنسبة 0.4 نقطة مئوية. وقالت Andrea Nahles رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، في تعليقها على هذه الارقام “ان البيئة الاقتصادية الضعيفة تؤدي إلى إضعاف سوق العمل القوي بشكل عام، حيث تتزايد البطالة ويتراجع طلب الشركات على العمال الجدد”.
اما فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر فقد بلغ عدد الموظفين الجدد المسجلين في البرنامج خلال الفترة من 1 إلى 25 فبراير 58000 شخص، وهو عدد أكبر بكثير مما كان عليه في نفس الوقت من الشهر السابق. وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ مجموع المستفيدين من البرنامج في ديسمبر 2023م، 175 ألف موظف، بعد ان كان 186 ألفا في نوفمبر و162 ألفا في أكتوبر. من جهة أخرى تشير بيانات الوكالة عن عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لديها في شهر فبراير 2024م، الى انه تم تسجيل 706 آلاف وظيفة، أي أقل بمقدار 72 ألف وظيفة عن نفس الشهر من العام الماضي.
من جانب أخر أظهرت دراسة لوكالة العمل الاتحادية عن مساهمة النساء في سوق العمل في المانيا ان معدل العمالة، أي نسبة النساء العاملات والبالغات من العمر 15 عامًا حتى سن التقاعد القياسي والخاضعات لاشتراكات التأمين الاجتماعي، والتي وصلت إلى 58.7 في المئة من مجموع النساء لا تزال أقل بكثير من معدل توظيف الرجال الذي يبلغ 65.8 في المئة، لكن مع وجود اختلافات جغرافية كبيرة، ففي شرق ألمانيا، تكون معدلات توظيف النساء والرجال تقليديا عند مستوى متقارب نسبيا. حيث بلغ معدل توظيف النساء في شرق ألمانيا 61.8 في المئة، وهو أقل قليلا من معدل توظيف الرجال البالغ 63.9 في المئة. ومع ذلك، يظل معدل توظيف النساء في ولايات ألمانيا الغربية البالغ 58 في المئة أقل بكثير من معدل توظيف الرجال الذي يصل الى 66.2 في المئة.
وارتفعت العمالة بين النساء الخاضعات لاشتراكات التأمين الاجتماعي في المقام الأول بسبب الزيادات القوية في العمالة بدوام جزئي بزيادة بنحو 102 ألف موظفة. ويعمل ما يقرب من نصف النساء، ما يساوي 49.8 في المئة بدوام جزئي. أما بالنسبة للرجال فلا تتجاوز نسبة من يعمل منهم بدوام جزئي نسبة 13 في المئة.
وكما هو الحال مع الرجال، فإن الزيادة في العمالة بين النساء تعتمد حصرا على الرعايا الأجانب، حيث انخفض توظيف النساء الألمانيات بشكل طفيف بمقدار 32 ألف موظفة في العام الماضي. من ناحية أخرى، زاد توظيف النساء الأجنبيات الخاضعات لاشتراكات الضمان الاجتماعي بمقدار 150 ألفًا. وقد تضاعفت نسبة النساء اللاتي يحملن جوازات سفر أجنبية بين جميع الموظفات الخاضعات لمساهمات الضمان الاجتماعي في السنوات العشر الماضية لتصل حاليا الى نسبة 13 في المئة.
كما لا يزال متوسط الراتب الإجمالي للنساء الخاضعات لمساهمات الضمان الاجتماعي البالغ 3413 يورو شهريًا، أقل من متوسط الراتب الإجمالي للرجال الذي يصل إلى 3779 يورو. واستمرت الفجوة بين إجمالي الرواتب، أي فجوة الأجور غير المعدلة بين الجنسين، في الانخفاض بشكل طفيف في العام الماضي. كذلك لا تزال المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا إلى حد كبير على مستويات الإدارة في الشركات، إذ لا تزال نسبة النساء في المستوى الإداري الأول منخفضة عند 28 في المئة، كما لم تزد حصة النساء في المناصب القيادية على مستوى الإدارة الثاني منذ عام 2016م.
استراتيجية ألمانية جديدة لتطوير الموانئ
أقرت الحكومة الألمانية استراتيجية الموانئ الوطنية والتي تتضمن أكثر من 130 إجراء بهدف تعزيز وتطوير قدرات وامكانيات الموانئ البحرية الألمانية فيما يتعلق بالقدرة التنافسية الدولية مع الموانئ المجاورة في الدول الأوروبية الأخرى بالإضافة الى تقوية دور الموانئ في دعم سياسة التحول في الطاقة. وتمثل الموانئ أهمية استراتيجية للاقتصاد الألماني المعتمد بدرجة كبيرة على التصدير حيث تتعامل ألمانيا مع حوالي 60 في المئة من وارداتها وصادراتها عن طريق البحر. وبلغ حجم البضائع والسلع التي جرى تناولها في الموانئ الألمانية العام 2023م، حوالي 267.8 مليون طن، والتي شملت الى جانب السلع التقليدية التي تصدرها المانيا مثل السيارات والآلات والمنتجات الكيميائية ايضا الطاقة والغذاء والملابس ومنتجات التكنولوجيا والأدوية.
وبحسب الاستراتيجية “مع وجود 20 ميناء بحريًا على بحر الشمال وبحر البلطيق وحوالي 100 ميناء نهري، تتمتع ألمانيا بشبكة نقل بضائع فعالة واقتصاد موانئ قوي”. ويقع أكبر وأهم ميناء في المانيا في هامبورج حيث تم تناول ما يقرب من 99.6 مليون طن من البضائع في الميناء في العام 2023م، وجاء ميناء بريمرهافن في المركز الثاني بـ 39.2 مليون طن وميناء فيلهلمسهافن في ولاية ساكسونيا السفلى بـ 29.8 مليون طن في المركز الثالث أما ميناء روستوك على ساحل بحر البلطيق فجاء في المركز الرابع كأهم ميناء في ألمانيا بـ 23.9 مليون طن. وتواجه الموانئ الألمانية على وجه الخصوص منافسة شديدة مع الموانئ الأوروبية الأخرى مثل روتردام وأنتويرب. حيث تناول ميناء روتردام في هولندا في العام 2023م حوالي 13.4 مليون حاوية فيما تناول ميناء أنتويرب في بلجيكا نحو 12.5 مليون حاوية بينما لم يتجاوز عدد الحاويات التي تناولها ميناء هامبورج في نفس العام 7.7 مليون حاوية.
تتضمن الاستراتيجية الوطنية للموانئ الى جانب رفع القدرة التنافسية للموانئ الألمانية على المستوى الوطني والدولي، زيادة التعاون والتنسيق بين الموانئ، دعم البحث والتطوير والابتكار في مجال تكنولوجيات الموانئ، ضمان اتساق خطط تطوير وتوسيع الموانئ مع خطط تطوير وتوسيع البنية التحتية بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تسريع إجراءات التخطيط والموافقة على توسيع الموانئ. واعتبرت الاستراتيجية كذلك ان سهولة الوصول إلى الموانئ البحرية الألمانية والموانئ النهرية الداخلية يعد عاملاً رئيسياً لنجاح الموانئ. كما ترى الاستراتيجية ضرورة تحسين البنية التحتية للنقل بشكل كبير حيث ان الموانئ النهرية الداخلية تتأثر بـ “عدم كفاية المرونة والاستقرار” لطرق النقل. كما تم تحديد هدف جعل الموانئ محايدة للمناخ بحلول عام 2045م، بما يتضمنه ذلك من تجديد البنية التحتية المخطط لها والدفع بالتحول الرقمي للموانئ.
تتضمن الإستراتيجية أيضًا عدة خطوات لجعل الموانئ الألمانية أكثر أمانًا. ولهذا الغرض، ينبغي تصنيف بعضها على أنها بنى تحتية استراتيجية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية من خارج دول الاتحاد الأوروبي حيث لن تقتصر دارسة هذه الاستثمارات على فحص مصالح الأمن القومي في المستقبل فحسب بل يجب أن يكون هناك أيضًا تنسيق أوروبي وثيق من أجل تأمين البنية التحتية للموانئ الأوروبية. ويأتي هذا الاجراء كانعكاس للنقاش والنزاع الذي جرى حول استثمارات ومشاركة شركة الشحن البحري الحكومية الصينية (COSCO) في محطة للحاويات في ميناء هامبورج. كما تشمل خطوات تأمين الموانئ الألمانية تعزيز حمايتها ضد الهجمات المادية والإلكترونية ومقاومة النفوذ الإجرامي، حيث ارتفعت مؤخرًا عمليات الجريمة المنظمة في الموانئ الألمانية، خاصة في مجال الاتجار الدولي بالمخدرات.
ومع إقرار هذه الاستراتيجية الا ان قضية تمويل هذه الإجراءات المختلفة ما تزال نقطة خلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الساحلية فمن جهة يرى الدستور الألماني ان مسؤولية الموانئ تقع على عاتق الولايات الفيدرالية بالدرجة الأولى وان الحكومة الاتحادية مسؤولة عن بناء وصيانة البنية التحتية للطرق ووسائل النقل الاتحادية بين الولايات، ومن المشاريع التي نفذتها الحكومة في هذا الجانب وبحسب وزارة النقل الاتحادية، أنفقت الحكومة الاتحادية ما متوسطه حوالي 500 مليون يورو سنويًا على مدار السنوات العشر الماضية فقط من أجل تعديلات الممرات على نهري Elbe و Weser، وتعميق مجرى نهر Ems الخارجي، واعمال تطوير قناة كيل الواصلة بين بحر الشمال وبحر البلطيق و كذلك توسيع المدخل البحري إلى مينائي روستوك وفيسمار.
تدعو حكومات الولايات الفيدرالية الساحلية الحكومة الاتحادية منذ فترة طويلة إلى زيادة التمويل الاتحادي بشكل كبير لتمويل الموانئ البحرية، حيث تكلف البنية التحتية وحدها 400 مليون يورو سنويا بسبب زيادة التكاليف. وحتى الآن، لا تدفع الحكومة الاتحادية سوى 38 مليون يورو سنويًا لجميع الموانئ مجتمعة، ولا توجد خطط مالية محددة في استراتيجية الموانئ. وقد أصيب الاتحاد المركزي لشركات الموانئ البحرية الألمانية (ZDS) والرابطة الاتحادية للموانئ الداخلية العامة (BÖB) بخيبة أمل بسبب ذلك متسائلين حول كيف “يمكن تحقيق الأهداف الطموحة والمهمة للاستراتيجية دون الدعم المالي المناسب”.
تراجع تنافسية ألمانيا للاستثمارات الأجنبية
اظهر تقرير أعدته شركة KPMG للاستشارات ان تصنيف المستثمرين الأجانب لألمانيا كموقع للأعمال والاستثمار قد تراجع بالمقارنة مع السنوات الماضية، فعلى الرغم من ان تحول الطاقة والرقمنة والتحديث والبنية التحتية تفتح فرصًا تجارية كبيرة للشركات الدولية الا ان هذه المميزات التي تتمتع بها ألمانيا تتراجع بمرور الوقت مع المقارنة الدولية.
وبحسب استطلاع قامت به KPMG لآراء 350 مديرًا ماليًا للشركات الألمانية التابعة للشركات الدولية أشار هؤلاء الى ان البيروقراطية المفرطة (بنسبة 61 في المئة من المستطلع آراؤهم) وارتفاع تكاليف الطاقة (بنسبة 57 في المئة) كأكبر العقبات أمام الاستثمار، يليها عدم كفاية الرقمنة والمتطلبات التنظيمية للبيئة والشؤون الاجتماعية وحوكمة الشركات، الى جانب الافتقار إلى الانفتاح على التكنولوجيا (31 في المئة من المستطلع آراؤهم). ومع ذلك، حصل موقع ألمانيا وسط القارة الأوروبية على أفضل التقييمات كأفضل مميزات الاستثمار في ألمانيا (79 في المئة من المستطلع آراؤهم). ويرى المشاركون أيضًا أن مستوى المعيشة والسلامة العامة والاستقرار السياسي والمشهد البحثي هي نقاط قوة تقليدية لألمانيا، على الرغم من أنهم تصنيفهم لهذه المميزات أصبح أكثر تشككًا مقارنة بالاستطلاعات السابقة.
وفي هذا المجال يعتبر 58 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع ألمانيا واحدة من دول الاتحاد الأوروبي الخمس الأكثر استقرارًا، فيما كانت هذه النسبة في العام 2021م نحو 80 في المئة. كما يرى 43 في المئة فقط أن المشهد البحثي الألماني من بين الخمسة الأوائل في الاتحاد الأوروبي وكانت هذه النسبة قد وصلت في العام 2017م الى 64 في المئة. وكانت هناك أيضا تقييمات أقل مما كانت عليه في عام 2021م فيما يتعلق بإنتاجية العمل (ناقص 17 نقطة مئوية)، والبيئة الصديقة للابتكار (ناقص ثماني نقاط مئوية)، والبنية التحتية اللوجستية (ناقص 16 نقطة مئوية).
ووفقا لشركة KPMG، يرى 23 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أن ألمانيا واحدة من خمسة من أفضل المواقع في الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بتوافر العمال المهرة والعمال المؤهلين تأهيلا عاليا، بينما يعتقد 21 في المئة أنها من بين أسوأ خمسة مواقع. ومع تقاعد جيل طفرة المواليد (جيل الستينات)، فإن هجرة 500 ألف عامل مؤهل سنوياً سوف تكون ضرورية للتعويض عن النقص في العمال المهرة. وقال Andreas Glunz، المسؤول في KPMG “لكن العديد من المهاجرين لا يحصلون على موطئ قدم في الحياة العملية أو يغادرون البلاد بسرعة”. مشددًا على انه سيكون من الضروري وجود سياسة هجرة متكاملة وإنتاجية وموجهة نحو الاحتياجات.
وفي مؤشر شركة KPMG، لأفضل مواقع الاستثمار والذي يأخذ في الاعتبار 23 عاملاً للموقع، يقول التقرير “إن ثالث أكبر اقتصاد في العالم ينزلق بشكل متزايد إلى المعدل المتوسط مقارنة بالاتحاد الأوروبي”. فعلى مقياس من موجب إلى سالب 10، تبلغ القيمة الحالية لألمانيا على المؤشر (+1.2) وهذا يتوافق مع النصف مقارنة بقيمة المؤشر في عام 2021م والتي كانت عند (+2.4) والعام 2017م (+3.1)، ويوضح Glunz “لقد اعتمدت ألمانيا على المميزات التقليدية لفترة طويلة للغاية وتم اهمال الإصلاحات المهمة”. حاليًا، يعتبر كل ثاني مدير مالي دولي تقريبًا يعمل في ألمانيا أن البلدان والمناطق الأخرى تشهد نموًا أسرع ويريد الاستثمار بشكل أساسي هناك في السنوات الخمس المقبلة.
ولا يقتصر تراجع تصنيف ألمانيا كأحد أفضل مواقع الاستثمار وإقامة الاعمال على المستثمرين والشركات الأجنبية بل أصبحت الشركات الألمانية تميل بشكل متزايد الى الاستثمار في الخارج بدلا من الاستثمار في السوق الألماني، فبحسب دراسة اجراها اتحاد غرف التجارة والصناعة الألماني (DIHK) بين حوالي 1900 شركة صناعية، أشارت 35 في المئة من هذه الشركات الى ان لديها خطط استثمار في الخارج معتبرة ان توفير التكاليف هو الدافع الرئيسي لها. وقال Ilja Nothnagel، عضو مجلس الإدارة في ـ DIHK: “آخر مرة فيها هذه القيمة المرتفعة كانت في عام 2008م”. أما بالنسبة للشركات الصغيرة التي يقل عدد موظفيها عن 200 موظف، فإن النسبة أعلى إلى حد ما. “لسوء الحظ، هذا رد فعل على تدهور ظروف السياسة الاقتصادية في البلاد”.
وتشير دراسة اتحاد الغرف الألمانية الى ان منطقة أسيا والمحيط الهادي، بدون الصين، لا تزال تكتسب أهمية لاستثمارات الشركات الألمانية، وينطبق الشيء نفسه على تركيا ومناطق شرق وجنوب شرق أوروبا خارج الاتحاد الأوروبي. ورغم أن منطقة اليورو تظل المنطقة الأكثر أهمية بالنسبة للشركات الألمانية، فإنها تفقد بعض أهميتها لمصلحة السوق الأمريكي الكبير.
ارتفاع كبير للصادرات الألمانية بداية العام
انتعشت التجارة الخارجية الألمانية بقوة بشكل مفاجئ في بداية العام. وارتفعت الصادرات بوتيرة أسرع مما كانت عليه خلال ثلاث سنوات ونصف، حيث بدأ المصدرون الألمان العام الجديد بأقوى زيادة في الصادرات منذ منتصف عام 2020م، ووفقًا مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) زاد حجم البضائع والسلع التي تم تصديرها في يناير 2024م، بنسبة 6.3 في المئة مقارنة بالشهر السابق بينما كان الخبراء يتوقعون زيادة بنسبة 1.5 في المئة فقط، كما ارتفعت الواردات في نفس الشهر أيضًا بنسبة 3.6 في المئة، أي ضعف ما كان متوقعًا. وبالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي فقد زادت الصادرات بنسبة 0.3 في المئة وانخفضت الواردات بنسبة 8.3 في المئة.
وقد بلغت قيمة الصادرات الألمانية في يناير 2024م، حوالي 135.6 مليار يورو وتم استيراد سلع بقيمة 108 مليار يورو إلى ألمانيا. وأغلق الميزان التجاري لألمانيا في يناير بفائض قدره 27.5 مليار يورو. بينما كان هذا الميزان قد سجل في نفس الشهر من العام 2023م فائضا بقيمة 17.3 مليار يورو. وترجع الزيادة في الصادرات في المقام الأول إلى الأعمال الجيدة في أوروبا حيث صدرت الشركات سلعا بقيمة 75.8 مليار يورو إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتم استيراد سلع بقيمة 61.2 مليار يورو من الدول الأعضاء في الاتحاد. وبالمقارنة مع ديسمبر 2023م، زادت الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 8.9 في المئة، وزادت الواردات من هذه الدول بنسبة 10.8 في المئة. كما تم تصدير سلع وبضائع بقيمة 59.7 مليار يورو إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي (دول ثالثة) وتم استيراد سلع بقيمة 46.8 مليار يورو من هذه الدول. وبالمقارنة مع ديسمبر 2023م، زادت الصادرات إلى دول ثالثة بنسبة 3.1 في المئة وانخفضت الواردات من هناك بنسبة 4.5 في المئة.
وذهبت معظم الصادرات الألمانية في يناير 2024م إلى الولايات المتحدة حيث تم تصدير بضائع بقيمة 12.5 مليار يورو وهو حجم أقل من البضائع بنسبة 1.7 في المئة عما كان عليه في ديسمبر 2023م. من ناحية أخرى، ارتفعت الصادرات إلى الصين بنسبة 7.8 في المئة لتصل إلى 8.1 مليار يورو، بينما انخفضت الصادرات إلى المملكة المتحدة بنسبة 8.1 في المئة إلى 6.8 مليار يورو. وجاءت معظم واردات المانيا في يناير 2024م، من الصين حيث تم استيراد سلع بقيمة 10.4 مليار يورو، وهو أقل بنسبة 11.1 في المئة عن الشهر السابق. وانخفضت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 5.2 في المئة إلى 7.8 مليار يورو. ومن ناحية أخرى، ارتفعت الواردات من المملكة المتحدة بنسبة 18.4 في المئة إلى 3.1 مليار يورو في نفس الفترة.
وقال Thomas Gitzel، كبير الاقتصاديين في بنك VP Bank، إنه بعد انخفاض حقيقي في الصادرات بنسبة 2.2 في المئة في العام 2023م، هناك الآن أمل في نمو الصادرات في عام 2024م. “وهو ما يتطلب نمو أفضل للاقتصاد العالمي.” وهو ما تشير الى حدوثه الى حد ما أحدث البيانات الاقتصادية، وأكد Gitzel أن “البداية الجيدة للصادرات في عام 2024م لها أيضًا قيمة رمزية”. “حيث ان الرسالة هي: ان التحسن في الأفق.”
ويتفق هذا الارتفاع في الصادرات في التحسن في مناخ الاعمال لشركات التصدير الألمانية حيث ارتفع مؤشر ifo لأعمال الصادرات في شهر مارس 2024م بشكل ملحوظ حيث سجل مستوى (-1.4 نقطة) مقارنة بمستوى (-7 نقطة) في فبراير الماضي. يقول Klaus Wohlrabe، رئيس قسم الاستطلاعات في معهد ifo: “من المرجح أن تنتعش التجارة العالمية في الأشهر المقبلة وتأمل صناعة التصدير الألمانية في الاستفادة من ذلك”. ويتوقع عدد أكبر بكثير من الشركات الصناعية نموًا في الصادرات، حيث يتوقع منتجو الأغذية ومصنعو المشروبات على وجه الخصوص زيادة صادراته، كما أصبحت توقعات صناعة السيارات إيجابية، كما ان صناعة الكيماويات متفائلة مرة أخرى بشأن الاعمال في الأشهر القادمة بينما تتوقع صناعة النسيج والطابعات ومنتجو ومصنعو المعادن انخفاضًا في الصادرات.