مع مرور الوقت تتضح أكثر وأكثر الاثار الاقتصادية السلبية لانتشار جائحة كورونا وإجراءات خفض النشاط الاقتصادي المصاحبة لها، حيث اظهر مؤشر مناخ الاعمال والذي يصدره بشكل شهري معهد البحوث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo عن تراجع كبير في تقييم وتوقعات المدراء التنفيذيين للشركات الألمانية في مختلف القطاعات عن حالة الاعمال في الوقت الحاضر ومستقبل هذه الاعمال على مدى الثلاثة الأشهر القادمة. اذ انخفض المؤشر الى 74,3 نقطة في شهر أبريل متراجعا من مستوى 85,9 نقطة المسجلة في شهر مارس الماضي، وتعد هذه القيمة للمؤشر الأدنى التي يتم قياسها على الاطلاق بالإضافة الى كونه أكبر تراجع في قيمة المؤشر خلال شهر. ويعكس هذا الامر التدهور الكبير في اعمال الشركات الى جانب مدى تشاؤمها من مستقبل الاعمال للأشهر المقبلة. وفي قطاع الصناعة على وجه الخصوص انخفض مؤشر مناخ الأعمال إلى أدنى مستوى له منذ مارس 2009م. كما تراجع مستوى اعمال الشركات الصناعية الحالي بشكل كبير، بسبب انخفاض الطلب على المنتجات الصناعية. وكذلك الامر بالنسبة لقطاع الخدمات حيث انخفض مؤشر الاعمال الحالي وكذلك المستقبلي الذي يمتد الى ثلاثة أشهر حيث كانت هنالك حالة من التشاؤم غير المسبوق. كما استمر التراجع في مؤشر مناخ الأعمال في تجارة التجزئة. واتفقت العديد من البيانات الرسمية وعدد من الدراسات التي قامت بها معاهد الأبحاث الاقتصادية على حالة التراجع غير المسبوق للاقتصاد الألماني. حيث أصدر مكتب الإحصاء الاتحادي تقريرا حول انخفاض الصادرات الألمانية في شهر مارس بنسبة 7,9 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي وبنسبة 11,8 في المئة مقارنة بشهر فبراير السابق، وهو ما يعد الانخفاض الأكبر منذ بداية حساب الصادرات الشهرية في شهر أغسطس في العام 1990م. وتراجعت كذلك الواردات في شهر مارس بنسبة 4,5 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي وبنسبة 5,1 في المئة مقارنة بالشهر السابق. من جهته أكد Dr. Holger Bingmann رئيس الاتحاد الفيدرالي لتجارة البيع بالجملة والتجارة الخارجية والخدمات (BGA) ان أزمة كورونا بدأت في ترك آثار غير مسبوقة على التجارة الخارجية. حيث سيتعين على ألمانيا التعود على تراجع الصادرات في الأشهر القادمة، لأن عواقب إغلاق 50 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، وإغلاق الحدود، وخاصة في السوق الأوروبية الموحدة، وفرض قيود التجارة والسفر في جميع أنحاء العالم، والاضطرابات الهائلة في الشحن البحري والجوي، بدأت للتو في ترك بصماتها على الصادرات والواردات. من جانبه اشار Volker Treier، رئيس شؤون التجارة الخارجية في اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK)، عن خشيته من ان التراجع في الصادرات الألمانية الذي تم تسجيله في بداية أزمة كورونا في شهر مارس “لم يكن سوى بداية تخفيضات أكبر في ميزان الصادرات الألمانية”. واشار Treier إلى أن أزمة كورونا “لم تصب اقتصاد الصين بأضرار فحسب، بل أيضًا شركاء تجاريين مهمين آخرين لألمانيا مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة”. مضيفاً ان” عمليات الإغلاق حاليًا وإغلاق الحدود وحظر التصدير تتسبب في توقف سلاسل التوريد”. مشيراً إلى أحدث استبيانات اتحاد غرف التجارة الخارجية الألمانية AHK للأعمال العالمية، والتي من نتائجها توقع ثلثا الشركات الألمانية في الخارج أن يتدهور الاقتصاد العالمي بشكل كبير. وقال Volker Treier ان “الطلب العالمي على السلع والخدمات في انخفاض، والاستثمارات مقطوعة والحواجز أمام التجارة في ازدياد”، مؤكداً “إننا ننزلق إلى أزمة اقتصادية عالمية”. هذا الامر لا يتعلق بالتجارة الخارجية فقط بل ان إجراءات مكافحة جائحة كورونا تأثرت بها جميع القطاعات الاقتصادية، وأشار استطلاع للرأي نظمه اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK) شمل أكثر من 10 الاف شركة، أن الحالة المزاجية للشركات الصغيرة والمتوسطة أسوأ مما كانت عليه اثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2009م. وعلى الرغم من المزيد من تخفيف إجراءات خفض النشاط الاقتصادي التي اقرتها الحكومة الألمانية، فإن وضع الشركات لا يزال حرجاً للغاية. إذ لا تزال 60 في المئة من الشركات تعاني من انخفاض الطلب، و43 في المئة من الشركات تشتكي من الطلبات الملغاة وأكثر من ثلث الشركات اضطرت إلى تقليص الاستثمارات. وفي سياق متصل أشار تقرير لمعهد دراسات السوق GfK القريب من النقابات العمالية، انه ونتيجة لازمة فيروس كورونا فان ثلث المواطنين الألمان يريدون خفض إنفاقهم في المستقبل، بينما تخلى ربعهم عن إجازتهم المخططة، كما يرغب حوالي 7 في المئة منهم في تأجيل شراء الملابس والسيارات والسلع الكمالية وهو ما يعني تراجع الاستهلاك المحلي بما يعنيه ذلك من اثار على الاقتصاد الكلي. وامام هذه المؤشرات السلبية تتوقع مفوضية الاتحاد الأوروبي انخفاضًا بنسبة 6,5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا خلال العام 2020م. بينما تشير توقعات الحكومة الألمانية الى تراجع الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020م بنسبة 6,3 في المئة، في حين يذهب حكماء الاقتصاد الألمان الى تراجع النمو خلال هذا العام بواقع 5,4 في المئة في أسوأ الاحوال. واظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي ان الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا قد تراجع فعلاً بنسبة – 2,2 في المئة في الربع الأول من العام 2020م مقارنة بالربع الرابع 2019م. ويعد هذا التراجع الأكبر منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية العام 2009م، وثاني أكبر انخفاض منذ توحيد ألمانيا. إذ فقط في الربع الأول من عام 2009م كان تراجع الناتج المحلي الإجمالي أكبر عند -4,7 في المئة عن الربع السابق. في غضون ذلك يرى باحثو معهد الاقتصاد العالمي في مدينة كيل الألمانية IfW ان هنالك إشارات إيجابية للاقتصاد بعد إعادة الفتح الجزئي للأنشطة الاقتصادية، مؤكدين ان المرحلة الأسوأ من الركود والتراجع الاقتصادي قد تم تجاوزها. وقال Gabriel Felbermayr رئيس المعهد ان ” الاقتصاد الألماني شهد خلال فترة الإغلاق الصارمة في الفترة من 23 مارس إلى 19 أبريل، تراجعا عن المستوى الطبيعي للأنشطة الاقتصادية بنسبة تتراوح من 15 إلى 20 في المئة، وكلما طال الإغلاق سيستمر الناتج المحلي الإجمالي في الانخفاض. الا ان الوضع لا يزداد سوءًا في الوقت الحالي”. وفي إطار الميزانية والايرادات الحكومية صّرح وزير المالية في الحكومة الاتحادية أولاف شولتز انه ونتيجة لجائحة كورونا، سوف تنخفض العائدات الضريبية للحكومة الاتحادية وحكومات الولايات وكذلك البلديات لهذا العام بنحو 98,6 مليار يورو، يبلغ نصيب الحكومة الاتحادية منها 44 مليار يورو. وان التراجع المتوقع لعائدات الضرائب حتى العام 2024م قد يصل الى 315,9 مليار يورو، ومع ذلك أكد شولز إن أزمة فيروس كورونا „يمكن إدارتها ماليا”. والخطوة التالية هي دفع الاقتصاد للنمو مرة أخرى بإجراءات هادفة. مشيراً الى إن انخفاض الضرائب كان “في نطاق ما يمكن أن نتوقعه”. وتشبه التوقعات الحالية عن تراجع عائدات الضرائب الوضع الذي عاشته ألمانيا في هذا الجانب خلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في عام 2009م. حيث تم في ذلك الوقت توقع انخفاض في عائدات الضرائب لمدة أربع سنوات بمبلغ يصل الى 316 مليار يورو. وفي هذا السياق وفي إطار تعزيز مالية الدولة والحصول على أموال لتنفيذ برامج المساعدات لإنقاذ الاقتصاد قامت ألمانيا وللمرة الأولى ببيع سندات حكومية مستحقة السداد بعد 15 عاماً بقيمة 7,5 مليار يورو. ووفقا لمتحدثة باسم وكالة التمويل الألمانية، كانت هذه هي المرة الأولى التي تبيع فيها البلاد سندات حكومية تقليدية عن طريق البيع المباشر للبنوك وللمستثمرين، بينما كان من المعتاد ان تبيع ألمانيا سنداتها من خلال المزادات المغلقة فقط. وهذا ما يعكس الاحتياجات المالية المتزايدة للبلاد. ومع ذلك يرى العديد من المحللين ان ألمانيا قادرة على تقييم سنداتها من خلال دفع فائدة منخفضة او عدم دفع فوائد او حتى تحقيق فوائد سلبية، على عكس دول منطقة اليورو الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا، التي وبسبب احتياجها للتمويل قدمت تنازلات قوية للمستثمرين. وذلك بسبب جودة الائتمان في ألمانيا باعتبارها الدولة الأعلى تصنيفًا في منطقة اليورو. سوق العمل في ألمانيا: أكثر من 10 ملايين موظف ضمن برنامج العمل بدوام مختصر تظهر المؤشرات الأولية عن الاثار الاقتصادية لجائحة كورونا ان ألمانيا سوف تعاني من التراجع الاقتصادي في البلاد والذي يعد الاسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وانعكاسه السلبي بقوة على سوق العمل ايضاً. ووفقا للتقرير الشهري الذي أصدرته وكالة العمل الاتحادية (BA) عن تطورات سوق العمل لشهر ابريل، زاد عدد العاطلين عن العمل خلال هذا الشهر بحوالي 308 ألف شخص مقارنة بالشهر الذي سبق ليصل مجموع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا الى 2,644 مليون شخص، ويمثل هذا العدد من العاطلين عن العمل أكثر بالمقارنة بنفس الفترة من العام السابق بنحو 415 ألف شخص. ونتيجة هذا الارتفاع في عدد العاطلين في شهر أبريل ارتفع معدل البطالة في ألمانيا بنحو 0,7 في المئة ليصل الى 5,8 في المئة. كما انخفض الطلب على العمال الجدد حيث تم تسجيل 626 ألف وظيفة شاغرة في مكتب العمل الاتحادي بانخفاض بحوالي 66 ألف وظيفة بالمقارنة مع الشهر الماضي و169 ألف وظيفة بالمقارنة بنفس الفترة من العام السابق. ويعد المؤثر الرئيسي في هذا الجانب هو عدم وجود تسجيلات لطلب عمالة جديدة. من جهة أخرى ارتفع عدد الأشخاص المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر الى رقم قياسي في شهر أبريل حيث سجلت الشركات الألمانية 751 ألف طلب لنحو 10,1 مليون من موظفيها في البرنامج. ومثلت الشركات الصغيرة العاملة في قطاعات المطاعم والفنادق وتجارة التجزئة والاعمال الحرة الأغلبية من هذه الشركات. وتجاوزت هذه الأرقام التقديرات التي كان قد توقعها معهد أبحاث السوق والوظائف (IAB) التابع لوكالة العمل الاتحادية عند 3,4 مليون موظف وعامل. وكان الرقم القياسي السابق قد سجل في شهر مايو من العام 2009م اثناء الازمة المالية العالمية والذي لم يتجاوز 1,44 مليون شخص. وقد وصف وزير الاقتصاد بيتر التماير زيادة العاملين ضمن الدوام لوقت مختصر بانة وصل الى “مدى غير مسبوق”. ونتيجة لأزمة كورونا من المتوقع ان يزداد عدد العاطلين عالمياً الى 305 مليون شخص عاطل عن العمل هذا العام، ويبقى الامر معقولاً جداً في ألمانيا حيث تذهب التوقعات ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل خلال العام 2020م بنحو 370 ألف شخص فقط الى مجموع عدد العاطلين الحالي والبالغ 2,26 مليون شخص ليصل الى 2,62 مليون شخص، الا انه سيمثل “تراجعاً مؤلماً” بحسب وزير الاقتصاد في الحكومة الاتحادية. وبالنظر الى التقديرات الحكومية حول انكماش الاقتصاد في ألمانيا بنسبة 6,3 في المئة فان الزيادة في عدد العاطلين ليست بذلك السوء حيث أسهمت سياسة سوق العمل في ألمانيا في عدم حصول ارتفاع كبير في عدد العاطلين مقارنة بما شهدته العديد من اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي او الولايات المتحدة. وتقوم سياسة سوق العمل في ألمانيا على تقديم تعويضات للعمال الذين ترسلهم الشركات التي يعملون بها الى المنزل لعدم قدرتها على تحمل رواتبهم، ما تسمى بتعويضات العمل بوقت مختصر (kurzarbeitergeld)، مع احتفاظ هؤلاء العمال بوظائفهم الى ان تستعيد الشركات قدرتها الإنتاجية مرة أخرى وتستدعيهم للعودة الى العمل. ومع ارتفاع المخاوف من فقد الوظائف يعتمد الكثيرون على القدرة المالية للدولة، الا ان ذلك لا ينفي الاثار السلبية حتى لبرامج التعويضات. حيث انه من الصحيح ان هذه البرامج تمنع ازدياد اعداد العاطلين عن العمل بنسب كبيرة، الا انها لا تعوض رواتب الموظفين بشكل كامل، وهو ما يتسبب بتراجع الاستهلاك الداخلي والطلب على البضائع والسلع في السوق المحلية وبما يقوى الانكماش والتراجع الاقتصادي. وبحسب التقديرات الأولية لمكتب العمل الاتحادي ومعهد أبحاث سوق العمل والوظائف التابع للمكتب، فان ذروة عدد العاطلين المتوقع لهذا العام سيبلغ 3 ملايين شخص، لكن هذا العدد سوف يتراجع مع نهاية العام الى 2,6 مليون شخص. وسيبلغ معدل البطالة نحو 5,8 في المئة، وهو نفس المستوى الذي كان عليه معدل البطالة منذ عامين، ولكنه أيضا يمثل بالكاد نسبة الثلث من معدل البطالة المتوقع في الولايات المتحدة الامريكية لهذا العام. ويشير استطلاع للراي أجراه معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo الى ان كل خامس شركة في ألمانيا ستقوم بإلغاء وظائف وتسريح عدد من العاملين بها. وبحسب معهد ifo أيضا فان 96 في المئة من شركات السياحة تضررت سلباً بجائحة كورونا فيما بلغت هذه النسبة 80 في المئة من الشركات العاملة في قطاع الضيافة، كما تضررت 73 في المئة من الشركات العاملة في قطاع صناعة التجهيزات الالكترونية وكذلك 68 في المئة من شركات خدمات التأمين. قطاع صناعة المعدات والآلات أصيبت 64 في المئة من شركاته بأضرار أيضا من الجائحة، حتى شركات تقديم الخدمات العامة تضرر 51 في المئة منها. وفي قائمة أكثر القطاعات التي ستتضرر العمالة والموظفين فيها، يأتي على رأس القائمة قطاع الضيافة، قطاع التسلية والمتاحف والاحداث الثقافية كذلك الامر في قطاع النقل وقطاع السياحة. ان السياسة الألمانية ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والقائمة على اقتصاد السوق الاجتماعي تعود الى خبرة تاريخية للتعامل مع الفقد المفاجئ للوظائف والاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لصعود البطالة بشكل كبير في وقت قصير. فعلى سبيل المثال تسببت الازمة الاقتصادية العالمية في نهاية عشرينيات القرن الماضي وبداية عقد الثلاثينيات الى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا من 1,3 مليون شخص في عام 1929م الى أكثر من 6 مليون شخص في العام 1933م، وبالتالي التسبب في صعود النازيين الى الحكم والكوارث التي تسببوا بها للعالم ولألمانيا. وخلال الفترة الممتدة من نهاية الخمسينات مرورا بحقبة الستينات وحتى بداية السبعينات، والتي سميت بفترة المعجزة الاقتصادية، ظلت البطالة في ألمانيا عند حدود 2,1 في المئة، فقط عقب ازمة النفط 1973م وارتفاع أسعاره التي تضاعفت أربع مرات، ارتفع عدد المسجلين في نظام العمل بوقت مختصر الى مليون شخص. كما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في عام 1982م الى 1,8 مليون شخص. وعند تولي المستشار الألماني هيلموت كول الحكم وعد بخفض عدد العاطلين عن العمل الى النصف الا ان العدد ارتفع في منتصف الثمانينات الى 2,3 مليون عاطل، فقط في العام الأول بعد إعادة تحقيق الوحدة الألمانية عاد مستوى البطالة الى نفس المستوى الذي كان علية في العام 1982م وبمعدل بطالة بلغ 7 في المئة. ونتيجة انهيار القطاع الصناعي في الولايات الشرقية في ألمانيا بعد الوحدة ارتفع معدل البطالة في هذه الولايات الى 18,7 في المئة. وفي عام 1998م عندما فاز جيرهارد شرودر في الانتخابات وتولى منصب المستشار كان عدد العاطلين عن العمل قد وصل الى 4,3 مليون شخص. وكان رد المستشار شرودر على معدلات البطالة العالية هو في إعادة بناء النظام الاجتماعي للدولة من خلال برنامج اصلاح اقتصادي واجتماعي عُرف ب (Agenda 2010). وهو البرنامج الذي أدى الى خروج شرودر من الحكم وصعود المستشارة انجيلا ميركل التي استفادت وحكوماتها المتعاقبة من برنامج الإصلاح الاقتصادي. في بداية عام 2005م وصلت اعداد العاطلين عن العمل الى اعلى مستوى في تاريخها بعد الوحدة بنحو 5,3 مليون عاطل عن العمل وبمعدل 13 في المئة. وخسر شرودر بسبب ذلك منصبة لمصلحة المستشارة انجيلا ميركل. ونتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي وتعافي الاقتصاد تراجع عدد العاطلين عن العمل في العام 2008م الى 3,3 مليون شخص، وعلى الرغم من آثار الازمة المالية العالمية لم يتغير الميل الإيجابي لتحسن سوق العمل في ألمانيا والذي واصل تحسنه لأطول مدة في تاريخ ألمانيا حتى العام 2020م حيث بدأت الأزمة الحالية. برنامج المساعدات الحكومي الألماني للقطاع الخاص: ضمانات للقروض وتعويضات للعمل بدوام مختصر بلغت قيمة القروض المضمونة من الدولة والمقدمة للشركات من اجل مواجهة اثار ازمة فيروس كورونا حتى نهاية الشهر الماضي ابريل حوالي 30,3 مليار يورو، وذلك وفقاً لبيانات بنك إعادة الاعمار KfW. وقد بلغ عدد الطلبات المقدمة للحصول على هذه القروض ما يقرب من 19900 طلب. وكان الطلب على هذه القروض بضمانة الدولة بطيئا في بداية شهر ابريل قبل ان يتسارع فيما بعد. واعتبر رئيس بنك إعادة الاعمار Günther Bräunig في بداية شهر ابريل أيضاً ان مبلغ 50 مليار يورو يمثل تقديراً واقعياً لمواجهة طلبات القروض الا انه لم يستبعد ارتفاع القروض الى 100 مليار يورو. هذا وكانت الحكومة الألمانية قد أقرت ضمان 90 في المئة من مخاطر التخلف عن سداد القروض المتاحة منذ نهاية شهر مارس بينما تقوم الشركات بالاقتراض من البنوك الخاصة وتتحمل الجزء المتبقي من مخاطر العجز عن السداد. وقد أدى ذلك إلى تأخير عملية المصادقة على قروض الشركات بسبب إجراءات التحقق والفحص الائتماني، وهو ما برره الرئيس الجديد لمصرف Commerzbank، Martin Zielke بالقول ان أزمة كورونا تهدد بموجة من حالات التخلف عن سداد القروض التي ستؤثر أيضًا على البنوك. من جهته أكد Jürgen Sonder رئيس الاتحاد الفيدرالي لشراء وخدمة الائتمان (BKS) أن حجم القروض المعدومة في ميزانيات البنوك يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات إلى 100 مليار يورو خلال أزمة كورونا. ومن أجل تعزيز الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة، أقرت الحكومة الاتحادية برنامج مساعدات جديد تضمن فيه الدولة كامل مخاطر القروض التي تصل إلى 800 ألف يورو. بالإضافة إلى تخفيف شروط الحصول على هذه القروض بشكل ملحوظ. هذه القروض السريعة الجديدة أصبحت ممكنة منذ منتصف أبريل. وفي البداية، كان الطلب على هذه القروض بسعر فائدة ثابت قدره ثلاثة في المئة محدوداً، وهو ما عزاه المصرفيون إلى أن الشركات كان عليها أولاً الحصول على نظرة عامة على برامج المساعدات المختلفة وقياس احتياجاتها المالية الخاصة، الا ان الطلب على هذه القروض تسارع بعد ذلك، وبلغت نسبة الطلبات المقدمة من شركات للحصول على قروض بأقل من 800 ألف يورو أكثر من 85 في المئة من اجمالي طلبات القروض، لكن الطلب من الشركات الكبيرة شهد ارتفاعاً هو ايضاً، حيث حصلت شركة طيران Condor على قرض بقيمة 550 مليون يورو، كما تقدمت 18 شركة بطلب للحصول على قروض بأكثر من 100 مليون يورو، و130 شركة تسعى للحصول على قروض ما بين عشرة و100 مليون يورو، ولا تزال الحكومة في اطار تفاوض على قرض لشركة لوفتهانزا قد تصل قيمته الى 10 مليار يورو. هذا البرنامج الحكومي الألماني يلقى اعتراضاً من المفوضية الأوروبية حيث اعتبرت Margrethe Vestager نائبة رئيسة المفوضية انه من غير المقبول ان تضمن الحكومة الألمانية الديون المقدمة الى شركات القطاع الخاص بنسبة 100 في المئة، باعتبار ان ذلك سيخل بالقدرة التنافسية للشركات في بقية دول الاتحاد الأوروبي، وأنه لا يمكن لألمانيا الاستفادة من وضعها المالي الجيد وقدرتها على دعم قطاعها الخاص ورفع قدرته التنافسية فيما لا تستطيع الدول الاوربية الأخرى التي لا تمتلك نفس المميزات المالية فعل نفس الشيء، وبالتالي الاخلال بتنافسية الاقتصاد الأوروبي. وأشارت Vestager الى استعداد المفوضية الاوربية الموافقة على بعض هذه القروض بشكل فردي (كما تم الامر مع القرض المقدم لشركة طيران Condor). في غضون ذلك وفي إطار برامج المساعدات المقدمة من الدولة للقطاع الخاص اقرت الحكومة الألمانية تسهيل إجراءات طلب تعويضات العمل لوقت مختصر لموظفي شركات القطاع الخاص والتي تقضي بدفع تعويضات للعمال والموظفين الذين لا تحتاجهم الشركات بواقع 60 في المئة من صافي الراتب للموظف (67 في المئة للموظف الذي لديه أطفال)، على ان ترتفع قيمة التعويض من الشهر الرابع الى 70 في المئة من صافي الراتب (77 في المئة للموظف الذي لديه أطفال)، كما سترتفع قيمة التعويض بداية من الشهر السابع الى 80 في المئة من صافي الراتب (87 في المئة للموظف الذي لديه أطفال). ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة Hans Böckler، القريبة من نقابات العمال يخشى 70 في المئة من العمال والموظفون في القطاع الخاص على أمنهم المالي ومستقبلهم الوظيفي. حتى في المؤسسات والشركات الكبرى حيث سبق لشركة BMW لصناعة السيارات ان أرسلت موظفيها في عدة مصانع الى العمل بوقت مختصر. ووفقا لوكالة العمل الاتحادية تقدمت شركة واحدة من بين كل ثلاث شركات تقريبًا في ألمانيا بطلب للحصول على تعويضات العمل بوقت مختصر. تأثير جائحة كورونا على النظام الصحي الألماني يعد النظام الصحي في ألمانيا خط المواجهة الأول لجائحة كورونا، ومن اجل ذلك جرى تفريغ المستشفيات واعطاء الاولوية لعلاج المصابين بالفيروس وتوقفت باقي اقسام المستشفيات وبقية التخصصات الطبية عن استقبال الحالات المرضية الأخرى غير الضرورية وغير الملحة. الا ان تطور الجائحة وعدد المصابين بالفيروس الذين يحتاجون الى رعاية طبية مكثفة والى البقاء في المستشفيات ضل منخفضاً بالمقارنة مع عدد المرضي المصابين بالفيروس والحالات الحرجة التي تم تسجيلها في عدد من الدول الأوروبية كفرنسا واسبانيا وإيطاليا، مع فارق الإمكانات الصحية الكبيرة التي تتمتع بها ألمانيا بالمقارنة مع هذه الدول. اذ وبحسب الاتحاد الألماني متعدد التخصصات للعناية المركزة وطب الطوارئ (DIVI) فمن ضمن 32 ألف سرير عناية مركزه متوفر في ألمانيا يوجد فقط 19 ألف سرير مشغول، ويدخل ضمن هذا العدد ما يقرب من 2500 سرير فقط لمصابين بفيروس كورونا. من جهتها اكدت جمعية المستشفيات الألمانية (DKG) ان القرار بتأجيل كل العمليات غير الضرورية استعداداً لجائحة كورونا أدى الى بقاء نحو 150 ألف سرير في المستشفيات فارغة وهو ما يمثل ما بين 30 الى 40 في المئة من مجموع عدد الأسرة المتاحة والذي يقترب من نصف مليون سرير. وبحسب اراء الخبراء في معهد لايبنز للأبحاث الاقتصادية Leibniz-Institut für Wirtschaftsforschung ، فان عدد الاسرّة غير المشغولة في ما يقرب من 1942 مستشفى في ألمانيا قد يصل الى 50 في المئة من مجموع اجمالي الاسرّة بعد ان كان متوسط اشغال الاسرّة في المستشفيات يصل الى 77,8 في المئة في العام، وذلك يعني استمرار الأعباء المالية على المستشفيات للطواقم الطبية مع تراجع إيراداتها بسبب عدم التشغيل الكامل لإمكانياتها وانعكاس ذلك على سوق الرعاية الصحية الذي تبلغ ايراداته اكثر من 90 مليار يورو. وعلى الرغم من رفع شركات التأمين المبلغ المخصص كتكاليف رعاية طبية لكل مريض بواقع 40 يورو إضافة الى المبلغ الاساسي البالغ 185 يورو، والتعويضات التي اقرتها الحكومة الاتحادية بواقع 560 يورو يوميا عن كل سرير غير مشغول سواءً للمستشفيات الخاصة او الجامعية حتى نهاية شهر سبتمبر القادم، فانة ونتيجة لانخفاض عدد المرضى الذين يتلقون العناية او نتيجة لتأجيل الحالات المرضية غير الملحة او الخطيرة، او بسبب عزوف الكثير من المرضي عن الذهاب الى المستشفيات خشية الإصابة بالعدوى بفيروس كورونا، فمن المتوقع ان تواجه العديد من المستشفيات صعوبات مالية كبيرة. وفي هذا الإطار قال Thomas Lemke رئيس مجلس إدارة شبكة مستشفيات Sanaالخاصة ” سوف نستمر لوقت طويل في العمل من اجل استعادة ثقة المريض بالذهاب الى المستشفى دون الخشية من الإصابة بعدوى فيروس كورونا”، مضيفاً ” ان الازمة الحقيقية بالنسبة للمستشفيات قادمة، حيث من المتوقع بعد انتهاء ازمة كوفيد-19 اجراء نقاش جذري حول الكيفية التي يجب ان يكون عليها نظامنا الخاص بالرعاية الطبية”. من جانبها تعمل وزارة الصحة الاتحادية على إعادة العمل في المستشفيات الى حالته الطبيعية مرة أخرى حيث اعدت لأجل هذا الغرض ورقة مبادئ تتضمن فيما تتضمن ان تكون المستشفيات قادرة خلال عدة أيام على ان توفر اسرّة عناية مركزه كافية وذلك لو عادت حالات الإصابة بالفيروس الى الارتفاع بعد تخفيف إجراءات العزل الاجتماعي، من خلال وضع خطة مرحلية للعودة الى المستوى الطبيعي لعمل المستشفيات تشمل تخصيص المستشفيات لـ 25 في المئة من اسرّة العناية المركزة للمرضى المصابين بفيروس كورونا، وان تكون المستشفيات قادرة خلال 72 ساعة على تنظيم امكانياتها في اسرّة العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، بالإضافة وكخطوة أولى، إبقاء 70 في المئة من قدرة اجراء العمليات مخصصة للعمليات الاعتيادية والمخططة، على ان ترتفع هذه النسبة بـ 10 في المئة كل أسبوعين وفي مرحلة إضافية ترتفع إمكانيات استعادة العمل الاعتيادي لطاقة العمليات بنسبة 5 في المئة كل ثلاثة أسابيع. ألمانيا تطور تطبيق للهواتف الذكية للتحذير من فيروس كورونا كلفت الحكومة الاتحادية الألمانية شركتي SAP وDeutsche Telekom لتطوير تطبيق مخصص للهواتف الذكية يقوم بتحذير الافراد في حالة اقتراب شخص مصاب بفيروس كورونا منهم، وبالإضافة الى عمل الشركتين في تطوير التطبيق فإنها ستتلقى الدعم الاستشاري في هذا المجال من جمعية الأبحاث Fraunhofer ومركز Helmholtz CISPA. ويأتي مسعى الحكومة الألمانية لتطوير هذا التطبيق للمساعدة في تتبع الإصابات بفيروس كورونا في إطار تكثيف الجهود وإيجاد حلول مبتكرة لاحتواء جائحة كورونا. وقال متحدث باسم شركة SAP لتطوير البرمجيات إنه جرى تقسيم المهام بين الشركتين حيث تتولي شركة Deutsche Telekom للاتصالات مسؤولية تكنولوجيا الشبكات والهاتف المحمول وكذلك التشغيل الآمن للتطبيق، بينما تتولى SAP تجهيز وتطوير المنصة التقنية والبرمجيات. وقال متحدث باسم Telekom ان “الشركتان شكلتا فريقًا موحداً وتعملان الآن على تجهيز البنية التحتية والاسس البرمجية التي سيقوم عليها التطبيق”. وخلال تطوير هذا التطبيق يتم التركيز على حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، حيث يجب ألا يستخدم التطبيق تقنية تحديد المواقع GPS، ولكن فقط باستخدام تقنية نقل البيانات والمعلومات عبر موجات الراديو Bluetooth، وهو ما يسمح بتحديد المسافة بين هاتفين ذكيين، ولكن ليس تحديد موقعهما. وذلك بهدف عدم السماح باستخلاص أي استنتاجات او معلومات حول الأفراد، بينما يتم استخدام مفتاح معرف مجهول لتحذير المستخدمين الآخرين في حالة وجود شخص لدية إصابة مؤكدة بالفيروس وتنبيههم باحتمال اصابتهم ايضاً. وبالنسبة لشركة SAP لتطوير البرمجيات، ليس هذا هو التعاون الأول مع الحكومة الاتحادية خلال أزمة كورونا، حيث طورت الشركة وخلال فترة وجيزة لا تتعدى الأيام برنامجاً خاصا لمصلحة وزارة الخارجية من اجل تمكين المواطنين الألمان الذين تقطعت بهم السبل في الخارج الإبلاغ عن مكان وجودهم وعن رغبتهم في العودة الى ألمانيا، من اجل ترتيب عمليات الاجلاء التي نفذتها وزارة الخارجية خلال الأسابيع الماضية. كوفيد-19: توسيع الهوة بين دول شمال وجنوب الاتحاد الأوروبي لم تستثني جائحة كورونا والاثار السلبية لها على الاقتصاد أي دولة أوروبية، لكن حجم الركود الاقتصادي وطول المدة التي سيستمر فيها هذا الركود تختلف بشكل كبير بين بلد وأخر. وإذا ما كانت الجائحة قد أصابت كل دول الاتحاد فان الخروج من الركود واستعادت عافية الاقتصاد لن تكون بشكل متساو بين الدول الاعضاء. وبحسب التقييم الاولي للاقتصاد الأوروبي الذي قدمته المفوضية الأوروبية فان دول شمال وشرق أوروبا وألمانيا سوف تخرج بشكل أسرع نسبياً من الازمة بينما ستصيب الازمة دول جنوب القارة الأوروبية بشكل أكبر وبطريقة أكثر قوة. وللمرة الاولي منذ اندلاع جائحة كورونا قدّمت المفوضية الأوروبية تقديرات حول الاثار الاقتصادية للجائحة لهذا العام، حيث تتوقع انكماش اقتصاد الـ 27 دولة العضو في الاتحاد بمتوسط 7,4 في المئة فيما سيصل هذا الانكماش بالنسبة لـ 19 دولة المنضوية في منطقة اليورو الى نسبة 7,7 في المئة. كما تتوقع المفوضية ان يرتفع معدل البطالة في دول الاتحاد من نسبة 6,7 في المئة الى نسبة 9 في المئة، هذا بالإضافة الى تراجع الاستثمارات بنسبة قد تفوق 13 في المئة. ووصف مفوض الاتحاد الأوروبي للشئون الاقتصادية Gentiloni Paolo هذه التطورات الاقتصادية بان ” أوروبا تعيش حالة صدمة اقتصادية لم تشهد لها مثيلاً منذ الازمة المالية العالمية”. واضاف Gentiloni ان مجمل المخاطر قد لا تعرقل التعافي الاقتصادي الأوربي فقط وانما قد تؤدي الى دفع الدول الى اتباع سياسات حمائية بما قد يضر بالاقتصاديات الأوروبية بشكل عام، واحتمال حدوث موجة من افلاس الشركات الأوروبية ومشاكل دائمة في سوق العمل. ومن جانبه أضاف نائب المفوض الأوروبي للشئون الاقتصادية Valdis Dombrovskis “ان الاثار المباشرة على الاقتصاد تعد أكثر سوءاً من الفترة التي تلت الازمة المالية العالمية”. من جهة أخرى اظهر تقييم المفوضية الاوربية أن التراجع الاقتصادي لدول الاتحاد لن يستمر لوقت طويل، حيث وبداية من النصف الثاني من هذا العام سيعاود اقتصاد المنطقة النمو مرة أخرى، فيما سيبلغ النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي في العام القادم نسبة 6,1 في المئة. الا انه لن يصل الى المستوى الذي كان علية قبل الازمة، حيث لن يعود عدد المشتغلين وحجم الصادرات والاستثمارات في العام 2021م الى نفس المستوى الذي كان عليه في العام 2019م. وكما أظهرت تقديرات المفوضية الأوروبية تفاؤلا بتحسن وتعافي الاقتصاد الأوروبي عقب الجائحة الا انها ايضاً وفي نفس الوقت لا تتحدث عن ضمان حدوث ذلك. وتقوم تقديرات المفوضية الأوروبية على أساس ان حالة خفض النشاط الاقتصادي التي فرضتها الدول الاوربية سوف تنتهي بشكل تدريجي في شهر مايو. اما في حالة ما استمرت حالة خفض النشاط او في حالة ظهور موجة عدوى ثانية بفيروس كورونا تجبر الدول على اغلاق جزئي للنشاط الاقتصادي، فإن تعافي الاقتصاد سوف يتأخر. كما ستكون هذه نفس النتيجة في حال لم تستطع دول الاتحاد الاتفاق على استراتيجية مشتركة لإعادة البناء وتتفاوت تقديرات المفوضية الأوروبية لحالة اقتصاد دول الاتحاد عقب جائحة كورونا بشكل كبير على مستوى الدول، حيث تشير التقديرات الاقتصادية للمفوضية حول تطورات الاقتصاد الألماني الى تعافي سريع له، حيث سيتراجع الناتج المحلي الإجمالي الألماني لهذا العام بنسبة 6,5 في المئة الا انه سيسجل خلال العام القادم نمواً بنسبة 5,9 في المئة. كما سيرتفع معدل البطالة بشكل محدود لهذا العام الى نسبة 4 في المئة (بحسب معايير الاتحاد الأوروبي)، والتي تختلف عن المعايير الألمانية لاحتساب البطالة. بينما سيتراجع هذا المعدل في العام 2021م الى 3,5 في المئة. وتتوقع المفوضية ارتفاع اجمالي الدين الحكومي في ألمانيا هذا العام من نسبة 59,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الى 75,6 في المئة بينما سيتراجع خلال العام القادم الى نسبة 71,8 في المئة. وتذهب المفوضية الى ان التأثيرات الاقتصادية الأكثر سوءاً ستتركز في اسبانيا وإيطاليا واليونان حيث ستشهد هذه الدول ازمة في سوق العمل وسيرتفع معدل البطالة فوق نسبة العشرة في المئة، وتعد الازمة الاقتصادية التي ستواجهها هذه الدول ثاني ضربة قوية تتلقاها عقب الضربة الاولي خلال الازمة المالية العالمية 2009م، وقد يضاف الى هذه الدول فرنسا التي تسببت ازمة كورونا في خسارتها للنجاح الجزئي الذي كانت قد حققته في مكافحة البطالة. وانطلاقا من ان تثبيت سوق العمل غير المستقر يتم من خلال المساعدات والدعم المالي من قبل الدول، فانة من المتوقع ان يرتفع العجز المالي في ميزانيات كل دول الاتحاد الأوروبي وبالتالي ارتفاع حجم الديون لتغطية العجز. هذه الديون ستكون اعبائها أكثر وطأة على اسبانيا، إيطاليا، اليونان، فرنسا والبرتغال حيث تتجاوز ديون كل دوله من هذه الخمس دول حاجز الـ 100 في المئة من حجم ناتجها المحلي الإجمالي السنوي. اذ من المتوقع ان تصل ديون اليونان هذا العام مثلا نسبة 195 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، في إيطاليا 159 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. وهكذا تهدد ازمة كورونا بتوسيع الهوة بين دول شمال وجنوب أوروبا، وتصيب الازمة بشكل خاص دولا مثل اسبانيا، إيطاليا، اليونان والبرتغال والتي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على قطاع السياحة والذي يعد القطاع الأكثر تضرراً من جائحة كورونا. ويحذر المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية Gentiloni من اضرار ازمة كورونا على الاقتصاد المشترك لدول منطقة اليورو. لذا تبدوا المصلحة المشتركة لجميع دول الاتحاد في الاتفاق على برنامج قوي ومشترك لإعادة الاعمار، وهو ما يزال غير محل اتفاق بين الدول الأعضاء وبالذات حول اصدار سندات ديون أوروبية مشتركة والتي طالبت بها إيطاليا واعترضت عليها دول الشمال ومنها ألمانيا وهولندا. في عضون ذلك قدمت ألمانيا وفرنسا مقترحا يهدف الى مساعدة الدول الأوروبية الاكثر تضرراً من جائحة كورونا عبر انشاء صندوق لإعادة الاعمار عقب انتهاء الأزمة بقيمة تتجاوز 500 مليار يورو وعلى ان تتلقى هذه الدول الأموال خلال العامين او الثلاثة أعوام القادمة على شكل مساعدات وليس كقروض. (يأتي ذلك الى جانب الحزمة الأولى من المساعدات التي اقرتها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أوائل شهر ابريل الماضي والتي تشمل قروضاً تصل قيمتها الى 540 مليار). وأتى هذا المقترح الألماني الفرنسي المشترك عبر قمة عقدت عبر الفيديو بين المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ويعتبر هذا المقترح تحركاً ألمانيا عن مواقفها السابقة والتي كانت تشدد على ان تتلقى دول الاتحاد المتضررة هذه الأموال كقروض. وقد اعتبر الرئيس الفرنسي مشروع صندوق إعادة الاعمار “خطوة هامة” من اجل اتفاق أعضاء الاتحاد حول الميزانيات القادمة للاتحاد. فيما اكدت ميركل على ضرورة التضامن داخل الاتحاد الأوروبي وان على الاتحاد ان يتعامل مع ازمة غير اعتيادية بطريقة غير اعتيادية ايضاً، اذ ان ازمة كورونا اثرت بمستويات مختلفة على الدول الاوربية وبطريقة هددت تماسك الاتحاد. وسيتم تمويل صندوق إعادة الاعمار عبر السماح للمفوضية الاوربية باقتراض الأموال على ان تقوم جميع دول الاتحاد بسداد هذه القروض بحسب نصيبها في ميزانية الاتحاد وعلى مدى طويل يبلغ 20 عاماً. وتعد ألمانيا والتي تتحمل 27 في المئة من ميزانية الاتحاد الأوروبي أكبر مساهم في هذه الميزانية. ولإقرار برنامج صندوق إعادة الاعمار يجب ان توافق علية جميع دول الاتحاد الـ 27 وان تصادق علية جميع برلمانات الدول الأعضاء. وقد رحبت المفوضية الاوربية بالمقترح الألماني الفرنسي، بينما أشاد الرئيس ماكرون بالتضامن الأوروبي خلال ازمة كورونا، حيث مالت دول الاتحاد في بداية الازمة الى إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية، قبل ان يتغلب التضامن المشترك عبر استقبال ألمانيا لمرضى فرنسيين مصابين بالفيروس وكذلك عبر ارسال ألمانيا وفرنسا مساعدات طبية الى إيطاليا.