ذكر معهد بحوث الاقتصاد الألماني Ifo في ميونيخ أن التحسن الطفيف الذي سجله مؤشر الاجواء في شهر سبتمبر الماضي مقارنة بشهر أغسطس، منع انزلاق الاقتصاد الألماني إلى عتبة الركود. وقال المعهد إن أجواء غالبية مسؤولي تسعة آلاف شركة يستفتيهم شهرياً في البلاد تحسنت بعض الشيء بعد خمسة تراجعات شهرية متتالية، وارتفع مؤشر الأجواء من94,3 إلى 94,6 نقطة، علماً أن الخبراء كانوا يتوقعون ارتفاعه إلى 94,4 نقطة فقط. وعقّب رئيس المعهد الأهم في ألمانيا على النتيجة بالقول “إن الانتعاش الاقتصادي في استراحة حالياً “، مبتعداً بذلك عن استخدام تعبير ركود. لكن توقعات الشركات الألمانية للأشهر الستة المقبلة لا تزال غير متفائلة وحذرة. وعلى عكس العديد من الخبراء يرى البنك المركزي الألماني في تحليل أخير له أنه “لا يرى في التطورات الاقتصادية الضعيفة الأخيرة في البلاد ما يثير القلق”. مع ذلك أعرب قطاع الصادرات الصناعية في البلاد أنه “قلقٌ جداً” من تداعيات خروج غير منظّم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك من حروب الرئيس الأميركي Donald Trump التجارية في العالم، وبخاصة مع الصين، التي ستطال تأثيراتها السلبية دول عديدة.

وبدوره أظهر مؤشر مركز البحوث الأوروبي ZEW في مانهايم تحسناً في نتائجه لشهر سبتمبر الماضي وتوقّع انفراجاً في الوضع الاقتصادي دون التقليل من التطورات السلبية بعد تحسّن مؤشره للوضع الحالي من 44 نقطة تحت الصفر الشهر الماضي إلى 22 نقطة تحت الصفر هذا الشهر. ويستطلع المعهد شهرياً آراء وتوقعات ما بين 200 و300 خبير اقتصادي ومالي ألماني وأوروبي. وعلّق رئيس المعهد Achim Wambach على تفاؤل معهده النسبي بالقول “إن تنامي دلائل عودة النمو لا يعني خفض إشارة التحذير في ما يخص تطور الاقتصاد الألماني خلال الأشهر الستة المقبلة، إذ أن التوقعات للفترة القادمة لا تزال سلبية”. وأضاف: “إن تخوفات خبراء المال الكبيرة الشهر الماضي من حدوث حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين لم تتحقق، كما لا يزال هناك أمل في تفادي حصول خروج غير منّظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي”. وانضم البنك المركزي الألماني إلى المتفائلين بحذر فقلّل في تقريره الشهري الأخير من مخاوف الكثيرين قائلا إنه “رغم الضعف الاقتصادي الحالي لن يسقط الاقتصاد الألماني” على أنفه. وتابع أن “من المحتمل أن يتراجع النمو في البلاد بصورة طفيفة في الربع الثالث من هذه السنة، إلا أن ذلك لن يعني أن أكبر اقتصاد في أوروبا سيتعرض للركود”.

من جهة أخرى يبدو أن المستهلكين الألمان غير مهتمين بعد بقلق رجال الأعمال وبالأوضاع الصعبة داخل المصانع والمؤسسات، وبدخول بلدهم في مرحلة ركود اقتصادي، خاصة وأن مؤشر الاستهلاك الداخلي لا يزال مرتفعاً، وكذلك الرغبة في الصرف وفي الشراء. وسجّل المؤشر الشهري لمعهد بحوث السوق GfK في نورنبيرغ نمواّ في المبيعات في شهر سبتمبر المنصرم بلغ 9,7 نقطة. ويتوقع المشرفون عليه أن يسجل المؤشر في نهاية شهر أكتوبر الجاري نمواً أعلى يبلغ 9,9 نقطة، الأمر الذي فاجأ المراقبين والمحلّلين، خاصة وأنهم انطلقوا من أن تراجع النمو ومصاعب البلاد حالياً ستدفعهم إلى خفض مشترياتهم والتقليل من مصاريفهم. وقد يحصل ذلك قريباً بالفعل في حال لم تتحسن الأوضاع ويبدأ عدد أكبر من مصانع البلاد وشركاتها في خفض ساعات العمل للعاملين فيها، الأمر الذي حصل قبل فترة عملياً، لكنه لا يزال محدوداً.

سوق العمل الألمانية صلبة والبطالة تنخفض من 5,1 إلى 4,9%

على الرغم من مخاوف الحكومة ورجال الأعمال في ألمانيا منذ أشهر عدة من تراجع النمو في البلاد، والدخول في مرحلة ركود اقتصادي قد يؤدي إلى رفع معدل البطالة في البلاد، أظهر سوق العمل الألماني على العكس من ذلك ثباتاً وقوّة انعكسا تراجعاً في عدد العاطلين عن العمل في شهر سبتمبر بمقدار 85 ألف شخص عن شهر أغسطس الماضي، وبلغ التراجع نحو 22 ألف شخص عن الشهر ذاته من العام الماضي. وبذلك انخفض معدل البطالة في البلاد من 5,1 إلى 4,9 في المئة، ما فاجأ الخبراء والمراقبين تماماً. وذكرت وكالة العمل الألمانية BA في نورنبيرغ أن البطالة سجّلت في سبتمبر 2,234 مليون عاطل، وهو الرقم الأدنى الذي يُسجّل لها في البلاد في الشهر المذكور منذ الوحدة الألمانية عام 1990. وقال رئيس وكالة العمل Detlef Scheele تعقيباً على ذلك “إن الطلب على الأيدي العاملة مستمر في البلاد، غير أن زخمه يشهد تراجعاً، ويخف الطلب على اليد العاملة بصورة ملموسة من جانب الشركات والمؤسسات”، مضيفاً أنه “بالرغم من ذلك لا يزال سوق اليد العاملة قوياً”. وأرجعرحعأرجع  رئيس الوكالة، في مقابلة مع جريدة Handelsblatt الاقتصادية الألمانية، الضعف الاقتصادي الحاصل في البلاد “إلى عوامل محض خارجية”. وتابع أن تقديرات وكالته ومعهد البحوث IAB التابع لها لا تشير إلى أن ألمانيا ستواجه في المرحلة القريبة القادمة تغييرات بنيوية سريعة ومتاعب في النمو، وإنما وقبل كل شيء متاعب ناتجة عن إدارة الرئيس Donald Trump والبلبلة الحاصلة في التجارة الدولية”.

وفي دول منطقة اليورو الـ 19 تراجع معدل البطالة إلى 7,4 في المئة في شهر أغسطس الماضي بعد أن سجّل 7,5 في المئة في شهر يوليو الذي سبقه و8 في المئة في أغسطس 2018. وقال مكتب الإحصاء الأوروبي Eurostat إن هذا هو أدنى معدل مسجّل في منطقة اليورو منذ شهر مايو 2008. وفي دول الاتحاد الأوروبي الـ 28، بلغ معدل البطالة 6,2 في المئة الشهر الماضي مقابل 6,3 في المئة في شهر يوليو 2019 و6,7 في المئة في أغسطس 2018، ما يُعتبر أدنى معدل لحجم البطالة في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 بلداً منذ بدء تسجيل البطالة الشهرية في يناير 2000. وقدّر مكتب يوروستات أنه في أغسطس 2019 كان 15 مليون و432 ألف شخص عاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي بينهم 12 مليون و169 ألفاً في منطقة اليورو. ومقارنة مع أغسطس 2018 انخفضت البطالة بمقدار 1,189 مليون في دول الاتحاد الأوروبي و960,000 في منطقة اليورو.

30 سنة على الوحدة: الألمان الشرقيون أكثر سعادة.. ولكن…

أظهر استطلاع جديد، نُشر في 25 سبتمبر الماضي في شرق ألمانيا، عشيّة الذكرى الـثلاثين للوحدة الألمانية في الثالث من شهر اكتوبر الجاري، أن غالبية كبيرة من سكان شرق البلاد أقرّت بأن حياتها اليوم أفضل مما كانت عليه في “ألمانيا الشرقية” مقابل 53 في المئة من سكان غرب ألمانيا. ونُفذ الاستطلاع بطلب من مؤسسة كوربر Körber Stiftung الألمانية فيما ذكر فقط 10 في المئة أن حياتهم الآن أسوأ مما كانت عليه في السابق. وشكي آخرون من فقدان التواصل الاجتماعي وزيادة الأنانية والحسد. وأظهر الاستطلاع أن 69 في المئة من غرب ألمانيا و74 في المئة من شرقها لا يزالون يرون فوارق كبيرة بين غرب البلاد وشرقها.

وأظهر استطلاع آخر للرأي نُشر في 12 أغسطس الماضي، أجراه معهد Forsa  بطلب من القناة التلفزيونية ART، أن أكثر من رُبع الألمان الشرقيين يرون “أن أثر الوحدة الألمانية على أحوالهم الشخصية تراوحت بين عدم التغيير والتدهور”. وفيما ذكر 18 في المئة من المستطلَعين أن أوضاعهم “بقيت على حالها”، قال تسعة في المئة من الألمان إن حياتهم “تدهورت منذ نهاية دولة ألمانيا الشرقية. وأعربت الفئة الأكبر، أي 69 في المئة، عن اعتقادها بأن أحوالها الشخصية “صارت أفضل مما كانت عليه قبل وحدة شطري البلاد في بداية التسعينيات”. وبيَّنت نتائج عيّنة من 1500 ألماني شرقي أن حَمَلة المؤهلات المتوسطة، وأصحاب الدخل المتدني من الشريحة العُمرية التي يراوح سنّها بين 55 و60 عاماً، جاءوا في طليعة المستطلَعين الذين اعتقدوا بحدوث تدهور للأوضاع المعيشية بعد الوحدة.

ولفت “معهد فورزا” إلى أن نحو ثلث من يعتقد بتدهور الأوضاع بعد الوحدة، لا يرى أن وظائفه مضمونة، موضحاً أن 27 في المئة من هؤلاء يرون أن دخلهم ومعاشاتهم الحالية أدنى مما كانت عليه في حقبة ألمانيا الشرقية السابقة. وذكر 21 في المئة ممن يروْن أن حياتهم تدهورت بعد الوحدة، إن لديهم تخوفاً عاماً من المستقبل. وشكا 17 في المئة من “فقدان التواصل الإنساني” مشيرين إلى أن ألمانيا الشرقية السابقة “لم يكن فيها كل هذا القدر الكبير من الأنانية والحسد”، فيما أعرب 10 في المئة عن استيائهم من السياسيين قائلين “إن هؤلاء على نفس درجة الفساد التي كانت في ألمانيا الشرقية السابقة”. وأعرب 4 في المئة فقط عن اعتقادهم بأن عدد الأجانب واللاجئين الموجودين في البلاد “أكثر من اللازم”.

ولمناسبة الذكرى الثلاثين للوحدة ذكر مفوض الحكومة الألمانية لشرق البلاد Christian Hirte في تقرير خاص أن الوضع الاقتصادي في الولايات الشرقية الخمس يتحسّن، مع ذلك لا يزال السكان هناك يشعرون أنهم مواطنو درجة ثانية. وأضاف أن الأوضاع في شرق البلاد “أفضل بكثير مما يجري الحديث عنه”. ورأى أنه بالرغم من استمرار ضعف البنى التحتية في الشرق، إلا أنه حقق تطوراً إيجابياً عالياً منذ الوحدة. وتابع أن الأجور والمعاشات وادخارات الناس في الولايات الشرقية ارتفعت بدورها، وحقّقت البطالة فيها انخفاضاً. وتابع أن للفروقات القائمة مع غرب ألمانيا أسباباً بنيويّة منها صغر حجم الصناعات القائمة في الشرق، وافتقاده لوجود مؤسسات اقتصادية ضخمة أو عملاقة. إلى جانب ذلك فان متوسط أعمار السكان هناك أعلى مما هو عليه في غرب البلاد بسبب هجرة الشباب بعد الوحدة للعمل في الغرب إثر خسارة وظائفهم وأعمالهم في الشرق. لكنه لفت إلى أنه ابتداء من عام 2017 أظهرت الإحصاءات أن عدداً أكبر من الألمان ينتقلون الآن من الغرب إلى الشرق لا العكس، “علماً أن توقعات الشرقيين من الدولة أعلى بكثير من توقعات الغربيين منهاً” على حدّ قوله.

وأضاف مفوض الحكومة أنه على عكس اعتقاد الشرقيين بوجود اهمال لهم وتراجع في أوضاع عملهم وعيشهم وتقاعدهم، فان السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعات ملموسة في أجورهم ومعاشات تقاعدهم، لكنه اعترف بضرورة العمل بفعالية أكبر في المناطق الشرقية التي تعاني من ضعف شديد في كل شيء تقريباً لمساعدتها على اللحاق بركب الأخرين في الشرق وفي الغرب، محذراً حكومته من اهمال أو نسيان هذه المناطق المتأخرة.

من جهته رأى Dieter Kempf رئيس اتحاد الصناعة الألماني BDI أن المرء في البلاد لم يسمع أصوات المواطنين الشرقيين كما يجب وبصورة كافية، واتهم السياسيين ورجال الاقتصاد في البلاد بارتكاب أخطاء في شرق البلاد. وقال إنه حتى ضمن الولايات الشرقية نشأت بعد الوحدة فروقات كبيرة جداً بينها. وطالب الجميع بالعمل بجهد سوية لتحسين أوضاع البنى التحتية في شرق البلاد، قائلاً إن المرء “ارتكب على مدى زمني طويل خطأ فهم أن البنى التحتية يعني انشاء طرق معبّدة فقط”. وتابع أن معنى “البنى التحتية” أكثر من ذلك بكثير، مثل تأمين الانترنت، والخباز، وعيادة طبية، وغير ذلك من ضرورات الحياة. وتابع أنه قادر على فهم الناس هناك “الذين يشعرون بأن الدولة لا تأخذهم بعين الاعتبار”، معتبراً أن تحسين الأوضاع هذه “مهمّة سياسية”.

وكان اتحاد الصناعيين قد نبّه أخيراً إلى أن ولا شركة كبيرة في ألمانيا نقلت موقعها الرئيسي إلى شرق البلاد بعد ثلاثة عقود من الوحدة، كما أن التقارب الاقتصادي بين الجانبين في حالة جمود اليوم. وفي كلمتها الأسبوعية المتلفزة في 28 سبتمبر الماضي التي تُبثّ عبر الإنترنت، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل بمناسبة ذكرى الوحدة الألمانية: “إن ألمانيا حققت الكثير خلال العقود الثلاثة التي تلت إعادة توحيد شطري البلاد”. وساقت مثالاً على ذلك القوة الاقتصادية للولايات الشرقية “التي كانت عند نسبة 43 في المئة من القوة الاقتصادية للولايات الغربية قبل الوحدة، ووصلت في الوقت الراهن إلى 75 في المئة، ما يعني نجاحاً عظيما”. واستدركت قائلة: “لكن لا يزال لدينا الكثير لنفعله”.

ألمانيا تتبنى برنامجاً طموحاً لحماية المناخ بكلفة 54 مليار يورو

قبل أيام قليلة من انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ للشباب في نيويورك أقرّ مجلس الوزراء الائتلافي الألماني المعنيّ بالمناخ اجتماعه في 20 سبتمبر الماضي نقاط رئيسية في إطار وضع برنامج شامل لحماية المناخ في البلاد حتى عام 2030 ستخصص له الحكومة الألمانية 54 مليار يورو. وتهدف حزمة التدابير المتفق عليها بين حزبي الائتلاف المسيحي الاشتراكي إلى ضمان الوصول إلى تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة CO2 بنسبة 55 في المئة مقارنة بعام 1990، وهو هدف طموح جداً شككت غالبية أحزاب المعارضة بإمكانية تحقيقه حتى التاريخ المحدد أعلاه، ورأت أن المبلغ المخصص للبرنامج لا يكفي. وكما ذكرت الحكومة نفسها فان النجاح غير ممكن إلا إذا وحّدت جميع الوزارات أهدافها وامكاناتها. ولضمان ذلك يتوجب تحديد أهداف المناخ لعام 2030 الخاصة بالمجالات المختلفة والتي سينص عليها قانون خاص بحماية المناخ ستُقرّه الحكومة ومعها البرلمان قريباً. وللتأكد من انجاز الأهداف الموضوعة يتوجب التحقق من مدى تنفيذها سنوياً من قِبَل مجلس الوزراء المعني بالمناخ. وتقرر دعم لجنة مجلس الوزراء المعنيّة بالمناخ في هذا الشأن من جانب مجلس خبراء للبيئة مستقل يقترح ويراقب عملها. وفي حال حصل تقاعس في تنفيذ الأهداف الموضوعة يتعين على الوزارات المعنية بالأمر تصحيح توجهها لتنفيذ البرنامج الموضوع.

ومن النقاط الهامة في البرنامج إدراج سعر للغازات السامّة في مجالات النقل والبناء اعتباراً من عام 2021، وبعد خمس سنوات ينبغي اتباع نظام وطني لتجارة انبعاثات الغازات السامّة، أي بيعها وشراؤها، وتسريع الخطط الخاصة بإنهاء استخدام الفحم الحجري في ألمانيا، وتأمين حوافز أوسع لتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في البلاد. وحتى عام 2030 فقط سيجري استثمار نحو 54 مليار يورو في مشاريع وبرامج حماية البيئة. وسيجري العمل في الوقت ذاته على رفع العبء المالي عن المواطنين، ويتضمن ذلك خفض أسعار بطاقات السفر في القطارات، ورفعها في المقابل للطائرات ابتداء من العام المقبل، وكذلك خفض سعر الكهرباء للسكان. وبحسب ما ذُكر فإن من سيقوم بتبديل نظام تدفئته القديم بأنظمة صديقة للبيئة، سيجري دعمه من خلال تحمّل ما يصل إلى 40 في المئة من تكاليف التحويل. واتفق قادة الائتلاف على تسعير الانبعاثات الكربونية الضارة بالمناخ في النقل والمباني عبر تداول شهادات الكربون. وسيبدأ تطبيق هذا الإجراء بحلول عام 2021 م، لترتفع أسعار ليتر البنزين والديزل حتى ذلك الحين 3 سنت، إلى أن يصل مقدار الارتفاع إلى 10سنت بحلول عام 2026م.

وعرضت المستشارة الألمانية Angela Merkel قرارات مجلس الوزراء الخاصة بالمناخ أمام “قمة الأمم المتحدة حول المناخ للشباب” في نيويورك. وتهدف القمة إلى التعجيل بتنفيذ قرارات اتفاقية باريس للمناخ وتقديم مشاريع نموذجية لتوفير مزيد من الحماية للمناخ في العالم. وترغب الحكومة الألمانية أيضاً في المضي قدماً على المستوى الأوروبي وتؤيد تداول شهادات خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على مستوى أوروبا في جميع القطاعات، وهو لم يشمل حتى الآن سوى قطاعي الطاقة والصناعة. ووجد المطلب هذا موقعه الآن أيضاً في “الصفقة الأوروبية الخضراء” التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة Ursula von der Leyen (وزيرة الدفاع الألمانية السابقة) كخطوة أولى تدعم الحكومة الألمانية في وضع حد أدنى للسعر الحالي لتداول انبعاثات الغاز الأوروبية الساري المفعول حالياً. وذكرت مركل أنه بإمكانها “تفهم شكوك كل منتقد لا يصدق أن الحكومة الألمانية ستحقق هدفها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 55 في المئة بحلول عام 2030″، مضيفة أنه لهذا السبب لم ينه مجلس الوزراء المصغّر المختص بشؤون حماية المناخ عمله، بل سيراجع سنوياً، بدعم من مجلس خبراء، تحقيق هذه الأهداف. وأضافت أنه سيجرى عقب ذلك تقرير كيفية إعادة ضبط هذه الإجراءات وتحسينها، معتبرة آلية المراقبة والتقويم المستمر “ضمانة لتحقيق هذه الأهداف تدريجاً.

جونسون في أوروبا وترامب في العالم، يضربان “خبط عشوائي”

يذهب بعض الخبراء والمحللين الاقتصاديين والسياسيين، أن أفضل تشبيه لكلام وتصرفات كل من رئيس وزراء بريطانيا Boris Johnson والرئيس الأميركي Donald Trump هو أنهما أصبحا يضربان حولهما “خبطاً عشوائياً” ويحاولان بالقوة، لا بالسياسة والدبلوماسية، تمرير أمور لا تسمح بها القوانين. فمن جهة ستتعرض أوروبا ككل لضرر اقتصادي كبير بفعل “بريكست”، وبدرجة أولى كيان بريطانيا قبل اقتصادها. ومن جهة أخرى ستُسبّب نزاعات ترامب التجارية مع أوروبا والصين ركوداً في اقتصادات العالم بدأ يطال الاقتصاد الأميركي أيضاً.

وفي بريطانيا هدّد جونسون مرات عدة بأن “خروجاً من دون اتفاق” من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر الجاري “سيكون البديل الوحيد” في حال رفضت بروكسل خطة الحدود الجمركية التي قدّمها أخيراً إلى بروكسل. وقال في مؤتمر حزبه المحافظ في الثاني من أكتوبر الجاري إن اقتراح حكومته حول كيفية خروج بلده من الاتحاد الأوروبي، “هو تنازل من جانب المملكة المتحدة” داعيا بروكسل “إلى تقديم تنازل بدورها”. وأكد أن مقترحه لا يتضمن نقاط تفتيش على الحدود الإيرلندية، وهي العقبة الأهم التي لم تُحلّ بعد وتهدد بعودة الحرب الأهلية الدينية بين دولة ايرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي وبين شمال ايرلندا التابعة لبريطانيا. ولا تزال حكومة اسكتلندا تهدّد بإعادة استفتاء الإسكتلنديين على البقاء داخل الاتحاد الأوروبي في حال تنفيذ “بريكست”، ما سيهدّد وحدة التاج البريطاني. وردّد جونسون كثيراً أنه “يفضل الموت داخل حفرة” على طلب تأجيل الخروج، عقب اقرار مجلس العموم البريطاني مشروع قانون يجبره على ضرورة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على الخروج، وإلا الطلب منه إرجاء موعده ثلاثة أشهر أخرى.

وفي وقت تستمر فيه فوضى عملية الخروج تكشّفت فضيحة استغلال جونسون لمنصبه حين كان عمدة لمدينة لندن واستخدام الأموال العامة لإفادة صديقة أميركية له بأكثر من 140 ألف جنيه إسترليني ومنحها العديد من الامتيازات. وقالت صحف بريطانية إنه تمّ إحالة جونسون رسمياً للتحقيق معه. وبعد استقالة شقيقه الأصغر Jo Johnson احتجاجاً على نهج “بريكست” المتبع منه نددت شقيقته Rachelle بقساوة أيضاً بإسلوب شقيقها محذرة من تبعات الخروج على بريطانيا.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وبعد فترة مهادنة مع الاتحاد الأوروبي من جانب الرئيس الأميركي Donald Trump، وممارسة ضغوط قوية منه على منظمة التجارة الدولية WTO، سمحت الأخيرة له بفرض رسم جمركي من 10 في المئة على طائرات شركة Airbus الأوروبية، و25 في المئة على سلع أوروبية أخرى قيمتها الاجمالية 7,5 مليار يورو كونها تتلقى دعماً حكومياً أوروبياً. ووصف ترامب القرار بأنه انتصار كبير له على المنظمة التي سبق وهدد بانسحاب بلده منها إن لم ترضخ له، مفاخراً بأن اسلوب الضغط والتهديد يجعله يحقق ما يريد. لكن الرئيس الأميركي تجاهل في الوقت ذاته أن المنظمة التي أرضته بقرارها تعمل في الوقت الحالي على إرضاء الأوروبيين أيضاً حيث يُتوقع صدور قرار قريب عنها يسمح للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم تقدّر بالمليارات أيضاً على طائرات شركة    Boeing الأميركية وبضائع أخرى تحصل على دعم حكومي أميركي. لكن ترامب آثر ألا يُخبر جمهوره بذلك، وكبت غضبه على منظمة التجارة. ولم تنتظر فرنسا طويلاً فأعلنت استعدادها للردّ بالمثل على واشنطن في شهر أكتوبر الجاري، ودعت الدول الأوروبية الأخرى إلى اتخاذ موقف مشترك.

ورغم عودته إلى الملف الأوروبي لا تزال الصين الهدف الأول للرئيس الأميركي التي يخشى من توسعها ومزاحمتها في السوق الأميركية. ومنذ مطلع عام 2018 يعمل ترامب على فرض رسوم جمركية جديدة على مختلف صادرات الصين إلى بلده، ويعتقد مراقبون أن قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة التي ستخضع إلى رسوم أميركية ستصل مطلع العام القادم إلى 550 مليار يورو. وفي الوقت الذي يعتقد ترامب، أو يجعل منتخبيه يعتقدون، أن مردود حروبه التجارية مع الآخرين سيكون لمصلحتهم ومصلحة الولايات المتحدة، تؤكد بيانات اقتصادية أن النزاع التجاري مع الصين لا يؤدي إلى اضطراب الاقتصاد العالمي فقط، بل وينعكس سلباً بصورة متصاعدة على الصناعة الأميركية التي واصلت انحدارها بعد أن هبط مؤشر الاستهلاك ISM الهام أخيراً من 49,1 إلى 47,8 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ عام الأزمة المالية الدولية 2009.

ولفت مراقبون إلى أن أسهم ترامب هبطت في استطلاعات الرأي الأخيرة، ما دفعه ليعلن فجأة أن المفاوضات مع الصين ستتواصل في أكتوبر الجاري للوصول إلى حلول. وكأن النزاعات التجارية مع العالم تحت شعار “أميركا أولاً” لا تكفي، فتح ترامب أخيراً نزاعاً مع غريمه الحزب الديمقراطي الذي اتهمه كرئيس للدولة بإساءة استخدام سلطته ونقض الدستور الأميركي بفعل طلبه مساعدة خارجية من أوكرانيا ثم من الصين لضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ضد مرشح الديمقراطيين “جو بايدن”.