انخفض مؤشر ifo لمناخ الاعمال في ألمانيا في شهر نوفمبر إلى 90.7 نقطة، بعد ان كان عند مستوى 92.5 نقطة في أكتوبر. ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى التوقعات الأكثر تشاؤماً من الشركات حول مستقبل الاعمال خلال الأشهر القادمة. كما أن تقييم مدراء الشركات الألمانية في مختلف القطاعات الاقتصادية لمستوى الاعمال في الوقت الحاضر أقل كفاءة إلى حد ما، بسبب زيادة حالة عدم اليقين بعد ان أوقفت موجة كورونا الثانية تعافي الاقتصاد الألماني.
وبالرغم من هذا التراجع ظل تقييم شركات قطاع الصناعة لمناخ الاعمال ايجابياً. حيث قيمت شركات القطاع وضعها الحالي بشكل أفضل. حيث ارتفعت الطلبات الواردة، وإن كان ارتفاع الطلبات هذا أقل مما كان عليه في الشهر السابق، بينما كانت التوقعات للأشهر المقبلة أقل تفاؤلاً بشكل ملحوظ. في قطاع الخدمات، انخفض مؤشر مناخ الأعمال بشكل ملحوظ. ولأول مرة منذ شهر يونيو الماضي عاد المؤشر إلى المنطقة السلبية.. بالإضافة إلى ذلك، زادت حالة تشاؤم الشركات بشأن الأشهر المقبلة، خصوصا في قطاعات الفنادق والضيافة. كما تدهور مناخ الأعمال في قطاع التجارة. وأبدت الشركات رضا أقل عن وضعها الحالي، كما خيمت التوقعات السلبية حول الاعمال خلال الأشهر القادمة بشكل ملحوظ. كما أفاد تجار التجزئة على وجه الخصوص أن أداء الأعمال كان أقل بكثير مما كان متوقعاً. وفي صناعة البناء، انخفض المؤشر بشكل طفيف، كما صنفت شركات البناء وضعها الحالي أفضل قليلاً مما كانت عليه في الشهر السابق، لكن توقعاتها حول مستقبل الاعمال في الفترة القادمة كانت أكثر تشاؤما.
من جانبها حذرت وزارة الاقتصاد الاتحادية من ان عملية تعافي الاقتصاد قد تتعرض الى انتكاسة بسبب الموجة الثانية من كورونا والاغلاق الاقتصادي وإجراءات التباعد الاجتماعي الذي فرضتها الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. حيث تم إقرار إغلاق جميع المتاجر باستثناء متاجر البقالة ومخازن الأدوية من يوم 16 ديسمبر وحتى 10 يناير 2021م مبدئيًا. وستتجاوز تأثيرات هذه الإجراءات صناعة الضيافة والشركات العاملة في قطاعي الترفيه والسياحة الى بقية القطاعات الاقتصادية بدرجات مختلفة حيث جاء في تقرير للوزارة “مع حل الإغلاق الصارم الذي تم اقراره مؤخرًا، تأثرت قطاعات اقتصادية أخرى أيضًا”. “وبشكل عام، من المرجح أن يعاني النمو الاقتصادي في ألمانيا من انتكاسة ملحوظة في الربع الرابع.” كما يفترض معظم الاقتصاديين مع هذا التطور أن الناتج المحلي الإجمالي سيتقلص في الربع الأخير في العام الحالي وفي الربع الأول من عام 2021م. وبحسب كارستن برزيسكي كبير الاقتصاديين في آي إن جي: “مع الإغلاق الصارم وعواقب ذلك على مبيعات التجزئة في عيد الميلاد، لا يمكن تجنب الانحدار المزدوج، بغض النظر عن مدى جودة قطاعي الصادرات والصناعة.”
من جهة أخرى ووفقاً لتوقعات معهد الاقتصاد الألماني (IW)، سيعود الاقتصاد الألماني إلى مستوى ما قبل الأزمة بحلول نهاية العام المقبل. حيث سيتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي بدأً من الربيع ويسجل نموا بنسبة 4 في المئة في العام 2021م. وقال مدير المعهد مايكل هوثر “إذا بدأ التطعيم ضد كوفيد-19بشكل جيد وانخفض عدد الإصابات، سيصبح الناس أكثر ثقة وسيستهلكون ويستثمرون أكثر”. مؤكدا على انه “إذا استمر التطور بنجاح، سيعود الاقتصاد الألماني إلى مستوى ما قبل الأزمة بحلول نهاية العام المقبل.” وذلك بعد ان يسجل تراجعا متوقعاً في عام 2020م بنحو -5.5 في المئة. هذا فيما تتوقع الحكومة الاتحادية تراجع النمو في العام الحالي بنسبة -5,5 في المئة مقابل نمو الاقتصاد العام 2021م بنسبة 4,4 في المئة، من جهته يتوقع البنك المركزي الألماني تراجع الاقتصاد العام 2020م بنسبة -5,1 في المئة فيما سيعود الى النمو العام 2021م بنسبة 3 في المئة، المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية DIW يتوقع تراجع النمو بنسبة -5,1 في المئة العام الجاري مع نمو متوقع العام القادم بنسبة 5,3 في المئة. اما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD فترى تراجعا لنمو الاقتصاد الألماني العام 2020م بنسبة -5,5 في المئة وتتوقع له نموا العام 2021م بنحو 2,8 في المئة.
وعلى الرغم من اتفاق العديد من الاقتصاديين على أن الاقتصاد الألماني سينكمش مرة أخرى في الربع الرابع من العام الحالي وفي الربع الأول من العام القادم، بعد الانتعاش القوي في الصيف، إلا أن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى إمكانية حدوث انتعاش اقتصادي قوي في عام 2021م وفقا للمبررات التالية:
- طفرة الاستهلاك: تشير التقديرات ان المستهلكين في ألمانيا ونتيجة لازمة كورونا قاموا بتأجيل شراء العديد من الاحتياجات مثل السيارات او القيام برحلات وهو ما سمح بتراكم مدخرات تتجاوز 70 مليار يورو العام 2020م بالمقارنة مع العام السابق. وبالتالي يمكن أن تتجه هذه الأموال إلى الاستهلاك بعد نهاية أزمة كورونا الحادة وبالتالي تدعم الانتعاش في عام 2021م. بالإضافة إلى ذلك، ستزداد القوة الشرائية للمواطنين في ألمانيا بداية من شهر يناير مع إلغاء الضريبة التضامنية الإضافية لمعظم دافعي ضرائب الدخل، الى جانب زيادة المخصصات للأطفال. ومن ثم فهناك افتراض أيضًا بزيادة حقيقية في إنفاق المستهلكين تقل قليلاً عن أربعة في المئة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الاقتصاد بشكل ملحوظ.
- الاقتصاد العالمي ينمو مرة أخرى: يعتمد الاقتصاد الألماني بشكل كبير على الصادرات وبالتالي تعتمد ألمانيا على الاقتصاد العالمي أكثر من أي قوة اقتصادية أخرى تقريبًا. وبحسب توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من المتوقع ان ينمو الاقتصاد العالمي في العام 2021م بنسبة 4,2 في المئة. كما انه من المتوقع ان ينمو اقتصاد أكبر شريكين تجاريين لألمانيا وأكبر سوقين لصادراتها خارج الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الامريكية والصين، حيث تتوقع المنظمة نمو الاقتصاد الأمريكي في العام القادم بنسبة 3,2 في المئة بينما قد يصل نمو الاقتصاد الصيني الى 8 في المئة. وبالتالي ستنمو الصادرات الألمانية أيضا، وفي هذا الإطار قال توماس جيتزل، كبير الاقتصاديين في VP Bank: “إذا كانت الصين تنتج، فإنها تحتاج أيضًا إلى معدات ألمانية يتم من خلالها تصنيع هذه البضائع”. ويشير بعض الاقتصاديين الى ان نمو الصادرات الألمانية خلال العام 2020م لستة أشهر متتالية يعود في جزء منه الى الصين. هذا ويتوقع البنك المركزي الألماني أن تعود الصادرات الى النمو بواقع 6.5 في المئة في عام 2021م.
- زيادة الاستثمارات: في وقت مبكر من عام 2019م، كانت الشركات الألمانية مترددة بشكل ملحوظ في الاستثمار في الآلات والمركبات والمعدات الأخرى، وزاد هذا التردد هذا العام بسبب الركود القياسي. وفقًا لمسح أجراه معهد دراسات الاقتصاد الألماني IW خريف هذا العام، ترغب 29 في المئة من الشركات في زيادة الاستثمار في عام 2021م ونحو 42 بالمائة ستستثمر بنفس القدر تقريباً. لذلك يفترض المعهد أن الشركات سوف تتخلى عن ترددها بسبب الانتعاش الاقتصادي المتوقع وتستثمر حوالي سبعة بالمائة أكثر بالقيمة الحقيقية. كما يتوقع البنك المركزي الألماني أيضًا أنه “بمجرد عودة الاقتصاد إلى مسار الانتعاش في ربيع عام 2021م، سيزداد الطلب الأجنبي، مما سينعش استثمارات الشركات مرة أخرى “.
- استمرار ازدهار صناعة البناء: شهدت صناعة البناء في ألمانيا منذ سنوات نموا كبيرا، والتي بالكاد تركت عليها أزمة كورونا اثار سلبية. ويعود ذلك بشكل أساسي الى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية. والتي لن تتغير في المستقبل القريب. ومن المفترض أن تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة والطلب المتزايد باستمرار على أماكن السكن إلى تحفيز صناعة البناء في العام المقبل. كما يمكن تعويض بعض النقص في استثمارات الشركات في البناء من استثمارات الإنشاءات العامة، على سبيل المثال في شبكة السكك الحديدية أو للمدارس. ويتوقع المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW). أن تنمو استثمارات البناء بنسبة 3.3 في المائة في عام 2021م.
في سياق متصل أعلنت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، زيادة برنامج شراء السندات الحكومية لدول الاتحاد الاوروبي خلال جائحة كورونا (المعروف باسم PEPP) بمقدار نصف تريليون يورو ليصل اجمالي قيمة البرنامج إلى 1.85 تريليون يورو. كما أعلنت تمديد برنامج شراء هذه السندات حتى شهر مارس من العام 2022م بعد ان كان مخططا ان ينتهي منتصف العام 2021م. كما قام البنك المركزي الأوروبي بتمديد الفترة التي من المقرر أن يحافظ فيها البرنامج على حجم ثابت من خلال عمليات الشراء البديلة لمدة عام واحد على الأقل حتى نهاية عام 2023م. وأكدت لاجارد ان البنك المركزي الأوروبي مستعد لإعادة ضبط قيمة البرنامج سواء في حالة لم يتم استخدامه بالكامل أو حتى العمل على زيادته إذا ما ظهرت حاجة لذلك. معتبرة ان الهدف الرئيسي هو استعادة النمو الاقتصادي، مضيفةً انه حتى مع تعافي القطاع الصناعي لكن قطاع الخدمات لا يزال تحت ضغط الجائحة والتدابير الوقائية”. بالإضافة إلى زيادة قيمة برنامج شراء السندات، قام البنك المركزي الأوروبي أيضًا بتمديد القروض للبنوك المعروفة باسم TLTRO. بنفس الشروط السابقة، التي تعني في أفضل الأحوال سعر فائدة أقل من 1.0 في المئة، سارية حتى منتصف عام 2022م.
وقد اختلف الاقتصاديون في تحليل قرارات البنك المركزي الأوروبي بين موافق ومتفهم للقرارات الأخيرة وبين متشكك في اثارها الإيجابية خصوصا على المدى البعيد، حيث يرى كريستوف كوت، استراتيجي أسعار الفائدة من DZ Bank: “ان ضخ 500 مليار يورو في البرنامج يعني ان يشتري البنك المركزي الأوروبي الوقت وتحقيق الأمان طويل الأجل وظروف التمويل المستقرة. حيث أسعار الفائدة والعوائد لا تزال منخفضة. وهو بالضبط ما تحتاجه البلدان المثقلة بالديون في جنوب أوروبا بشكل خاص. فيما اعتبر يورج كرامر، كبير الاقتصاديين في كومرتس بنك، ان زيادة برنامج شراء السندات تمثل “شيكًا على بياض لوزراء المالية” ويعني ان البنك المركزي الأوروبي في الواقع أن سيمول العجز الكامل في ميزانية دول اليورو في العام المقبل. بينما ستظل الأسواق المالية مهددة، خاصة وأن البنك المركزي الأوروبي من المرجح أن يخفف سياسته النقدية مرة أخرى في منتصف عام 2022م “.
هذا ويتوقع الاقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي أن ينكمش الاقتصاد في منطقة اليورو بنسبة 7.3 في المئة للعام الحالي. بينما سيعود الى النمو في عام 2021م بنسبة 3.9 في المئة وعام 2022م بنسبة 4.2 في المئة، ثم 2.1 في المئة في عام 2023م. “
سوق العمل: البطالة تتراجع وعدد المسجلين في برنامج الدوام المختصر يرتفع
لم يظهر سوق العمل تأثرا بالإغلاق الجزئي في شهر نوفمبر من ناحية تسريح العمالة وان كان عدد المسجلين في برنامج العمل بدوام جزئي قد ارتفع بشكل كبير. حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل خلال الشهر الماضي بنحو 61 ألف شخص ليصل مجموع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا الى 2,699 مليون شخص وهو ما انعكس على معدل البطالة والذي انخفض بنسبة -0,1 نقطة في المئة ليصل هذا المعدل الى 5,9 في المئة. وبالرغم من هذا الانخفاض الا ان هذا المعدل يبقى اعلى من المعدل المسجل في العام الماضي بنسبة 1,1 في المئة حيث ان العدد الحالي للعاطلين اعلى من عددهم في نفس الشهر من العام الماضي بحوالي 519 ألف شخص.
ومع التراجع الكبير للطلب على العمالة الجديدة في بداية أزمة كورونا، لكنه تعافى بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. وقد تم تسجيل 601 ألف وظيفة شاغرة لدى مكتب العمل الاتحادي في شهر نوفمبر وهو العدد الأعلى بنحو 11 ألف وظيفة شاغرة عن الشهر الذي سبقه الا انه اقل بحوالي 136 ألف وظيفة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
اما برنامج العمل بدوام مختصر فقد سجل زيادة كبيرة في عدد المسجلين فيه خلال الفترة من 1 وحتى 25 نوفمبر حيث وصل عدد المسجلين الجدد في البرنامج الى 537 ألف شخص وهو الامر الناتج بشكل مباشر عن الاغلاق الجزئي لبعض القطاعات الاقتصادية. وبحسب مسح أجراه معهد الدراسات الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo فقد بلغت نسبة الموظفين المسجلين في برنامج الدوام المختصر بشكل اجمالي في الشركات الألمانية المختلفة الى 28 في المئة بعد ان كانت هذه النسبة 24,8 في المئة في شهر أكتوبر. وفي قطاع الفنادق ارتفعت نسبة العمال المسجلين في البرنامج الى مجموع العاملين في القطاع من 62,9 في المئة في شهر أكتوبر الى 91 في المئة في شهر نوفمبر، وفي وكالات السفر ومنظمي الرحلات من 88 في المئة إلى 91,1 في المئة. اما في قطاع المطاعم فقد ارتفع من نسبة 53,4 في المئة إلى 71,7 في المئة.
وقد شملت زيادة المسجلين في البرنامج جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية تقريبًا. حيث زاد عدد المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر في قطاع الخدمات من 24.0 إلى 30.6 في المئة من مجموع العاملين في القطاع، وفي تجارة التجزئة من 18.8 إلى 20.7 في المئة، وفي صناعة البناء من 7.4 إلى 9.0 في المئة. بينما انخفض هذا العدد في قطاع الصناعة من 31.9 إلى 30.5 في المئة. وسجلت بعض القطاعات الصناعية انخفاضات كبيرة في عدد عامليها المسجلين في برنامج الدوام المختصر حيث تراجع عددهم في قطاع صناعة السيارات من 50 إلى 36.7 في المئة. في قطاع تأجير العمالة من 64.2 إلى 52.5 في المئة. وفي صناعة المعدات الكهربائية من 43.4 إلى 34.9 في المائة.
وفي نفس السياق بلغت كلفة برنامج العمل بدوام مختصر من بداية الأزمة حتى شهر نوفمبر الذي تموله الحكومة الاتحادية أكثر من 20 مليار يورو بحسب تصريح للمتحدث باسم وكالة العمل الاتحادية (BA). ويعزى أكثر من نصف هذا المبلغ إلى التعويضات التي دفعت للموظفين الذين اضطروا لقبول أجور مخفضة بسبب الانقطاع القسري عن العمل، فيما تم دفع حوالي 8.7 مليار يورو لأصحاب العمل كتعويض عن المساهمات الاجتماعية.
من جانب أخر تسببت ازمة كورونا الى تغيير عميق ودائم في عالم العمل حيث أدى الاغلاق الربيعي للاقتصاد الى ان يعمل ما يقرب من 10,5 مليون موظف من المنزل اما بشكل كلي او بشكل جزئي، ويمثل هذا الرقم واحدا من كل أربعة موظفين وعاملين في ألمانيا. وفي مسح أجرته جمعية Bitkom قالت الغالبية العظمى من الموظفين ان لديهم تجارب إيجابية في مجال العمل من المنزل في الأشهر القليلة الماضية. وحتى بعد انتهاء وباء كورونا، من المرجح أن يعمل الكثير من الناس من المنزل أكثر من ذي قبل. وقال رئيس جمعية Bitkom، Achim Berg، إن الأزمة أظهرت أن العمل المرن لا يقلل من جودة نتائج العمل. “على العكس من ذلك: العمل بشكل مستقل عن الزمان والمكان يمكن أن يجلب مزايا لجميع الأطراف، لكن هذا يتطلب تغييرًا ثقافيًا عميقًا في عالم العمل”. مضيفا انه يجب أن يكون العمل من المنزل متبنى من الحكومة عبر دعمه بأنظمة حوافز لأصحاب العمل والموظفين.
تراجع الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء في ألمانيا
اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي ان فجوة الأجور بين النساء والرجال في ألمانيا قد تراجعت في العام 2019م مقارنة بالعام 2018م وانخفضت للمرة الأولي تحت حاجز 20 في المئة لتصل الى 19 في المئة. وفجوة الأجور بين الجنسين هي الفرق بين متوسط الأجر الإجمالي لكل ساعة عمل للرجال والنساء بالنسبة لإجمالي دخل الرجل في الساعة.
وتتفاوت فجوة الأجور هذه بين الرجال والنساء بين ولايات ألمانيا الشرقية والغربية، إذ ان الفرق في الدخل بين الرجل والمرأة في الغرب أعلى بثلاث مرات منه في الشرق. حيث ان فجوة الأجور غير المعدلة بين الجنسين في الولايات الشرقية أصغر بكثير منها في غرب ألمانيا. ففي الغرب، تراجعت فجوة الأجور بمقدار نقطة مئوية واحدة لتصل إلى 20 في المئة في عام 2019م، بينما ظلت في الشرق دون تغيير عند 7 في المئة، وبالنسبة لألمانيا ككل، أدى ذلك إلى فجوة في الأجور بين الجنسين بنسبة 19في المئة.
وبمراجعة فجوة الأجور خلال السنوات الماضية يمكن رؤية انخفاض بطيء ولكن مطرد. حيث كانت هذه الفجوة تصل في العام 2014م الى 22 في المئة (وهي الأعلى بمقدار ثلاث نقاط مئوية عن معدل العام 2019م).
وفي نفس السياق تعد فجوة الأجور بين الجنسين في ألمانيا أعلى بكثير من متوسط دول الاتحاد الأوروبي. ومن خلال المقارنة لمعدلات فجوة الأجور بين النساء والرجال بحسب البيانات المتاحة للعام 2018م كانت فجوة الأجور غير المعدلة بين الجنسين في ألمانيا لعام 2018م (20 في المئة) أعلى بكثير من المتوسط في الاتحاد الأوروبي (15 في المئة). ومن بين 28 دولة في الاتحاد الأوروبي في عام 2018م، كان لدى إستونيا فقط فجوة أعلى في الأجور بين الجنسين بنسبة 22 في المئة. بينما كانت النمسا، وجمهورية التشيك، والمملكة المتحدة، وسلوفاكيا، ولاتفيا في مستوى مماثل لألمانيا أي 20 في المئة. اما البلدان التي لديها أدنى فروق بين الجنسين في إجمالي الدخل في الساعة عبر الاتحاد الأوروبي فكانت لوكسمبورغ (1 في المئة فقط) ورومانيا (2 في المئة) وإيطاليا (4 في المئة).
وقد بلغ متوسط الدخل الإجمالي للساعة للرجال في ألمانيا خلال عام 2018م (21.70 يورو)، أي أعلى بـ 4.37 يورو من دخل النساء (17.33 يورو). وتعود أسباب هذا الفرق في الأجور الى عدد من العوامل منها ما يتعلق بحقيقة أن النساء يعملن بشكل متكرر في القطاعات والمهن التي يتقاضين فيها أجوراً أقل، وأنهن يصلن إلى مناصب إدارية في كثير من الأحيان بمستوى اقل من الرجال نتيجة عدة أسباب منها الحمل ورغبتهن في قضاء وقت أطول في رعاية اطفالهن، بالإضافة الى عامل هام يتمثل في ان النساء يملن بشكل متزايد الى العمل بدوام جزئي وفي وظائف صغيرة (minijob). الى جانب ذلك تشير الدراسات الى ان الموظفات يحصلن على متوسط أجور أقل بنسبة 6 في المئة في الساعة من الرجال، حتى مع عمل مماثل ومؤهلات معادلة.
مفاوضات متعثرة وبريطانيا الخاسر الأكبر من البريكست
غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميًا في نهاية شهر يناير 2020م، والذي كانت عضوًا فيه منذ عام 1973م، مع مرحلة انتقالية تنتهي في 31 ديسمبر 2020م، حيث لا يزال يتعين على بريطانيا خلالها تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي. وكان من المفترض ان تنتهي خلال هذا العام مفاوضات لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد خروجها منه الا ان هذه المفاوضات التي تكررت جلساتها خلال العام لم تؤدي حتى الان الى اتفاق نهائي بين الجانبين، وتم تأجيل جلسة المفاوضات النهائية لأكثر من مرة، حيث يتمسك كل طرف من جهته بطلبات محددة فالمملكة المتحدة تصر على تطبيق سيادتها والتحكم الكامل في قراراتها الاقتصادية مع رغبتها في بقاء السوق الأوروبي مفتوحا لها، فيما يعتبر الاتحاد الأوروبي ذلك غير ممكن الا من خلال اتاحة السوق البريطاني بشكل كامل لدول الاتحاد.
وتتركز الخلافات بين الطرفين حول ثلاث قضايا أساسية، اولها حصص الصيد، حيث تصر عدة دول أوروبية، على رأسها فرنسا وايرلندا واسبانيا، على ان يكون لصياديها حرية الصيد داخل المياه الإقليمية لبريطانيا كما هو الحال في الوقت الحاضر بينما تريد لندن وضع حصص محددة للصيد يتم التفاوض عليها كل سنة، وعلى الرغم من ان حجم الصيد لا يمثل جزءً كبيرا في اقتصاد الطرفين، حيث لا يتجاوز حجم الصيد في بحر المانش وبحر الشمال 750 مليون يورو في العام، الا انه يثير حساسية لدى الدول الاوروبية الراغبة في حماية صياديها.
من القضايا الخلافية أيضا تأتي قضية ضمانات المنافسة العادلة، وهنا تظهر المفوضية الأوروبية استعدادا لتوقيع اتفاقية تجارية مع بريطانيا مع رفع الحواجز الجمركية وضمان حرية تدفق السلع والبضائع الى الأسواق الأوروبية ولكن ضمن ضوابط محددة تهدف الى تحقيق العدالة في المنافسة بحيث لا يمكن القبول بان يفرض على الصناعات في دول الاتحاد معايير محددة لمنع تلوث البيئة والمناخ مثلاً بينما لا تلتزم الشركات البريطانية بنفس هذه المعايير. كما يسري ذلك على قانون العمل والشفافية الضريبية، وبالتالي خلق بيئة تنافسية عادلة بين الشركات الأوروبية والبريطانية. وفي حال عدم التزام بريطانيا بذلك فان الاتحاد يصر على ان يمتلك الحق في اللجوء إلى تدابير مضادة أحادية الجانب وفورية، مثل فرض رسوم جمركية. حتى قبل التباحث او اللجوء الى القضاء، وهو ما تعارضه الحكومة البريطانية بشدة.
وتمثل آلية تسوية المنازعات في حالة انتهاك الاتفاقية المخطط لها النقطة الخلافية الثالثة بين الطرفين حيث تتمثل هذه الالية في محكمة للتحكيم بين الطرفين في حال خرق الاتفاقية، كما هو متعارف علية في الاتفاقات التجارية الأخرى في العالم. وتتركز نقطة الخلاف في هذا الجانب في ان المفوضية الأوروبية تصر على بند ينص على السماح للاتحاد الأوروبي، في حال انتهاك بريطانيا الاتفاقية في مجال ما بفرض عقوبات في مجال آخر. منها على سبيل المثال إذا ما خرقت لندن الاتفاقية في مجال صيد الأسماك فان الاتحاد الأوروبي يستطيع فرض رسوم جمركية على صادرات بريطانيا من السيارات. الا ان تقدما تم احرازه في المفاوضات بين الجانبين حول هذه النقطة الخلافية في انتظار حل بقية نقاط الخلاف.
وخلال المفاوضات المتكررة بين الجانبين لا تزال الخلافات قائمة خصوصا في موضوع صيد الأسماك وضمانات المنافسة العادلة، وبدأت الحكومة البريطانية في الطلب من شركاتها الاستعداد الى خروج بريطانيا بدون اتفاقية عبر تخزين المواد الغذائية والمواد الأولية لمدة تكفي على الأقل لستة أسابيع. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “الوضع صعب للغاية في الوقت الحالي”. “لا تزال هناك فجوة طويلة بيننا، خاصة فيما يتعلق بمسألة حقوق الصيد. بالطبع سنحاول الوصول إلى اتفاق. “نحن دائما متفائلون”. ولكن قد تأتي مرحلة يتعين عليك فيها الاعتراف بأنك لن تصل إلى أي مكان. هناك حدود لا يمكن للحكومة المستقلة تجاوزها.”
وفي حالة خروج بريطانيا بدون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وتطبيق قواعد منظمة التجارة العالمية فان ذلك سيضر بالاقتصاد البريطاني بشكل أقوى بكثير من الاتحاد الأوروبي. اذ وفقاً لتحليل البيانات الذي أجراه معهد الدراسات الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo فان كلا الجانبين يخسران لكن المملكة المتحدة تخسر أكثر بكثير.
حيث تظهر البيانات ان بريطانيا خلال العام 2019م استوردت من الاتحاد نحو 50 في المئة من وارداتها وما يقرب من 47 في المئة من صادراتها وهذا يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر سوق للاقتصاد البريطاني. بالإضافة الى ذلك فانه في جميع البلدان الأوروبية، يعتمد عدد قليل من السلع بشكل كبير على الواردات من المملكة المتحدة. لذلك، سيكون للزيادة في تكاليف التجارة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثير أقل بكثير على الشركات في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة مما يمكن توقعه بالنسبة للشركات في بريطانيا.
مقترحات لبداية جديدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية
بعد انتخاب مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن كرئيس جديد للولايات المتحدة الامريكية وقرب انتهاء فترة الرئيس دونالد ترامب بدأت الأوساط الأوروبية في التفكير في مرحلة جديدة من العلاقات الأوروبية الامريكية والتي شهدت خلال السنوات الأربع الماضية حالة من الشد والاضطراب نتيجة سياسات الرئيس ترامب.
وفي هذا الإطار طرح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، عدة مقترحات لاستئناف العلاقة عبر الأطلسي تهدف الى تحقيق التعاون الوثيق في حل المشاكل المشتركة بين الجانبين. فبالإضافة إلى العمل المشترك ضد جائحة كورونا وتغير المناخ، فإن الهدف الرئيسي هو حل النزاعات التجارية القديمة ووضع استراتيجية مشتركة للتعامل مع الصين. حيث يقترح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي خمس أولويات لتوثيق التعاون مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، فإلى جانب السياسة التجارية، هنالك مكافحة جائحة كورونا وحماية المناخ والتعددية وحفظ السلام. كما يقترح ميشيل خطًا مشتركًا مع الولايات المتحدة ليس فقط تجاه الصين، ولكن أيضًا تجاه روسيا وتركيا وإيران ومناطق العالم الأخرى.
والى جانب المصالح المشتركة في مجالات الإرهاب والأمن السيبراني والتهديدات المختلطة، وفقًا لما جاء في ورقة رئيس المجلس الأوروبي فان الشرط الأساسي للشراكة الجديدة مع الولايات المتحدة هو أن يبدو الاتحاد الأوروبي موحدًا ويعزز استقلاليته الاستراتيجية من أجل تمثيل مصالحه بشكل أفضل.
من المرجح أن تحظى مقترحات ميشيل بموافقة الرئيس الأمريكي القادم بايدن، الذي كان أعلن بالفعل أنه سيعتمد مرة أخرى بشكل أكبر على التحالفات مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة في سياسته الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فان تعيينه لكل من أنطوني بلينكين كوزير خارجية الولايات المتحدة في المستقبل وجيك سوليفان كمستشار أمني له، واللذان عينا في مناصب رئيسية يعدان من الشخصيات السياسية الامريكية التي تؤيد استراتيجية متعددة الأطراف تجاه الصين ويعتبران من مؤيدي إعادة التوازن مع الشركاء في الاطلسي.
وقد ايد مقترحات رئيس المجلس الأوروبي قوى أساسية في البرلمان الأوروبي حيث أكد دانيال كاسبري، رئيس مجموعة CDU / CSU في البرلمان الأوروبي انه “علينا القيام بمحاولة جديدة لتعزيز العلاقة عبر الأطلسي،” فيما قالت نائبته، انجيليكا نيبلر، “نحن لها مصالح مشتركة واضحة، والإشارات من الإدارة المستقبلية في واشنطن للعمل المشترك والمتعدد الأطراف إيجابية “. كما أوضح عضو حزب الخضر الأخضر وعضو البرلمان الأوروبي رينهارد بوتيكوفر، بانه كانت هناك رغبة في استراتيجية صينية مشتركة مع الولايات المتحدة لفترة طويلة: “علينا أن نتحدث عن كيفية انتهاك الصين لقواعد منظمة التجارة العالمية. على سبيل المثال، يجب أن تكون هناك تدابير ضد الإعانات غير القانونية للشركات المحلية. بالإضافة الى أن الصين تحاول السيطرة على المنظمات الدولية بنجاح كبير “،
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي تؤيد مزيد من النخب الامريكية التعاون مع أوروبا في مواجهة الصين. حيث يؤكد الخبير الاقتصادي دوجلاس إروين من كلية دارتموث “تحتاج واشنطن إلى استراتيجية فعالة في التعامل مع الصين، ومن المرجح أن تنجح الاستراتيجية التي تضم حلفاء أمريكيين”. في هذا الجانب أيضا قدمت الأغلبية الجمهورية في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ تقريرًا حول “أجندة ملموسة للتعاون عبر الأطلسي مع الصين”. وفي هذا التقرير، دعا أعضاء مجلس الشيوخ إلى بذل جهود مشتركة مع أوروبا لتقليل التأثير السياسي للصين في المنظمات الدولية ومواجهة الدعم الحكومي للشركات الصينية في السوق الدولية.
وبعد إبرام منطقة التجارة الحرة الآسيوية RCEP، التي تمتد من اليابان عبر الصين إلى نيوزيلندا، ازداد الضغط التجاري على الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أكبر. حيث تمثل آسيا حوالي 40 في المئة من الاقتصاد العالمي، بينما تمثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في حدود 45 في المئة.
من ناحية أخرى، يتعين على بايدن أن يقرر ما إذا كان يريد إعادة الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، التي انهاها ترامب في عام 2017م، وما إذا كان يريد استئناف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة عبر الأطلسي. بغض النظر عن الطريقة التي يقرر بها، فهو متأكد من الرياح المعاكسة من حزبه حيث ينقسم الديموقراطيون، خاصة فيما يتعلق بالسياسة التجارية. فبينما يرى البعض أن سلاسل التجارة العالمية هي مفتاح الرخاء الأمريكي، يدين أنصار الحمائية الاتفاقيات باعتبارها شرًا للعمال الذين يتم استغلالهم لصالح الشركات. وفي حملته الانتخابية، اعتمد بايدن على التوازن بين الحمائية والالتزام بالتعددية. كما وضع الرئيس القادم للولايات المتحدة خططا استثمار 400 مليار دولار في شراء السلع المنتجة محليًا أولاً قبل توقيع اتفاقيات تجارية جديدة.
الا ان التقارب المرتقب بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يواجه عدد من الصعوبات أبرزها الخلاف الذي طال أمده حول الإعانات لشركة بوينج الأمريكية لصناعة الطائرات، حيث يعتزم الاتحاد الأوروبي رفع التعريفات العقابية التي تصل إلى أربع مليارات دولار في المستقبل القريب. وعلى العكس من ذلك، فرضت واشنطن رسوم استيراد إضافية على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، يتجه الخلاف حول الضرائب الرقمية الى التصاعد، حيث تريد فرنسا تحصيل الضرائب من الشركات التقنية الامريكية الكبرى فورا فيما تهدد الولايات المتحدة بإجراءات انتقامية اعتبارًا من عام 2021م. حتى الآن، اختلف الجانبان حول كيفية التحكم بشكل أفضل في السوق المتنامية بسرعة لمجموعات التكنولوجيا الأمريكية الكبيرة.