أظهر تقرير لمكتب الاحصاء الاتحادي ان الاقتصاد الألماني قد انكمش في الربع الثاني من العام 2024م، بنسبة طفيفة بلغت 0.1 في المئة مقارنة بالربع السابق. أما اقتصاد منطقة اليورو فقد نما بنسبة 0.3 في المئة في الربع الثاني مقارنة بالربع السابق، وذلك بحسب تقرير لمكتب الإحصاءات الأوروبي ” Eurostat “.  وكان النمو في منطقة اليورو ليحقق مستوى أعلى لولا الانكماش الذي عانى منه الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، وأثر عليه بالسلب.

     وكان الاقتصاد الألماني قد حقق في الربع الأول من العام الحالي نموًا طفيفًا بنسبة 0.2 في المئة. وقبل ذلك، انكمش بنسبة 0.4 في المئة في الربع الرابع من عام 2023م.  وبهذه الأرقام يكون الاقتصاد الألماني قد عانى من الركود الاقتصادي، أي الفترة التي تشهد نمواً ضئيلاً جداً أو عدم نمو على الإطلاق، منذ فترة طويلة. حيث لم يتم تسجيل نمو يتجاوز نسبة نصف بالمئة منذ ما يقرب من عامين. أي منذ الربع الثالث من عام 2022م، عندما سجل الاقتصاد نموا بواقع 0.6 في المئة.

     وكانت التوقعات تشير الى ان الاقتصاد سينمو في العام 2024م بشكل طفيف، لكن الأرقام الحالية تضع حتى هذا التوقع موضع تساؤل، فوفقًا لخبراء شركة Now-Casting Economics الاستشارية الاقتصادية، يُتوقع أن ينكمش الاقتصاد مرة أخرى في الربع الثالث بنسبة 0.3 في المئة. وقالت Fritzi Köhler-Geib، كبيرة الاقتصاديين في بنك إعادة الاعمار والتنمية الحكومي KfW: “لا يزال التعافي الاقتصادي في هذا الربع يعتمد على أسس ضعيفة”.

      وتعود أسباب تعثر الاقتصاد الألماني إلى مزيج من العوامل الخارجية والتأثيرات الداخلية، والتي تشير إلى أن التحسن يبدو غير مرجح في الوقت الحالي. وتشمل هذه العوامل الحاسمة التالي:

     أولا. ميل المواطنين الى الادخار بدلا عن الاستهلاك: فبينما كان جميع الخبراء تقريبًا متفقين على أن الاقتصاد الألماني سيعود للنمو بشكل ملحوظ اعتبارًا من الصيف. وكان هذا يبدو منطقيًا، حيث بدأت الأجور ترتفع بسرعة أكبر من ارتفاع الأسعار وبالتالي كان من المتوقع أن يدفع الاستهلاك الخاص عجلة الانتعاش، لكن هذا لم يحدث. فعلى الرغم من أن الأجور ترتفع بالفعل منذ عدة أشهر بمعدل أسرع، حيث تجاوزت الزيادة في الأجور معدل التضخم منذ الربع الثاني من عام 2023م. وفي الربع الأول من عام 2024م، ارتفعت الأجور بنسبة 6.4 في المئة بينما بلغت نسبة التضخم 2.5 في المئة فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. لكن ذلك لم ينعكس حتى الآن في زيادة الاستهلاك الخاص. حيث يستمر الألمان في الادخار بشكل كبير، فقد بلغت نسبة الادخار في الربع الأول 14.9 في المئة، بزيادة 1.5 نقطة مئوية عن نفس الربع من العام السابق. وفي عام 2023م بأكمله، بلغت النسبة 11.3 في المئة، أي نقطة مئوية واحدة أعلى من متوسط ادخار الألمان خلال سنوات 2010م-2020م. ويعود ذلك الى ان القلق بين السكان لا يزال كبيرًا مع زيادة المخاوف من ارتفاع حاد في أسعار الغاز أو الكهرباء مرة أخرى، بالإضافة إلى الخلافات داخل الحكومة الاتحادية والتي تزعج المواطنين وتدفع الكثيرين لتوفير المال لمواجهة أوقات صعبة محتملة.

     ثانيًا. الصعوبات التي تواجه القطاع الصناعي: يعاني القطاع من تراجع الطلبات المستمر منذ بداية العام وحتى شهر مايو والذي تراجعت فيه الطلبات بنسبة 1.6 في المئة. ويشتكي المسؤولون في أهم قطاع اقتصادي في ألمانيا من تدهور مناخ الأعمال. ووفقًا ل Clemens Fuest، رئيس معهد ifo فان الاستثمارات من قبل الشركات تستمر في التراجع، مما يؤدي إلى انخفاض الطلبات على المنتجات الصناعية. كما أشار مكتب الإحصاء الاتحادي إلى أن “الاستثمارات في المعدات والبناء” انخفضت بشكل خاص في الربع الثاني. وانخفضت نسبة استخدام القدرات الإنتاجية للشركات الصناعية إلى 77.5 في المئة، وهي أقل بست نقاط مئوية عن متوسط القدرة الإنتاجية للصناعة خلال السنوات الماضية. وقالت Köhler-Geib، كبيرة الاقتصاديين في بنك KfW، “قطاع الصناعة يعاني من ضعف مستمر في الطلب على منتجاته”. فبالإضافة إلى انخفاض الطلبيات يستمر ضعف الاقتصاد العالمي وأسعار الطاقة، التي لا تزال مرتفعة بالمقارنة الدولية، في الضغط على القطاع الصناعي الألماني.

     ثالثًا. تراجع التجارة الخارجية: يعتمد الاقتصاد الألماني بشكل كبير على التجارة الخارجية، ولهذا السبب يتأثر بدرجة أكبر من غيره من الاقتصاديات الصناعية بالآثار السلبية الناجمة عن ضعف النمو في التجارة العالمية. وبحسب أحدث البيانات انخفضت الصادرات الألمانية في شهر مايو 2024م، بنسبة 3.6 في المئة كما تراجعت الواردات بنسبة أكبر وصلت الى 6.6 في المئة، ولا يبدو أن هناك تحسنًا في الأفق حيث تراجع مؤشر ifo للصادرات في شهر يوليو الى ( -1.7 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -1.3 نقطة) في يونيو الماضي.

     وترتبط الأرقام الضعيفة للصادرات بشكل رئيسي بانخفاض الطلب من الخارج. ويتأثر ذلك بشكل خاص بالتجارة مع الصين التي تتطور بشكل دون المتوقع. ففي مايو، انخفضت الصادرات الألمانية إلى الصين بمقدار 800 مليون يورو مقارنة بالشهر السابق لتصل إلى 7.6 مليار يورو. ويرجع انخفاض الصادرات الألمانية الى الصين بسبب التحديات التي يواجها الاقتصاد الصيني وعدم تحقيق النمو المتوقع.

في غضون ذلك تراجع مناخ الاعمال للشركات الألمانية في شهر أغسطس 2024م، حيث سجل مؤشر ifo مستوى 86.6 نقطة بعد ان كان عند مستوى 87 نقطة في شهر يوليو الماضي. ويرجع هذا التراجع الى تقييم الشركات لمستوى اعمالها الحالي بشكل أسوأ بالمقارنة مع الشهر السابق وأيضا بسبب تراجع التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة، وهو ما يؤشر الى تزايد التحديات التي يواجها الاقتصاد الألماني خلال هذا العام.

في قطاع الصناعة، تراجع المؤشر بشكل ملحوظ حيث سجل مستوى ( -17.8 نقطة) في أغسطس مقارنة بمستوى ( -14.2 نقطة) الذي سجله في يوليو الماضي. حيث أصبحت الشركات غير راضية بشكل واضح عن مستوى اعمالها في الوقت الحاضر، كما انخفضت توقعاتها بمستوى الاعمال خلال الفترة القادمة إلى أدنى قيمة لها منذ شهر فبراير. واشتكت الشركات مرة أخرى من انخفاض تراكم الطلبيات، وبخاصة الشركات العاملة في صناعة المعدات والآلات الاستثمارية.

كذلك تراجع مؤشر مناخ الاعمال في قطاع الخدمات حيث سجل مستوى ( -1.3 نقطة) في أغسطس بعد ان كان عند مستوى 0.8 نقطة في الشهر السابق. ويرجع هذا التراجع بدرجة أساسية الى الانخفاض الكبير في التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة وأيضا تراجع رضي الشركات عن مستوى اعمالها الحالي.

أما في قطاع التجارة، فقد ارتفع مناخ الأعمال مرة أخرى بشكل طفيف بعد انخفاضين متتاليين في الشهرين السابقين، إذ سجل المؤشر مستوى ( -27.4 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -27.9 نقطة) في الشهر السابق. وجاء هذا التحسن الطفيف بسبب تحسن توقعات الشركات في هذا القطاع بمستوى الاعمال خلال الفترة القادمة، وكان من الممكن ان يتحسن المؤشر بشكل أكبر لولا ان رضا الشركات عن مستوى اعمالها الحالية قد تراجع.

أما في قطاع البناء، فقد ظل مؤشر مناخ الاعمال في شهر أغسطس دون تغيير مقارنة بشهر يوليو عند مستوى (- 26.4) نقطة. ويعود ذلك الى انه من ناحية، كانت الشركات أقل استياءً من الوضع الحالي لأعمالها. ومن ناحية أخرى، تراجعت توقعاتها عن مستوى الاعمال في الأشهر القادمة.

سوق العمل: ارتفاع عدد العاطلين عن العمل و80 ألف تأشيرة عمل خلال النصف الأول من العام الحالي

     مع بدء فصل الصيف، ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في يوليو 2024م، بنحو 82 ألف شخص ليصل إلى 2.809000 شخص. ومع ان ارتفاع عدد العاطلين هو أمر معتاد في فصل الصيف الا انه كان في شهر يوليو أعلى من المعتاد. وبالمقارنة ارتفع عدد العاطلين في هذا الشهر بنحو 18 ألف شخص مقارنة بالشهر السابق وأيضا ارتفع بحوالي 192 ألف شخص مقارنة بشهر يوليو من العام الماضي. وقد ارتفع معدل البطالة في يوليو 2024م، بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالشهر الماضي ليصل الى معدل 6 في المئة، وهو ما يمثل أيضًا ارتفاعًا بنسبة 0.3 نقطة مئوية مقارنة بمعدل البطالة في نفس الشهر من العام الماضي.

     وقال Daniel Terzenbach، عضو مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية (BA)، في تعليقة على بيانات سوق العمل لشهر يوليو 2024م، “إن ضعف النمو الاقتصادي يثقل كاهل سوق العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة في بداية فترة الصيف، بشكل أكبر من المعتاد”.

     أما فيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر الحكومي فقد بلغ عدد الموظفين الجدد الذين تم تسجيلهم في البرنامج خلال الفترة من 1 إلى 25 يوليو 2024م، نحو 58 ألف موظف، بزيادة تبلغ الثلث تقريباً مقارنةً بنفس الفترة من الشهر السابق. وبحسب أحدث بيانات مكتب العمل الاتحادي بلغ اجمالي عدد المستفيدين من برنامج العمل بدوام مختصر في شهر مايو 2024م، حوالي 211,000 موظف، مقارنة بـ 226,000 موظف في أبريل و213,000 موظف في مارس الماضي. كما بلغ اجمالي عدد الوظائف الشاغرة المسجلة في شهر يوليو 2024م، لدى وكالة العمل الاتحادية (BA)، 703 ألف وظيفة شاغرة، أي أقل بمقدار 69,000 وظيفة مقارنةً بنفس الشهر من العام الماضي.

     في سياق متصل، وعلى الرغم من اصدار قانون جديد للهجرة في ألمانيا وإدخال العديد من التعديلات والتحسينات علية بهدف جذب مزيد من العمال الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي وخصوصا العمال المهرة منهم، الا ان الارتفاع المتوقع في عدد العمال المهرة لم يتحقق، فبحسب وزارة الخارجية الألمانية تم خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2024م، اصدار أكثر من 80 ألف تأشيرة للأشخاص الذين يرغبون في العمل في ألمانيا، وان حوالي نصف هؤلاء (أكثر من 40,000 شخص)، هم من العمالة المتخصصة. وللمقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، تم إصدار حوالي 37,000 تأشيرة للعمالة المتخصصة. بينما أصدرت وزارة الخارجية في العام 2023م بأكمله، ما يزيد عن 157,000 تأشيرة لأغراض العمل، منها 79,000 تأشيرة للعمالة المتخصصة.

     وترى العديد من الاتحادات الصناعية والمهنية الرئيسية في ألمانيا ان هذه الاعداد من التأشيرات وهذا الحجم المنخفض من العمالة المتخصصة الأجنبية لن يساهم بشكل كبير في معالجة النقص الحاد في العمالة المتخصصة في العديد من القطاعات الاقتصادية، وتنادي هذه الاتحادات بضرورة تبني “ثقافة ترحيب” جديدة في البلاد. وقال Peter Adrian، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK)، إن الرسالة الموجهة للمتخصصين الأجانب يجب أن تكون “نحن سعداء بقدومكم إلى ألمانيا.” ويرى Adrian، أن هناك نقصًا في العديد من الإجراءات التي تساعد على جذب العمالة المتخصصة وتسهيل دخولها الى السوق الألماني بدءًا من إصدار التأشيرات وصولًا إلى توفير السكن ورعاية الأطفال. كما يرى Siegfried Russwurm، رئيس اتحاد الصناعات الألماني (BDI)، الحاجة إلى تحسينات في إجراءات استقدام العمالة المتخصصة. وأشار إلى أن السفارات الألمانية يجب أن تعكس هذه الثقافة الترحيبية. كما أضاف أنه يجب أن يكون بإمكان الشخص، على سبيل المثال، انهاء المعاملات الرسمية لدي السلطات الحكومية دون الحاجة إلى إتقان التحدث بالألمانية. هذا وأظهرت دراسة استقصائية أجراها اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK) أن أكثر من نصف الشركات ترى في نقص العمالة المتخصصة خطرًا على استمرار أعمالها في المستقبل.

الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لألمانيا في النصف الأول من العام 2024م

     بعد ان كانت الصين ولمدة ثمان سنوات متتالية هي الشريك التجاري الأكبر لألمانيا تشير أحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الى ان هذا الامر قد يتغير خلال هذا العام، حيث تصدرت الولايات المتحدة الامريكية قائمة أكبر الشركاء التجاريين لألمانيا في النصف الأول من العام الحالي. إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وألمانيا خلال الستة أشهر الاولي من العام 2024م، حوالي 127 مليار يورو بينما بلغ حجم هذا التبادل في نفس الفترة بين الصين وألمانيا نحو 122 مليار يورو.

     وقالت Lola Machleid، خبيرة التجارة الخارجية في اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK)،”من حيث حجم التجارة الإجمالي، أي مجموع الصادرات والواردات، فقد تجاوزت الولايات المتحدة الصين في النصف الأول من هذا العام.” بينما كانت الصين في عام 2023م، لا تزال تحتل المرتبة الأولى بحجم تجارة بلغ حوالي 253 مليار يورو للعام الثامن على التوالي، وإن كان ذلك بفارق بضع مئات ملايين اليورو فقط عن الولايات المتحدة.

     ويعود هذا التغير في ترتيب أهم الشركاء التجاريين لألمانيا الى عدد من العوامل الاقتصادية والسياسية، فمن جهة وبسبب النمو القوي الذي سجله الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الأولى من هذا العام زادت الصادرات الألمانية اليه بنسبة 3.3 في المئة لتصل إلى ما يقرب من 81 مليار يورو. في المقابل، تقلصت الصادرات الى الصين بنحو 3 في المئة لتصل إلى 48 مليار يورو. كذلك في جانب الواردات انخفضت واردات ألمانيا من الصين خلال النصف الأول من العام 2024م، بنسبة 8 في المئة لتصل إلى 73.5 مليار يورو، بينما تراجعت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 3.4 في المئة فقط لتصل إلى 46.1 مليار يورو، وساهمت واردات ألمانيا من الطاقة مثل الغاز الطبيعي المسال في عدم تراجع الواردات من أمريكا بدرجة كبيرة. وأوضحت Machleid أن الانخفاض في الواردات يُعزى إلى استمرار الضعف الاقتصادي والتراجع في الاستهلاك في ألمانيا.

     سياسيًا أسهم القرار الحكومي في ألمانيا بتشجيع الشركات الألمانية على تنويع سلاسل التوريد وخفض الاعتماد على المنتجات الصينية في خفض الواردات الى ألمانيا. كذلك أدت سياسة الحكومة الصينية في تشجيع الشركات المحلية في تصنيع المنتجات عالية الجودة بنفسها، والتي كانت تستوردها سابقًا من ألمانيا في خفض الصادرات الألمانية والذي ساهم فيه أيضا قيام الشركات الألمانية بشكل متزايد بالتصنيع والإنتاج بشكل كامل داخل الصين. خشية أن تؤدي التوترات السياسية، مثل النزاع حول تايوان التي تطالب بها الصين، إلى وقف سلاسل التوريد وتوقف الإنتاج.

     وبشكل عام تراجعت التجارة الخارجية لألمانيا خلال النصف الأول من العام 2024م، حيث انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 1.6 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق لتصل إلى 801.7 مليار يورو. أما الواردات إلى ألمانيا في الأشهر الستة الأولى من عام 2024م، فقد بلغت 662.8 مليار يورو، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 6.2 في المئة مقارنة بالنصف الأول من عام 2023م. وحقق الميزان التجاري لألمانيا في النصف الأول من عام 2024م، فائضًا بحوالي 138.8 مليار يورو، وهو ما يزيد بنسبة 28.7 في المئة عن الفائض التجاري الذي تم تحقيقه في النصف الأول من عام 2023م، والذي بلغ 107.9 مليار يورو.

     كانت أهم السلع التصديرية لألمانيا في النصف الأول من عام 2024م، هي السيارات وقطع غيار السيارات بقيمة 135.3 مليار يورو، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 2.4 في المئة مقارنة بالنصف الأول من عام 2023م. في المرتبة الثانية جاءت الآلات والمعدات بقيمة 109.6 مليار يورو (بانخفاض قدره 4.4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق). أما بالنسبة لصادرات المنتجات الكيميائية، فقد شهدت أيضًا انخفاضًا مشابهًا، حيث انخفضت من 75.1 مليار يورو في النصف الأول من عام 2023م، إلى 71.8 مليار يورو في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 4.4 في المئة. أما بالنسبة لأهم السلع المستوردة في ألمانيا، فقد كانت السيارات وقطع غيارها بقيمة 73 مليار يورو (بانخفاض قدره 4.2 في المئة) وأجهزة معالجة البيانات بقيمة 64.3 مليار يورو (بانخفاض قدره 9.8 في المئة).

      وكما هو الحال في السنوات السابقة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر دولة مستوردة للبضائع الألمانية في النصف الأول من عام 2024م. حيث تم تصدير بضائع بقيمة 81 مليار يورو من ألمانيا إلى الولايات المتحدة. واحتلت فرنسا (62.4 مليار يورو) وهولندا (57.6 مليار يورو) المركزين الثاني والثالث على التوالي بين أهم الدول المستوردة للبضائع الألمانية. كما جاءت أكبر واردات ألمانيا في النصف الأول من عام 2024م، من الصين (73.5 مليار يورو). واحتلت هولندا (49.6 مليار يورو) والولايات المتحدة (46 مليار يورو) المركزين الثاني والثالث كأهم الدول المصدرة للبضائع إلى ألمانيا.

وسجلت ألمانيا أعلى الفوائض التجارية في النصف الأول من عام 2024م، مع الولايات المتحدة (34.7 مليار يورو)، فرنسا (27.5 مليار يورو)، والمملكة المتحدة (23 مليار يورو). أما بالنسبة للصين، فقد استوردت ألمانيا منها كميات أكبر من البضائع مقارنة بما تم تصديره إليها، مما أدى إلى عجز تجاري لألمانيا مع الصين بقيمة 25.3 مليار يورو في النصف الأول من عام 2024م.

المستثمرون الأجانب يسيطرون على النسبة الأكبر من أسهم كبرى الشركات الألمانية المدرجة في البورصة

     أظهرت دراسة أجرتها شركة الاستشارات EY، ان المستثمرين الأجانب يمتلكون 51 في المئة من أسهم الشركات الألمانية الكبرى المدرجة في البورصة بينما يمتلك المستثمرون الألمان حوالي الثلث (33.6 في المئة)، بينما لم تحدد الدراسة انتماء ملاك الأسهم المتبقية.  ومقارنة بالعام السابق، انخفضت حصة المستثمرين الأجانب بشكل طفيف بمقدار 0.6 نقطة مئوية، بينما زادت حصة المستثمرين الألمان بشكل طفيف بمقدار 0.1 نقطة مئوية.

     وتبلغ أعلى نسبة من المساهمين الأجانب في شركات مثل MTU المتخصصة في صناعة وتوريد محركات الطائرات، وشركة Vonovia للإسكان والعقارات، وشركة Brenntag لتوزيع وتجارة الكيماويات، حيث تبلغ النسبة لكل منها 81 في المئة، كذلك في شركة Deutsche Börse، التي تدير بورصة فرانكفورت، يمتلك المستثمرون الأجانب أربعة من كل خمسة أسهم في الشركة.  كما يمتلك المستثمرون الأجانب نسبة تتجاوز 50 في المئة في العديد من أبرز الشركات الألمانية الكبرى منها على سبيل المثال شركة Siemens الصناعية بنسبة 71 في المئة، شركة Adidas لصناعة الأدوات الرياضية بنسبة 70 في المئة، شركة Bayer للصناعات الكيميائية والدوائية بنسبة 65 في المئة، شركة Mercedes-Benz لصناعة السيارات بنسبة 61 في المئة.

     وبحسب دراسة شركة EY، يتصدر المستثمرون الامريكيون قائمة المستثمرين الأجانب في شركات داكس، حيث قام هؤلاء المستثمرون في السنوات الأخيرة بزيادة استثماراتهم بشكل ملحوظ في الشركات الألمانية الكبرى، في حين أصبح المستثمرون من دول أوروبا الأخرى أكثر تحفظًا، فبالمقارنة بين عامي 2010م و2023م، ارتفعت حصة المستثمرين من أمريكا الشمالية في شركات DAX من 17.4 في المئة إلى 23.5 في المئة. في المقابل، انخفضت حصة المستثمرين الأوروبيين من 25.7 في المئة إلى 22.6 في المئة. واعتبر Henrik Ahlers، رئيس فرع شركة EY في ألمانيا، أن المشاركة القوية للمستثمرين الأجانب “دليل على الثقة الكبيرة المستمرة في الاقتصاد الألماني والشركات الألمانية الكبرى “.

      من الجدير بالذكر أنه بالمقارنة بين نسبة امتلاك المستثمرين الأجانب لاسهم الشركات الألمانية في مؤشر DAX، والبالغة 51 في المئة، مع حجم العائدات والمبيعات التي تحققها هذه الشركات في الأسواق الأجنبية تعتبر صغيرة نسبيًا، حيث تظهر دارسة شركة EY، أن حوالي 80 في المئة من عائدات شركات DAX تأتي من الأسواق الخارجية، بل ان هناك 11 شركة ألمانية كبرى تحقق أقل من 10 في المئة من عائداتها في السوق الألمانية المحلية فيما تأتي أكثر من 90 في المئة من إيراداتها من الأسواق الأجنبية. ومن بين هذه الشركات، شركة الصناعات الكيميائية BASF والتي تمثل مبيعاتها في السوق الألماني نسبة 9.9 في المئة فقط من اجمالي مبيعاتها السنوية، كذلك الحال مع شركة Adidas التي لا يتجاوز حجم إيراداتها من السوق الألماني نسبة 6.3 في المئة، كذلك شركة Bayer والتي تمثل مبيعاتها في السوق المحلية داخل ألمانيا نسبة 5.1 في المئة فقط من اجمالي مبيعاتها، اما شركة Merck  للصناعات الكيميائية والدوائية فإنها تحقق فقط 4.8 في المئة من إيراداتها من بيع منتجاتها في السوق الألماني فيما تأتي بقية الإيرادات من المبيعات في الأسواق الأجنبية.

     ولا يعتبر امتلاك المستثمرين الأجانب لنسبة كبيرة من أسهم الشركات الألمانية الكبرى المدرجة في البورصة شيئا جديدًا حيث انه ومنذ عام 2007م، كانت أكثر من نصف أسهم شركات DAX في أيدي مستثمرين أجانب بشكل مستمر، ولم يتغير هذا الوضع حتى عندما تم زيادة عدد الشركات في المؤشر من 30 إلى 40 شركة في عام 2021م.

     ويعود ازدياد حصة المستثمرين الأجانب في شركات DAX بعد الألفية الثانية وتجاوزها عتبة 50 في المئة قبل حوالي 17 عامًا بالدرجة الأولى الى قرار الحكومة الائتلافية الألمانية بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر (1998م-2005م) بقيادة المستشار السابق جيرهارد شرودر. ففي مايو 2000م، ألغى وزير المالية آنذاك Hans Eichel الضريبة على أرباح بيع حصص الأسهم في الشركات. وبهذا القرار، قامت الحكومة عمليًا بحل ما يسمى “Deutschland AG”، وهو المصطلح الذي كان يشير الى شبكة تربط بين البنوك الكبرى وشركات التأمين والشركات الصناعية. حيث كانت الشركات الألمانية، قبل دخول قرار الالغاء حيز التنفيذ عام 2002م، ملزمة بدفع ضريبة كبيرة على أرباح بيع حصصها الاستثمارية في الشركات الأخرى، مما جعلها تتردد وتحجم عن بيع هذه الحصص.

وأدى إلغاء الضريبة على أرباح بيع الحصص، الى اتاحة المجال لبيع الشركات لأسهمها في الشركات الأخرى دون تحمل تكاليف ضريبية كبيرة. هذا التغيير الضريبي أدى إلى زيادة كبيرة في عمليات بيع الحصص وتفكيك الروابط المتشابكة بين الشركات وأدى تدريجياً إلى انتهاء شبكة “Deutschland AG”. مما أدى أيضًا إلى بيئة أعمال أكثر انفتاحًا وتنافسية في ألمانيا.

ارتفاع الاستثمارات الألمانية المباشرة في الصين

     ارتفعت الاستثمارات المباشرة للشركات الألمانية في الصين بشكل كبير منذ بداية العام الحالي، على الرغم من تحذيرات الحكومة الألمانية للشركات من الاعتماد المفرط على السوق الصيني. وكانت الحكومة قد اعتمدت أيضا التنويع أو “تقليل المخاطر” كمصطلحات ثابتة منذ فترة طويلة عند الحديث عن العلاقات الاقتصادية الألمانية مع الصين. ومع ذلك، تشير الأرقام الأخيرة للاستثمارات المباشرة للشركات الألمانية في الصين إلى اتجاه مختلف، فبحسب بيانات البنك المركزي الألماني، استثمرت الشركات الألمانية في الربع الثاني من العام 2024م، مبلغاً إجمالياً قدره 4.8 مليار يورو في الصين، بعد أن كانت قد استثمرت ما يقرب من 2.48 مليار يورو في الربع الأول من هذا العام. وبشكل اجمالي بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة للشركات الألمانية في الصين خلال النصف الأول من العام 2024م، نحو 7.3 مليار يورو. وهذا الرقم يتجاوز بالفعل قيمة اجمالي الاستثمارات الألمانية المباشرة في الصين في العام الماضي بأكمله والتي بلغت 6.5 مليار يورو.

     وتأتي هذه الزيادة الكبيرة في الاستثمارات المباشرة للشركات الألمانية في الاقتصاد الصيني على العكس من اتجاه الاستثمارات الأجنبية في الصين خلال الخمسة أشهر الماضية من العام الحالي حيث انخفضت بنسبة 28.2 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

     وكانت الحكومة الاتحادية الألمانية قد أقرت في عام 2023م، استراتيجية جديدة تجاه الصين تهدف إلى تقليل الاعتماد على السوق الصيني. ووفقاً لهذه الاستراتيجية، يُطلب من الشركات الألمانية تنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير بعيداً عن الصين، مما يساهم في تقليل تعرض البلاد للصدمات الخارجية. كما دعت رئيسة المفوضية الأوروبية Ursula von der Leyen مراراً الشركات الأوروبية إلى تقليل ارتباطاتها مع أكبر اقتصاد في آسيا.  لكن يبدو أن العديد من الشركات تتجاهل تحذيرات الحكومة الألمانية من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة المرتبطة بالسوق الصيني، خاصة شركات صناعة السيارات الألمانية التي تستحوذ على الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات.

    وأوضح Friedolin Strack، الخبير في الشؤون الصينية لدى اتحاد الصناعة الألمانية (BDI)، أن أحد دوافع الشركات الألمانية للاستثمار المباشر في الصين هو تقصير سلاسل التوريد، “لقد رأت الشركات كيف تشكلت العديد من الاختناقات خلال الجائحة وأثناء إغلاق قناة السويس”. وأضاف: “هذه الشركات مصممة على تقليل جميع المخاطر في سلاسل التوريد الخاصة بها من خلال إعادة تنظيمها على أساس إقليمي عن طريق التوطين، ويحدث هذا غالباً في اعمال هذه الشركات في الصين.” حيث تقوم هذه الشركات بنقل إنتاجها بشكل كامل إلى الصين التي تمثل أحد أهم أسواقها. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية التي يطلق عليها “في الصين من أجل الصين” تقلل من الاعتماد على سلاسل التوريد القادمة من الصين، إلا أنها تزيد من اعتماد ألمانيا على هذا السوق بشكل أكبر.

     وفي استطلاع أجرته غرفة التجارة الخارجية الألمانية (AHK) في الصين لمئة وخمسين شركة عضو فيها، بررت حوالي 80 في المئة من هذه الشركات استثماراتها الجديدة في الصين برغبتها في البقاء قادرة على المنافسة في السوق الذي يضم مئات الملايين من المستهلكين، بالإضافة الى أن الشركات الصينية أصبحت بشكل متزايد محركًا للابتكار. ورغم أن 5 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع يرون أن منافسيهم الصينيين يتولون حاليًا دورًا قياديًا في التكنولوجيا، إلا أن 46 في المئة يتوقعون حدوث ذلك في السنوات الخمس المقبلة. وفي صناعة السيارات، يرتفع هذا الرقم بشكل أكبر ليصل إلى 58 في المئة من الذين يتوقعون قفزة تكنولوجية من المنافسين المحليين خلال السنوات الخمس المقبلة.

     بالإضافة إلى الحفاظ على القدرة التنافسية، أفادت 47 في المئة من الشركات أن السبب وراء استثماراتها في الصين هو ضغط العملاء والشركاء المحليين لتعزيز الإنتاج المحلي. ويرتبط هذا أيضًا بضمان أمن سلاسل التوريد للمبيعات داخل الصين. كما ذكرت 37 في المئة من الشركات أنها، رغم ضعف الطلب المحلي، لديها توقعات كبيرة بشأن تطور السوق الصيني.

     ويخشى الخبراء أن تصاعد التوترات الجيوسياسية في مضيق تايوان، على سبيل المثال، قد يكون كارثيًا للعديد من الشركات الألمانية التي لها علاقات واسعة مع الصين. خاصة بالنسبة لصناعة السيارات الألمانية، فإن انهيار العلاقات الاقتصادية، كما حدث في حالة روسيا بعد الحرب في أوكرانيا، سيكون له عواقب وخيمة.