تراجع مناخ الاعمال للشركات في ألمانيا في شهر سبتمبر مرة أخرى، حيث انخفض مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى مستوى 85.4 نقطة، بعد أن كان عند مستوى 86.6 نقطة في أغسطس الماضي. وهذا هو الانخفاض الرابع على التوالي. ويرجع هذا التراجع الى ان الشركات عبرت عن عدم رضا واضح عن الوضع الحالي لأعمالها، كما أن التوقعات الخاصة بمستوى الاعمال للأشهر المقبلة تزداد سوءاً. وهو ما يشير اجمالا الى الضغوط المتزايدة التي يعاني منها الاقتصاد الألماني.
في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الاعمال إلى أدنى مستوى له منذ يونيو 2020م، حيث سجل مستوى ( -21.6 نقطة) متراجعًا من مستوى ( -17.8 نقطة) الذي سجله في الشهر السابق. وقد قيّمت الشركات وضع اعمالها الحالي بشكل أسوأ بكثير، كما أصبحت توقعاتها لمستوى اعمالها في الفترة القادمة أكثر تشاؤماً، حيث تفاقم نقص الطلبات، مما جعل الصناعات الأساسية في ألمانيا تواجه تحديات كبيرة.
كذلك تراجع مناخ الاعمال في قطاع الخدمات، حيث سجل المؤشر في شهر سبتمبر مستوى (- 3.5 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (- 1.3 نقطة) في أغسطس الماضي. وفي هذا القطاع أيضا كانت الشركات أقل رضا عن مستوى اعمالها في الوقت الحاضر. الا ان توقعاتها لمستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة كانت أقل تشاؤماً، وتحسنت توقعات الاعمال في الفترة القادمة بدرجة أكثر وضوحًا في قطاعي الضيافة والسياحة.
وشهد مؤشر مناخ الاعمال في قطاع التجارة تراجعًا هو الأخر في شهر سبتمبر حيث انخفض الى مستوى ( -29.8 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -27.4 نقطة) في اغسطس، اذ كان مستوى رضا شركات القطاع عن أدائها خلال الوقت الحاضر أقل من الشهر السابق، كما كانت أكثر تشككًا بخصوص تطور اعمالها خلال الأشهر القادمة.
أما في قطاع البناء، فقد تحسن مناخ الاعمال بدرجة طفيفة حيث سجل المؤشر في شهر سبتمبر مستوى ( -25.2 نقطة) بعد ان كان قد سجل مستوى ( -26.8 نقطة) في الشهر السابق. ويأتي هذا التحسن بسبب انخفاض التوقعات المتشائمة لمستوى الاعمال في الأشهر القادمة، على الرغم من ان الشركات أبدت رضا أقل عن وضعها الحالي.
بالإضافة الى ذلك استمر تراجع مناخ الاعمال وتوقعات التصدير في الشركات الألمانية. فقد تراجع مؤشر توقعات التصدير لدى معهد ifo في سبتمبر ليصل إلى مستوى ( -6.3 نقاط)، مقارنة بـمستوى ( -5.2 نقاط) المسجل في أغسطس. وقال Klaus Wohlrabe، مدير الاستطلاعات في المعهد معلقًا عن تراجع مؤشر التصدير “الصناعة تشتكي من نقص الطلبات من الخارج”، مضيفاً أن “قطاع التصدير يمر بمرحلة ضعف”.
وتتوقع غالبية الشركات تراجع الطلبات من الخارج، وخصوصاً الشركات العاملة في قطاع المعادن وفي قطاع صناعة السيارات، حيث تتوقع الشركات العاملة في هذين القطاعين تراجع كبير في حجم صادراتها الى الخارج. كما تراجع عدد القطاعات الصناعية التي تتوقع زيادة اعمالها التصديرية حيث لا تزال صناعات الأغذية والمشروبات والزجاج والسيراميك تتوقع نمو صادراتها خلال الفترة القادمة، بينما لم تتغير توقعات الشركات العاملة في الصناعات الكيميائية حول مستوى صادراتها سواءً بالزيادة او النقصان، مما يعني أن نشاط التصدير سيبقى مستقراً دون تغيير.
من جانب أخر، قدمت أبرز معاهد الأبحاث الاقتصادية في ألمانيا توقعاتها عن تطورات الاقتصاد الألماني للعام الحالي (تقرير الخريف)، وأشار التقرير الذي تم اعداده من قبل المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين DIW، ومعهد الأبحاث الاقتصادية التابع لجامعة ميونخ Ifo، ومعهد كييل للاقتصاد العالمي (IfW)، ومعهد لايبنز للأبحاث الاقتصادية في هاله (IWH)، بالإضافة الى معهد لايبنيز للبحوث الاقتصادية في إيسن (RWI)، الى ان الناتج المحلي الإجمالي سينكمش مرة أخرى في العام 2024م، بنسبة 0.1 في المئة بعد كانت التوقعات السابقة في تقرير الربيع تشير الى نمو طفيف بنسبة 0.1 في المئة.
أما بالنسبة لعام 2025م، يُتوقع ان ينمو الاقتصاد بنسبة 0.8 في المئة، بعد أن توقعت المعاهد في تقريرها للربيع الماضي نموًا بنسبة 1.4 في المئة، ووفقًا للتوقعات الحالية، من المُنتظر أن يحقق الاقتصاد الألماني نموًا بنسبة 1.3 في المئة في عام 2026م. وبهذه التوقعات يكون الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، قد عانى من الركود لعامين متتالين بعد ان انكمش في العام 2023م، بنسبة 0.3 في المئة. كما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن تظل ألمانيا واحدة من أبطأ الدول الصناعية نموًا حتى عام 2025م على الأقل. ومن المتوقع أن يكون أداء اليابان فقط من بين الدول الصناعية الكبرى أسوأ من ألمانيا هذا العام.
واعتبرت Geraldine Dany-Knedlik، مديرة قسم التوقعات والسياسات الاقتصادية في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW)، انه “إلى جانب الضعف الاقتصادي، يؤثر التحول الهيكلي أيضًا على الاقتصاد الألماني”، مضيفةً ان “التحول نحو إزالة الكربون والتحول الرقمي والتغير الديموغرافي، وكذلك المنافسة المتزايدة مع الشركات الصينية، أدى إلى عمليات تكيف هيكلية تضعف آفاق النمو للاقتصاد الألماني”.
كما أوضح عدد من الخبراء أن أحد الأسباب الرئيسية لتراجع أداء الاقتصاد الألماني هو ارتفاع أسعار الفائدة والمخاوف الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة، التي أثرت على الأنشطة الاستثمارية والاستهلاك لدى الأسر الخاصة. حيث “تقوم الأسر الخاصة بتوفير دخلها بدلاً من إنفاقه على بناء منازل جديدة أو شراء السلع الاستهلاكية”. هذا بالإضافة الى تراجع الإنتاج الصناعي، والذي يمثل العمود الأساسي للاقتصاد في ألمانيا، حيث تراجع الإنتاج في شهر يوليو بنسبة 2.4 في المئة مقارنة بالشهر السابق وبنسبة 5.3 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. ويعود هذا التراجع الحالي بشكل خاص إلى الأداء الضعيف في قطاع صناعة السيارات، حيث تراجع الإنتاج في هذا القطاع في يوليو 2024م، بنسبة 8.1 في المئة مقارنة بالشهر السابق، مما أثر سلبًا على النتائج الإجمالية. ويشير تقرير الخريف إلى أن القطاع الصناعي يواجه ضغوطاً كبيرة، حيث تعاني القدرة التنافسية لمصنّعي السلع الاستثمارية والصناعات ذات الاستهلاك الكبير للطاقة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وتزايد المنافسة من السلع الصناعية عالية الجودة من الصين، والتي تحل محل الصادرات الألمانية في الأسواق العالمية.
وينظر اتحاد عرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK) بقلق بالغ إلى الوضع الاقتصادي في ألمانيا. حيث صرح Peter Adrian، رئيس اتحاد الغرف، أن “المزاج في عدد متزايد من الشركات في جميع مناطق بلادنا سيئ للغاية”. وأضاف: “إن الظروف الاقتصادية العامة في ألمانيا تجعل الأنشطة التجارية أقل جاذبية بشكل متزايد، حيث تزداد عمليات نقل الإنتاج وإغلاق الأعمال، في حين تتراجع الاستثمارات. نحن نشهد حالة من الجمود بدلاً من النمو”.
وتخطط الحكومة الألمانية لحزمة من الإجراءات لدعم النمو استجابةً للركود المستمر. لكن هذه الإجراءات لا تُعتبر كافية بالنسبة للاتحادات الاقتصادية المختلفة والتي تطالب بإصلاحات أساسية وتشكو من أسعار الطاقة المرتفعة مقارنةً بالدول الأخرى، وكثرة البيروقراطية، ونقص العمالة المؤهلة.
سوق العمل: استمرار ارتفاع البطالة في الصيف و133 ألف وظيفة شاغرة في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية
ارتفع عدد العاطلين عن العمل في أغسطس 2024م، مقارنة بالشهر الذي سبق بمقدار 63,000 شخص ليصل إلى 2,872,000 عاطل عن العمل وذلك بالتزامن مع العطلة الصيفية. وبالمقارنة مع أغسطس من العام الماضي، ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 176,000شخص. وارتفع معدل البطالة في أغسطس 2024م، بنسبة 0.1 نقطة مئوية ليصل إلى 6.1 في المئة. وبالمقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق، ارتفع المعدل بمقدار 0.3 نقطة مئوية.
وعلقت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية (BA)، على استمرا ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في أشهر الصيف بالقول “لا يزال سوق العمل يعاني من آثار الركود الاقتصادي. فقد زادت البطالة وتراجع معدل التوظيف خلال فترة العطلة الصيفية.”
اما في جانب برنامج العمل بدوام جزئي الحكومي، فقد بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة من 1 الى 26 أغسطس نحو 40 ألف شخص. وبحسب أحدث بيانات وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ اجمالي عدد المستفيدين من التعويضات التي يقدمها البرنامج في شهر يونيو 2024م. 232,000 موظف، مقارنة بـ 215,000 موظف في مايو و223,000 موظف في أبريل.
كما بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية في أغسطس 2024م، نحو 699 ألف وظيفة، أي أقل بـ 72,000 مقارنة بالعام الماضي. وبالرغم من استمرار تراجع عدد الوظائف الشاغرة فان مستواها الحالي ما يزال مرتفعًا.
وعلى خلفية النقص الكبير الذي تعاني منه ألمانيا في العمالة الماهرة، أظهرت دراسة لمركز الكفاءة في تأمين العمالة الماهرة (Kofa) التابع لمعهد الاقتصاد الألماني (IW)، أن عشرات الآلاف من الوظائف الشاغرة في رياض الأطفال ودور الرعاية الصحية لم يتم شغلها حتى الآن بسبب النقص الحاد في عدد المربين. وقد تتفاقم هذه الوضعية في المستقبل. وان النقص في الممرضين والمربين والعاملين الاجتماعيين في ألمانيا قد وصل الى درجة ان هنالك حوالي 133,000 وظيفة شاغرة في مجالات الصحة والمهن الاجتماعية خلال العام 2023م، بسبب عدم وجود العاملين المؤهلين بشكل مناسب. ويشكل هذا العدد ما يقرب من ربع اجمالي النقص العام في القوى العاملة الماهرة على مستوى الاقتصاد الألماني. ووفقاً للخبير في سوق العمل Jurek Tiedemann، فإن النقص قد تراجع قليلاً مؤخراً، لكن الوضع لا يزال “متوترًا للغاية” وقد يتفاقم بشكل كبير في السنوات المقبلة.
وفقاً للدراسة، يوجد أكبر نقص في عدد المربين والمربيات في حضانات الأطفال، وهذا النقص له عواقب، فبسبب النقص البالغ حوالي 21,000 من المتخصصين في رعاية الأطفال في العام الماضي، تراجعت القدرة الاستيعابية لحضانات الأطفال ودور الرعاية النهارية بحوالي 300,000 مكان لرعاية الأطفال على مستوى البلاد. وانعكس هذا النقص في أماكن الرعاية على العاملين في قطاع الصحة والمهن الاجتماعية بسبب أن أكثر من 80 في المئة من العاملين في هذه المجالات من النساء، وأكثر من نصفهن يعملن بدوام جزئي، وقال الخبير Tiedemann: “غالباً ما تقلل الأمهات العاملات من ساعات عملهن لتعويض نقص رعاية الأطفال”. ويعد توفير أماكن الرعاية للأطفال عاملًا محوريًا لزيادة ساعات العمل للأمهات والآباء.
وتشير الدراسة ايضًا الى أن الوضع مشابه في قطاعات العمل الاجتماعي، الرعاية الصحية، التمريض ورعاية كبار السن. وأضاف Tiedemann أن الأشخاص الذين لا يمكنهم رعاية أقاربهم بسبب نقص المتخصصين لا يمكنهم المشاركة في سوق العمل بشكل كامل. ومع تزايد شيخوخة المجتمع، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على العمال المؤهلين في هذه القطاعات أيضًا. ويقدر مكتب الإحصاء الاتحادي أنه بحلول عام 2049م، ستحتاج ألمانيا إلى ما لا يقل عن 280,000 ممرض وممرضة إضافي.
ورغم هذا النقص، يشير الخبراء إلى وجود بعض التطورات الإيجابية، فوفقًا للمعهد الاتحادي للتدريب المهني، فقد سجلت برامج التدريب على وظائف الرعاية الصحية ورعاية الأطفال أعلى عدد من العقود التدريبية الجديدة، إلا أن الطلب على الموظفين المؤهلين يرتفع بوتيرة أسرع من ارتفاع عدد العمال الذين يتم تأهيلهم وتدريبهم.
استراتيجيات ضرورية لتعزيز الابتكار ودعم تنافسية الاقتصاد في ألمانيا
تراجعت ألمانيا في المقارنة الدولية لقوة الابتكار. ففي تصنيف الابتكار الذي يجريه اتحاد الصناعات الألمانية (BDI) وشركة الاستشارات ” Roland Berger”، تراجعت ألمانيا بمركزين لتخرج بذلك من قائمة الدول العشر الأوائل. وتحتل ألمانيا الآن المركز الثاني عشر من بين 35 دولة مختارة. ورغم أن ألمانيا لا تزال تتقدم على اقتصادات كبرى أخرى مثل فرنسا، الولايات المتحدة، واليابان، إلا أن الفجوة بينها وبين المجموعة الرائدة التي تضم دولًا أصغر مثل سويسرا، سنغافورة والدنمارك قد اتسعت بشكل ملحوظ. ويتم تقييم 35 عاملاً لكل دولة في تصنيف الابتكار، بدءًا من متوسط الإنفاق الجامعي لكل طالب، وصولًا إلى الاستشهادات في المنشورات العلمية وتسجيل براءات الاختراع. وقد حصلت ألمانيا على 43 نقطة من أصل 100 نقطة محتملة، بينما حصلت سويسرا، التي تأتي في المركز الأول في قوة الابتكار في هذا التصنيف، على 71 نقطة.
حول ذلك صرح رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، Siegfried Russwurm، بالقول “تعتمد قدرتنا التنافسية بشكل أساسي على قدرتنا على الابتكار. نحن بحاجة إلى مزيد من الديناميكية.” وأضاف “أن الصين، التي تأخرت في السنوات الأخيرة بسبب جائحة كورونا وسياسة الانغلاق، بدأت تعود بقوة مرة أخرى”. وتلعب الابتكارات في مجالات وقطاعات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والثورة الصناعية الرابعة 4.0، وقطاع الفضاء دورًا مهمًا في هذا السياق. وفي هذا المجال الذي يُطلق عليه “التكنولوجيا العميقة” (Deeptech)، والمبني على التقنيات المستقبلية وبراءات الاختراع، تُعتبر ألمانيا قوية. فالبحوث الأساسية تحظى باعتراف دولي، والجامعات تخرج الكثير من المتخصصين في هذه المجالات، وتستثمر بشكل كبير في البحوث الأساسية، كما أن الشركات تنفق أيضًا نسبيًا الكثير من المال على البحث والتطوير. ومع ذلك، ووفقًا للدراسة، هناك مشاكل كبيرة. فالدولة تقدم دعمًا ضئيلًا جدًا، ويضيع المال في متاهة من برامج الدعم المتنوعة. كما يعيق النقص في الكوادر المتخصصة تحويل المعرفة والابتكارات إلى منتجات تطرح في الأسواق.
ويذهب العديد من الخبراء والمستثمرون ورجال الأعمال بشكل عام إلى أن هناك أربع استراتيجيات أساسية يمكن أن تضمن تحسين تصنيف ألمانيا كموقع مناسب للتطوير والابتكار وعودتها لاحتلال مراكز متقدمة:
- الدولة كعميل رئيسي: وفقًا للدراسة، قامت ألمانيا “بتقليص تمويلها للبحث والتطوير بشكل فعلي في السنوات الأخيرة”. ولحسن الحظ، عوضت الشركات هذا النقص، ولكن “التقسيم المتفق عليه سابقًا بتمويل الأبحاث والتطوير بنسبة الثلثين من القطاع الخاص والثلث من القطاع العام يتم تقويضه بشكل جزئي.” حيث تقلصت التمويلات المخصصة لبرنامج الابتكار المركزي للشركات المتوسطة (ZIM) التابع للحكومة الألمانية من 632 إلى 510 ملايين يورو. الى جانب ذلك لا يكفي مجرد زيادة التمويل، بل ينبغي إعادة توجيه الدعم الحكومي أيضًا. إذ يجب أن يتم منح المزيد من العقود الحكومية للشركات المتخصصة في التكنولوجيا العميقة. حيث يمكن للقطاع العام أن يسهم بشكل كبير في إطلاق المزيد من الشركات الناشئة الناجحة من خلال تقديم العقود. ويوضح Fabian Gruner، من شركة “إتش في كابيتال”، أن الشركات الناشئة الأمريكية تستفيد من العقود الحكومية عبر تأمين مصادر دخل ثابتة في وقت مبكر، مما يمنحها الأمان المالي للنمو والتطور.
- 2. تبسيط الدعم الحكومي: تتضمن استراتيجية البحث والابتكار للحكومة الألمانية وجود ست مهام رئيسية، 30 مهمة فرعية، 188 هدفًا، و997 إجراءً. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من البرامج والمبادرات الأخرى على مستوى الولايات الفيدرالية وأيضا على مستوى الاتحاد الأوروبي. ويُشبه، رئيس اتحاد الصناعات الألماني Russwurm: ” سياسة دعم الابتكار في ألمانيا برقعة شطرنج من البرامج المتفرقة”. مضيفًا أن هذه البرامج تسعى لتحقيق الأهداف الصحيحة، لكنها ليست متكاملة ومنسقة جيدًا. إلى جانب ذلك، تتأثر فعالية هذه البرامج بالبيروقراطية والتشدد في الرقابة.
- تمكين المزيد من رأس المال المغامر: يعمل ما يسمى براس المال المغامر دورا أساسيا في تمويل ودعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة والتي تتولى تحويل الابتكارات الى مشاريع ومنتجات تطرح في الأسواق الا ان صناديق رأس المال المغامر تقدم مبالغ صغيرة جدًا، مما يجعل مؤسسي الشركات الناشئة يضيعون وقتًا كبيرًا في جمع الأموال وتأمين التمويل. لذا يطالب العديد من الخبراء بضرورة وجود سوق راس مال أكبر وموحد على مستوى أوروبا حيث يعتقدون ان ذلك سيتيح المزيد من رأس المال المغامر.
- إلغاء الفصل القائم بين البحث المدني والعسكري: أدت حرب أوكرانيا إلى تغييرات كبيرة في ألمانيا، بما في ذلك تعزيز أهمية ودور الجيش الألماني. وهو ما فتح الفرصة من اجل إلغاء الفصل القائم بين البحث المدني والعسكري. وتُظهر الولايات المتحدة منذ عقود كيف يمكن للجيش أن يقدم دفعة كبيرة للبحث العلمي والابتكار. حيث تلعب وكالة ” Darpa ” التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية دورًا هامًا في هذا المجال منذ عام 1958م، بميزانية سنوية قدرها 4.1 مليار دولار، وهي التي ساهمت في تطوير تقنيات متقدمة مثل الحاسوب الشخصي، الإنترنت والطائرات بدون طيار. ويثني Andreas Unseld، من شركة “UVC Partners” الاستثمارية في ميونيخ، على نجاح الولايات المتحدة في دعم صناعات مربحة مثل البرمجيات والإنترنت بفضل برامج مثل ” Darpa “. كما تتبع الصين الآن نهجًا مشابهًا. في ألمانيا، الأمور لم تصل إلى هذا الحد بعد. حيث لا يزال من الصعب على الشركات الناشئة في ألمانيا الحصول على تمويل بحثي من الجيش الألماني.
تراجع كبير في سوق السيارات الألماني والأوروبي
تعرضت مبيعات السيارات الجديدة في ألمانيا وأوروبا لانخفاض كبير بسبب تراجع شديد في مبيعات السيارات الكهربائية. حيث أفاد اتحاد مصنعي السيارات الأوروبيين (ACEA) أن إجمالي تسجيلات السيارات الجديدة في شهر أغسطس 2024م، انخفض بنسبة 18.3 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وأوضح الاتحاد أن الطلب على السيارات الكهربائية انخفض بنسبة تقارب 44 في المئة، مما جعل حصتها في السوق تبلغ 14.4في المئة فقط، مقارنة بـ 21 في المئة قبل عام.
وكان هذا التراجع في مبيعات السيارات الكهربائية أكثر حدة في ألمانيا، حيث انخفضت مبيعاتها بنحو 70 في المئة. مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. ويعود ذلك في جزء منه الى الغاء الدعم الحكومي الذي كان يقدم لمشترى السيارات الكهربائية مع بداية العام الحالي. في فرنسا، ثاني أكبر سوق أوروبي للسيارات، انخفضت مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 33 في المئة كما انخفضت مبيعات السيارات الجديدة بشكل عام في كل من ألمانيا وفرنسا بنسبة 27.8 في المئة و24.3 في المئة على التوالي، وهي نسبة أعلى من المتوسط الأوروبي.
على الرغم من هذه التراجعات، ارتفعت مبيعات السيارات في أوروبا خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024م، بنسبة 1.4في المئة حيث تم بيع 7.2 مليون وحدة. وكانت الأسواق الأكثر نمواً هي إسبانيا التي ارتفعت فيها مبيعات السيارات الجديدة بنسبة 4.5 في المئة وإيطاليا بنسبة 3.8 في المئة، بينما شهدت ألمانيا وفرنسا تراجعاً بنحو نصف في المئة.
من جانب أخر، يهدد دخول الحد الأقصى الجديد لانبعاثات الغازات العادمة من السيارات الذي اقرته المفوضية الأوروبية بداية من العام 2025م، صناعة السيارات الأوروبية حيث ستفرض غرامات مالية كبيرة على مصنعي السيارات في حال مخالفة هذا الحد. ويؤكد اتحاد مصنعي السيارات الأوروبيين (ACEA) أن هذه الغرامات يمكن أن تمنع توجيه الأموال نحو تطوير سيارات أكثر صداقة للبيئة. ويخشى الاتحاد من أن يؤدي ذلك إلى “خفض الإنتاج بشكل غير ضروري، وفقدان وظائف، وإضعاف سلسلة التوريد والقيمة الأوروبية”.
وتأتي هذه التطورات في وقت تعاني شركات قطاع صناعة السيارات الألماني، الأكبر في أوروبا، مثل فولكس فاجن وبي إم دبليو ومرسيدس بنز من تراجع الأرباح. حيث سجلت فولكس فاجن انخفاضًا في الأرباح بنسبة 4.2 في المئة في الربع الثاني من عام 2024م، لتصل إلى 3.63 مليار يورو. كما تأثرت شركة بي إم دبليو بشكل خاص بالمنافسة في السوق الصيني، مما أدى إلى انخفاض سعر أسهمها في أغسطس لأدنى مستوى لها منذ قرابة عامين. كما أعلنت شركة مرسيدس بنز خفض توقعاتها للأرباح السنوية للعام الحالي مرة أخرى. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وخاصة في الصين. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تكون أرباح الشركة أقل بكثير من مستوى العام الماضي. علاوة على ذلك اشار Oliver Blume، رئيس مجموعة فولكس فاجن، إلى أن موقع ألمانيا يتراجع فيما يخص القدرة التنافسية. ونتيجة لذلك، فرضت فولكس فاجن برنامجًا ضخمًا لتوفير التكاليف، ولم يستبعد Blume إغلاق بعض المصانع في ألمانيا وذلك للمرة الأولى في تاريخ الشركة.
من جانبها، وفي ظل أزمة صناعة السيارات الألمانية، انتقدت Hildegard Müller، رئيسة اتحاد صناعة السيارات الألماني (VDA)، ضعف القدرة التنافسية لألمانيا نتيجة تكاليف الإنتاج المرتفعة، مشيرة إلى أن “المشكلة تكمن في أننا لم نعد قادرين على إنتاج السيارات في ألمانيا بتنافسية”. وأوضحت أن تكاليف الطاقة، البيروقراطية، والعمالة في ألمانيا مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى. وأضافت أن دولاً أخرى تعمل على تحسين هذه العوامل، “ويجب علينا فعل الشيء نفسه”. لكنها انتقدت السياسات الحكومية في هذا الجانب، مؤكدة أنها تعالج الأعراض فقط دون معالجة الأسباب. واوضحت Müller، أن صناعة السيارات تستثمر مبالغ ضخمة في التحول نحو صناعة السيارات الكهربائية، ورغم أن ألمانيا لا تزال ثاني أكبر منتج للسيارات الكهربائية بعد الصين، إلا أن التكاليف المرتفعة تلعب دورًا في عدم إنتاج سيارات صغيرة وبأسعار معقولة في ألمانيا. وطالب اتحاد صناعة السيارات في ألمانيا بتحسين “النظام البيئي” للتنقل الكهربائي، بما في ذلك زيادة محطات الشحن وتخفيض أسعار الكهرباء. خصوصا ان الضرائب والرسوم في ألمانيا تزيد من تكلفة الكهرباء.
الوضع المتوتر في صناعة السيارات الألمانية والأوروبية يثير القلق لدى المفوضية الأوروبية أيضًا. وقال Thierry Breton، المفوض المختص بالصناعة، إن “وضع القطاع ليس جيدًا”، ولا جدوى من تجميله. وأضاف أن التوتر كبير، وهو ما يظهر في التطورات الأخيرة في صناعة السيارات الألمانية. وأوضح: “ان الاعلان عن إمكانية إغلاق المصانع تثير قلقي للغاية”. وأشار Breton إلى أن الأزمة ناجمة عن عدم قدرة الشركات الأوروبية على إقناع العملاء بالتحول إلى السيارات الكهربائية. وأكد أن نجاح الانتقال إلى السيارات الكهربائية في أوروبا يعتمد بشكل كبير على توسيع البنية التحتية لمحطات الشحن، التي تعاني في الوقت الحاضر نقصًا كبيرًا. وأضاف أن “محطات الشحن العامة لا تزال تتركز بشكل كبير في ألمانيا وفرنسا وهولندا، حيث تستحوذ هذه الدول على ما يقرب من ثلثي المحطات العامة المثبتة في الاتحاد الأوروبي”.
ارتفاع حجم الثروات المالية الخاصة في ألمانيا والعالم
اظهر تقرير ” الثروة العالمية” الذي تصدره شركة Allianz أن الثروات المالية للأسر على مستوى العالم قد ارتفعت في العام 2023م، بنسبة 7.6 في المئة لتصل إلى رقم قياسي بلغ 239 تريليون يورو، وجاء هذا الارتفاع بسبب الازدهار الكبير الذي شهدته الأسواق المالية. وبناءً على التحسن المستمر في أسواق الأسهم هذا العام ايضًا، تتوقع Allianz أن ترتفع الثروات المالية الخاصة على مستوى العالم في نهاية العام الحالي 2024م، بنسبة 6.5 في المئة إضافية لتصل إلى نحو 255 تريليون يورو.
وبحسب التقرير أيضا شهدت الثروات الخاصة في ألمانيا ارتفاعا في العام 2023م، بنسبة 6.8 في المئة لتصل إلى 7.95 تريليون يورو، متجاوزة المتوسط الأوروبي. ويرجع ذلك، وفقًا ل Ludovic Subran، رئيس الاقتصاديين في شركة Allianz، إلى أن المستثمرين الأفراد في ألمانيا “ليسوا بطيئين في الاستجابة للتغيرات في الأسواق كما كان يُعتقد”. فقد استجاب المدخرون الألمان للتغيرات واستفادوا بشكل أكبر من الفرص التي قدمتها أسواق المال. لكن بالرغم من هذه الأرقام الإيجابية، الا انه وبحسب Arne Holzhausen، مدير التأمين وإدارة الثروات في Allianz، هناك إشكالية التضخم والتي تؤثر على القدرة الشرائية لهذه الثروات، حيث أكل التضخم الذي شهدته ألمانيا في العام الماضي جزءًا كبيرًا من هذه الزيادة في الثروة. فبعد حساب تأثير التضخم ارتفعت الثروات في ألمانيا العام 2023م، بنسبة 0.7 في المئة فقط مقارنة بالعام السابق. كما كانت القدرة الشرائية لهذه الثروات الخاصة في العام الماضي لا تزال أقل بنسبة 1.7 في المئة مقارنة بالعام 2019م، أي ما قبل جائحة كورونا.
لكن الامر الإيجابي بالنسبة للمستثمرين الألمان في العام 2024م، هو انه في ظل انخفاض التضخم هذا العام، من المتوقع أن يبقى جزء أكبر من الزيادة في الثروات. إذ تتوقع Allianz أن ترتفع الثروات المالية للأسر الخاصة في ألمانيا بنسبة 5.8 في المئة في العام الحالي 2024م، بينما تُقدر معدلات التضخم بحوالي 2.4 في المئة وهو أقل بكثير من معدل 6.1 في المئة الذي شهده العام 2023م، ومعدل 8.6 في المئة الذي تم تسجيله في العام 2022م. ومن اجل تحقيق أعلى عائد ممكن بعد خصم التضخم، يجب على المستثمرين الاستمرار في الاستثمار بشكل أكبر في الأوراق المالية.
يقول خبراء شركة Allianz، ان “الميل المتزايد للاستثمار في الأوراق المالية مستمر”. فمنذ عام 2020م، يرتفع حجم استثمار الأموال الجديدة بشكل متزايد في الأوراق المالية في ألمانيا. إلا أن الاستثمار المباشر في الأسهم، لا يزال غير محبب نسبيًا. ومع ارتفاع أسعار الفائدة منذ العام 2022م، تم تحويل المزيد من الاستثمارات إلى شراء السندات.
وتشكل الأوراق المالية 29 في المئة فقط من الثروات المالية للمستثمرين الألمان. وما تزال الودائع البنكية بنسبة 41 في المئة تمثل الجزء الأكبر من الثروات المالية الخاصة في ألمانيا فيما يشكل التأمين والمعاشات التقاعدية نسبة 30 في المئة. وبذلك يحتفظ الألمان بنسبة أقل من الأوراق المالية مقارنةً بالأوروبيين الآخرين، بينما يحتفظون بنسبة أكبر من الودائع البنكية.
على المستوى العالمي تحتفظ منطقة أمريكا الشمالية بأكبر نسبة من الأوراق المالية. ويرى خبراء Allianz أن هذا، إلى جانب الأداء الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة، هو السبب في هيمنة الولايات المتحدة على الثروات المالية الخاصة على مستوى العالم منذ 20 عامًا. ففي عام 2023م، استحوذت الولايات المتحدة على 47.7 في المئة من الثروات المالية الخاصة العالمية، مقارنة بـ 48.7 في المئة في عام 2003م. في المقابل، انخفضت حصة أوروبا الغربية من الثروات الخاصة في الـ 20 عامًا الماضية من 28.5 في المئة إلى 19.1 في المئة، بينما ارتفعت حصة الصين من 2.4 في المئة إلى 14.1 في المئة.
حتى في صافي الثروة، أي الثروة المالية بعد خصم الديون، يهيمن الأمريكيون منذ فترة طويلة. في العام 2023م، بلغ متوسط صافي الثروة المالية للفرد في الولايات المتحدة 260,320 يورو. في سويسرا، كان 255,440 يورو، وفي الدنمارك 172,200 يورو. أما ألمانيا، فجاءت في المرتبة 18 في قائمة أغنى 20 دولة بمتوسط صافي ثروة مالية للفرد بلغ 69,060 يورو.