ارتفع مؤشر IFO لمناخ الأعمال إلى 93.3 نقطة في شهر مارس بعد ان كان عند مستوى 91.1 نقطة في فبراير الماضي ويعد هذا الارتفاع الخامس على التوالي. ويعود هذا التحسن بشكل أساسي الى التوقعات الإيجابية لمستوى الأعمال في الأشهر القادمة، كذلك الى تصنيف الشركات أيضًا مستوى أعمالها الحالية بشكل أفضل إلى حد ما. كما يشير هذا التحسن المستمر في مناخ الاعمال الى متانة الاقتصاد الألماني.
في قطاع الصناعة، ارتفع مؤشر مناخ الاعمال بدرجة كبيرة حيث سجل مستوى 6.6 نقطة في مارس بعد ان كان قد سجل مستوى 1.5 نقطة في فبراير. وكانت الشركات العاملة في القطاع أكثر ارتياحًا بشكل ملحوظ لوضع أعمالها الحالي. بالإضافة إلى ذلك، اختفى التشاؤم بشكل كامل تقريبًا من توقعاتها لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة حيث تحسنت المعنويات بشكل كبير، لا سيما في قطاعات الصناعة الرئيسية مثل صناعة السيارات والصناعات الكيمائية والصناعات الكهربائية وصناعة الإلكترونيات وصناعة الآلات والمعدات.
في قطاع الخدمات، استمر مناخ الأعمال في التحسن حيث ارتفع المؤشر أيضا في هذا القطاع بدرجة كبيرة من مستوى 1.3 نقطة في فبراير الى مستوى 8.6 نقطة في مارس، ويأتي ذلك بعد ان قيمت الشركات العاملة في القطاع مستوى أعمالها الحالي بشكل أفضل بكثير. كما ارتفع مؤشر التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة إلى أعلى مستوى له منذ فبراير 2022م.
في قطاع التجارة، ارتفع المؤشر بشكل طفيف حيث سجل في مارس مستوى (-10 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-10.6 نقطة) في فبراير. حيث فقد الانتعاش الذي شهدته اعمال شركات القطاع في الأشهر الأخيرة الزخم. وارتفع رضا الشركات عن مستوى الأعمال الجارية وكذلك توقعات الاعمال بشكل طفيف. من جانب أخر، كانت الشركات العاملة في قطاع التجزئة أقل تفاؤلاً بمستوى اعمالها في الأشهر المقبلة.
كما تحسن مناخ الاعمال في قطاع البناء مسجلاً مستوى (- 17.9 نقطة) في مارس بالمقارنة بمستوى المؤشر في فبراير والذي كان عند مستوى (- 19 نقطة). ويعود هذا التحسن الى التوقعات المتفائلة نسبياً بمستوى الاعمال في الفترة القادمة على الرغم من ان شركات القطاع قيمت مستوى أعمالها الحالي بشكل أسوأ إلى حد ما.
فيما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي، أشار تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد الاتحادية عن احتمال حصول ركود شتوي للاقتصاد الألماني على الرغم من البيانات الاقتصادية الإيجابية الأخيرة، حيث “لم يعد من الممكن استبعاد الركود” الفني “مع حدوث انكماش اقتصادي لربعين متتالين”. ويحدث الركود الفني عادة عندما ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتالين، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2022م، بنسبة 0.4 في المئة، ومن المتوقع حدوث انخفاض آخر في الربع الأول من العام الحالي بسبب ضعف الاستهلاك نتيجة لفقدان القوة الشرائية. الا ان التقرير أوضح انه “من غير المتوقع حاليا حدوث ركود واسع النطاق وطويل الأمد”. حيث تشير التطورات الإيجابية للعديد من المؤشرات الاقتصادية إلى “أن الانكماش الاقتصادي المتوقع من المرجح أن يكون محدودًا ومؤقتًا”.
اما فيما يتعلق بتوقعات النمو لمجمل العام 2023م، فقد أصدر مجلس حكماء الاقتصاد الألماني Sachverständigenrat تقرير الربيع الخاص بتوقعات النمو الاقتصادي للعام الحالي والعام القادم. وبحسب التقرير يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 في المئة هذا العام بينما سيبلغ النمو في العام 2024م، حوالي 1.3 في المئة. وقالت رئيسة مجلس الحكماء Monika Schnitzer “إن تراجع القوة الشرائية الناتجة عن ارتفاع معدلات التضخم وظروف التمويل السيئة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة والتعافي البطيء للطلب الأجنبي على السلع والبضائع الألمانية، يمنع حدوث انتعاش أقوى هذا العام والعام المقبل”.
وأشار التقرير الى أن التضخم قد بلغ ذروته الا انه ما يزال أعلى بكثير من المعدل الآمن البالغ 2 في المئة ومن المرجح أن ينخفض ببطء خلال العام الجاري والعام القادم، حيث يذهب حكماء الاقتصاد الألماني الى معدل تضخم بواقع 6.6 في المئة خلال العام 2023م، (كان هذا المتوسط 6.9 في المئة العام 2022م)، بينما سينخفض العام القادم الى 3 في المئة.
من جانب أخر أكد التقرير ان السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي (ECB) والخاصة بالاستمرار في رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم تؤدي إلى رفع كلفة التمويل والقروض للأسر والشركات، مما يقلل من طلب المستهلكين ويحد من حجم الاستثمارات الجديدة. وبحسب Ulrike Malmendier عضوة مجلس الحكماء “لا يزال التضخم بعيدًا عن هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المئة، لذلك من المحتمل أن يكون رفع أسعار الفائدة أمرًا ضرورياً”. وشددت Malmendier على ان ارتفاع مستوى عدم اليقين بشأن الأسواق المالية في الأسابيع الأخيرة جعل من الصعب على البنوك المركزية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم. الا ان حكماء الاقتصاد وبالنظر إلى الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي، لا يرون أن هنالك أزمة مالية جديدة تلوح في الأفق وإن استقرار الأسواق المالية ليس في خطر في الوقت الحالي.
في جانب المالية العامة للدولة الألمانية، أورد التقرير إنه ونتيجة لانخفاض أسعار الغاز والطاقة فان النفقات المتوقعة لمكابح أسعار الطاقة ستقل كثيرا مما كان مفترضًا سابقًا. وبالتالي يتوقع الحكماء عجزًا حكوميًا بنسبة 1.6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام الحالي، على أن يتقلص إلى 0.4 في المئة في عام 2024م. كما انه من المتوقع أن تنخفض نسبة الدين العام من الناتج المحلي الاجمالي من 67.4 في المئة والمسجلة في العام الماضي إلى 63.5 في المئة في العام المقبل.
في نفس السياق، أظهرت التوقعات الحالية للعديد من معاهد الأبحاث الاقتصادية الألمانية تفاؤلا أكبر فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي مما كانت عليه في الأشهر القليلة الماضية. فمن جانبه يفترض معهد كيل للأبحاث الاقتصادية (IfW) أن الناتج المحلي الإجمالي سينمو بنسبة 0.5 في المئة هذا العام، بينما يتوقع نموا بواقع 1.4 في المئة في العام القادم 2024م. ويعيد Stefan Kooths نائب رئيس المعهد هذا النمو المتوقع الى الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار الغاز مؤخرا ما سيؤدي إلى تحفيز الاقتصاد في ألمانيا وان كان إلى حد ضئيل. لكن الأثر الرئيسي لانخفاض أسعار الغاز يتمثل في تخفيف الأعباء على ميزانية الحكومة الاتحادية والتي سيتعين عليها الآن استخدام أموال أقل من برنامج مكابح أسعار الطاقة وبالتالي سيكون لها تأثير ايجابي على الاقتصاد. اما فيما يتعلق بمعدل التضخم فيتوقع معهد كييل ان يعود التضخم الى معدل 2 في المئة ولكن في العام 2024م.
وعلى عكس التوقعات الإيجابية لمعهد كييل IfW، يستمر معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo في توقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وبدلاً من النمو يتوقع المعهد انكماشًا للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المئة العام 2023م، ووفقاً للباحث الاقتصادي في المعهد Timo Wollmershäuser فانه “وبعد التوقعات بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 في المئة في الربع الأول من العام سيبدأ الاقتصاد في التعافي من منتصف العام على أبعد تقدير، حيث ستدعم الزيادة في الأجور الحقيقية الاقتصاد المحلي”، الى جانب تراجع معدلات التضخم التدريجي حيث اعتبر Wollmershäuser ان التضخم “قد بلغ ذروته”. اما بالنسبة لعام 2024م، فيتوقع معهد ميونخ ان يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 1.7 في المئة كما ان معدل التضخم سوف “يعود إلى طبيعته” مرة أخرى عند معدل 2.2 في المئة.
من جهته عدل معهد هاله للأبحاث الاقتصادية (IWH) توقعاته السابقة صعودًا بالنسبة لنمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع باحثو المعهد نمواً بواقع 0.4 في المئة العام 2023م. كما ستبلغ نسبة نمو الاقتصاد في العام 2024م، نحو 1.9 في المئة. وتعتمد هذه التوقعات على كون مخزونات الغاز الطبيعي عند مستوى جيد بالإضافة الى توقع نمو قوي للصادرات الألمانية الى آسيا بعد توقف الصين عن اتباع سياسية صفر-كوفيد وانتهاء سياسة الاغلاق الشامل. كما يتوقع معهد هاله أن يظل معدل التضخم مرتفعا بشكل استثنائي عند 5.8 في المئة هذا العام. اما في عام 2024م، فمن المرجح أن ينخفض إلى معدل 3.5 في المئة.
سوق العمل: ارتفاع طفيف للبطالة و42 مليار يورو كلفة الاجازات المرضية للموظفين سنوياً
ارتفع عدد العاطلين عن العمل في شهر فبراير 2023م بشكل طفيف بالمقارنة مع الشهر السابق حيث ارتفع عدد العاطلين بنحو 4000 شخص. وبالمقارنة مع شهر فبراير من العام الماضي فان عدد العاطلين أعلى بحوالي 192 ألف شخص، يدخل ضمنهم أيضا اللاجئين الاوكرانيين المسجلين في مكاتب العمل والذين بدأت عملية احتسابهم من ضمن العاطلين عن العمل منذ منتصف العام الماضي، والذين إذا ما تم استثنائهم لكانت البطالة قد ارتفعت بشكل طفيف مقارنة بالعام الذي سبق. ولم يتغير معدل البطالة في شهر فبراير عن المعدل المسجل في شهر يناير 2023م، حيث استمر المعدل عند مستوى 5.7 في المئة. لكنه يظل أعلى من المعدل المسجل في نفس الشهر من العام الماضي بنحو 0.4 نقطة مئوية. وقد علقت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية (BA)، على ارقام البطالة في فبراير بالقول، “بشكل عام، ظل سوق العمل مستقرًا على الرغم من الوضع الاقتصادي الغير مستقر “.
في جانب برنامج العمل بدوام مختصر، بلغ عدد المسجلين الجدد من العمال والموظفين في هذا البرنامج خلال الفترة من 1 الى 23 فبراير 61 ألف شخص. وبحسب أحدث بيانات مكتب العمل الاتحادي بلغ اجمالي عدد المستفيدين من البرنامج في شهر ديسمبر 2022م، نحو 183 ألف شخص.
اما فيما يتعلق بالطلب على العمالة فقد بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة في مكتب العمل الاتحادي في شهر فبراير حوالي 778 ألف وظيفة وهو ما يمثل أقل بنحو 44 ألف وظيفة بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي. ومع وجود ميل طفيف لانخفاض الطلب على العمالة منذ أوائل صيف العام الماضي، الا ان الحاجة الى الموظفين ما تزال عند مستوى مرتفع نسبياً.
في سياق متصل أظهرت دراسة لمعهد كييل للاقتصاد العالمي (IfW) ان عام 2022م، شهد أعلى مستوى من الإجازات المرضية في ألمانيا منذ إعادة التوحيد. حيث ارتفع متوسط عدد ساعات الاجازات المرضية من 68 ساعة تقريبا لكل موظف في العام 2021م، ليصل الى متوسط 91 ساعة تقريبا لكل موظف في العام 2022م. وكانت اغلب الاجازات المرضية ناتجة عن الإصابة بالإنفلونزا او كورونا او التهاب الشعب الهوائية.
وبحسب دراسة المعهد فان الاجازات المرضية تكلف الاقتصاد الألماني خسائر كبيرة تقدر ما بين 27 الى 42 مليار يورو سنوياً. وقال Dominik Groll، خبير سوق العمل في المعهد “من المرجح أن يكون المستوى المرتفع بشكل غير عادي للإجازات المرضية في العام الماضي قد أثر على الاقتصاد الألماني “. وبالتالي إمكانية نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أعلى إلى حد ما في عام 2023م، بشرط ان ينخفض متوسط ساعات الاجازات المرضية مرة أخرى في العام الحالي.
وبحسب الدراسة، وبالرغم من الخسائر المالية الناتجة عن تعويضات الاجازات المرضية، فغالباً لا يكون لزيادة الإجازات المرضية تأثير كبير على انجاز الأعمال بقدر ما يكون تأثيرها على التأخير في تنفيذها. حيث يتم في كثير من الأحيان انجاز المهام التي كان يتولاها الموظف المريض من قبل الموظفين الأصحاء. كما ان جزءًا آخر من مهام العمل الغير منجزه يعوضها العمال المرضى أنفسهم بعد شفائهم. وفي كلتا الحالتين، ترتفع إنتاجية العمل في الساعة الواحدة بالمقارنة بساعات العمل الاعتيادية.
أثر ازمة المصارف الامريكية على البنوك الألمانية والأوروبية
أدى انهيار بنك وادي السيليكون (SVB)الأمريكي الى انتشار المخاوف من حدوث أزمة للقطاع المصرفي الأمريكي والقطاع المصرفي العالمي شبيهه بالأزمة المالية العالمية خلال عامي 2008-2009م. وعلى الرغم من تدخل الحكومة الامريكية وضمانها لأموال المودعين في البنك واتخاذها إجراءات إضافية لمنع حدوث افلاس مشابه في بنوك أخرى، الا ان القلق في الأوساط المصرفية العالمية وفي أسواق الأوراق المالية لم ينتهي بعد، خصوصا في ضوء مواجه مصرف امريكي أخر “فيرست ريبابليك” لمخاطر الإفلاس والذي دفع مصارف أمريكية أخرى الى إيداع ما يزيد عن 30 مليار دولار في البنك لمنع انهياره.
في تقييم إمكانية ان تؤثر هذه الازمة في المصارف الامريكية على القطاع المصرفي الأوروبي والألماني، يستبعد العديد من الخبراء ان تنتشر عدوى إفلاس عدد من البنوك الإقليمية الامريكية الى أوروبا لسببين رئيسين، أولا لعدم وجود معاملات تجارية او اتصال مباشر بين المؤسسات المصرفية الأوروبية وهذه البنوك الامريكية. ثانياً لا يمكن مقارنة هيكل المخاطر الخاص بهذه البنوك الامريكية بهيكل المخاطر المعتمد بالقطاع المالي الأوروبي. فمن اجل الحصول على عوائد أعلى استثمرت البنوك الامريكية بكثافة في الأصول ذات المخاطر العالية التي لا يمكن بيعها إلا بخسائر عالية في حال حدوث الأزمات، كما هو الحال في السندات طويلة الأجل، وهي المشكلة التي أدت إلى انهيار بنك وادي السيليكون. هذا فيما استثمرت البنوك الأوروبية أقل بكثير في السندات طويلة الأجل، والتي تعرضت قيمتها لضغط كبير نتيجة لارتفاع اسعار الفائدة.
وبالرغم من استبعاد التأثير المباشر لما حدث لبعض البنوك الامريكية على القطاع المصرفي الأوروبي والألماني، فإن الخطر الحقيقي يكمن في تراجع الثقة في قدرة البنوك والمؤسسات المالية على الوفاء بالتزاماتها في جميع الأوقات. هذه الثقة التي اهتزت بشدة في الأيام الماضية، خصوصا بعد عملية الإنقاذ الطارئ لبنك كريدي سويس السويسري والتي لم تكن لتحصل لولا الاضطرابات الحاصلة في الولايات المتحدة، حتى لو لم يكن لمشاكل البنك السويسري أي علاقة مباشرة بها. في الواقع، كان بنك كريدي سويس يواجه مشاكل داخلية منذ سنوات لم يعد من الممكن السيطرة عليها في ظل أزمة الثقة الحالية والتي دفعت مسؤولي البنك للاعتراف مؤخراً بوجود “نقاط ضعف كبيرة” في ضوابط البنك المالية الداخلية. وقد تمت عملية انقاذ بنك كريدي سويس عبر صفقة استحواذ من بنك (UBS) المنافس مقابل ثلاث مليارات فرنك، كما تعهد البنك المركزي السويسري بتقديم مساعدات تصل إلى 100 مليار فرنك. كما أدى تراجع الثقة في القطاع المصرفي العالمي ايضاً لتعرض أسهم (Deutsche Bank) أكبر بنك ألماني، لخسائر كبيرة في سوق الأوراق المالية في فرانكفورت حيث تراجعت بنسبة 15 في المئة قبل ان تعود وتقلص خسائرها وتغلق على انخفاض بنحو 3 في المئة.
ورحبت الحكومة الألمانية بعملية إنقاذ بنك كريدي سويس. وقالت متحدثة باسم وزارة المالية الاتحادية إن هذا يساعد على “استعادة أوضاع السوق المنتظمة وضمان الاستقرار المالي”. كما أكد متحدث باسم الحكومة الاتحادية ان النظام المالي الألماني مستقر وان السلطات الرقابية الألمانية والأوروبية تراقب الوضع “باهتمام وعناية”، في غضون ذلك أكد المستشار أولاف شولتز إن المشرعين والمشرفين المصرفيين في أوروبا تعلموا من الأزمة المالية لعام 2008م، وشددوا اللوائح المصرفية إلى حد كبير. “وبالتالي فإن النظام المصرفي الألماني في وضع جيد”. كما شددت الهيئة الاتحادية للرقابة المالية (BaFin) على ان النظام المالي الألماني مرن، وقال متحدث باسم الهيئة “لا يزال النظام المالي الألماني مستقرًا وقويًا”. وان الهيئة تراقب التطورات الحالية في السوق وتأخذها في الاعتبار كجزء من إشرافها المستمر.
كذلك أكدت مصادر في البنك المركزي الأوروبي (ECB) على مرونة النظام المصرفي الأوروبي، وأن رؤوس الاموال والسيولة النقدية المتاحة للمؤسسات المصرفية في منطقة اليورو قوية، كما رحب البنك بالإجراءات “الشاملة” التي اتخذتها السلطات السويسرية لضمان الاستقرار المالي. هذا وتمتد السلطة الإشرافية المصرفية للبنك المركزي الأوروبي على 113 بنكًا رئيسيًا في منطقة اليورو.
وفي تقييم شامل للاضطرابات الحالية في القطاع المصرفي العالمي وفي أسواق الأوراق المالية، يرى الكثير من الخبراء ان عملية إنقاذ البنك السويسري بالإضافة الى مبادرة اعلان البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك كندا وبنك إنجلترا وبنك اليابان والبنك المركزي السويسري عن “إجراء منسق” لتسهيل المعاملات المصرفية بالدولار ساهمت في تهدئة الأسواق المالية بعد ان شهدت تراجعا كبيرا لاسهم البنوك والمؤسسات المالية خلال الأسابيع الماضية. ويبدو ان المستثمرين استعادوا الثقة في المؤسسات المالية في الوقت الحاضر اعتمادا على الرأي القائل إن انهيار بنكين إقليميين في أمريكا وثاني أكبر بنك سويسري تمثل حالات خاصة ناتجة عن مشاكل داخلية أكثر منها ازمة شاملة في النظام المصرفي بأكمله.
ومع توافق اغلب الخبراء على ان الاضطرابات التي يشهدها النظام المصرفي العالمي حالياً لن تؤدي الى ازمة مالية عالمية كما حدثت في الأعوام 2008-2009م، الا ان العديد منهم يتفقون ايضاً على ان هذه الاضطرابات تشير في نفس الوقت الى نقاط ضعف في النظام المصرفي. اذ يرون ان حقبة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض تسببت في وصول الدين العام للعديد من المناطق الاقتصادية والدول الى ارقام قياسية، فقد تضاعف الدين العام في الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ الأزمة المالية لعام 2008م، وفي منطقة اليورو بلغ الدين العام ضعف ما كان عليه في عام 2008م. وهذا من شأنه أن يحد من قدرة العديد من الدول على تقديم مساعدات طارئة في حالة حدوث أزمة في النظام المصرفي المحلي او تعرض احد البنوك المحلية للإفلاس، خاصة منذ رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية والذي أدى أيضا الى رفع تكلفة الديون بالنسبة للدول.
كما تلعب نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي دورا اساسيا أيضا في هذا الجانب فبينما لن تواجه ألمانيا، على سبيل المثال، مصاعب في تقديم مساعدات لقطاعها المصرفي، تكون فيه هذه المساعدات ممولة عبر القروض نتيجة ان حجم الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي يبلغ حوالي 67 في المئة (حتى نهاية الربع الثالث من العام 2022م) فان دول أوروبية أخرى ستواجه صعوبات في فعل ذلك بسبب ارتفاع حجم الدين العام بالنسبة للناتج المحلي كما هو الحال في اليونان التي يبلغ حجم دينها العام 173 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وإيطاليا (147 في المئة)، البرتغال( 120 في المئة)، إسبانيا( 116 في المئة) وفرنسا بحجم دين يساوي 113 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
600 مليار يورو لتحقيق التحول في الطاقة في ألمانيا
في ضوء التباينات القائمة بين أوساط الائتلاف الحكومي الاتحادي حول سياسات المناخ وترشيد الطاقة وانعقاد مؤتمر برلين للتحول في الطاقة والذي ينعقد يومي 28-29 مارس 2023م، في وزارة الخارجية الألمانية، تسعى الحكومة الألمانية لتحقيق التحول في الطاقة عبر زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في انتاج الكهرباء والاستغناء بالكامل عن مصادر الطاقة الاحفورية المختلفة، ومن ضمن خطة التحول هدف الوصول الى ان تكون 80 في المئة من الطاقة الكهربائية منتجة عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030م. في الوقت الحاضر بلغت نسبة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة من انتاج الطاقة الكهربائية في العام 2022م، نحو 50 في المئة تقريباً (49.7 في المئة). فمن بين اجمالي انتاج الطاقة الكهربائية الذي وصل الى 489.31 تيرا وات /ساعة، ساهمت طاقة الرياح بإنتاج 25.3 في المئة منها، وبلغت نسبة مساهمة الطاقة الشمسية 11.8 في المئة، وكانت مساهمة الكتلة الحيوية 8.6 في المئة كما ساهمت الطاقة الكهرومائية بنسبة 3.1 في المئة من اجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في العام 2022م. بينما استمرت مصادر الطاقة الاحفورية المختلفة في لعب دور رئيسي في انتاج الكهرباء حيث ساهم الفحم البني بحوالي 21.7 في المئة من انتاج الكهرباء في ألمانيا العام 2022م، كما ساهم الفحم الصخري بنسبة 11.3 في المئة. كذلك تم إنتاج 9.3 في المئة من الكهرباء عبر الغاز الطبيعي واستمر استخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء حيث بلغت مساهمتها 6.7 في المئة.
في سياق متصل وبحسب دراسة لشركة الاستشارات الإدارية EY فان الاستثمارات اللازمة لتحقيق اهداف الحكومة الاتحادية لعام 2030م، سوف تبلغ 600 مليار يورو. وتنقسم الحصة الأكبر من هذه الاستثمارات (498 مليار يورو) الى اربعة اقسام، يتضمن القسم الأول مشاريع توسعة مزارع الرياح سواء على البر او على البحر بالإضافة الى التوسع في الطاقة الشمسية وذلك بمبلغ 351 مليار يورو، ويشمل القسم الثاني من هذه الاستثمارات مشاريع توسيع شبكة نقل وتوزيع الكهرباء بحدود 126 مليار يورو، بينما تحتاج مشاريع تطوير القدرات الإنتاجية للغازات المحايدة مناخياً استثمارات بحدود 12 مليار يورو. فيما تبلغ الاستثمارات اللازمة لتوسيع البنية التحتية العامة لشحن السيارات الكهربائية حوالي تسع مليارات يورو. بينما سيتم استخدام 102 مليار يورو المتبقية للاستثمار في مشاريع تحويل الحرارة والتخزين ومحطات الطاقة الغازية ومحطات الغاز الحيوي.
واعتبر Metin Fidan، الخبير في التحول الأخضر في شركة EY “ان التحول في الطاقة يعد مشروعًا ضخمًا، وربما يكون أكبر برنامج استثماري في تاريخ ألمانيا”. ويضيف “حتى الآن، لم نقترب بأي حال من الأحوال من إحراز تقدم بالسرعة الممكنة والضرورية”. حيث ونظرًا لقلة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يمكن ان ينفذ التحول في الطاقة ويتم إنجازه في المواعيد المحددة. فوفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مجموعة العمل المعنية بإحصاءات الطاقات المتجددة AGEE (وهي هيئة خبراء مستقلة وتعمل منذ فبراير 2004م. وقد تم إنشاؤها من قبل الحكومة الاتحادية من أجل توفير إحصاءات وبيانات عن الطاقات المتجددة) تم استثمار 13.4 مليار يورو فقط في التوسع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية في عام 2021م. ووفقاً لخبراء شركة EY فان هناك حاجة إلى استثمارات سنوية تبلغ 55 مليار يورو على الأقل لتحقيق أهداف المناخ لعام 2030م.
هذه الأموال اللازمة للاستثمار في التحول في الطاقة لا تستخدم فقط في التوسع في مصادر الطاقة المتجددة ولكن أيضًا سيتم استثمار جزء منها في بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالغاز. حيث تسعي الحكومة الاتحادية الى تشجيع بناء محطات توليد الطاقة التي ستُستخدم كحل احتياطي عندما لا تهب الرياح أو لا تكون هنالك اشعة شمس كافية لإنتاج القدر المطلوب من الكهرباء. وستعمل محطات الطاقة هذه مبدئيًا بالغاز الطبيعي والذي سيتم استبداله مع مرور الوقت بالهيدروجين الأخضر المحايد مناخيًا.
الا ان الإشكالية في هذا الجانب تتمثل في ان لا أحد على استعداد للاستثمار في محطات الطاقة هذه في الوقت الحالي لأن احتمالات الحصول على عائدات مجزية منها غير مؤكدة. لهذا السبب يسعى وزير الاقتصاد وحماية المناخ في الحكومة الاتحادية روبرت هابيك لبدأ عملية تطوير وإصلاح لسوق الكهرباء بهدف خلق حوافز اقتصادية طويلة الأجل لتشجيع شركات الطاقة على الاستثمار في بناء محطات جديدة لإنتاج الكهرباء عبر الغاز الطبيعي.
رقم قياسي في التبادل التجاري بين ألمانيا وإيطاليا
وصل حجم التجارة بين ألمانيا وإيطاليا خلال العام 2022م، إلى مستوى قياسي جديد على الرغم من التحديات والصعوبات التي شهدها العام الماضي مثل حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة. حيث أعلنت غرفة التجارة الألمانية الإيطالية (AHK) ان التبادل التجاري بين ألمانيا وايطاليا في العام 2022م، تجاوز 168 مليار يورو. ويمثل هذا زيادة بنحو 18 في المئة مقارنة بالعام السابق.
وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الإيطالي Istat، صدرت إيطاليا الى ألمانيا بضائع بقيمة 77.5 مليار يورو بزيادة قدرها 15.8 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق بينما استوردت إيطاليا من ألمانيا بضائع وسلع بقيمة 91 مليار يورو وهو ما يعني ان الصادرات الألمانية ارتفعت بنسبة 20 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق. ويشير هذا النمو الكبير للتبادل التجاري بين البلدين الى مدى ترابط أكبر وثالث أكبر الاقتصادات في أوروبا، خصوصا في قطاعات الصناعة الكيميائية والصيدلانية أو صناعة الآلات والمعدات أو إنتاج السيارات حيث تعمل مئات الشركات عبر الحدود وتشكل جزءًا من سلاسل التوريد المعتمدة على بعضها البعض. وتعمل 1700 شركة ألمانية في إيطاليا مع حجم مبيعات يبلغ حوالي 96 مليار يورو وعدد موظفين يتجاوز 193 ألف شخص.
ووفقًا لآخر البيانات، تظل ألمانيا الشريك التجاري الأكثر أهمية لإيطاليا متقدمة بفارق كبير عن فرنسا والولايات المتحدة والصين. من ناحية أخرى، تعد إيطاليا سادس أهم شريك تجاري لألمانيا. ويتركز التعاون بين البلدين بين المناطق الصناعية الواقعة شمال إيطاليا وعدد من الولايات الألمانية التي تمتلك قطاعات صناعية كبيرة مثل ولايات بافاريا أو شمال الراين – وستفاليا او بادن فورتمبيرج. على الجانب الألماني، تبرز ولاية بادن فورتمبيرج بشكل خاص حيث يكاد يبلغ حجم التجارة بين الولاية الفيدرالية الواقعة في جنوب غرب ألمانيا وإيطاليا وحدها مستوى التجارة الخارجية الكاملة لإيطاليا مع بريطانيا. كما يبلغ حجم التجارة بين ولاية بافاريا وإيطاليا تقريبًا نفس مستوى التجارة الخارجية لإيطاليا مع النمسا.
في إيطاليا، من جانبها، يتمتع إقليم لومبارديا الذي تقع فيه مدينة ميلانو التي تعد المركز المالي لإيطاليا، بأكبر حجم تداول سلع وبضائع مع ألمانيا بقيمة تبلغ 56 مليار يورو، وهو ما يساوي تقريبًا حجم التجارة الخارجية لألمانيا مع القارة الأفريقية بأكملها. كذلك إقليم فينيتو وعاصمته مدينة البندقية، لديه حجم تجارة مع ألمانيا أعلى من حجم تجارة ألمانيا مع فنلندا.
وتظل القطاعات الأكثر أهمية في التبادل التجاري بين الجانبين هي صناعة الصلب والصناعات الكيميائية والصيدلانية وصناعة الآلات والمعدات وصناعة الأغذية والهندسة الكهربائية. ولا يمثل نمو التبادل التجاري بين البلدين استثناءً او حالة منفردة بل يمثل اتجاها متصاعداً منذ ما قبل أزمة كورونا ففي عام 2015م، كانت التجارة الخارجية الثنائية لا تزال عند 108 مليار يورو، فيما بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين في العام 2021م، حوالي 142.6 مليار يورو.
ولا تقتصر العلاقات الاقتصادية الألمانية الإيطالية على تبادل السلع والبضائع بل تتجاوزه للتعاون في تأمين إمدادات الطاقة خصوصا في ضوء ازمة الطاقة التي تعيشها دول الاتحاد الأوروبي وكذلك خطط تطوير مصادر الطاقة المتجددة بما فيها الهيدروجين الأخضر، حيث يخطط مشغل خط الأنابيب الإيطالي (Snam) لتزويد ألمانيا بالهيدروجين الأخضر من دول شمال إفريقيا (الجزائر وتونس) بحلول عام 2030م، على أبعد تقدير. ويفترض ان يمتد خط الانابيب ” South H2 Corridor”، الذي يديره تحالف من خمس شركات، من تونس والجزائر إلى بافاريا. وتسعى الشركة الإيطالية الى استخدام جزء كبير من شبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الحالية لنقل الهيدروجين، ويقول Piero Ercoli، الذي يرأس قسم إزالة الكربون في الشركة: “يمكننا ان نستخدم ما يقرب من 70 في المئة من شبكتنا لنقل الهيدروجين”. وتبلغ قيمة الاستثمارات الاجمالية اللازمة لإتمام بناء شبكة نقل الهيدروجين حوالي أربع مليارات يورو.
ومن خلال مشروع خط الانابيب ” South H2 Corridor”، تخطط إيطاليا الى استيراد حوالي 4.4 ميجا طن من الهيدروجين الأخضر من شمال أفريقيا، منها وفقًا لـ Ercoli، 1.7 ميجا طن مخصصة للتصدير الى ألمانيا والنمسا. وبهذا يقوم خط الانابيب ” South H2 Corridor”، بتغطية جزء كبير من الطلب الأوروبي على الهيدروجين، حيث وضعت مفوضية الاتحاد الأوروبي لها هدفا ينص على استيراد ما يقرب من 10 ميجا طن من الهيدروجين الأخضر بحلول العام 2030م.
ولا يعد خط انابيب نقل الهيدروجين هو التعاون الأول بين ألمانيا والشركة الإيطالية حيث قامت (Snam) في العام الماضي وبعد ان أوقفت روسيا امدادات الغاز الطبيعي الى ألمانيا، بمد الأسواق الألمانية بحوالي 4.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب الخاصة بها.