انخفض مؤشر معهد ifo لمناخ الأعمال إلى 100.8 نقطة في شهر يوليو، بعد ان كان قد وصل الى مستوى 101.7 نقطة في شهر يونيو. حيث صنفت الشركات وضع أعمالها الحالي بشكل أفضل إلى حد ما، لكن التفاؤل بتطور الاعمال في الأشهر المقبلة انخفض بشكل ملحوظ بسبب اختناقات تسليم المنتجات الأولية والمخاوف بشأن الزيادة المتجددة في عدد الإصابات بفيروس كورونا.
في قطاع الصناعة، انخفض المؤشر الى 27,4 نقطة خلال شهر يوليو متراجعا من مستوى 28,5 نقطة في الشهر السابق، على الرغم من التقييم العالي للوضع الحالي للأعمال والذي وصل الى اعلى مستوى له منذ شهر أغسطس 2018م، وذلك بسبب التوقعات الأقل تفاؤلاً للشركات في هذا القطاع نتيجة تفاقم النقص في المنتجات الأولية، والشكوى المتزايدة للشركات من نقص العمالة الماهرة.
في قطاع الخدمات، تراجع مناخ الأعمال وسجل المؤشر في هذا القطاع تراجعاً من مستوى 22,5 نقطة في شهر يونيو السابق الى 19,8 نقطة في الشهر الحالي، فبينما كان مقدمو الخدمات أكثر رضا عن أعمالهم الحالية، فإنهم أقل تفاؤلاً بكثير بشأن مستوى الاعمال في الأشهر المقبلة، ومع ذلك لا تزال الشركات تتوقع زيادة المبيعات، وإن لم يكن بنفس القوة التي كانت عليها في الشهر السابق.
كما انخفض المؤشر في قطاع التجارة الى مستوى 15,8 نقطة من مستوى 17,8 نقطة في الشهر السابق، بعد ان تراجع التفاؤل الحذر الذي ساد خلال الشهر السابق بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة مع بقاء الرضا عن مستوى الاعمال الحالي، كذلك تشتكي المزيد من الشركات في هذا القطاع من اختناقات في تسليم المواد الأولية. من جهتها تحسن مناخ الأعمال في شركات صناعة البناء ليصل المؤشر في هذا القطاع الى 5,7 نقطة مرتفعاً من مستوى 4,2 نقطة في الشهر الماضي، حيث كانت الشركات أكثر رضا عن وضعها الحالي، كما ارتفعت التوقعات بتحسن مستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة.
من جانب اخر أظهرت أحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) ان تراكم الطلبات في الصناعة الألمانية قد وصل إلى مستوى قياسي في شهر مايو الماضي، وبشكل أكبر من أي وقت مضى منذ أن بدأت الإحصائيات في يناير 2015م. اذ نما تراكم الطلبات في مايو بنسبة 2,2 في المئة عن الشهر السابق. وقد زادت الطلبات من داخل ألمانيا بنسبة 2,3 في المئة، بينما ارتفعت الطلبات الواردة من الخارج بنسبة 2,1 في المئة. وعلى الرغم من ارتفاع الطلبات على منتجات القطاع الصناعي بشكل اجمالي في شهر مايو الا ان مستوى الطلبات الجديدة قد انخفض بالمقارنة مع الشهر السابق، ويعود الارتفاع في مستوى الطلبات المتراكمة في شهر مايو الى ان الشركات الصناعية بدأت الإنتاج بشكل أبطأ والذي يرجع أساسًا إلى الاختناقات في تسليم المنتجات الأولية المهمة مثل أشباه الموصلات.
ويغطي مستوى الطلبات المتراكمة في شهر مايو 7 أشهر من الإنتاج الصناعي، وتمثل هذه السبعة أشهر المدة التي يتعين على الشركات نظريًا العمل والإنتاج من أجل تلبية الطلب الحالي وبافتراض عدم وجود أي طلبات جديدة. وقد زاد تراكم طلبات الشركات المصنعة للمنتجات الوسيطة في مايو 2021م مقارنة بـ أبريل 2021م، بنسبة 1,7 في المئة. اما بالنسبة لمصنعي السلع الرأسمالية، فقد ارتفع بنسبة 2,2 في المئة، وفي قطاع السلع الاستهلاكية، كان تراكم الطلبات في مايو أعلى بنسبة 5,8 في المئة مما كان عليه في أبريل 2021م.
وعلى الرغم من المشاكل المتعلقة بنقص المواد الاولية اللازمة للصناعة فانه من الواضح أن الصناعة الألمانية في حالة انتعاش، ويعد أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو نمو الأعمال التجارية الدولية، خصوصاً مع اهم شركاء المانيا خارج الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة والصين التان تمثلان أكبر اقتصادين في العالم وتشهدان انتعاشًا اقتصاديًا قويًا هذا العام.
وفي سياق متصل ارتفعت الصادرات الألمانية في شهر يونيو الى الدول خارج الاتحاد الأوروبي (الدول الثالثة) لتصل الى 53,5 مليار يورو، وهو ما يمثل 3,1 في المئة أكبر من الصادرات في الشهر السابق وأيضا اعلى بنسبة 23,7 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، واعلى أيضا بنسبة 9,6 في المئة من مستوى صادرات شهر فبراير 2020م، أي الشهر السابق لبدء القيود بسبب جائحة كورونا في ألمانيا.
وبحسب تقرير مكتب الإحصاء الاتحادي كانت الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأهم للمصدرين الألمان في يونيو 2021م، حيث تم تصدير بضائع وسلع ألمانية بقيمة 10.3 مليار يورو الى أمريكا، وهذا يعني أن الصادرات إلى الولايات المتحدة زادت بنسبة 40.5 في المئة مقارنة بشهر يونيو 2020م. كما تم تصدير بضائع بقيمة 9.6 مليار يورو إلى الصين وبزيادة 17.3 في المئة عن نفس الشهر من العام الماضي. كذلك ارتفعت الصادرات الألمانية إلى المملكة المتحدة بنسبة 60.6 في المئة بالمقارنة مع نفس الشهر من العام 2020م، إلى 5.5 مليار يورو. وتعزى هذه الزيادة الكبيرة أيضًا إلى المستوى المنخفض جدًا للصادرات الألمانية الى بريطانيا في يونيو 2020م.
في غضون ذلك ارتفع مؤشر معهد ifo لمناخ التصدير في شهر مايو من العام الحالي للمرة الخامسة على التوالي الى مستوى 1,36 نقطة، وهو اعلي قيمة شهرية للمؤشر منذ 14 عاماً. ويعود هذا الارتفاع لمؤشر مناخ التصدير الى انخفاض قيمة اليورو امام العملات الرئيسية مثل الدولار الأمريكي الذي تراجع اليورو امامة بنسبة 0,8 في المئة واليوان الصيني الذي تراجع اليورو امامه بنسبة 0,9 في المئة، وهو ما عزز من القدرة التنافسية للصادرات الألمانية، كذلك ساهم الطلب المتزايد على المنتجات الألمانية من قبل شركاء المانيا الاقتصاديين في الاتحاد الاوروبي، خصوصا من دول مثل بلجيكا، النمسا، التشيك وايضاً إيطاليا وهولندا في رفع توقعات المصدرين الألمان وتحسن مناخ التصدير.
اوروبياً أكد المفوض الاقتصادي بالاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني انه بعد ان تراجعت نسب العدوى بفيروس كورونا وارتفاع عدد الذين تم تطعيمهم ضد الفيروس، تم تخفيف القيود تدريجياً مما مكن من استعادة النشاط الاقتصادي، خصوصا في عدد من القطاعات الأكثر تضررا من الجائحة مثل قطاع البيع بالتجزئة وقطاع المطاعم والضيافة، كما ادى تخفيف الاغلاق الى جعل قطاع السياحة يكتسب زخماً وهو ما استفاد منه الاقتصاد في جميع انحاء الاتحاد الأوروبي. وبحسب جينتيلوني أدى هذا الى أن تصحح المفوضية الأوروبية توقعاتها بنمو الاقتصاد الأوروبي وتتوقع الآن نموًا بنسبة 4,8 في المئة هذا العام و4,5 في المئة العام المقبل، ” لذا فإن الأمور تتحسن مرة أخرى، وبسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعا، كما يتعافى سوق العمل ويتحول المزيد والمزيد من الموظفين من العمل بدوام مختصر إلى العمل بدوام كامل”.
ووفقًا للمفوضية الأوروبية، فإن المحركات الرئيسية للنمو في الأشهر القليلة المقبلة ستكون الاستهلاك والاستثمار الخاص، وذلك اعتماداً على ان العديد من المستهلكين أجلوا عمليات الشراء أثناء عمليات الإغلاق، وبالتالي وفروا الأموال التي يمكنهم إنفاقها الآن. وتتوقع مفوضية الاتحاد الأوروبي أقوى نمو في أيرلندا والمجر ورومانيا واليونان وإسبانيا، كما تتوقع للاقتصاد الألماني معدل نمو يقدر بـ 3,6 في المئة هذا العام و4,6 في المئة العام 2022م.
وبحسب المفوضية الأوروبية أيضا والتي ترى ان العدد المتزايد من الطلبات الواردة في قطاعي الصناعة وقطاع البناء سيضمن أيضًا النمو في الأشهر المقبلة، الا ان هنالك العديد من المخاطر التي تهدد هذا النمو، منها على سبيل المثال ارتفاع أسعار النفط وكذلك التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، بالإضافة الى الانتشار السريع لطفرات فيروس كورونا مثل متغير دلتا، والتي تهدد بارتفاع كبير في عدد الإصابات بعدوى الفيروس والدفع باتجاه العودة الى فرض القيود وخفض النشاط الاقتصادي.
سوق العمل: استمرار انخفاض اعداد العاطلين عن العمل
اظهر التقرير الشهري الذي يصدره مكتب العمل الاتحادي ان أعداد العاطلين عن العمل استمرت في التراجع في شهر يونيو حيث انخفض عدد العاطلين بنحو 73 ألف شخص إلى 2.614 مليون بالمقارنة مع الشهر السابق، بالإضافة الى ان هذا العدد يمثل اقل بمقدار 239 ألف عاطل عن نفس الشهر من العام الماضي، وبهذا أيضا يتراجع معدل البطالة بمقدار 0.2 نقطة إلى 5.7 في المئة، وقال رئيس مكتب العمل، ديتليف شيل، في تعليقة على تطورات سوق العمل إن “التحسن الشامل في سوق العمل استمر في شهر يونيو”. كما ان ” الشركات تعمل على تقليص العمل بدوام مختصر بشكل أكبر وتبحث عن موظفين جدد مرة أخرى.”
علاوة على ذلك أشار التقرير أيضًا الى انخفاض ملحوظ في عدد الموظفين الذين تسجلهم الشركات العاملين بها في برنامج العمل بدوام مختصر، اذ بلغ عدد المسجلين الجدد في الفترة من 1 يونيو إلى 24 يونيو حوالي 59 ألف موظف وعامل. وبحسب اخر البيانات المتوفرة من مكتب العمل فقد بلغ عدد المسجلين في برنامج الدوام المختصر في شهر ابريل من العام الجاري حوالي 2,34 مليون موظف بينما كان عددهم قد وصل خلال شهر ابريل من العام 2020م في ذروة الازمة التي فرضتها جائحة كورونا الى قرابة 6 مليون موظف وعامل. وفي هذا السياق أعلن وزير العمل الاتحادي هوبرتوس هيل أن استخدام برنامج العمل بدوام مختصر قد أبقى سوق العمل مستقرًا خلال أزمة كورونا وتجنب حدوث بطالة جماعية، مؤكداً ان ” سوق العمل الآن يكتسب زخماً بما يمكن الشركات أن تعود الى العمل مرة أخرى مع كامل عمالها المهرة.”
من جهة أخرى تواجه عدد من القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا من ازمة كورونا نقصا كبيرا في عدد العمال بعد ان اختار الكثير من هؤلاء العمال العمل في وظائف مختلفة. ويعد قطاع الضيافة والمطاعم من أكثر القطاعات تأثراً بهذا النقص حيث توجه العديد من موظفي القطاع، نتيجة لمدد الاغلاق الاقتصادي الطويلة، الى البحث عن وظائف أخرى خصوصا في قطاع البيع بالتجزئة، ويبدوا انهم لن يعودوا سريعا الى العمل في قطاع الضيافة مرة أخرى بسبب المخاوف من أي اغلاق اقتصادي جديد. وأشار الاتحاد الألماني للفنادق والمطاعم DEHOGA الى ان القطاع فقد خلال العام 2020م، وبسبب جائحة كورونا، ما يقرب من 325 ألف عامل، هذا الى جانب ان القطاع كان يعاني أصلا من نقص في العمالة وخصوصا الماهرة منها.
في سياق متصل، بلغ عدد العاملين والموظفين في شركات قطاع الصناعة في نهاية مايو 2021م، نحو 5.4 مليون شخص، وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الاتحادي للإحصاء (Destatis)، وهو ما يعني أن عدد الموظفين انخفض بحوالي 94 ألف موظف، او ما نسبته 1,7 في المئة، مقارنة بشهر مايو 2020م. كما يمثل هذا العدد من الموظفين اقل بنسبة 2,2 في المئة بالمقارنة بشهر مايو من العام 2019م أي ما قبل ازمة كورونا.
وقد انخفض عدد الموظفين في مايو 2021م مقارنة بشهر مايو 2020م في جميع فروع الصناعة تقريبًا، حيث انخفض عدد الموظفين في قطاع إنتاج المعادن ومعالجتها بنسبة 5.6 في المئة. كما انخفض عدد العاملين بشكل ملحوظ في صناعة الآلات والمعدات بنسبة 3,9 في المئة وفي صناعة السيارات وقطع غيار السيارات تراجع عدد الموظفين بنسبة 2.7 في المئة، في صناعة المطاط والبضائع البلاستيكية 1,9 في المئة، وتراجع عدد العمال في صناعة المعدات الكهربائية بنسبة 1,8 في المئة، في حين تراجع عدد العاملين في تصنيع المنتجات الكيماوية بشكل محدود بنسبة 0.3 في المئة. وفي اتجاه معاكس، ارتفع عدد العاملين في تصنيع معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية بنسبة 0,1 في المئة، كما زاد عدد العاملين في إنتاج المواد الغذائية والأعلاف بشكل ملحوظ مقارنة بنفس الشهر من العام السابق وذلك بنسبة 5.5 في المئة.
تقرير الوحدة الألمانية: تقلص الفوارق الاقتصادية بين الولايات الشرقية والولايات الغربية في ألمانيا
اظهر تقرير صادر عن الحكومة الاتحادية انه وبعد 31 عامًا من إعادة الوحدة الالمانية، بلغ الأداء والكفاءة الاقتصادية في الولايات الشرقية العام 2020م نسبة 77.9 في المئة بالمقارنة مع الاداء الاقتصادي للولايات الغربية في ألمانيا بشكل عام، فيما كان الأداء الاقتصادي لبرلين والمناطق المحيطة بها أفضل حيث وصلت هذه النسبة الى 82,8 في المئة، (قبل عشر سنوات كانت هذه النسبة 69,6 في المئة لمجمل الولايات الشرقية و74,2 في المئة لبرلين).
وعلى الرغم من استمرار الفوارق الاقتصادية بين ولايات شرق ألمانيا وغربها الا ان هذه الفوارق تتقلص تدريجيا. وتعود هذه الفوارق بدرجة رئيسية الى اختلاف طبيعة النظامين الاقتصاديين الذين كانا سائدين في ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية سابقا، فبينما كان الاقتصاد الغربي قائما على اقتصاد السوق الاجتماعي وحرية الحركة الاقتصادية كان نظام ألمانيا الشرقية الاقتصادي قائما على الاقتصاد الموجة والذي لا يعترف بالمبادرات الفردية ولا بحرية السوق.
وقد ساهمت سياسات الدعم من الحكومة الاتحادية وضريبة التضامن التي كانت تدفعها الولايات الغربية في إعادة اعمار البنية التحتية في الولايات الشرقية وضح المزيد من الاستثمارات في اقتصاد هذه الولايات وبالتالي تراجع الفارق في القوة الاقتصادية. مع العلم أيضا ان طبيعة الولايات الشرقية قليلة السكان والتي تؤدي الى رفع تكلفة مشاريع البنى التحتية والتطوير ونقص العمالة الماهرة يسهم في استمرار هذه الفوارق.
ويشير التقرير أيضا الى انه وبعد 31 عاماً من إعادة الوحدة فان الولايات الشرقية والغربية تتشابه جدا من حيث نمط الحياة والحياة الأسرية والأنشطة الترفيهية. كما ان التحديات الملحة مثل العولمة، الهجرة، الرقمنة، تغير المناخ، والتنمية الديموغرافية المختلفة للمناطق الحضرية والريفية والنقص المستمر في العمال المهرة، تواجه الولايات الغربية والولايات الشرقية بذات الدرجة.
بينما يبقى “أحد الاختلافات المتبقية هو أن أقلية أكبر في الولايات الشرقية لديها موقف أساسي متشكك تجاه السياسة.” ويستشهد التقرير بمسح من عام 2020م يظهر ان 33 في المئة ممن شملهم الاستطلاع في الولايات الشرقية اعتبروا انهم “أشخاص من الدرجة الثانية”. ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن الاختلافات ليست كبيرة بأي حال من الأحوال لدرجة أنها تشكك بشكل أساسي في ان تحقق مختلف الولايات الألمانية النمو معًا.
استثمارات قياسية في الشركات الناشئة الألمانية خلال النصف الأول من العام 2021م
ارتفع حجم الاستثمارات في الشركات الناشئة في ألمانيا خلال النصف الأول من العام الحالي 2021م بشكل قياسي حيث بلغ مجموع التدفقات المالية من المستثمرين نحو 7,6 مليار يورو، وهذا يمثل ثلاثة اضعاف رأس المال الجديد الذي حصلت علية الشركات الناشئة الألمانية خلال نفس الفترة من العام الماضي، وأكثر من اجمالي الاستثمارات الجديدة في هذه الشركات في العام 2020م ككل. وامام عوائق الاستثمار والاعمال التي واجهتها الشركات الناشئة خلال العام السابق بسبب تفشي جائحة كورونا والاثار السلبية الناتجة عنها، فان التعافي السريع الذي يشهده العام الحالي يشير الى تسجيل ارقام قياسية في تمويل الشركات الناشئة.
وارتفع عدد جولات التمويل (والتي تعني زيادة رأسمال الشركة من قبل مستثمرين خارجيين) بشكل كبير بنسبة 62 في المئة إلى 588، وفقا لدراسة حديثة أعدتها شركة الاستشارات المالية والضريبية، إرنست أند يونج EY. وبحسب هذه الدراسة تدفقت معظم الاستثمارات إلى الشركات الناشئة التي تتخذ من برلين مقرا لها، حيث جمعت الشركات الناشئة في العاصمة وحدها 4,1 مليار يورو، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما تم جمعه في نفس الفترة من العام الماضي (والذي بلغ 1,2 مليار يورو)، كما ارتفع عدد جولات التمويل في برلين بنسبة 74 في المئة إلى 263 جولة، تليها ولاية بافاريا في المرتبة الثانية باستثمارات جديدة في الشركات الناشئة بقيمة 2,5 مليار يورو.
كما شهدت الولايات الفيدرالية الأخرى ارتفاعا كبيرا أيضا في حجم التمويل والاستثمارات الجديدة في الشركات الناشئة، وان كانت بقيمة اقل من ولايتي برلين وبافاريا، حيث تلقت الشركات الناشئة في ولاية بادن فورتمبيرغ في النصف الأول من العام الجاري استثمارات جديدة بحوالي 307 مليون يورو (بزيادة بنسبة 192 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي)، وحصلت الشركات الناشئة في ولاية شمال الراين – وستفاليا على استثمارات بقيمة 171 مليون يورو (بزيادة بنسبة187 في المئة) ، في ولاية ساكسونيا حصلت الشركات الناشئة على 134 مليون يورو (بزيادة بنسبة 239 في المئة) ، في ولاية هيسن تلقت الشركات الناشئة تمويلا جديدا بقيمة 128 مليون يورو (زيادة بنسبة 1895 في المئة)، وفي ولاية هامبورغ تلقت الشركات الناشئة استثمارات جديدة بحوالي 110 ملايين يورو (زيادة بنسبة 330 في المئة).
كما ارتفع عدد صفقات التمويل والاستثمار التي يزيد حجمها عن 100 مليون يورو من اثنين إلى خمسة عشر صفقة خلال النصف الأول من العام 2021م، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وتضاعف عدد جولات التمويل المتوسطة الحجم بين 50 و100 مليون يورو من ثمانية إلى 16. وتعيد الدراسة أسباب ازدهار تمويل الشركات الناشئة الى عدة عوامل، من أهمها توفر سيولة كبيرة في الأسواق التي تبحث عن فرص استثمارية جذابة، خصوصا في ظل بيئة أسعار الفائدة المنخفضة الحالية. إضافة الى ان تقدم عملية الرقمنة بشكل كبير خلال فترة الجائحة قد غير تقييم عمليات وتقنيات الرقمنة وفتح آفاقًا جديدة تمامًا لشركات التكنولوجيا المبتكرة.
هذه السيولة المالية الكبيرة وهذا التحول في رؤية وتقييم شركات التقنية الناشئة تسببت في ان تتلقى الشركات الناشئة الفردية تمويلا بمبالغ كبيرة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات، حيث حصلت شركة Celonis الخاصة بالبرمجيات ومقرها في ميونيخ، على أكبر حجم تمويل جديد للشركات الناشئة في المانيا خلال النصف الأول من العام 2021م، حيث تلقت تمويلا جديدا بواقع 830 مليون يورو، تليها شركة Trade Republic للتجارة عبر الإنترنت في برلين، الذي شهد تطبيقها الخاص بتداول الأوراق المالية طفرة خلال جائحة كورونا، حيث حصلت الشركة على استثمارات جديدة بنحو 747 مليون يورو، ثم تأتي شركة Wefox للتأمين الناشئة في برلين وشركة Flixbus المشغلة للحافلات باستثمارات جديدة بحوالي539 مليون لكل منهما. كما حصلت شركة Gorillas لخدمات توصيل المواد الغذائية، والتي تتخذ من برلين ايضاً مقراً لها، ما يقرب من 241 مليون يورو كتمويل جديد.
بالإضافة إلى شركات البرمجيات والتكنولوجيا المالية، كان قطاع النقل أيضًا قادرًا على الاستفادة من ذلك، حيث قفز حجم الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع من 434 مليون يورو إلى 1.4 مليار يورو. وتم تسجيل انخفاض في عدد الاستثمارات الجديدة في قطاع واحد فقط وهو قطاع الإعلام والترفيه.
في سياق متصل أكدت دراسة أعدها الاتحاد الألماني للشركات الناشئة بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان شملت ما يقرب من 2000 شركة ناشئة، منها 354 شركة أسسها أفراد من عائلات من أصول مهاجرة، ان كل خامس مؤسس شركة لديه خلفية مهاجرة، ما يعني ان الأشخاص ذوو الخلفية المهاجرة يعتبرون قوة دافعة في مشهد الشركات الناشئة الألمانية. ومن الأمثلة البارزة على هذا التطور شركة تصنيع لقاح كورونا BioNTech. بالإضافة الى انه تم إنشاء العديد من الشركات الناشئة الأخرى مثل شركة السيارات المستعملة Auto1 أو شركة توصيل الطعام Delivery Hero أو شبكة ResearchGate من قبل مؤسسين من أصول أجنبية، اغلبهم مهاجرون من الجيل الأول أو الثاني في ألمانيا.
ووفقا للدراسة فان مؤسسي الشركات الناشئة ذوو الأصول المهاجرة يتمتعون بمستوى تعليم جيد و “عقلية ريادة الأعمال” الضرورية، كما إنهم مستعدون لتحمل المخاطر و “التفكير بشكل أكبر”. كما ان المؤسسون المولودون في الخارج حاصلين على درجة جامعية في كثير من الأحيان أكثر من المتوسط، كما يهدف واحد من كل ثلاثة منهم تقريبًا إلى بيع الشركة الناشئة مقابل 100 مليون يورو على الأقل في المتوسط، بينما يخطط حوالي 20 في المئة فقط من المؤسسين الألمان للقيام بذلك، هذا بالإضافة الى إن النسبة العالية من المؤسسين ذوي الأصول المهاجرة يتمتعون بمستوى عالٍ من الديناميكية في تطوير وإدارة شركاتهم.
كما اشارت الدراسة الى تطور هام في الميل المتزايد لدى المهاجرين لتأسيس شركات، حيث كان في السابق يتم نتيجة ان لديهم فرص اقل في سوق العمل، الا ان الوضع تغير في الوقت الحاضر حيث يتمتع المهاجرون او الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة في الوقت الحاضر بدرجة أكبر من التعليم العال مما ربط بين تأسيس الشركات والفرص التي تمتلكها في التطور والعمل. كما توصلت الدراسة الى أن المؤسسين من أصول مهاجرة أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر من أولئك الذين ينتمون إلى عائلات ليس لها تاريخ في الهجرة.
الا ان المهاجرين يواجهون عقبة التمويل والتي تعد العقبة الرئيسية امام تأسيس مشاريعهم الخاصة، اذ حصل المؤسسون ذوو الخلفية المهاجرة على ما متوسطه 1,1 مليون يورو كتمويل خارجي بينما كان المتوسط لجميع المؤسسين 2,6 مليون يورو. ووفقًا لمؤلفي الدراسة، “هذا هو المكان الذي تظهر فيه الحواجز الهيكلية والثقافية داخل وخارج مشهد الشركات الناشئة.” وتسمي الدراسة أيضًا الحواجز البيروقراطية واللغوية على أنها تحديات رئيسية لمؤسسي الشركات الناشئة من أصول أجنبية.
اتفاق ألماني امريكي حول خط انابيب الغاز Nord Stream 2
بعد سنوات من الخلاف، توصلت الولايات المتحدة وألمانيا الى حل لخلافهما حول خط أنابيب نورد ستريم 2 الألماني الروسي. حيث تخلت إدارة الرئيس بايدن عن معارضتها لاستكمال تمديد الانبوب، والذي تم انجاز ما يقرب من 98 في المئة منه، وعدم فرض عقوبات على الشركات المنفذة للمشروع، والتي نصت عليها عدة قوانين أصدرها الكونجرس الامريكي في وقت سابق بأغلبية أعضائه، وذلك في مقابل ان تقوم ألمانيا باستخدام نفوذها وتأثيرها على موسكو من اجل استمرار عمل أنبوب الغاز الروسي الذي يمر عبر أوكرانيا وتمديد اتفاقية العبور والتي تنتهي العام 2024م لمدة عشر سنوات إضافية على الأقل، بالإضافة الى الاتفاق على انشاء صندوق لدعم أوكرانيا بقيمة مليار دولار امريكي تدفع ألمانيا من هذا المبلغ 150 مليون دولار. الى جانب ذلك تؤكد المانيا لروسيا انها ستفرض عقوبات على موسكو، بما في ذلك إيقاف أنبوب الغاز، في حالة ما استخدمت روسيا امدادات الغاز كسلاح.
وتعود المعارضة الامريكية الشديدة لمد أنبوب الغاز الروسي الى أوروبا عبر ألمانيا، والذي يعد الثاني من نوعه وبطول يتجاوز 1200 كيلومتر وبتكلفة تقدر بحوالي 11 مليار دولار وبقدرة نقل غاز تصل الى 55 مليار متر مكعب في السنة، الى إدارة الرئيس باراك أوباما والتي اشتدت خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب والتي تم خلالها فرض حزمة قوانين تتضمن عقوبات على الافراد والشركات المنفذة للمشروع، وتبرر الولايات المتحدة معارضتها للمشروع بانه سيجعل أوروبا معتمدة بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي وهو الامر الذي سيعطي موسكو القدرة على ابتزاز وتهديد الدول الأوروبية، فيما يشير عدد من الخبراء الى ان الولايات المتحدة تسعى من خلال محاولتها عرقلة ومنع انجاز مشروع (نورد ستريم 2 ) الى تحسين فرص تسويق غازها الصخري وبيعة في الأسواق الأوروبية.
بعد الاتفاق مع ألمانيا على استكمال خط الانابيب تحاول الادارة الأمريكية تسويق الاتفاق على أنه أهون الشرين بالنسبة لأوكرانيا، حيث اكدت وزارة الخارجية الأمريكية إن السيناريو الأسوأ كان يمكن أن يكون لو تم تشغيل (نورد ستريم 2) بدون اتفاق مع ألمانيا وبدون التدابير التي تم الاتفاق عليها، وقالت فيكتوريا نولاند، كبيرة الدبلوماسية الأمريكية: “هذا وضع سيئ وخط أنابيب سيئ، لكن علينا المساعدة في حماية أوكرانيا، وأشعر أنه من خلال هذه الاتفاقية، اننا اتخذنا بعض الخطوات المهمة في هذا الاتجاه”. من جهته تحدث المنسق عبر الأطلسي في الحكومة الألمانية، بيتر باير، عن “يوم جيد به أخبار سارة لأوكرانيا”.
ويأتي الاتفاق بعد نحو أسبوع تقريباً من زيارة المستشارة أنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة ولقائها بالرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي كان موضوع (نورد ستريم 2) أحد المواضيع التي جرى التباحث حولها والذي أيضا تم سؤال الرئيس بايدن حوله خلال مؤتمر صحفي مع المستشارة والذي أجاب بالقول “يمكن أن يكون للأصدقاء الجيدين آراء مختلفة”. وبعد الاتفاق تمت ازالة أحد أكبر الملفات التي كانت تؤثر بالسلب على العلاقات الألمانية الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية.
بعد التسوية مع ألمانيا، يتعين على الحكومة الامريكية مواجهة رياح معاكسة قوية من الكونجرس الأمريكي، والذي كان أقر قوانين ضد نورد ستريم 2 بأغلبية ساحقة من الجمهوريين والديمقراطيين، تنص على عقوبات إلزامية ضد الشركات التي تشارك في المشروع. وكانت إدارة الرئيس بايدن قد توقفت عن فرض تدابير عقابية على عدد من الشركات المنفذة والمشاركة في المشروع بحجة المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
في برلين هناك ارتياح بشأن الاتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن المشروع، ومع ذلك، تشير الخبيرة الأوروبية جوليا فريدلاندر من مركز أبحاث المجلس الأطلسي إلى أن الصفقة مع واشنطن ليست كافية، اذ انها تمثل بالنسبة للحكومة الألمانية مجرد بداية العمل الحقيقي، وتضيف فريدلاندر إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه كان السبيل المعقول الوحيد للخروج من “الفخ السياسي” الذي نصبه الألمان والأمريكيون لأنفسهم على مر السنين، اذ ان “واشنطن حولت خطأً مشكلة أوروبية إلى مشكلة أمريكية”.
من جهتها أصدرت وزارتا الخارجية في كل من أوكرانيا وبولندا بياناً مشتركاً حذرتا فيه من أن الاتفاق “خلق تهديدًا سياسيًا وعسكريًا واقتصادياً لأوكرانيا وأوروبا الوسطى”. وتخشى الدولتان من تزايد النفوذ الروسي في أوروبا خصوصا في ضوء سياسة الرئيس بوتين تجاه أوكرانيا والصراع الدائر هناك، واحتمال فقد أوكرانيا لمداخيل بالمليارات من رسوم عبور الغاز في خط انابيب روسي يمر عبر أراضيها الى بقية الدول الأوروبية، على الرغم من التطمينات الألمانية والأمريكية المقدمة لأوكرانيا والتي تلقاها الرئيس الاوكراني خلال زيارته لبرلين ولقائه بالمستشارة ميركل وكذلك التطمينات الأمريكية المتوقع تقديمها خلال زيارة الرئيس الاوكراني الى واشنطن نهاية أغسطس القادم.
وبعد الاتفاق الألماني الأمريكي من المتوقع ان يتم الانتهاء من تنفيذ مشروع خط الانابيب بنهاية الشهر القادم.