استقر مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني عند مستوى منخفض وتوقف التراجع الكبير الذي شهده مؤشر مناخ الاعمال في الشهر السابق وذلك بشكل غير متوقع، حيث ارتفع مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى 91.8 نقطة في أبريل بعد 90.8 نقطة في مارس. ويرجع هذا الارتفاع بدرجة رئيسية الى توقعات الشركات الأقل تشاؤمًا لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة بالإضافة الى تصنيف العديد من الشركات لوضع اعمالها الحالي بشكل أفضل قليلاً. ويظهر هنا ان الاقتصاد الألماني اظهر مرونة واستجابة أفضل للآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا بعد الصدمة الأولية للهجوم الروسي.

     في قطاع الصناعة، ارتفع المؤشر مرة أخرى بعد التراجع الكبير في الشهر السابق حيث ارتفع المؤشر الى مستوى (-1 نقطة) بعد ان كان قد وصل في شهر مارس الى مستوى (-3.6 نقطة)، والسبب في هذا الارتفاع يرجع الى ان الشركات في هذا القطاع أقل تشاؤما بشأن الاعمال في الأشهر المقبلة. ومع ذلك، لم تكن الشركات راضين إلى حد ما عن وضع الاعمال الحالي. وتعد الشركات العاملة في الصناعات الكيميائية استثناءً في شركات قطاع الصناعة حيث تراجعت توقعات الاعمال والرضا عن وضع الاعمال الحالي وذلك بالنظر الى احتمالات حظر واردات الغاز الروسي التي تعتمد علية الشركات بشكل أساسي.

     في قطاع الخدمات، تحسن مناخ الأعمال بشكل ملحوظ حيث ارتفع المؤشر الى مستوى (5.4 نقطة) في شهر أبريل بعد ان كان عند مستوى (0.8 نقطة). وكان مقدمو الخدمات أكثر رضا بشكل ملحوظ عن الأعمال الحالية، كما كانوا أيضا أقل تشاؤما بشأن الاعمال في الأشهر المقبلة. وتمكن قطاع النقل والخدمات اللوجستية على وجه الخصوص من التعافي من الركود في الشهر السابق. اما في صناعة الضيافة، فقد تحسن مناخ الأعمال بشكل ملحوظ على خلفية تراجع الإصابات بفيروس كورونا.

     في قطاع التجارة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال، وأن كان بمستوي اقل، حيث تراجع المؤشر الى مستوى (-13.3 نقطة) نزولا من مستوى (-12 نقطة)، وكان السبب في هذا التراجع التقييمات الضعيفة بشكل ملحوظ للوضع الحالي، بينما تحسنت التوقعات بخصوص مستوى الاعمال في الأشهر القادمة بشكل طفيف لكنها لا تزال أقل تفاؤلاً.

     في قطاع البناء، انخفض مناخ الأعمال إلى أدنى مستوى له منذ مايو 2010م، حيث وصل المؤشر الى مستوى (-20 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-12.3 نقطة). وكانت الشركات أقل ارتياحًا بشكل ملحوظ لوضع الاعمال الحالي، كما أن توقعات هذه الشركات لم تكن بهذه الدرجة من التشاؤم منذ إعادة الوحدة الألمانية، حيث كان للاختناقات الكبيرة في المواد الخام والمواد الأولية على وجه الخصوص تأثير سلبي على الأعمال في هذا القطاع.

     في سياق متصل تعافى ايضاً مناخ الاعمال بين المصدرين الألمان إلى حد ما بعد التراجع الكبير الذي شهده في مارس، حيث ارتفعت توقعات تصدير ifo إلى 3.5 نقطة في أبريل من مستوى (- 2.9 نقطة) المسجل في مارس. حيث انه وعلى الرغم من ارتفاع درجة عدم اليقين والمشاكل اللوجستية، هناك دلائل حاليًا على استقرار مناخ التصدير.

     وقد ارتفعت توقعات التصدير مرة أخرى في صناعة الإلكترونيات، حيث تتوقع العديد من الشركات في هذا القطاع أن عائدات الصادرات ستزداد خلال الأشهر القادمة. كذلك أيضًا تتوقع شركات صناعة وبناء الآلات والمعدات زيادة الصادرات خلال الفترة القادمة، فيما لا تزال شركات الصناعات الكيميائية متشككة ولا تتوقع زيادة الصادرات، وهو الامر نفسه الذي تتوقعه الشركات المصنعة للسلع المطاطية والبلاستيكية. في الجهة المقابلة تظهر الشركات في صناعة السيارات تفاؤلاً أقل حيث تتوقع انخفاض الصادرات، وهو ما تتوقعه ايضاً شركات صناعة الأثاث.

     في غضون ذلك، خفض مجلس حكماء الاقتصاد الألماني توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا خلال العام الحالي 2022م، الى نسبة 1.8 في المئة فقط وذلك نتيجة الحرب في أوكرانيا، بينما توقع حكماء الاقتصاد ان يبلغ معدل النمو في العام القادم2023م، 3.6 في المئة. وقد تفاوتت المعاهد الاقتصادية في إعادة تقييم توقعاتها للنمو نزولًا في ضوء اختناقات العرض وانقطاع سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، إلا أن توقعات هذه المعاهد كانت أكثر تفاؤلاً، حيث يتوقع معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW) نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المئة لعام 2022م، و3.5 في المئة للعام 2023م، بينما يتوقع معهد الدراسات الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo نموًا يتراوح بين 2.2 و3.1 في المئة للعام الحالي ايضاً وبنسبة 3.3 في المئة للعام القادم 2023م.  المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية DIW يتوقع نمو الاقتصاد الألماني لعام 2022م بنسبة 3 في المئة وبنسبة 2.9 في المئة للعام 2023م.معهد الأبحاث الاقتصادية في هاله IWH يتوقع نموا بواقع 3.1 في المئة للعام الحالي وبنسبة 3.5 في المئة للعام القادم 2023م. من جانبها خفضت الحكومة الألمانية نسبة النمو المتوقعة للعام 2022م، من 3.6 في المئة الى 2.2 في المئة فقط وذلك بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، لكنها توقعت نموا أفضل للعام القادم 2023م، حيث رفعت توقعاتها من 2.3 في المئة الى 2.5 في المئة. كما بلغ معدل التضخم المتوقع من الحكومة لأجمالي العام الجاري نسبة 6.1 في المئة.

     صندوق النقد الدولي من جانبه قام أيضا بمراجعة توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي وبقية اقتصاديات الدول في ضوء التبعات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا والتي تسببت في تباطؤ النمو العالمي والذي، وبحسب توقعات الصندوق، سوف ينمو في العام 2022م بواقع 3.6 في المئة وبنسبة مشابهه ايضاً في العام القادم. وأشار تقرير صندوق النقد الى تراجع النمو في منطقة اليورو الى نسبة 2.8 في المئة هذا العام نزولا من نسبة 3.9 في المئة وبنسبة 2.3 في المئة العام 2023م، وفي إطار منطقة اليورو يُتوقع ان ينمو اقتصاد ألمانيا بنسبة 2.1 في المئة العام 2022م بعد ان كان الصندوق يتوقع في السابق نمواً بنسبة 3.8 في المئة، اما بالنسبة للعام 2023م فيتوقع ان يسجل اقتصاد ألمانيا نموا بنسبة 2.7 في المئة.

     كل هذه التوقعات والاستقراءات للتطور الاقتصادي في ألمانيا قائمة على افتراض استمرار امدادات الغاز والنفط الروسي، ولكن أي تصعيد إضافي للحرب الروسية ضد أوكرانيا او أي تشديد للعقوبات على روسيا لتشمل حظر وارادات الطاقة الى دول الاتحاد الأوروبي سيضر الاقتصاد الألماني بشدة. واظهر تقرير للبنك المركزي الألماني انه في حال ما اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارًا بشأن حظر النفط والغاز الروسي ردًا على تصعيد حرب أوكرانيا، فان هنالك احتمال ان يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الألماني للعام 2022م حوالي 2 في المئة بالمقارنة مع العام 2021م، هذا الى جانب ارتفاع معدل التضخم بنحو 1.5 نقطة مئوية إضافية الى جانب المستوى المرتفع بالفعل للتضخم في الوقت الحالي والذي بلغ نسبة 7.3 في المئة بنهاية شهر مارس الماضي. ويفترض الخبراء أيضا أن نقص الإمداد بالطاقة بعد حظر الغاز والنفط الروسي سيؤثر أيضًا بشكل مباشر على القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الصناعات الكيميائية.

 

سوق العمل: استمرار انتعاش سوق العمل مع بداية الربيع ولا انعكاسات كبيرة لحرب أوكرانيا

     بحسب تقرير وكالة العمل الاتحادية عن سوق العمل في ألمانيا خلال شهر مارس فان السوق يستمر في الانتعاش والبطالة آخذة في الانخفاض والتوظيف يتزايد أيضا نتيجة للتخفيف من إجراءات وقيود كورونا. كما أشار التقرير الى ان عواقب الحرب في أوكرانيا تنعكس حاليًا فقط في حالات معزولة في بعض القطاعات الاقتصادية، ومع ذلك، فإن المخاطر التي تنجم عن مزيد من الاستمرار والتصعيد في الحرب قد تؤدي الى توقف تسليم المواد الخام المختلفة وانقطاع سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الطاقة مما يشكل عبئًا على الاقتصاد الألماني وبالتالي على سوق العمل.

     ووفقا للتقرير فقد انخفض عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر مارس بنحو 66 ألف شخص ليصل مجموعهم إلى 2362000 شخص، وهو ما يمثل أيضا اقل بنحو 465 ألف شخص بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي 2021م. وبهذا الانخفاض بعدد العاطلين عن العمل انخفض معدل البطالة في ألمانيا بنسبة 0.2 في المئة ليصل الى 5.1 في المئة.

     في جانب عدد المسجلين الجدد في برنامج العمل بدوام مختصر، بلغ عدد المسجلين الجدد خلال الفترة الممتدة بين 1 و27 مارس حوالي 113 ألف موظف وعامل. ووفق أحدث بيانات مكتب العمل الاتحادي تم دفع تعويضات لنحو 654 ألف عامل وموظف خلال شهر يناير 2022م. من جهة أخرى بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي مكتب العمل خلال شهر مارس ما يقرب من 839 ألف وظيفة وهو ما يمثل زيادة بنحو 229 ألف وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

     في سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) ان عدد العاملين الأجانب من خارج دول الاتحاد الاوروبي الحاصلين على مؤهلات اكاديمية والحاملين للبطاقة الزرقاء التي تؤهلهم للعمل والإقامة في ألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي قد بلغ في نهاية العام 2021م نحو 70 ألف شخص. وبهذا العدد استمر عدد العمال الأجانب المهرة في الارتفاع في ألمانيا حتى اثناء جائحة كورونا وإن تباطء الارتفاع في عددهم نتيجة الجائحة، حيث ارتفع عددهم في العام 2021م بنسبة 6 في المئة مقارنة بالعام 2020م والذي كان قد شهد ارتفعاً في عدد العاملين الأجانب المهرة بنسبة 7 في المئة بالمقارنة مع العام 2019م والذي شهد بدوره ارتفاعاً في عددهم بنسبة 20 في المئة بالمقارنة بالعام الذي سبقه.

     والبطاقة الزرقاء هي تصريح إقامة مؤقت مخصص للمهنيين الأكاديميين من دول خارج الاتحاد الأوروبي (EU). ويتم منح البطاقة في جميع دول الاتحاد الأوروبي ابتداءً من عام 2012م، بهدف مواجهة النقص في المتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا. ويعد الشرط الأساسي للحصول على هذه البطاقة هو الحصول على شهادة جامعية وعرض عمل محدد براتب إجمالي لا يقل عن 56400 يورو في العام. وتشمل المهن التي تعاني من نقص على سبيل المثال، الأطباء والمهندسين ومتخصصي تكنولوجيا المعلومات.

     وجاء معظم الأجانب الذين يعيشون ويعملون في ألمانيا ببطاقة زرقاء في نهاية عام 2021م من الهند (19،900 شخص او ما نسبته 28 في المئة)، تليها الصين (4،200 شخص او ما نسبته 6 في المئة) وتركيا (4،200 شخص ايضاً وبنسبة 6 في المئة) وروسيا (4000 شخص وما نسبته 6 في المئة تقريباً). كما احتل الأوكرانيون المرتبة الثامنة بنحو 2300 شخص او ما نسبته 3 في المئة.

     كما ان 28 في المئة من هؤلاء الموظفين الاجانب قد اتموا دراستهم في ألمانيا، اذ ان حوالي 19600 من المتخصصين الأكاديميين البالغ عددهم 70000 الذين يحملون بطاقة زرقاء كان لديهم سابقًا تصريح إقامة للدراسة في إحدى الجامعات الألمانية. بالإضافة الى ذلك كان حاملو البطاقة الزرقاء من الشباب نسبيًا بمتوسط ​​سن 34 عامًا ومعظمهم من الذكور، حيث كانت نسبة النساء 28 في المئة فقط. ويتوزع مقر إقامة وعمل معظم حاملي البطاقة الزرقاء في المراكز الاقتصادية الرئيسية في ألمانيا، ومعظمهم في برلين (13.700)، ميونيخ (8100)، فرانكفورت (3100)، هامبورغ (2800) ودوسلدورف (2400).

 

رقم قياسي في الانفاق الصحي في ألمانيا العام 2020م

     سجل الإنفاق الصحي في ألمانيا رقما قياسياً جديداً خلال عام كورونا 2020م، حيث وصل الى 440.6 مليار يورو، ويمثل هدا المبلغ ما يقرب من 5298 يورو لكل شخص في ألمانيا، وتعد هذه المرة الأولى التي يرتفع فيها نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة إلى أكثر من 5000 يورو منذ بدء حساب الانفاق الصحي الإجمالي في ألمانيا في عام 1992م. وبحسب تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، زاد الإنفاق الصحي في عام 2020م بنحو 26.8 مليار يورو أو ما نسبته 6.5 في المئة بالمقارنة مع العام 2019م، العام الذي سبق جائحة كورونا. وبحجم هذا الانفاق بلغت حصة الإنفاق على الصحة في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020م، نحو 13.1 في المئة وبالتالي أعلى بمقدار 1.2 نقطة مئوية عن عام 2019م. ولم يرتفع الانفاق الصحي في ألمانيا بهذه النسبة سوي بعد الازمة المالية العالمية العام 2009م.

     كما شهد عام كورونا ارتفاع إنفاق الميزانيات العامة للدولة الألمانية (ميزانية الحكومة الاتحادية وميزانيات حكومات الولايات والبلديات)، حيث وصل إنفاق هذه الموازنات على الصحة الى 30.7 مليار يورو في العام 2020م، بزيادة 13 مليار يورو او ما نسبته 73.4 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق. وبذلك بلغت حصة الموازنات العامة في الإنفاق الصحي الإجمالي نسبة 7 في المئة بينما كانت هذه النسبة في عام 2019م، لا تتجاوز 4.3 في المئة.  

     وتحملت شركات التأمين الصحي الحكومي الجزء الأكبر من الانفاق الصحي بحصة بلغت 54.8 في المئة، حيث مثلت هذه الشركات أكبر منفق في نظام الرعاية الصحية في عام 2020م، حيث بلغت نفقاتها 241.5 مليار يورو، بزيادة 3.6 في المئة أو 8.5 مليار يورو عن عام 2019م. وبلغت نفقات المنظمات الخاصة غير الربحية 57.1 مليار يورو أو ما نسبته 13 في المئة من حجم الانفاق الصحي في عام 2020م ، وعلى الرغم من ان هذه المنظمات تعد ثاني اكبر منفق في نظام الرعاية الصحية الا ان نفقاتها في العام 2020م انخفضت بالمقارنة مع العام 2019م بنسبة 0.9 في المئة أو ما يساوي 536 مليون يورو.

     كما ساهم التأمين الاجتماعي للرعاية طويلة الأجل بنسبة 10.7 في المئة من الإنفاق الصحي في العام 2020م.  وسجل إنفاق التأمين الاجتماعي أقوى زيادة في الإنفاق بعد الموازنات العامة بزيادة قدرها 12 في المئة أو ما يساوي 5.1 مليار يورو ليصل اجمالي الانفاق إلى 47.2 مليار يورو. كما ارتفع إنفاق شركات التأمين الصحي الخاص بنسبة 2.2 في المئة أو 774 مليون يورو إلى 35.4 مليار يورو، لتبلغ حصة شركات التأمين الخاص 8 في المئة من اجمالي الانفاق على الرعاية الصحية في ألمانيا.

     وبلغت النفقات المرتبطة بمكافحة جائحة كورونا خلال العام 2020م نحو 18.2 مليار يورو من اجمالي نفقات الرعاية الصحية، من ضمنها 14 مليار يورو او ما نسبته 77.1 في المئة تعويضات عن فقد الإيرادات نتيجة الجائحة، على سبيل المثال في المستشفيات ومرافق الوقاية وإعادة التأهيل أو مقدمي الأدوية، كما تم إنفاق 1.37 مليار يورو أخرى أو 7.5 في المئة من نفقات كورونا على اختبارات وفحوصات كورونا، ولا يشمل هذا المبلغ ما يسمى الاختبارات الذاتية التي تشتريها الأسر الخاصة من تجار التجزئة أو الصيدليات. كما كلفت حملة التطعيم التي بدأت في نهاية ديسمبر 2020م، حوالي 2.65 مليون يورو. وبالإضافة إلى النفقات الجارية المتعلقة جائحة كورونا، تم إنفاق حوالي 700.6 مليون يورو في عام 2020م على التعويضات للمستشفيات لتوفير أسرة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي.

     وتذهب التقديرات الأولية الى أن الإنفاق الصحي للعام 2021م، قد ازداد بشكل أكبر ووصلت تكلفة الرعاية الصحية الى 465.7 مليار يورو، وهو ما يعني زيادة بمبلغ 25.1 مليار يورو أو 5.7 في المئة أكثر من عام 2020م. كما أن الإنفاق على الاختبارات وحملة التطعيم على وجه الخصوص كان لها النصيب الأكبر في زيادة الإنفاق الصحي.

 

مساعدات حكومية للمواطنين والشركات الألمانية المتضررة من حرب أوكرانيا

     بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا الى جانب جائحة كورونا يتعرض المواطنون وكذلك الشركات الألمانية الى خسائر مالية بالإضافة الى ارتفاع تكلفة الطاقة من كهرباء وزيوت تدفئة وارتفاع أسعار وقود السيارات من بنزين وديزل الى جانب ارتفاع أسعار العديد من المواد والسلع في الأسواق  نتيجة التضخم المتزايد والذي وصل في شهر مارس الى معدل 7.3 في المئة وهو الأكبر في ألمانيا منذ العام 1981م. وللتخفيف من هذه الأعباء المتزايدة على المواطنين قررت الحكومة الاتحادية اتخاذ إجراءات إغاثية لتؤمن ” المزيد من الأموال في محافظ المواطنين ونؤمن السيولة للشركات”، بحسب وزير المالية الاتحادي Christian Lindner مؤكدا على انه “بهذه الطريقة، ندعم الثقة في التنمية الاقتصادية الجيدة على المدى الطويل.” مشدداً على إنه في ضوء الوضع الذي يتسم بمستوى عالٍ من عدم اليقين، من الضروري لأسباب اقتصادية وسياسية تعزيز النمو في ألمانيا، ومواجهة مخاطر التضخم وتخفيف المصاعب.

     وقد وافق الائتلاف الحاكم على برنامج مساعدات للمواطنين يتضمن تقديم اعانة مالية لمواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة بمبلغ ثابت 300 يورو على رواتب الموظفين، كما يحق للعاملين لحسابهم الخاص خصم هذا المبلغ من مدفوعات الضرائب المسبقة.  وتخطط الحكومة الاتحادية لإعفاء دافعي الضرائب بمبلغ 11 مليار يورو لمرة واحدة. الى جانب ذلك تم إقرار تخفيض سعر تذاكر المواصلات العامة الشهرية في كل ألمانيا لتصبح بقيمة 9 يورو فقط للشهر الواحد، على ان يمتد هذا التخفيض لمدة 90 يومًا.

     وفي نفس السياق وافق المجلس الاتحادي (Bundesrat)على تقديم دعم للأسر الأقل دخلا لتغطية تكاليف التدفئة التي ارتفعت نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة الكبير، حيث وافق المجلس على تقديم هذا الدعم لمرة واحدة لملايين المواطنين، بحيث يجب أن تتلقى الأسرة المكونة من شخص واحد والتي تحصل على إعانة الإسكان 270 يورو، والأسرة المكونة من شخصين على 350 يورو، وكل فرد إضافي في الأسرة سيتلقى 70 يورو. كما يحق للطلاب والمتدربين الذين يتلقون مساعدة حكومية الحصول على مساعدة لمرة واحدة قدرها 230 يورو. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ان يمنح الإعفاء الضريبي المخطط له الموظفين إمكانية الحصول على تخفيضات على ضريبة الدخل وعلى تخفيضات على الضرائب المفروضة على العلاوة الأساسية والمكافئات.

     في جانب دعم الشركات المتضررة من الحرب في أوكرانيا ومن ارتفاع تكاليف الطاقة والكهرباء قررت الحكومة الألمانية وضع مبلغ خمسة مليار يورو كميزانية لمساعدة الشركات والتي تستطيع التقدم بطلب للحصول على اعانة مالية من هذه الميزانية لمواجه زيادة تكاليف الطاقة، كما تقرر اتاحة 100 مليار يورو كقروض للشركات المهددة بالتعرض لخسائر كبيرة وذلك بالتعاون مع بنك التنمية وإعادة الاعمار (KfW) وفي نموذج مشابه لنموذج صندوق الاستقرار الاقتصادي الذي تم إنشائه خلال أزمة كورونا. وقد مهد الاتحاد الأوروبي الطريق امام هذا البرنامج المقترح حيث وافقت المفوضية الأوروبية على تسهيل تقديم الدول الأعضاء مساعدات طارئة للشركات من أجل حمايتها من الآثار الاقتصادية للحرب ضد أوكرانيا.

     الا ان هذه الإجراءات المقرة من الحكومة الاتحادية تشهد معارضة من قبل حكومات الولايات حيث يُفترض ان تشارك حكومات الولايات في تحمل جزء من تكلفة هذه المساعدات، وينصب التركيز على مبلغ الاعانة المالية الثابت البالغ 300 يورو، والذي يتم دفعه للموظفين من خلال كشوف المرتبات الخاصة بهم. اذ وفقاً لمشروع الائتلاف الحاكم يتعين على الولايات الفيدرالية أن تتحمل حوالي نصف التكاليف، وهو ما تعارضه العديد من الولايات وعلى رأسها ولاية بافاريا والتي تبرر معارضتها لتحمل جزء من تكاليف البرنامج الحكومي بسبب الاعباء التي تتحملها الولايات الفيدرالية في الوقت الحاضر بسبب تدفق اللاجئين من أوكرانيا. كما تعارض بعض الولايات أيضا مشروع الحكومة الاتحادية خفض سعر تذكرة استخدام المواصلات العامة الشهرية بسبب الأعباء المالية التي ستتحملها شركات المواصلات العامة المحلية والمخاوف من عدم قدرة هذه الشركات أيضا على مواجهة الاقبال الكبير المتوقع على استخدام وسائل المواصلات العامة بعد هذا التخفيض.

     ومن اجل تمويل برامج المساعدات هذه تخطط الحكومة الاتحادية لتقديم ميزانية تكميلية متضمنة تكاليف عواقب الحرب في أوكرانيا لمجلس النواب (البوندستاج)، ستبلغ بحسب تقديرات وزير المالية Lindner ما لا يقل عن 24 مليار يورو، منها 17 مليار يورو مخصصة لحزمة الإغاثة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك المنحة بقيمة خمس مليارات يورو للشركات لدعم تكلفة الطاقة وملياري يورو مخصصة لتكاليف استقبال وايواء اللاجئين من أوكرانيا.  هذا من دون الاخذ بالحسبان المساعدات الإنسانية المحتملة في الخارج أو المساعدات المقدمة للجيش الأوكراني التي لا يمكن تحديدها بعد.

 

استمرار الجدل حول امكانية استغناء ألمانيا عن امدادات الطاقة من روسيا

     بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وحزم العقوبات المتتالية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي نتيجة هذه الحرب على روسيا والتي تنوعت بين العقوبات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، بدأت العديد من الاوساط السياسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بطرح فرض حظر على صادرات الطاقة الروسية من نفط وغاز وفحم الى دول الاتحاد الأوروبي معتبرين ان هذا الحظر سيؤدي الى خسائر كبيرة بالنسبة لروسيا أكبر من تلك التي حصلت بسبب كل حزم العقوبات السابقة، الا ان فرض الحظر على امدادات  الطاقة الروسية واجه رفضاً من عدد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا التي أكدت ان هذا الحظر سوف يتسبب لاقتصادها بخسائر كبيرة باعتبار ان ألمانيا تعتمد الى حد بعيد على وارداتها من النفط والغاز والفحم الروسي وان الاستغناء عن هذه الواردات قد يستغرق وقتا طويلا بالنسبة الى ألمانيا. والى جانب القوى السياسية الرئيسية يؤيد أيضا ممثلو القطاعات الاقتصادية المختلفة في ألمانيا رفض حظر الواردات الروسية من الطاقة. ويقوم هذا الموقف الألماني على حقيقة ان ألمانيا تعتمد بالفعل على وارداتها من النفط والغاز والفحم الروسي بدرجة كبيرة والتي تستخدم في مختلف القطاعات الاقتصادية سواء كانت في مجال التدفئة او توليد الكهرباء او في قطاع الطاقة اللازمة للقطاع الصناعي بالإضافة الى الطاقة المستخدمة في قطاع النقل.  

     هذا وكان مزيج الطاقة الألماني قد شهد تغيراً كبيراً خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث كانت طاقة الرياح والخلايا الكهروضوئية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى تشكل 1.3 في المئة فقط من مزيج الطاقة في عام 1990م، لكن هذه النسبة ارتفعت بحلول عام 2021م، إلى ما يقرب من 16 في المئة. وخلال نفس الفترة، انخفضت أهمية الفحم والطاقة النووية بشكل كبير، حتى أن نسبة الفحم انخفضت إلى النصف. وبينما لم يتغير دور النفط في إمدادات الطاقة الألمانية على مر السنين، ارتفعت مساهمة الغاز الطبيعي ليصبح ثاني أهم مصدر للطاقة، اذ يغطي الغاز الطبيعي الآن أكثر من ربع الطلب الألماني.

     وقد ادي هذا التغير في مزيج الطاقة المستخدم في ألمانيا، على الرغم من الإيجابيات المتمثلة في التوسع الكبير في مصادر الطاقة المتجددة، الى ازدياد اعتماد ألمانيا على استيراد الطاقة من الخارج بشكل كبير حيث تحصل ألمانيا على كل حاجتها من النفط تقريبًا من الخارج، وفي حالة الغاز الطبيعي، استوردت ألمانيا العام 2021م، 95 في المئة من احتياجاتها من الخارج. ولا يبدو الفحم أفضل بكثير، اذ ومنذ إيقاف ألمانيا استخراج الفحم الحجري من مناجمها في عام 2018م، اعتمدت على الاستيراد من اجل تلبية احتياجاتها من هذه المادة.

      وفي ضوء هذه الأرقام ، وبالرغم من مزايا مصادر الطاقة المتجددة من رياح وطاقة شمسية وسدود على الأنهار والتي لا تعود لكونها مصادر صديقة للبيئة فقط بل لان لها ميزة  جيواستراتيجية تتمثل في انها متوافرة على الأراضي الألمانية وبالتالي تعد مصدرا محليا للطاقة، الا ان كمية الطاقة التي تنتج عن هذه المصادر غير كافية حتى الان لتشغيل وامداد كل قطاعات الاقتصاد الألماني بالطاقة، اذ ما يزال النفط والغاز والفحم يلعبون دورا كبيرا في تأمين الطاقة، حيث ان إمدادات الطاقة الألمانية لا تزال تعتمد بنسبة 71 في المئة على الواردات.

     وكشفت الحرب الروسية على أوكرانيا عن مدى اعتماد ألمانيا على امدادات الطاقة الروسية، ففي حالة النفط الخام على سبيل المثال، بلغت الواردات الروسية حوالي ثلث واردات ألمانيا من النفط في عام 2021م، واشترت ألمانيا ما يقرب من ثلاثة أضعاف النفط من روسيا عبر الطريق البحري وخط أنابيب “دروشبا” (الصداقة الروسية) أكثر مما اشترته من ثاني أهم مورد للنفط الخام الى ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية. وحول إمكانية استغناء ألمانيا عن واردات النفط الروسية ذكرت وزارة الاقتصاد الاتحادية انه بالإمكان خفض حجم الواردات من روسيا الى النصف بحلول منتصف العام الجاري على ان يكون الهدف الاستغناء عن الجزء الأكبر من هذه الواردات مع نهاية العام.

     اما بالنسبة الى الفحم الحجري والذي جاءت نصف واردات ألمانيا منه من روسيا، وبعد قرار دول الاتحاد الأوروبي وقف الواردات من الفحم من روسيا الى دول الاتحاد بعد مدة انتقالية تمتد الى أربعة أشهر، فأشار تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد إن الوقف الفوري للواردات الروسية قد يؤدي إلى نقص في الفحم بعد بضعة أسابيع، وفي هذه الحالة يجب استخدام الاحتياطيات من الفحم الحجري المخزن في محطات الطاقة والموانئ على الفور في توليد الكهرباء. ومع ذلك، وعلى المدى المتوسط ​​، يبدو التخلي الكامل عن واردات الفحم الحجري من روسيا ممكنًا، اذ أكد اتحاد مستوردي الفحم في ألمانيا إنه يمكن استبدالها بالكامل في غضون بضعة أشهر بإمدادات من دول أخرى، لا سيما الولايات المتحدة وكولومبيا وجنوب إفريقيا، الى جانب ان هناك سوق عالمية تعمل بشكل جيد وتتسم بالسيولة وتوافر كميات كافية.

      الا ان الوضع يختلف في مسألة واردات الغاز الطبيعي والتي جاء أكثر من نصفها في العام 2020م من روسيا، بينما اتى ما يقرب من ثلث واردات الغاز الطبيعي في ألمانيا من النرويج، واستوردت ألمانيا 10 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من هولندا.  وهنا تبدوا الصعوبة في التخلي او الاستغناء عن واردات الغاز الروسي حتى مع محاولات انجاز ذلك، فحتى وان تم انجاز خفض واردات الغاز من روسيا الى نسبة 40 في المئة من اجمالي واردات ألمانيا مع نهاية شهر مارس الا ان ذلك تم من خلال استهلاك المزيد من مخزونات الغاز، كما ان الخطط التي تستهدف خفض هذه الواردات أيضا الى نسبة 30 في المئة مع نهاية العام الحالي تقوم اساساً على السعي الى تقليل استهلاك الغاز وتعويضه بالفحم في محطات انتاج الطاقة الكهربائية.

     وبحسب وزارة الاقتصاد الاتحادية فانة من الممكن الاستغناء عن جزء كبير من واردات الغاز الروسي وخفضها الى نسبة 10 في المئة فقط في وقت مبكر من صيف عام 2024م، على شرط ان يتم توسيع انتاج الهيدروجين وإنجاز البنية التحتية لنقل الغاز الطبيعي المسال (LNG) ورفع إنتاج الطاقات المتجددة.

     وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والخطط والاستثمارات المتنوعة للاستغناء عن واردات الغاز والنفط والفحم الروسي فانه من المؤكد أن الاستقلال عن واردات الطاقة الروسية سيكون مؤلمًا لألمانيا وسيصاحب ذلك ارتفاع الأسعار والأعباء على المستهلكين سواءً كانوا من صغار المستهلكين من المواطنين العاديين او من كبار المستهلكين مثل الشركات الصناعية وشركات انتاج الطاقة الكهربائية. وكذلك ومع استبدال الغاز الطبيعي بالفحم لتوليد الكهرباء والذي سيؤدي الى اضرار للمناخ لكنه سيؤدي أيضا إلى تكوين ضغط كافٍ لتوسيع أسرع للطاقات المتجددة.