تحسن مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني مرة أخرى بشكل ملحوظ خلال شهر يونيو، اذ ارتفع مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى 101.8 نقطة، بعد ان كان عند مستوى 99.2 نقطة في مايو. وقد صنفت الشركات وضع أعمالها الحالي على أنه أفضل بكثير، كما زاد التفاؤل بشأن النصف الثاني من العام، وبما يؤشر الى ان الاقتصاد الألماني بدأ في تجاوز أزمة كورونا.

في قطاع الصناعات التحويلية، ارتفع المؤشر ووصل إلى مستوى 28,5 نقطة من مستوى 25,7 نقطة في الشهر السابق، وهذا أعلى مستوى للمؤشر منذ أبريل 2018م. وكانت الشركات أكثر رضا بشكل ملحوظ عن الأعمال الجارية، كذلك كانت التوقعات أقل تفاؤلاً قليلاً من الشهر السابق، حيث تشعر العديد من الشركات بالقلق إزاء الاختناقات المتزايدة في المنتجات الأولية.

     في قطاع الخدمات، حقق مؤشر مناخ الأعمال قفزة كبيرة اذ وصل الى مستوى 22,4 نقطة مقابل 13,7 نقطة في الشهر السابق.  اذ ارتفع مستوى الرضا عن مستوى الاعمال الحالية، وكذلك زاد التفاؤل بالأعمال خلال الاشهر القادمة، ويستفيد بشكل مباشر قطاع الخدمات اللوجستية ومقدمي خدمات تكنولوجيا المعلومات من مستوى الاعمال الجيد، كما تتوقع الشركات العاملة في قطاع الضيافة وقطاع التجزئة زيادة المبيعات خصوصا بعد تخفيف إجراءات الوقاية من كورونا وتسجل توقعات قطاع التجزئة التفاؤل الأكبر.

     في صناعة البناء، ارتفع المؤشر بشكل طفيف من 3 نقاط خلال شهر مايو الى 4,2 نقطة في شهر يونيو حيث ضل مستوى الرضا عن الاعمال الحالية في القطاع دون تغيير تقريبا، كما زادت التوقعات بتحسن الاعمال خلال الأشهر القادمة والذي حدها التشاؤم فيما يتعلق بالنقص في المواد الأولية والذي يمثل مشكلة كبيرة لشركات القطاع.

     في سياق متصل تحسن المزاج بين المصدرين الألمان بشكل ملموس حيث ارتفعت مؤشر معهد ifo للصادرات الصناعية إلى 26 نقطة في يونيو، من 22.5 نقطة في مايو، وتعد هذه هي أعلى قيمة للمؤشر منذ يناير 2011م. حيث تستفيد صناعة التصدير من نمو الاقتصاد العالمي، كما تتوقع جميع الصناعات تقريباً ارتفاع الصادرات، باستثناء صناعة الملابس، التي تتوقع انخفاضاً في المبيعات الخارجية. في صناعة السيارات، انتعشت توقعات التصدير بعد التراجع النسبي في الشهر السابق. الأمر نفسه ينطبق على مصنعي المواد الغذائية. كذلك لا تزال قطاعات الصناعات الكهربائية وصناعة الآلات والمعدات في وضع جيد للغاية. ومع هذا التوقعات الإيجابية لنمو صادرات القطاعات الصناعية، فان النمو في الطلبات الدولية على منتجات الصناعات الكيميائية وصناعة الأثاث سيكون أقل إلى حد ما مما كان عليه مؤخراً.

     في ضوء إعادة الانفتاح التدريجي للاقتصاد، رفع البنك المركزي الألماني (Bundesbank) توقعاته لنمو الاقتصاد بشكل كبير لهذا العام والعام المقبل.، كما جاء في التقرير النصف سنوي للبنك والذي يرى ان “الاقتصاد الألماني في بداية انتعاش قوي”. بالنسبة لعام 2021م، يتوقع البنك الآن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7 في المئة بدلاً من نسبة 3 في المئة الواردة في تقريره في ديسمبر 2020م، كما يتوقع نمو بنسبة 5,2 في المئة للعام 2022م وكذلك 1,7 في المئة للعام 2023م.

     وقال رئيس البنك المركزي الألماني ينس فايدمان ان “الاقتصاد الألماني بدأ في التغلب على ازمة كورونا” وذلك اعتمادا على التوقع بأن جائحة كورونا سيتم تجاوزها بسرعة وبشكل مستدام من خلال حملة التطعيم، وأن الإجراءات الوقائية سيتم تخفيفها بسرعة، والتي ستسفيد منها بشكل خاص قطاعات اقتصادية مثل قطاع الخدمات والذي سيساهم في رفع الاستهلاك وبالتالي سيرفع من نسب النمو. مما دفع رئيس البنك فايدمان الى التوقع بانه  “يمكن أن يصل الناتج الاقتصادي هذا الصيف إلى مستوى ما قبل الأزمة مرة أخرى”.

     في نفس السياق اعلنت العديد من مراكز الابحاث الاقتصادية تقديراتها لنسب النمو الاقتصادي للعام الحالي والعام القادم، فمن جهته رفع معهد الاقتصاد العالمي (IfW) في مدينة كييل توقعاته بنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2021م بنسبة 3.9 في المئة بدلاً من 3.7 في المئة المتوقعة سابقاً. مع ترجيح ان يستعيد الاقتصاد خلال صيف هذا العام نفس مستواه ما قبل الازمة. كما لا تزال توقعات المعهد للنمو في العام 2022م ثابته عند 4.8 في المئة.

     اما المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) في برلين فكان أكثر حذراً إلى حد ما، اذ رفع توقعاته للنمو في عام 2021م، ولكن بشكل طفيف فقط إلى 3.2 في المئة (كانت في السابق 3.0)، اما بالنسبة لعام 2022م، فتوقع ارتفاع نسبة النمو إلى 4.3 في المئة، وكان سابقاً 3.8 في المئة. وفقاً لمعهد DIW، لا يزال الاقتصاد ضعيفاً على الرغم من الانتعاش المتوقع. وقال مارسيل فراتزشر رئيس المعهد “من المحتمل أن يتمتع الاقتصاد الألماني بصيف جيد، لكن الانتكاسات ممكنة في أي وقت، خاصة من الخريف فصاعداً”. ووفقاً لـ DIW، بشكل عام، أدت أزمة كورونا حتى الآن إلى أضرار اقتصادية بلغت 350 مليار يورو، وهو ما يعادل حوالي عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

     باحثو معهد لايبنيز للأبحاث الاقتصادية (RWI) في إيسن رفعوا توقعاتهم للنمو للعام الحالي بشكل طفيف من 3.6 إلى 3.7 في المئة مع احتمال أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى ما قبل الأزمة بحلول نهاية هذا العام. بالنسبة لعام 2022م، يتوقع RWI زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.7 في المئة بدلاً من 3 في المئة.

     وكما يتفق الباحثون الاقتصاديون في مختلف معاهد ومراكز الدراسات الاقتصادية على ارتفاع نسب النمو للعام الحالي، فانهم ايضا يتفقون في التوقعات بارتفاع معدل التضخم وما يتبعه من ارتفاع في الاسعار، اذ يتوقع معهد DIW معدل تضخم بنسبة 2.7 في المئة لعام 2021م، بينما يتوقع باحثو معهد IFW معدل تضخم بنسبة 2.6 في المئة، على ان يتراجع التضخم في العام 2022م الى ما دون نسبة 2 في المئة في العام 2022م.

     ويرى الباحثون الاقتصاديون ان اسباب ارتفاع التضخم تعود الى إدخال ضريبة ثاني أكسيد الكربون، كما ان الانتعاش القوي في الطلب مع تراجع جائحة كورونا يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار، كذلك ستشهد قطاعات المطاعم والسياحة والترفيه، على سبيل المثال، ارتفاعا أكبر في الأسعار. كما لا يعتقد وزير الاقتصاد الاتحادي بيتر ألتماير (CDU) ان التضخم سيستمر بشكل دائم. حيث قال “لا أرى موجة تضخم كبيرة كما كانت في السبعينيات، عندما كانت معدلات التضخم خمسة في المئة وأكثر”. معتبراً ان الزيادات في الأسعار حالياً هي تطور مؤقت وليست اتجاهاً طويل الأمد.

سوق العمل: انخفاض البطالة وتزايد الاحتياج الى العمالة الماهرة

في شهر مايو، ظهرت بوادر تحسن شامل في سوق العمل حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل بنحو 80 ألف شخص مقارنة بشهر ابريل ليصل الى 2687000 شخص، وانخفض معدل البطالة بـ 0.1 نقطه مئوية ليصل الى 5،9 في المئة. وهذا العدد من العاطلين يمثل ايضاً اقل بحوالي 126 ألف شخص مقارنة بشهر مايو من العام الماضي او ما يساوي تراجعا في معدل البطالة بنسبة 0،2 في المئة مقارنة بشهر مايو من العام الماضي والذي شهد ارتفاعا في عدد العاطلين بنحو 450 ألف شخص. ووصف رئيس مكتب العمل الاتحادي، ديتليف شيل، التطورات الاخيرة في سوق العمل بانها تشير الى ان “تداعيات أزمة كورونا لا تزال واضحة للعيان، لكنها تتضاءل قليلاً “.

     اما فيما يتعلق بالمسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر فقد سجلت الشركات نحو 96 ألف شخص في البرنامج خلال الفترة الممتدة بين 1 و26 مايو. وهو ما يعد تراجعا مستمراً في عدد الموظفين المسجلين في البرنامج للشهر الثالث على التوالي. وتشير البيانات التي نشرها مكتب العمل الاتحادي ان اجمالي عدد الموظفين والعمال المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر قد وصل الى 2.61 مليون موظف في شهر مارس 2021م.  في جانب اخر بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى مكتب العمل في شهر مايو نحو 654 ألف وظيفة بزيادة 70 ألف وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

     من جهة اخري ومع بدء تخفيف الاغلاق الاقتصادي وعودة الكثير من القطاعات الاقتصادية الى العمل بشكل كامل او بشكل جزئي ظهر نقص كبير في العمالة المتخصصة، فبحسب اتحاد الفنادق الالماني DEHOGA تعاني الصناعة من نقص في الموظفين بنسبة 12 في المئة مقارنه بالمستوى الذي كان عليه قبل الازمة، ويمثل هذا النقص المشكلة الاساسية التي يعاني منها قطاع الضيافة في الوقت الحاضر، فحتى شهر فبراير 2021م، فقدت الصناعة 130 ألف موظف، كما انخفض عدد المتدربين في نفس الفترة بنسبة 25 في المئة.

     كما تعاني صناعة المعدات والآلات من نقص في العمالة الماهرة يزداد حدة مع الوقت، وهو ما يحذر منه اتحاد صناعة المعدات والآلات الالماني VDMA، والذي اكد ايضاً على ان غالبية الشركات العاملة في القطاع  ترغب في إعادة التوظيف بسبب الانتعاش الاقتصادي لكن “الشركات تركز بشكل متزايد على نقص العمالة الماهرة”، وفقاً لمسح شمل 570 مديراً للموارد البشرية في الشركات الأعضاء في VDMA، فإن غالبية الذين شملهم الاستطلاع يرون حالياً اختناقات في جميع شرائح الموظفين، بالإضافة الى النقص الكبير في عدد المتدربين الجدد والذين يمثلون الموظفين المستقبليين.

     ووفقاً للمسح، تتوقع الشركات أيضًا أن يزداد الوضع سوءاً في الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة، فنحو 43 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع يتوقعون توفر عدد أقل من العمال المهرة، بالإضافة إلى ذلك، تواجه 44 في المئة من الشركات حالياً صعوبات في تعيين موظفين جدد بسبب قيود الاتصال التي لا تزال سارية.

 اقتصاد حماية البيئة: الفرص والتحديات

     تمثل حماية البيئة ومنذ اكثر من عشر سنوات احد المواضيع والاهتمامات الرئيسية للحكومات الالمانية المختلفة والتي صاغت القوانين من اجل تحقيق الحياد المناخي وضمان حماية البيئة، ومع قرار المحكمة الدستورية العليا نهاية شهر ابريل بعدم كفاية قانون حماية البيئة الذي اقرته الحكومة عام 2019م، اقرت الحكومة منتصف شهر مايو تعديلات على القانون، تهدف هذه التغييرات في قانون حماية المناخ إلى تحديد هدف الحياد المناخي في ألمانيا وتحديد شكل مسار حماية المناخ بعد عام 2030م، حيث حددت ألمانيا لنفسها هدف أن تصبح محايدة مناخياً بحلول عام 2045.

     ترى العديد من الصناعات أن أهداف الحد من الانبعاثات الجديدة الأكثر صرامة تمثل عبئاً، اذ بحلول عام 2030م، سيتم خفض 65 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة بدلاً من 55 في المئة. وذلك مقارنة مع حجم الانبعاثات في العام 1990م. لقد أصبح مشروع قانون الحكومة أكثر تحديداً، على سبيل المثال، يجب إبطاء الانبعاثات في صناعة الطاقة إلى 108 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في نهاية العقد الحالي، بعد أن كان الهدف 175 مليون طن. في الصناعة، تم تخفيض الحد من 140 إلى 119 مليون طن، وفي قطاع النقل من 95 إلى 85 مليون طن.

     من خلال هذه التعديلات في متطلبات حماية المناخ، حملت الحكومة الاتحادية الصناعة الألمانية مسؤولية أكبر واعباء أكثر، مما ولد مخاوف من ارتفاع التكاليف مع ضرورة زيادة الاستثمارات في التقنيات الصديقة للبيئة. هذه الاعباء دفعت العديد من ممثلي الاتحادات الصناعية الى التحذير من ان هذه الاعباء والتكاليف قد تهدد القطاع الصناعي بتراجع قدرته التنافسية، كما سيهدد قدرة بعض الشركات على الاستمرار في العمل. فعلى سبيل المثال يشير اتحاد الصناعات الكيميائية VCI إلى أن شركات الصناعات الكيميائية، ومن اجل تحقيق هدف حياد المناخ المنصوص عليه في القانون، تحتاج وحدها إلى المزيد من الكهرباء الخضراء أكثر مما تستهلكه ألمانيا حالياً ككل. كذلك ومن أجل تلبية متطلبات المناخ، يتعين على صناعة الصلب أن تطور تقنيات جديدة تماما باستخدام طاقة الهيدروجين، وهي مسالة بحاجة لمزيد من الاموال والوقت لإنجازها. كما يحاجج انصار تخفيف الاعباء البيئية على القطاع الصناعي ” إنه لن يساعد المناخ العالمي إذا تم تدمير الصناعة المبتكرة في ألمانيا بينما في أماكن أخرى في العالم ينبعث المزيد من ثاني أكسيد الكربون”. وفي نفس الإطار، يمكن أن تؤدي الأهداف المناخية أيضاً إلى زيادة تكلفة الغذاء، اذ من المحتمل أن يؤدي الالتزام بالزراعة الصديقة للمناخ إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على المزارعين.

     بالإضافة الى التأثيرات السلبية على الصناعة والزراعة سيتأثر المستهلكون أيضاً بالأهداف المناخية الجديدة الأكثر صرامة، التي ستؤدي، على سبيل المثال، إلى زيادة أسعار الوقود أكثر مما كان متوقعاً. وينطبق الشيء نفسه على أسعار زيت التدفئة والغاز الطبيعي، ومن أجل معالجة هذا الوضع، اقرّت الحكومة انه يجب على المُلاك والمستأجرين تقاسم كلفة النفط أو الغاز المستخدم في التدفئة في المستقبل، حيث انه حتى الآن، يتحمل المستأجر وحده التكاليف. لكن اتحاد الملاك قدم شكوى الى المحكمة الدستورية لرفض قرار الحكومة باعتبار انه ليس للمالك أي تأثير على استهلاك المستأجر، وهو ما يمثل نقطة اضافية في عدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة المنازعات ومشاعر عدم الرضا في المجتمع.

     في الجهة المقابلة يقدر حجم صناعة حماية البيئة بالمليارات، كما انه مسؤول عن خلق مئات الآلاف من فرص العمل في ألمانيا، كما مثلت حماية البيئة والمناخ بشكل متزايد قطاعاً مربحاً للصناعة ومقدمي الخدمات. فبحسب احدث بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء، حققت صناعة حماية البيئة مبيعات بقيمة 73.6 مليار يورو في عام 2019م، بزيادة 3.1 في المئة عن العام السابق. وتم تحقيق ثلاثة أرباع هذه المبيعات في قطاع الصناعة، حيث حقق قطاع صناعة الآلات والمعدات (22.1 مليار يورو) ، صناعة المعدات الكهربائية (6.5 مليار يورو) وصناعة السيارات والشاحنات والحافلات  وأجزاء لها (5.8 مليار يورو).

     كما نما بشكل خاص بناء وصيانة أجهزة التحكم في تلوث الهواء. ارتفعت المبيعات هنا بأكثر من الثلث لتصل إلى 10.5 مليار يورو. في مجال التنقل الكهربائي (السيارات والشاحنات والحافلات) تم تحقيق مبيعات بقيمة 2.5 مليار يورو في عام 2019م، بزيادة قدرها 24 في المئة عن العام السابق. كما أدت تكنولوجيا القيادة والتحكم الموفرة للطاقة، وإنشاء توربينات الرياح، والعزل الحراري للمباني، وتجديد وبناء أنظمة الصرف الصحي إلى مليارات من الأعمال التجارية. كما تؤدي الأهمية المتزايدة لحماية البيئة للاقتصاد الألماني إلى خلق وظائف جديدة، ما يسمى ب “الوظائف الخضراء”، حيث بلغ عدد الموظفين الذين يعملون في صناعة حماية البيئة 305 ألف شخص (أكثر من ثلثيهم في قطاع الصناعة) في العام 2019م، وهو ما يمثل زيادة بنحو 16 ألف شخص مقارنة بالعام السابق.

نقص المواد الأولية يهدد القطاع الصناعي الألماني

     انخفض الناتج الصناعي الالماني خلال شهر ابريل الماضي بنسبة 1 في المئة بعد ان كان سجل في الشهر السابق مارس نموا بنسبة 2،2 في المئة، ويأتي هذا الانخفاض على الرغم من ارتفاع الطلبات على المنتجات الصناعية محليا ودوليا، الا ان النقص في العديد من المواد الاولية ادي الى ايقاف الانتاج في أكثر من قطاع من اهمها صناعة السيارات وصناعة البناء.

     وتركز النقص في المنتجات الوسيطة من اشباه الموصلات والتي تستخدم في صناعة السيارات والصناعات الالكترونية، بالإضافة الى الاخشاب والتي تعد من المواد الاساسية في صناعة البناء وكذلك صناعة الأثاث. وبشكل عام انخفض الانتاج في قطاع الصناعة، ما عدا صناعة البناء. بنسبة 0،7 في المئة، وقد عانت صناعة السيارات وقطع غيارها بشكل أكبر، حيث تراجع الانتاج في هذا القطاع في شهر ابريل بنسبة 5،6 في المئة، مقارنة بالشهر الذي قبله، كما تراجع الانتاج في صناعة الآلات والمعدات بنسبة 0،3 في المئة، فيما تراجع الانتاج في صناعة البناء بنسبة 4،3 في المئة.

     لقد ادى النقص في أشباه الموصلات إلى إبطاء إنتاج السيارات في جميع أنحاء العالم، لأن صناعة السيارات أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تكنولوجيا المعلومات الحديثة والمكونات المطلوبة لها، بحيث يتم الآن التحكم إلكترونياً في معظم عمليات المركبات المعقدة بشكل متزايد. في المانيا اضطرت مصانع Ford في كولونيا أن تخفض إنتاجها بسبب نقص الرقائق الدقيقة، وبنفس الطريقة وجدت شركات Daimler وAudi الي جانب شركة فولكس فاجن نفسها مضطرة الى خفض انتاجها هي الاخرى، واشارت مصادر شركة VW الى ان انتاجها العام الماضي انخفض بنحو 100 ألف سيارة بسبب النقص في اشباه الموصلات.

     هذا ومن المحتمل أن يستمر النقص في أشباه الموصلات لفترة أطول مما كان متوقعا، مع إمكانية ان تتأثر صناعة الهواتف الذكية وصناعة الأجهزة المنزلية بهذا النقص. فقد أعلنت شركة Flex، ثالث أكبر شركة مصنعة لرقاقات اشباه الموصلات في العالم، والتي يقع مقرها في سنغافورة، أنه يمكن توقع حدوث نقص في العرض لمدة عام آخر على الأقل، فبما يتوقع خبراء اخرون أن تستمر المشكلة حتى عام 2023م.

     وفي سياق متصل يعاني قطاع البناء في ألمانيا ايضاً من نقص في الاخشاب والحديد الصلب ومواد العزل، وقد تفاقم النقص المتزايد في مواد البناء في شهر مايو، اذ وبحسب مسح أجراه معهد Ifo، أفادت 43.9 في المئة من الشركات العاملة في مجال تشييد المباني أنها واجهت مشاكل في شراء مواد البناء في الوقت المحدد، وتمثل هذه النسبة من الشركات ضعف ما كان عليه في أبريل تقريباً، عندما اشتكت 23.9 في المئة فقط من شركات القطاع من مثل هذه المشاكل. وقال Felix Leiss الخبير في المعهد ان ” المزيد والمزيد من الشركات قلقة بشأن اختناقات استلام وشراء المواد الاولية”. مؤكداً ان “أسعار الأخشاب ارتفعت بشكل كبير جدا في الأشهر القليلة الماضية، كما أصبح الفولاذ أكثر تكلفة بكثير، بالإضافة الى وجود نقص في المواد العازلة ومختلف أنواع البلاستيك”.

     ولا تشتكي صناعة البناء فقط من نقص المواد، بل إن صناعة الأثاث تُبلّغ الآن أيضاً عن اختناقات في توافر المواد الأولية اللازمة للصناعة، حيث تشعر العديد من الشركات بقيود كبيرة على الإنتاج، خصوصا مع النقص المتزايد في المنتجات الوسيطة من الالواح الخشبية إلى رغوة التنجيد. وذكر اتحاد صناعة الأثاث الألماني (VDM) ان نقص المواد الأولية تسبب في “تقييد الإنتاج في حوالي نصف الشركات العاملة في الصناعة”.

     ونشأت مشكلة نقص المواد الأولية بسبب خفض النشاط الاقتصادي في الكثير من القطاعات الصناعية بسبب ازمة كورونا العام 2020م، وكذلك خفض الطلب على السيارات، فيما زاد الطلب على الإلكترونيات الترفيهية، مثل وحدات التحكم في الألعاب أو أجهزة التلفزيون، بشكل كبير. وبعد استعادة الاقتصاد في العالم وفي ألمانيا لنشاطه وعودة الإنتاج الى مستويات قريبة لمستوياته قبل الازمة، ارتفع الطلب بشكل كبير على اشباه الموصلات وعلى مختلف المواد الأولية مما تسبب في قلة توافر هذه المواد وتأخر وصولها. هذا الى جانب احتكار تصنيع اشباه الموصلات وقلة عدد الدول المنتجة لها، حيث تمتلك تايوان وحدها ثلثي القدرة العالمية لتصنيع الرقائق والمعالجات، وتعتبر شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية ” TSMC”، الشركة الأكبر عالميا في هذا المجال.

     ولحل مشكلة توافر اشباه الموصلات وكسر احتكار تصنيعها من قبل عدد محدود من المنتجين تعمل المانيا، بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام، على تطوير صناعة أشباه الموصلات داخليا، عبر إقامة تحالفات من الشركات الأوروبية في نموذج مشابه للتحالف الذي دعمة الاتحاد الأوروبي لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية داخل الاتحاد، حيث يظهر الآن أيضاً تحالف لتصنيع أشباه الموصلات على مستوى أوروبا. ويعد السوق الداخلي للاتحاد الأوروبي هو القوة الدافعة وراء المشروع. حيث وضعت المفوضية الأوروبية هدفا لنفسه يتمثل في مضاعفة حصة الشركات الأوروبية في إنتاج أشباه الموصلات من عشرة إلى 20 في المئة بحلول عام 2030م. ويركز التحالف بشكل خاص على انتاج رقائق النانومتر فائقة النحافة، والتي يتم تصنيعها حالياً من قبل شركات آسيوية وأمريكية فقط.

     في ألمانيا افتتحت شركة Bosch للتكنولوجيا وصناعة أجزاء السيارات مصنعها الجديد لتصنيع اشباه الموصلات عالية التقنية في دريسدن، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من وضع حجر الأساس، ومن المقرر البدء الكامل للإنتاج في نهاية عام 2021م، مع توقع بيع الشرائح الأولى في منتصف عام 2022م. وقد استثمرت الشركة نحو مليار يورو في انشاء المصنع كما تلقت دعما من الحكومة الاتحادية بنحو 140 مليون يورو. وتعد هذه الخطوة جزء من الاستراتيجية الألمانية لتوطين صناعة اشباه الموصلات وتطويرها وإعادة تشكيل سلسلة التوريد لتجنب الاختناقات او النقص في المواد الأولية اللازمة لاستمرار الصناعة في الإنتاج.

قمة مجموعة السبع تقر فرض ضرائب عالمية

     خلال قمة الدول السبع الصناعية الكبرى (G7) في بريطانيا أوائل شهر يونيو اتفق وزراء مالية هذه الدول والتي تضم الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، إيطاليا واليابان على فرض ضريبة عالمية على الشركات العابرة للقارات بنسبة 15 في المئة على الأقل، ووصفت هذه الدول الاتفاق بأنه “تاريخي” كونه يعمل على توزيع العائدات الضريبية من الشركات المتعددة الجنسيات، خصوصا شركات التكنولوجيا العملاقة بصورة أفضل وأكثر عدالة. من جهته وصف وزير المالية الألماني أولاف شولتز الاتفاق بانه “ثورة ضريبية”، كما وصف وزير المالية البريطاني ريشي سوناك الاتفاقية بأنها “تاريخية”، وأكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أنها “خطوة غير مسبوقة”.

     ومن اجل ان تصبح الاتفاقية سارية المفعول فإنها تنتظر خطوتين أساسيتين، أولهما موافقة قمة مجموعة العشرين، التي تضم اهم 20 دولة صناعية وناشئة في العالم، والتي ستعقد في شهر يوليو في البندقية على الاتفاقية. وإذا ما كان إقرار الاتفاقية متوقعا خلال القمة الا ان اراء دول أساسية مثل الصين وروسيا والبرازيل ما تزال غير معروفة تماما. يلي اقرار الاتفاقية من المجموعة موافقة   جميع الدول المنضمّة الى مشروع “مكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح BEPS” والبالغ عددها 139 دولة، تحت مظلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

     تهدف الضريبة العالمية الى إلزام الشركات بدفع الضرائب في الدول التي حققت فيها الأرباح، اذ يجب ألا تخضع الشركات للضريبة في المستقبل فقط في أماكن وجود مقراتها الرئيسية، ولكن في كل مكان تبيع فيه سلعها أو خدماتها. ويعني هذا بعبارة أخرى مكافحة الملاذات الضريبية والتي تتمثل في عدد من الدول التي تفرض ضرائب منخفضة او حتى لا تفرض ضرائب بالمطلق على الشركات العالمية التي تتخذ منها مقرا رئيسيا، وبالتالي تتمكن الشركات العملاقة من تحويل أرباحها من الدول التي تحقق فيها هذه الأرباح الى الملاذات الضريبية التي يقع فيها مقرها.

     وهنا تخشى عدد من الدول، التي تقدم ضرائب مخفضة، خسارة عائدات كبيرة بسبب إقرار الحد الأدنى من الضريبة العالمية، اذ تخشى إيرلندا من حدوث نقص كبير في الإيرادات، حيث تدفع الشركات هناك ضريبة بنسبة 12.5 في المئة فقط، ولهذا السبب يقع المقر الرئيسي لشركتي Apple وGoogle في أوروبا في ايرلندا. يمكن نظرياً أن يدفع الحد الأدنى البالغ 15 في المئة المزيد من الأموال في خزائن الدولة الأيرلندية، ولكن ما إذا كان عمالقة التكنولوجيا سيستمرون بعد ذلك في الاستقرار في الجزيرة الخضراء أمر مشكوك فيه، ولا يتوقع وزير المالية الأيرلندي باسشال دونوهو هذا بل يتوقع خسائر سنوية تصل إلى 2.4 مليار يورو لبلده.  تثير الاتفاقية القلق في سويسرا أيضاً، حيث يوجد المقر الرئيسي لحوالي 100 شركة كبيرة، خصوصاً ان بعض الكانتونات تفرض ضرائب على الشركات تبلغ حوالي 10 في المئة فقط، خاصة في كانتونات أبنزل وزوغ وفي العاصمة برن.

     في سياق متصل يختلف الخبراء في تقدير الطرف الأكثر ربحا من الحد الأدنى للضرائب العالمية، وان كانت الولايات المتحدة الامريكية تمثل الرابح الأكبر باعتبار ان اغلب الشركات العملاقة هي شركات أمريكية وتعد الولايات المتحدة مجال عملها ونشاطها الأكبر.  الا ان استفادة دول كبرى أخرى من هذه الاتفاقية ما يزال مجال بحث، فعلى سبيل المثال، لا يتوقع الخبراء استفادة الخزينة الألمانية من عائدات ضخمة من هذه الضريبة العالمية، حيث يشير Clemens Fuest رئيس معهد ifo الى ان خسائر المانيا من تحويل أرباح الشركات العالمية تصل الى 5,7 مليار يورو سنويا بينما وبعد الاتفاقية لن يدخل الى الخزينة الألمانية الا اقل من ملياري يورو.

     كذلك يمكن ان تكون للاتفاقية عواقب أخرى، فبالنسبة الى ألمانيا الذي يعتمد اقتصادها على التصدير والتي، على سبيل المثال، يبيع مصنعو السيارات فيها جزءاً كبيرا من منتجاتهم في الولايات المتحدة الامريكية والصين لكنهم يدفعون ضرائبهم حالياً بشكل أساسي في ألمانيا، فانه وبحسب Fuest “إذا تم تحويل الحقوق الضريبية إلى دول المبيعات في المستقبل، فقد تفقد ألمانيا عائداتها الضريبية”.

 واعتمادا على نفس المنطق فانه من المشكوك فيه ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكسب بالفعل 50 مليار يورو سنوياً نتيجة للإصلاح الضريبي العالمي، كما كانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت في وقت سابق.

     من جانبها تلقت الشركات العملاقة الاتفاقية بقليل من القلق والانزعاج، حيث قال متحدث باسم شركة أمازون العملاقة للشحن عبر الإنترنت إن اتفاقية مجموعة السبع “خطوة مرحب بها” ستساعد على استقرار النظام الضريبي الدولي. ويرجع هذا الارتياح من قبل الشركات العملاقة الى عدة أسباب، منها انها كانت تتوقع ان يتم فرض ضريبة اعلى لا تقل عن 20 في المئة، كما وعد الرئيس الأمريكي جون بايدن خلال حملته الانتخابية، كما ان ضريبة 15 في المئة قريبة من نسبة الضريبة في العديد من الملاذات الضريبية مثل إيرلندا أو سويسرا أو سنغافورة. يضاف الى ذلك الى ان فرض ضريبة عالمية كان امرا متوقعا جدا خصوصا مع الانتقادات المتزايدة للعديد من الدول بخصوص عدم دفع الشركات العملاقة عابرة الجنسيات لضرائب عن أرباحها والضغوط المتزايدة التي كانت تمارسها على هذه الشركات، الى جانب بدء العديد من الدول في فرض ضرائب على عدد من الشركات التكنولوجية العملاقة، كما حصل مؤخرا من اجبار استراليا منصة فيسبوك على دفع ضرائب على الإعلانات التي تنشرها.