أبدى الخبراء والاقتصاديون الألمان مؤخراً تفاؤلا كبيراً بالعام 2018م وبمعدلات النمو التي سيُحققها على أكثر من صعيد، ليس فقط في البلاد، بل وأيضاً في دول الاتحاد الأوروبي والعالم. وحقق مؤشر معهد Ifo لبحوث الاقتصاد الألماني في ميونيخ الخاص بالأعمال الجارية للشركات الألمانية رقماً قياسياً في نهاية شهر يناير الماضي بعد ارتفاعه من جديد من 117,2 إلى 117,6 نقطة، الأمر الذي فاجأ خبراء الاقتصاد الذين انتظروا تراجعاً طفيفاً فيه إلى 117,1 في المئة. وأكد Clemens Fuest، رئيس المعهد الذي يستفتي شهرياً سبعة آلاف شركة في البلاد، أن الاقتصاد الألماني “ينطلق بنبض قوي في هذه السنة الجديدة”، مُشيراً إلى أن مسؤولي الشركات “يقدّرون بأن الوضع الحالي لأعمالهم أفضل من أي وقت مضى، إلا أن التوقعات للأشهر الستة القادمة هي أقل مما كان يعتقد”. مع ذلك ينتظر خبراء المعهد أن يُحقق الاقتصاد الألماني في نهاية سنة 2018م الحالية معدل نمو من 2,6 في المئة. ومعروف أن معدل النمو في نهاية سنة 2017م بلغ 2,2 في المئة.

وأضاف رئيس المعهد أن المصدّرين الألمان يستفيدون من تعزز وضع التجارة الدولية، وهو ما يفسّر سبب زيادة العديد من الشركات الألمانية لإستثماراتها، ورأى أن عامل الاستهلاك الشخصي للألمان سيبقى، بفضل العدد المتزايد للعمالة هذا العام أيضاً، دعامة لإستمرار النمو في البلاد. ولفت في هذا المجال إلى أن مؤسسة بحوث الإستهلاك ذكرت أنها تنتظر ارتفاع الاستهلاك في البلاد بنسبة 0,2 نقطة في نهاية شهر فبراير الجاري، ليصبح المجموع 11 نقطة، وهو رقم قياسي أيضاً في مجال الاستهلاك تمّ تسجيل مثله لآخر مرة في شهر أكتوبر من العام 2001م. ويُعتبر الخبراء والاقتصاديين معهد “إيفو” مؤسسة مجرّبة وموثوقة، وبإستثناء بعض التراجعات القليلة يُحقق مؤشره الشهري منذ ثلاث سنوات صعوداً مُستمراً.

وبدوره أظهر مؤشر معهد البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW في مانهايم الذي يستطلع شهرياً نحو 350 خبيراً ومدير أعمال في دول أوروبية عدّة، تفاؤلاً واضحاً في سير الاقتصاد الألماني في العام 2018م بعد فترة حذر سادته في أواخر السنة 2017م وانقشعت على الأثر بسرعة. وارتفع مؤشر النمو في المعهد عن شهر يناير الماضي من 17,4 إلى 20,4 نقطة، فيما كان يُنتظر تحسُناً طفيفاً فيه. مع ذلك لا يزال أقل من أعلى نتيجة سبق وسجّلها المؤشر قبل عقدين من الزمن وبلغت 23,7 نقطة. كما تحسّن مؤشر الأعمال الحالية ليصل إلى 95,2 نقطة. وقال رئيس المعهد Achim Wambach إن نتائج الاستطلاع الشهري في يناير أظهر وجود نظرة تفاؤلية إلى النصف الأول من العام الجاري، بل هي الأفضل منذ بدء الاستطلاعات في شهر ديسمبر 1991. وأضاف أن عامل الاستهلاك الخاص في البلاد “الذي كان أهم محرك للنمو في الأعوام الماضية سيستمر خلال الأشهر الستة الأولى” من السنة الجارية. كما أظهر الاستطلاع أن الجوانب الأخرى المحيطة بالاستهلاك تتطور بشكل أفضل من أوخر عام 2017م.

وفي الوقت ذاته رصد المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد DIW في برلين، استمرار نمو الاقتصاد الألماني ووصوله إلى أعلى مستوى منذ سبعة أعوام، وهو ما عكسه مؤشره المتوقع للربع الأول من هذا العام، أي 118 نقطة بزيادة أربع نقاط تقريباً عن الربع الأخير من العام 2017م. وبذلك يتجاوز المؤشر بمسافة كبيرة عن حده الأقصى المحدد بـ 100 نقطة. واعتماداً على ذلك توقع المعهد أن يسجل الاقتصاد الألماني في الربع الأول من العام 2018م نمواً من 0,7 في المئة بعد 0,6 في المئة في الربع الأخير من 2017م. ومع ذلك رأى كبير خبراء المعهد Ferdinand Fichtner أن الانتعاش “يسير حالياً بأعلى طاقته، لكنه لن يبقى مستقبلاً على هذه الوتيرة”. وأضاف أن ألمانيا تستفيد من وجود انتعاش عالمي وصل إلى أوروبا ودول منطقة اليورو، إلا أنه لن يستمر بهذه القوة مع هبوط قيمة الدولار وعملات أخرى إزاء اليورو، مما سيؤدي إلى تراجع الطلبيات على الشركات الألمانية من الخارج.

ألمانيا: رغم ارتفاع البطالة الموسمية إلا أنها ما تزال منخفضة

أعلن Detlef Scheele رئيس وكالة العمل الاتحادية BA أن سوق العمالة في ألمانيا بدأ انطلاقة جيدة جداً في مطلع عام 2018م على الرغم من التراجع التقليدي في عدد العاطلين عن العمل في فصل الشتاء من كل سنة. وقال إن من الصحيح أن البطالة ارتفعت في شهر يناير الماضي، لكن أقل مما كان يُسجل في الشهر ذاته في السنوات الماضية. وأضاف أن عدد العاطلين بلغ 2,570 مليون، بزيادة 185 ألف شخص عن شهر ديسمبر 2017م، لكن بأقل من 207 آلاف شخص عن شهر يناير من العام 2017. وبذلك ارتفع معدل البطالة في البلاد الآن من 5,3 إلى 5,8 في المئة. وقال رئيس الوكالة “إن الطلب على اليد العاملة الماهرة لا يزال عالياً”، مشيراً إلى أن عدد أمكنة العمل الشاغرة في الشركات الألمانية بلغ في يناير أكثر من 736 ألفاً، بزيادة أكثر من 89 ألف شخص. وفي موضوع البطالة حصل 823 ألف عامل عاطل مسجل في الوكالة، على علاوة بطالة، والعدد هذا أقل بـ 67 ألف شخص من العام السابق.

ووجد معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية WSI القريب من النقابات العمالية أن من الصحيح أن أجور العاملين في البلاد ارتفعت العام 2017م، إلا أن هذه الزيادة لم تكن كبيرة، كما أن التضخّم إستهلكها ولم يبقي منها سوى 0,6 في المئة في الجيوب، علماً أن ثمة تفاوت كبير في هذه المسألة بحسب قطاعات العمل. وذكر المعهد في دراسة أخرى أن نحو 2,7 ملايين عامل حصل عام 2016م على أجر يقل عن الحد الأدنى الرسمي المحدد بـ 8,5 يورو للساعة الواحدة. وأنهى عمال قطاع المعادن والالكترونيات البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين شخص إضرابهم الكبير عن العمل مطلع شهر فبراير الجاري بعد أن إنتزعوا مُعظم مطالبهم الأساسية، مثل الحق في خفض ساعات عملهم من 35 إلى 28 ساعة أسبوعياً، ويعتبر هذا نموذج لأول تحوّل نوعي وجديد في سوق العمل من الممكن أن ينتقل بسرعة إلى قطاعات عمالية أخرى في البلاد وخارجها. وسيحصل عمال القطاع على زيادة في الأجور بمعدل 4,3 في المئة ابتداء من أول شهر أبريل 2018م، وكذلك على 27,5 في المئة من راتبهم الشهري مرة في كل سنة في شهر يوليو.

وإذا كان معدل العاطلين عن العمل في ألمانيا أقل من 6 في المئة حالياً، والبطالة فيها في تراجع مستمر، فإن البطالة في القارة الأوروبية في تراجع ملحوظ أيضاً، بل ومعدلها الحالي هو الأقل منذ عشر سنين بعد أندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة وأوروبا. وذكرت دراسة وضعتها منظمة العمل الدولية ILO في جنيف أن البطالة في شمال وغرب وجنوب أوروبا انخفضت في عام 2017م من 9,2 إلى 8,5 في المئة. وتوقعت الدراسة استمرار الانخفاض فيها إلى معدل 8,1 في المئة هذه السنة وإلى 7,8 في المئة في عام 2019م. وأضافت أن عدد العاملين على المستوى العالمي ارتفع أيضاً، ولكن بما أن عدداً متزايداً من الشباب يدخلون سوق العمل في الوقت ذاته، ارتفعت نسبة البطالة الاجمالية بصورة طفيفة وبلغت في نهاية العام المنصرم 192 مليون شخص. وتابعت الدراسة تقول إن نحو 1,4 مليار شخص يعملون بصورة جزئية، وأن هذا النوع من العمل يشمل ثلاثة أرباع العاملين في الدول النامية ويبقون لهذا السبب في فقر مُدقع.

وتوقعت منظمة العمل الدولية أن تتمتع كل من إسبانيا واليونان هذا العام بإنفراج وهبوط معدل البطالة في إسبانيا إلى 15,4 في المئة، وفي اليونان إلى 19,5 في المئة.

برنامج الحكومة المقبلة يركز على تحسين أوضاع المواطنين

بعد مخاض استمر نحو أربعة أشهر، تخلله فشل أحزاب “تحالف جامايكا” الأربعة في تشكيل حكومة مشتركة، تمكّن الائتلاف المسيحي بزعامة المستشارة الألمانية Angela Merkel من الاتفاق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة Martin Schulz، في 7 فبراير الجاري، على تفاصيل برنامج حكومة التحالف الكبير الجديدة، وعلى الحقائب الوزارية لكل حزب من الأحزاب الثلاثة. وإن لم يكن مفاجئاً اختيار مركل لمنصب المستشارة للمرة الرابعة على التوالي في حياتها السياسية، جاءت المفاجأة في انتزاع الحزب الاشتراكي هذه المرة حقيبة المال من المسيحيين للمرة الأولى منذ نهاية عام 2005م الذي انتهى فيه حكم المستشار الاشتراكي Gerhard Schröder مع حزب الخضر. ومع حصول الاشتراكيين على وزارة المال جرى إرسال رسالة إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى الرئيس الفرنسي Emanuel Macron، بأن سياسة التقشف المالي التي اتبعها وزير المال المسيحي المتشددWolfgang Schäuble ، انتهت.

وبغض النظر عن استقالة شولتز من مناصبه على خلفية خلاف داخلي، وترشيحه رئيسة الكتلة النيابية للحزب Andrea Nahles لتخلفه في رئاسة الحزب حصل الحزب الاشتراكي على ست حقائب هامة هي وزارات المال، الخارجية، العمل، العائلات، العدل والبيئة، فيما حصل الحزب المسيحي الديمقراطي على منصب المستشار ووزارات الدفاع، الاقتصاد (كانت في يد الاشتراكيين)، الزراعة، الصحة والتعليم. أما الحزب المسيحي الاجتماعي الصغير فحصل على وزارة الداخلية التي كانت في يد المسيحيين الديمقراطيين، وعلى وزارتي المواصلات والتعاون الإنمائي. وذُكر أن رئيس الحزب Sehhofer Horst سيكون وزير الداخلية الاتحادي الجديد ويتخلى عن منصبه في بافاريا. مع ذلك لن تتشكل حكومة المستشارة مركل إلا بعد عقد مؤتمر للحزب المسيحي في 26 فبراير الجاري، وتصويت أكثر من 460 ألف عضو في الحزب الاشتراكي إيجاباً أو سلباً على برنامج الحكومة المزمع تشكيلهاعلى أن تعلن النتيجة الملزمة مطلع شهر  مارس المقبل. ويمارس جناح اليسار في الحزب معارضة قوية لأي تحالف جديد مع مركل.

ومن استعراض لأهم نقاط البرنامج الحكومي المقبل يمكن للمرء رصد تعديلات عدة نتجت عن ممارسة ضغط اشتراكي قوي في المجالات المالية والاجتماعية والصحية، كما في التعليم والبيئة، أبرزها:

  • سوق العمل: يحصل العاملون في البلاد على حق العودة عن العمل الجزئي إلى العمل الكلي في شركاتهم التي تشغل أكثر من 45 عاملاً. وسينخفض الاشتراك الشهري في صندوق الحماية من البطالة للعاملين بنسبة 0,3 في المئة من معاشاتهم. وسيُسنّ قانون يمنع أرباب العمل من مواصلة تشغيل عمال مؤقتين دون عقد عمل.
  • العائلات: زيادة علاوة أطفال العائلات بمقدار 25 يورو شهرياً، وكذلك قيمة الأعفاء من الضرائب العامة عن كل طفل، وتخصيص علاوة إضافية لأطفال العائلات المحتاجة.
  • الرعاية الصحية: تقرر إعادة المناصفة في اشتراكات الضمان الصحي بين العمال وأرباب العمل، وتأمين ثمانية آلاف وظيفة جديدة لرعاية المرضى. والسعي للتقريب بين تسعيرات أطباء صندوقي الضمان الصحي العام والخاص لإزالة الغبن.
  • التقاعد: التأكيد على أن المعاش التقاعدي لن ينخفض عن 48 في المئة من آخر معاش يُقبض، وذلك حتى عام 2025، وزيادة 10 في المئة على المعاش التقاعدي لكل من يعمل لمدة 35 سنة.
  • التعليم: تعزيز سلّة التعليم والرقمنة والبحوث في البلاد بـ 6 مليارات يورو بهدف رفع المستوى التعليمي.
  • السكن: تخصيص ملياري يورو لبناء مساكن شعبية، ومليارين آخرين تدفع كعلاوات بناء لأطفال العائلات التي تبني بمقدار 1200 يورو سنوياً عن كل طفل ولمدة عشر سنين.
  • البيئة: التمسك بأهداف حماية البيئة والمناخ، ورفع نسبة الطاقة البديلة من مجمل الطاقة المنتجة في البلاد إلى 67 في المئة حتى عام 2030.
  • الأمن الداخلي: تأمين 7500 وظيفة جديدة لتعزيز القوى الأمنية في البلاد، وألفي وظيفة جديدة في قطاع القضاء.

خبراء ألمان وفرنسيون: منطقة اليورو تحتاج إلى تغيير جذري

دعا فريق مشترك من خبراء اقتصاد ألمان وفرنسيين مشهورين، سياسيي أوروبا إلى ادخال تغييرات جذرية على منطقة اليورو التي تضم 19 دولة لجعلها أكثر صموداً في وجه الأزمات والتحديات المستقبلية. ويتشكل فريق الخبراء من عدد من الاقتصاديين المعروفين مثل رئيس معهد Ifo في ميونيخ Clemens Fuest، وهو ليبرالي، ورئيس معهد DIW في برلين Marcel Fratzscher القريب من الحزب الاشتراكي. وطالب الفريق، في ورقة أصدرها في منتصف شهر يناير الماضي المسؤولين الأوروبيين بتأمين رقابة على عمل وزراء المال في الدول الأعضاء، وقدّم مجموعة من الاقتراحات لإجراء إصلاحات جذرية في دول منطقة اليورو. ولفت الفريق “إلى أن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) ما تزال تعاني من وهن كبير، كما أن وضعها المؤسساتي والمالي لا يزال مهتزاً” على حد تعبيرهم.

وشددت الورقة المشتركة “على أهمية تنفيذ تعديلات جوهرية على قواعد اتفاق ماستريخت الحالي”. وتابعت “أن طريقة التعامل مع الدول الأعضاء المديونة أكثر من اللازم في منطقة اليورو، مُعقدة جداً”. وبعد أن لفتت “إلى أن اقتصاد أوروبا يحقق نمواً جيداً” شددت “على ضرورة عدم إهمال هياكله”، وكذلك على “أهمية تبديل قواعد الديون المعتمدة بنظام مبسّط” من خلال تأسيس صندوق انقاذ مالي خاص، على أن تدفع الدول المتلقية للدعم منه اشتراكات أعلى فيه من الدول غير المُتلقّية للدعم.

ونصح الفريق المشترك مسؤولي أوروبا بتأسيس مؤسسات أوروبية مستقلة لتأمين الرقابة على المؤسسات المالية والاقتصادية الوطنية في كل دولة من دول منطقة اليورو. وبحسب “اتفاق ماستريخت” لا يُسمح للدولة العضو بتسجيل دين جديد في الموازنة السنوية العامة يتجاوز معدل ثلاثة في المئة من الناتج القومي السنوي. ويمكن للمفوضية الأوروبية فرض عقوبات مالية على كل بلد يتجاوز الحدّ المقرر، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل حتى الآن رغم تجاوز عدد غير قليل من الدول الأعضاء حاجز الثلاثة في المئة بينها ألمانيا وفرنسا بصورة خاصة.

ونصح الموقعون على الورقة المسؤولين الأوروبيين بالابقاء على “صندوق الإنقاذ الأوروبي” ESM صاحب القرار الأول والأخير في ما يتعلق بمنح القروض في أوقات الأزمات. يُذكر أن “صندوق النقد الدولي” IWF يتشارك مع صندوق الإنقاذ في أزمة اليونان. وطالبوا بإلزام صندوق الإنقاذ بتقديم تقارير عن أوضاع الدول المتأزمة أمام لجنة نيابية مختصة في البرلمان الأوروبي يعرض فيها برامج المساعدات المقدمة وأسبابها. وطالبت الورقة أيضاً بأن تتوقف التبعية المالية القائمة بين الدول والمصارف، ودعت إلى انشاء صندوق تُجمع فيه السندات الحكومية الحاملة للمخاطر والعمل على تخليصها منها. وكانت المفوضية الأوروبية اقترحت قبل سنوات إقامة نظام لإئتمانات المصارف، لكن المشروع فشل بسبب مقاومة ألمانيا له. ومؤخراً وجّه ديوان المحاسبات الأوروبي إنتقاده إلى مؤسسة الرقابة على المصارف التي يشرف عليها البنك المركزي الأوروبي، وشكك في فعاليتها.

بريطانيا وماي تواجهان مصاعب داخلية وخارجية بسبب بريكزت

تواجه رئيسة الحكومة البريطانية Theresa May مصاعب داخلية وخارجية جمّة بسبب عدم وضوح خطواتها الخاصة بقرار “بريكزت”، ومطالبة منتقديها باستقالتها كونها “مترددة”. لكن ماي ردت بأنها “غير انهزامية”، وأن أمامها “مهمة طويلة الأجل تسعى لإنجازها، وهي إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي وتحقيق إصلاح داخلي”. وأضافت أنها تسعى للتوصل “إلى أفضل اتفاق لخروج بريطانيا، واستعادة السيطرة على أموالنا وقوانيننا وحدودنا، وضمان قدرتنا على توقيع اتفاقات تجارية في باقي أنحاء العالم، وتحديد أجندتنا الداخلية”. وتتعرض الحكومة البريطانية حالياً لضغوط شديدة كي تنشر آخر تحليلاتها حول “بريكزت” بعد تسريب تقرير داخلي ذكر “أن لندن ستكون في وضع أسوأ أياً كان الاتفاق الذي ستتوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي”.

ويُظهر التقرير الذي أعِّد لوزارة «بريكزت» في شهر يناير الماضي أن معدل النمو الاقتصادي السنوي في البلاد سيكون على مدى الـ 15 سنة المقبلة أدنى من الآن تبعاً لسيناريوهات ثلاثة جرى وضعها. وحضّ حزب العمال البريطاني الحكومة على نشر التقرير بالكامل “كي يرى المشرّعون والمواطنون بأنفسهم التأثير الذي سيكون للخروج، وأن يحكموا ما إذا كان هذا الشيء جيد لبلادنا”. وأوردت صحيفة The Guardian أن نواباً من حزب المحافظين سيحاولون إطاحة ماي من زعامة الحزب ورئاسة الوزراء. واتهمها نواب يستعجلون الخروج من الاتحاد الأوروبي “بالسعي إلى الحفاظ على العلاقات مع بروكسل من خلال السوق المشتركة، والعمل للخروج من الاتحاد رمزياً فقط”. ويتطلب طلب الإطاحة توقيع 15 في المئة من نواب الحزب، أي 48 نائباً، على عريضةً لنزع الثقة تطرح على التصويت في مجلس العموم. وأوردت صحيفة The Sun أن 40 نائباً وقعوا العريضة حتى الآن، وأن 7 على استعداد للتوقيع. وكانت ماي نجت من محاولة انقلاب على زعامتها، بعد انتخابات نيابية مبكرة دعت إليها وأسفرت عن خسارة حزب المحافظين الغالبية، ما اضطرها إلى التحالف مع النواب الإرلنديين لتأمين أكثرية بسيطة في البرلمان.

ورفض ناطق باسمها تصريحات وزير الخزانة Philip Hammond التي أعلن فيها أخيراً أن الخروج من الاتحاد “سيكون براغماتياً بسيطاً”، مضيفا”: “نريد شراكة اقتصادية خاصة مع الاتحاد، ولا يمكن وصف ذلك بالأمر البسيط”. ووقّع هامّوند مع وزيرين آخرين رسالة موحدة لطمأنة الشركات، مؤكدين أن العلاقات مع بروكسل “ستبقى كما هي في المرحلة الانتقالية التي تستمر سنتين، فيما يطالب مسؤولون بأن تُرفع الفترة إلى خمس سنوات”. وتقول لندن بأنها واثقة “من إمكان التوصل إلى اتفاق سياسي خلال اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي المقرر عقده في شهر مارس المقبل لتأمين المرحلة الانتقالية. وتأمل بأن تتمكّن حكومتها من دخول اتفاقات تجارية مع دول أخرى أثناء هذه المرحلة”. وأظهر استطلاع أخير أن معظم البريطانيين يؤيّدون تنظيم استفتاء ثانٍ على “بريكزيت” في حال إعلان الشروط النهائية للخروج. ولفت الاستطلاع إلى صعوبة التكهن بالنتيجة. ويرى مراقبون أوروبيون أن بريطانيا ستخسر بعد خروجها بصورة آلية التعامل مع نحو 750 اتفاق وقعه الاتحاد الأوروبي على المستوى الدولي، الأمر الذي سيضع ماي ومؤيديها الذين لم يفكروا بأبعاد خطوتهم هذه أمام مصاعب جمّة. ومن ضمن هذا العدد اتفاقات تجارية حرة مع 65 دولة تشكل 12 في المئة من التجارة البريطانية مع الخارج. وفي الوقت الذي سيكون ممنوعاً على بريطانيا دخول أسواق هذه الدول، سيكون بإمكان الأخيرة دخول السوق البريطانية. إضافة إلى ذلك فان إشهار Carillion ثاني أكبر شركة بناء في البلاد إفلاسها أخيراً رفع الضغط على حكومة ماي بعد تحميلها المسؤولية عن الإفلاس. ويتخوف 43 ألف عامل ومستخدم في الشركة، نصفهم تقريباً يعيش في بريطانيا، من خسارة وظائفهم.

وفي لهجة لا تنم عن توافق أعلن Michel Barnier أخيراً، وهو أبرز مفاوضي الاتحاد الأوروبي مع لندن، “أن المرحلة الانتقالية لم تُختتم بعد، وأن على المملكة المتحدة قبول كل القواعد والشروط، حتى نهاية المرحلة الانتقالية، وأن تقبل أيضاً بعواقب لا مفرّ منها، لقرارها مغادرة الاتحاد”. وأضاف أنه أبلغ نظيره البريطاني David Davis بـ “أن وقت اتخاذ القرار حان بالنسبة إلى لندن”. ولفت إلى وجود “خلافات جوهرية” مع بريطانيا أبرزها حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي فيها وحدود أوروبا مع إيرلندا الشمالية. ويأتي كل ذلك مع تصاعد ضغوط دول غير أوروبية على ماي، وآخرها تحذير اليابان “من أنها ستنقل شركاتها الإلكترونية ومصارفها ومصانع سياراتها من بريطانيا إذا وجدت أن الأمر لم يعد مربحاً، وفي حال عرقلت الاتفاقات مع بروكسيل حركتها في القارة”. وصدر التحذير عن سفير اليابان في لندن بعد لقائه ماي، إذ قال: “إذا لم تكن هناك ربحية في استمرار العمليات، لا يمكن لأي شركة خاصة، يابانية أو غير يابانية، مواصلة عملها. وعلينا جميعاً أخذ ذلك في الاعتبار”. وأشار إلى أن الشركات اليابانية مرتاحة إلى أعمالها في المملكة المتحدة، لكن قرار نقلها منها يتوقف على نتيجة المفاوضات مع بروكسل. ويعمل نحو 142 ألف موظف لدى 879 فرع لشركات يابانية في بريطانيا بينها “هوندا” و”نيسان”.