أعلنت الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا والتي تضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي، الاتفاق على تشكيل الحكومة الاتحادية وعلى برنامجها للحكم للسنوات الأربع القادمة. واتت الاتفاقية التي حملت عنوان “نحو مزيد من التقدم، التحالف من أجل الحرية والعدالة والاستدامة”. في 177 صفحة تضمنت السياسات المتفق عليها في اهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تتمثل أهمها في التالي:
الطاقة والمناخ، وضعت أحزاب الائتلاف أهدافًا طموحة لتوسيع الطاقات المتجددة من أجل إحراز تقدم في حماية المناخ وفي هذا الجانب تم إقرار الوصول بنسبة الطاقة الكهربائية المنتجة عبر مصادر الطاقة المتجددة الى 80 في المئة بحلول العام 2030م، وتبلغ هذه النسبة في الوقت الحاضر 50 في المئة تقريباً. ومن من أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن يتم احداث نمو قوي في عدد مزارع الرياح والأنظمة الكهروضوئية. كما سيتم تخصيص اثنين في المئة من مساحة الأرض لمزارع الرياح، اذ لا تتجاوز المساحة المسموح بها لإنشاء هذه المزارع 0.8 في المئة. ويجب تسريع إجراءات التخطيط والموافقة على انشاء مزارع الرياح بحيث يمكن تحقيق التوسع السريع في طاقة الرياح. كما تنص الاتفاقية على خفض اعباء ضريبة تمويل مصادر الطاقة المتجددة (EEG)، والتي يتحملها الى حد كبير مستهلكي الكهرباء، عبر تمويل هذه الضريبة بالكامل من ميزانية الحكومة الاتحادية بداية من العام 2023م. كما تضمنت وثيقة التحالف الاتفاق على بذل كل الجهود للنجاح في التخلص من طاقة الفحم بحلول العام 2030م.
المالية والميزانية، اقرت اتفاقية تشكيل الحكومة الاتحادية استثمارات ضخمة في حماية المناخ والرقمنة، دون تحديد قيمة هذه الاستثمارات بشكل دقيق. في الوقت نفسه، اتفقت احزاب الائتلاف على الالتزام بمبدأ كابح الديون المنصوص علية في الدستور بداية من العام 2023م، بعد انتهاء الاستثناءات التي تم إقرارها من البرلمان لتمويل إجراءات مكافحة كورونا خلال الأعوام 2021،2020 و2022م، ولم تنص الاتفاقية على اجراء اية زيادات في الضرائب او إقرار ضرائب جديدة. ولجئت احزاب الائتلاف الى تمويل هذه الاستثمارات من خلال المؤسسات والشركات التابعة للحكومة الاتحادية مثل بنك إعادة الاعمار KfW وشركة السكك الحديدية الألمانية DB والتي تستطيع الاقتراض لحسابها الخاص، واستخدام هذه الأموال في تمويل مشاريع الحكومة. كما انه من المقرر أن يصبح صندوق الطاقة والمناخ (EKF) صندوق استثمار يتم تمويله من فوائض ميزانيات الحكومة الاتحادية.
المعاشات التقاعدية والاجتماعية، سيتم رفع الحد الأدنى للأجور إلى اثني عشر يورو خلال العام 2022م، كما سيتم رفع حد رواتب الوظائف الصغيرة المعفية من الضرائب إلى 520 يورو والحد الأقصى للوظائف المتوسطة إلى 1600 يورو. كذلك الحد من الوظائف غير الدائمة والتقليل قدر الإمكان من عقود العمل المحددة بمدة زمنية، خصوصا تلك المبرمة في القطاع العام. اما بالنسبة لنظام التقاعد فقد اقر الائتلاف أن يظل مستوى المعاش التقاعدي مضمونا بنسبة 48 في المئة من اجمالي الراتب اثناء العمل، كذلك اكدت الاتفاقية على انه لا وجود نية لتغيير سن التقاعد. كذلك تشجيع صندوق التقاعد على استثمار أموال المتقاعدين في سوق رأس المال، ولهذا الغرض سيتم تحويل عشرة مليارات يورو الى مؤسسة تأمين التقاعد Deutsche Rentenversicherung.
الصحة والرعاية، سيقوم الائتلاف بتشكيل فريق أزمات دائم للتعامل مع جائحة كورونا. حيث تنص الاتفاقية على أن “التعامل مع جائحة كورونا هو أحد المهام المركزية للحكومة الجديدة”. كما اقرت الاتفاقية أن تكون هناك أجور أعلى وظروف عمل أفضل في مجال الرعاية الصحية، على سبيل المثال عن طريق جعل المكافئات معفاة من الضرائب، حيث سيتم زيادة الإعفاء الضريبي لمكافأة موظفي الرعاية إلى 3000 يورو. والتعهد بأجور أعلى لرعاية المسنين. وستوفر الحكومة الاتحادية مليار يورو كمنحة لموظفي الرعاية. كما ستدعم شركات التأمين الصحي الحكومي.
الرقمنة والابتكار، لم يتضمن الاتفاق أي إشارة الى انشاء وزارة متخصصة في الرقمنة، وان كانت أضيفت الى وزارة النقل، بدلا عن ذلك نصت الاتفاقية على إنشاء فرق متخصصة في الرقمنة تعمل بين الوزارات، كما تم إقرار ميزانية لدعم عمليات الرقمنة. ومن أجل تعزيز القوة الابتكارية، ترغب الحكومة القادمة أيضًا في إنشاء منحة بدء التشغيل لزيادة نسبة النساء في القطاع الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء وكالة جديدة للتحويل والابتكار (DATI) لتعزيز الابتكارات في الجامعات جنبًا إلى جنب مع الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. كما تم الاتفاق على رفع الانفاق على البحث والتطوير ليصل الى نسبة 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
البناء والإسكان، اقرت اتفاقية تشكيل الحكومة ان يتم انشاء وزارة جديدة باسم وزارة البناء لحل إشكالية عدم توافر مساكن كافية وذات ايجارات مناسبة لمتوسطي ومحدودي الدخل. ومع الوزارة الجديدة، يخطط الائتلاف الحاكم لبناء 400 ألف شقة سكنية كل عام، من بينها 100 ألف شقة مدعومة من الحكومة تخصص لما يسمى بالإسكان الاجتماعي. كما تم تمديد كابح الإيجارات الى العام 2029م، والذي يمن المؤجرين من رفع ايجاراتهم الا بعد فترة زمنية على ان لا يتجاوز هذا الرفع نسبة محددة.
البنية التحتية وحركة المرور، في اتفاقية تشكيل الحكومة تم النص على ان “ التنقل يعد مكونًا أساسيًا للخدمات ذات الاهتمام العام، وشرطًا أساسيًا لظروف معيشية متساوية وتعزيز القدرة التنافسية لألمانيا كموقع للأعمال والخدمات اللوجستية مع وظائف مناسبة للمستقبل. للقيام بذلك، سيتم توسيع وتحديث البنية التحتية ومواصلة تطوير إطار العمل لمجموعة واسعة من خيارات التنقل في المدينة والريف “. وسيكون ضمن خطة الائتلاف الجديد الاستثمار بكثافة في هذا القطاع، خصوصا الاستثمار في السكك الحديدية.
إضافة الى هذه القضايا اقرت أحزاب الائتلاف اصلاح قوانين انتخابات البرلمان عبر خفض سن الاقتراع من سن 18 عاما الى 16 عاما، على ان لايؤدي ذلك الى رفع عدد أعضاء البرلمان الاتحادي (البوندستاج)
الحكومة الجديدة، سيتم تشكيل الحكومة الاتحادية من 17 وزارة، أي: وزارة واحدة إضافية. وهي وزارة البناء. وسيحصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على منصب المستشار الذي سيشغله أولاف شولتز، الى جانب ست وزارات هي وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، وزارة الصحة، وزارة البناء، وزارة العمل والشئون الاجتماعية الى جانب وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية. وسيحصل حزب الخضر على منصب نائب المستشار، بالإضافة الى وزارات الخارجية، البيئة وحماية المستهلك، وزارة الاقتصاد وحماية المناخ، وزارة الاسرة والمرأة والشباب بالإضافة الى وزارة الأغذية والزراعة. بينما سيحصل الحزب الليبرالي الديمقراطي على وزارة المالية، الى جانب وزارات التعليم والبحث العلمي، العدل وكذلك وزارة النقل والرقمنة. وبالاتفاق على برنامج العمل الحكومي يتعين على الأحزاب الحصول على موافقة هيئاتها وأعضائها والتي من المتوقع ان تتم خلال الأسبوعين القادمين لتتسلم الحكومة الجديدة مهامها قبل اجازات أعياد الميلاد.
الاقتصاد الألماني: تراجع مناخ الأعمال وتباطؤ التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا
تراجع مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني، حيث انخفض مؤشر Ifo لمناخ الأعمال الصادر عن معهد الدراسات الاقتصادية في جامعة ميونخ خلال شهر نوفمبر إلى 96.5 نقطة، بعد ان كان عند مستوى 97.7 نقطة في أكتوبر. كما كانت الشركات أقل رضا عن وضع أعمالها الحالي، بالإضافة الى تراجع التفاؤل في مستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة نتيجة استمرار اختناقات التسليم والنقص في الرقائق الالكترونية وبعض المواد الأولية بالإضافة الى ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا واستمرار الموجة الرابعة من كورونا ومخاطر حصول موجة خامسة.
في قطاع الصناعة، انخفض المؤشر من مستوى 17.5 نقطة في شهر أكتوبر الى 16.5 نقطة في شهر نوفمبر. وقيمت الشركات العاملة في القطاع مستوى الأعمال اليومية بشكل أقل. من ناحية أخرى، تحسنت التوقعات إلى حد ما بمستوى الاعمال في الشهور القادمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى تطور صناعة السيارات. وما تزال اختناقات العرض للمنتجات الأولية والمواد الخام تؤثر على القطاع مما يدفع الغالبية العظمى من الشركات الصناعية للتخطيط لزيادة أسعار منتجاتها.
في قطاع الخدمات، تدهور مناخ الأعمال بشكل ملحوظ اذ تراجع المؤشر في هذا القطاع من 16.6 نقطة في أكتوبر الى 11.5 نقطة في نوفمبر. حيث كانت شركات القطاع اقل رضا عن مستوى اعمالها الحالي بالإضافة الى ذلك تأثر المؤشر بدرجة كبيرة بالتراجع الكبير في توقعات الاعمال للأشهر القادمة، وهو التراجع الأكبر منذ شهر نوفمبر العام 2020م. وهذا التراجع يعود بدرجة رئيسية الى الموجة الرابعة من كورونا وتزايد الإصابات بفيروس كورونا والتي اثرت بدرجة رئيسية على قطاع السياحة وقطاع الضيافة (المطاعم والفنادق).
كما انخفض المؤشر في قطاع التجارة خلال شهر نوفمبر الى 2.6 نقطة بعد ان كان عند مستوى 3.7 نقطة في أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من ان شركات القطاع صنفت مستوى اعمالها الحالي بشكل أفضل من الشهر السابق الا ان التشاؤم سيطر على توقعات الاعمال خصوصا ناحية استمرار مشاكل التسليم وصعوبات الشحن البحري والتوقعات بزيادة الاسعار في الأشهر المقبلة.
في صناعة البناء، تدهور مناخ الأعمال بشكل طفيف حيث تراجع المؤشر من 12.8 نقطة في أكتوبر الى 12 نقطة في نوفمبر. وعلى الرغم من تقييم شركات القطاع لمستوى الاعمال الحالي بشكل إيجابي الا ان التوقعات للأعمال في الشهور القادمة أصبحت أكثر تشاؤما بعد استمرت بالارتفاع في الأشهر القليلة الماضية.
في سياق متصل تحسن مناخ الاعمال للصادرات الألمانية، حيث ارتفع مؤشر Ifo لتوقعات التصدير في شهر نوفمبر إلى 15.8 نقطة صعودا من 13.1 نقطة في أكتوبر بعد ان كان قد سجل مستوى 20.6 نقطة في سبتمبر. وتتوقع شركات صناعة السيارات نموًا كبيرًا في الأعمال التجارية الدولية، والأمر نفسه ينطبق على الشركات المصنعة للمعدات الكهربائية. اما في شركات صناعة المعدات والآلات فقد انخفضت التوقعات إلى حد ما، لكنها لا تزال في مستوى جيد. كما يشعر مصنعو المواد الغذائية بتفاؤل حذر بشأن الحصول على طلبات تصدير إضافية. فيما تتوقع الشركات المصنعة للمطبوعات فقط انخفاضًا في الصادرات.
من جهة أخرى اظهر أحدث تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي، ان الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 1.8 في المئة في الربع الثالث من عام 2021م مقارنة بالربع الثاني من عام 2021م. وهو ما يعني استمرار تعافي الاقتصاد الألماني وذلك بعد أن نما الناتج المحلي الإجمالي بالفعل بنسبة 1.9 في المئة في الربع الثاني من عام 2021م. (النتيجة المعدلة وفقًا لآخر الحسابات). وفقًا للتقرير كان النمو في الربع الثالث من عام 2021م مدفوعًا بشكل أساسي بزيادة الإنفاق الاستهلاكي الخاص. وبهذا المستوى من النمو يكون الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث قد نما بنسبة 2.5 في المئة أعلى من نسبة النمو التي سجلها في الربع الثالث من العام 2020م. الا انه ما يزال اقل بنسبة 1.1 في المئة مقارنة بالربع الرابع من العام 2019م، وهو الربع الذي سبق بدء أزمة كورونا.
وفي نفس السياق يتوقع حكماء الاقتصاد الألماني نموًا اقتصاديًا ضعيفًا في ألمانيا هذا العام. حيث لا يُتوقع حدوث انتعاش قوي بعد الانهيار المرتبط بكورونا في الناتج الاقتصادي في عام 2020 حتى العام المقبل. ويشير التقرير الذي قدم للمستشارة انجيلا ميركل الى ان نمو الاقتصاد في المانيا خلال هذا العام لن يتجاوز نسبة 2.7 في المئة، بعد ان كانت التوقعات تشير الى نمو بنسبة 3.1 في المئة. وقد تراجعت نسب النمو لهذا العام نتيجة اختناقات التسليم والنقص في المواد الوسيطة والمواد الأولية الى جانب تزايد الإصابات بفيروس كورونا خلال الأشهر الأخيرة من العام. ويتوقع حكماء الاقتصاد انه إذا ما عاد الطلب على الخدمات والإنتاج الصناعي إلى طبيعته العام المقبل، فمن المفترض أن يستمر النمو الاقتصادي في الانتعاش وان يحقق الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2022م نموًا بنسبة 4.6 في المئة، على شرط حل ازمة الشحن البحري والنقص في المواد الاولية وتراجع الإصابات بفيروس كورونا.
في جانب ميزانية الدولة العامة، ووفقا لبيانات وزارة المالية الاتحادية ارتفعت إيرادات الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات إلى 541 مليار يورو في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي وبزيادة 9.1 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. اما في جانب التضخم فقد اظهر تقرير للبنك المركزي الألماني Deutsche Bundesbank أن التضخم في ألمانيا قد ارتفع خلال شهر نوفمبر الى مستوى سته في المئة تقريباً، خصوصا مع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي والنفط، وذلك في مواصلة لارتفاعه المستمر خلال العام الحالي بعد ان وصل الى مستوى 4.6 في المئة في شهر أكتوبر الماضي. ويتوقع البنك ان هذا المستوى العالي من التضخم لن يستمر خلال العام القادم، ويؤكد الخبراء ان معدل التضخم سوف ينخفض تدريجياً في الأشهر الأولى من العام المقبل، “لكن التضخم يمكن أن يظل فوق مستوى 3 في المئة لفترة طويلة.”
سوق العمل: استمرار انخفاض معدل البطالة و52 مليار يورو تكلفة مواجهة ازمة كورونا
اظهر التقرير الشهري الذي تصدره وكالة العمل الاتحادية (BA)، عن تطور سوق العمل في ألمانيا ان معدلات البطالة تتراجع وان عدد العاطلين عن العمل يتراجع، ووصف رئيس وكالة العمل Detlef Scheele التطورات الحالية في سوق العمل بالقول ” “إن تداعيات أزمة كورونا على سوق العمل لا تزال واضحة، لكنها تتضاءل “. وبحسب التقرير تراجع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال شهر أكتوبر بنحو 88 ألف شخص مقارنة بالشهر السابق ليصل اجمالي عدد العاطلين عن العمل الى 2.377 مليون شخص. ويمثل هذا العدد اقل بنحو 383 ألف شخص مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. كذلك انخفض معدل البطالة بنحو 0.2 نقطة مئوية ليصل معدل البطالة في ألمانيا خلال شهر أكتوبر الى 5.2 في المئة، أي أقل بمقدار 0.8 نقطة مئوية عن أكتوبر 2020م.
في مجال برنامج العمل بدوام مختصر، سجلت الشركات الألمانية خلال الفترة الممتدة ما بين 1 أكتوبر وحتى 24 منه حوالي 93 ألف موظف جديد في البرنامج، ووفقا لبيانات مكتب العمل الاتحادي يبلغ اجمالي عدد الموظفين والعمال المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر في شهر أكتوبر 760 ألف شخص. وكان عدد الموظفين المسجلين في البرنامج قد بلغ ذروته في شهر ابريل من العام 2020م عندما وصل الى سته مليون شخص.
في سياق متصل أعلنت وكالة العمل الاتحادية ان اجمالي نفقات الوكالة خلال ازمة كورونا في عامي 2020م-2021م قد بلغ 52 مليار يورو. وذهب جزء كبير من هذه النفقات الى تمويل برنامج العمل بدوام مختصر في سنوات الجائحة 2020م و2021م بحوالي 24 مليار يورو. وقالت Christiane Schönefeld,، عضو مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية، إن تكاليف الإعانات الاجتماعية وإعانات البطالة المرتبطة بالجائحة كانت كبيرة جداً. ومن أجل تمويل النفقات، تم استخدام احتياطي الوكالة البالغ حوالي 26 مليار يورو بالكامل تقريبًا، فيما قدمت الحكومة الاتحادية دعماً للوكالة لتمويل تداعيات كورونا بنحو 24 مليار يورو.
هذا وقد قدرت وكالة العمل الاتحادية ميزانياتها للعام القادم بنحو 38 مليار يورو فيما تتوقع إيرادات بحوالي 37 مليار يورو، ما يعني وجود عجز بنحو مليار يورو يًفترض بالحكومة الاتحادية ان تقدمة للوكالة على شكل دعم حكومي. وتتضمن ميزانية العام 2022م استثمارات في التدريب والتأهيل الإضافي بمبلغ 2 مليار يورو. سيذهب جزء من هذا المبلغ، ما يقرب من 900 مليون يورو، لتأهيل الموظفين والمشتغلين بغرض اعدادهم وتأهيل مهاراتهم وجعلها مناسبة للوظائف الجديدة التي تترافق مع تقنيات المعلومات والرقمنة والتي ستغير بشكل هيكلي سوق العمل. كما ستدعم الوكالة الشباب في الانتقال من الدراسة إلى سوق العمل بحوالي 1 مليار يورو، ويشمل هذا الدعم مساعدة الشباب على بدء الحياة المهنية، وتدابير التدريب المهني للشباب ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويعتمد توازن وصحة هذه الميزانية على عدم وجود اغلاق اقتصادي جديد، اذ سيؤدي أي اغلاق واسع الى مزيد من الانفاق، خصوصا على برنامج العمل بدوام مختصر، مما سيؤدي بالتالي الى توسيع عجز ميزانية الوكالة. وفي المعتاد يتم تمويل نفقات وكالة العمل الاتحادية بالكامل من خلال مساهمات التأمين على العمل التي يدفعها العاملون والموظفون، لكن جائحة كورونا تسببت في ارتفاع كبير في النفقات. وتأمل وكالة العمل في ان يعود مستوى انفاقها في العام القادم 2022م الى نفس المستوى الذي كان عليه قبل جائحة كورونا. كما يتوقع ان تعود ميزانية الوكالة الى تحقيق فائض بداية من العام 2023م، شريطة ان لا تتغير الظروف القائمة حالياً، أي استمرار تراجع معدل البطالة وازدياد التوظيف وتراجع تأثيرات جائحة كورونا.
عقبات في طريق المساواة الاقتصادية بين ولايات شرق وغرب ألمانيا
على الرغم من مرور أكثر من 30 عاما على الوحدة الألمانية ما تزال هناك فوارق اجتماعية واقتصادية بين الولايات الغربية الأكثر ثراءً والولايات الشرقية الأقل تطوراً اقتصادياً. وتثير هذه الفوارق، على الرغم من انه تم تقليصها بدرجة كبيرة، توترات اجتماعية وانتشار مشاعر الاستياء لدى سكان الولايات الشرقية. وتحاول الحكومات الاتحادية المتعاقبة اذابة هذه الفوارق ومعالجة أثارها، وفي هذا الإطار تضمن الاتفاق المبدئي بين الأحزاب السياسة التي ستشكل الحكومة الاتحادية المقبلة (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي)، خطة واسعة النطاق ل “استكمال الوحدة الداخلية اجتماعيا واقتصاديا”، خلال فترة الأربع سنوات القادمة والتي تمثل فترة عمل الحكومة.
ومع تركز القوة الاقتصادية لألمانيا في الولايات الغربية الا ان بعض الولايات الشرقية استطاعت ان تتجاوز في معايير اقتصادية عدة بعض الولايات الغربية، فعلى سبيل المثال تفوقت العاصمة برلين، والتي تعد ولاية شرقية، من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، على ولايات غربية ثرية مثل شمال الراين – وستفاليا، سارلاند، ساكسونيا السفلى ، وغاينلاند فالز وشليسفيغ هولشتاين ، فوفقًا لبيانات من الحسابات القومية للولايات الفيدرالية بلغ الناتج الاقتصادي لكل مواطن في برلين في عام 2020م حوالي 42000 يورو ، وهذا يعني أن برلين أعلى من المتوسط الوطني ولا تكاد تكون بعيدة عن ولايات الجنوب الأقوى اقتصاديًا، اذ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بافاريا أكثر بقليل من 46000 يورو ، وفي بادن فورتمبيرغ حوالي 45000 يورو.
ومع تقدم برلين الاقتصادي الا ان الولايات الشرقية الأخرى لا تعيش نفس نسبة النمو، ففي حين نمت برلين بمعدل 3.9 في المئة خلال الخمس سنوات السابقة لازمة كورونا، نمت ولاية براندنبورغ وولاية مكلنبورغ-فوربومرن بنسبة 1.5 في المئة فقط، بينما عانت ولايات أخري من حالة تشبه الركود الاقتصادي حيث نمت بمعدلات طفيفة، فقد نمت ولاية تورينجن بنسبة 0.6 في المئة فقط وولاية ساكسونيا أنهالت بنسبة 0.7 في المئة. ويعود هذا النمو الاقتصادي الضعيف بالمقارنة مع معدل نمو الولايات الغربية بشكل رئيسي الى عاملين: الإنتاجية والتطور السكاني.
أحد الفوارق الهامة بين الولايات الشرقية والولايات الغربية في ألمانيا هو في حجم الشركات، فبينما تعد الولايات الغربية موطن للعديد من الشركات ومرافق الإنتاج الكبيرة، إلا أن مثل هذه الشركات الكبيرة نادراً ما توجد في الولايات الشرقية. ويعود ذلك بسبب عوامل الإنتاج خصوصا لناحية توافر الوظائف، حيث يتم خلق العديد من الوظائف في الولايات الغربية خصوصا في قطاع الخدمات. وبحسب دراسة اجراها معهد الأبحاث الاقتصادية في هاله IWH في العام 2019م فانه، وبغض النظر عن حجم الشركة، فان الولايات الشرقية اقل إنتاجية بنسبة 20 في المئة على الأقل مقارنة بإنتاجية الولايات الغربية.، وان الفشل في تحقيق نفس المستوى من الإنتاجية بين الشرق والغرب في ألمانيا خلال الثلاثين عاما الماضية يعود الى ظروف ما بعد تحقيق الوحدة وخصوصا الارتفاع الكبير في عدد العاطلين عن العمل في الولايات الشرقية نتيجة اغلاق المصانع والشركات وما تلاه من الدعم الحكومي، والذي توجه جزء كبير منه الى الأرياف، والذي أدى في النهاية الى وجود العديد من الشركات التي توظف عمال أكثر بكثير من حاجتها الفعلية.
وفي دراسة لمعهد دراسات الاقتصاد الألماني DIW، ومع الإقرار بعدم تساوى إنتاجية الشركات في الولايات الشرقية مع إنتاجية نظيراتها في الغرب، الا ان عدم التساوي هذا يقل ويتراجع في حالة الشركات الكبرى والتي تكون انتاجيتها في الشرق مساوية لإنتاجية الشركات الكبيرة في الغرب. لهذا من المتوقع ان ترتفع إنتاجية الولايات الشرقية بعد تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى، منها على سبيل المثال انشاء مصنع لسيارات تسلا في ولاية براندنبورغ، حيث من المتوقع أن ينتج المصنع 500000 سيارة كهربائية سنويًا، كما تقوم شركة BASF ببناء مصنع لإنتاج المواد الكيميائية في نفس الولاية، هذا الى جانب قيام شركة Rock Tech الألمانية الكندية وفي نفس الولاية ايضاً، ببناء أكبر مصنع في أوروبا لمادة الليثيوم، الذي يعد اهم مكون في البطاريات السيارات الكهربائية.
التغيير الديمغرافي يمثل أيضا أحد أسس الفوارق الاقتصادية بين الولايات الشرقية والغربية في ألمانيا. بعد الوحدة الألمانية حصل انخفاض كبير في عدد سكان الولايات الشرقية، بسبب هجرة الكثير من أصحاب المؤهلات العالية والشباب الى الولايات الغربية، فخلال الفترة الممتدة بين عامي 1990م والعام 2020م انخفض عدد سكان الولايات الشرقية، ما عدا برلين، بنحو 2.3 مليون شخص من مجموع اجمالي سكان ولايات شرق ألمانيا البالغ 14.5 مليون نسمة. فيما استقبلت الولايات الغربية في نفس الفترة 5.4 مليون نسمة. لقد أدت هجرة الشباب، والتي تباطأت نوعا ما مؤخرا، الى افتقاد الولايات الشرقية الى العمالة المؤهلة، حيث يفضل الشباب المؤهل العمل في الولايات الغربية التي يرتفع متوسط الرواتب فيها عن نظيراتها الشرقية كما ان ظروف المعيشة أفضل ايضاً. ويظهر تأثير هذه الهجرة في ارتفاع متوسط اعمار السكان في الولايات الشرقية ليصل الى 50 عاماً، وهو المتوسط الأعلى بخمس سنوات ونصف عن مثيله في الولايات الغربية. ويتوقع معهد الاقتصاد الألماني DIW ان يستمر هذا الخلل الديمغرافي في المستقبل بين الولايات الشرقية والغربية، بالإضافة الى نتائجه السلبية حيث مع انخفاض عدد سكان الولايات الشرقية سوف تنخفض العائدات الضريبية أيضاً وبالتالي سينخفض نطاق إنفاق القطاع العام تدريجياً في الشرق وسيقل بمقدار الثلث تقريباً عن المستوى في الغرب بحلول عام 2050م. وبهذا التطور تزداد مخاطر ازدياد الفوارق الاقتصادية بين ولايات شرق ألمانيا عن الولايات الغربية.
دور بنك إعادة الاعمار والتنمية (KfW) في تمويل مشاريع الحكومة الألمانية القادمة
يصنف الاقتصاد الألماني انه اقتصاد السوق الاجتماعي، بمعنى دعم حرية الأسواق ورأس المال مع ضمان الالتزامات الاجتماعية للدولة، وتمثل الخبرة الألمانية في هذا الجانب واحد من التجارب الناجحة لهذا النموذج الاقتصادي. وقد تحقق هذا النجاح لألمانيا عبر عدد من الطرق والسياسيات والأدوات والتي يعد بنك إعادة الاعمار والتنمية (KFW) Kreditanstalt für Wiederaufbau من اهم وأقدم هذه الأدوات. والذي رافق عملية إعادة بناء المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتحقيق النمو الكبير الذي شهدته خلال نهاية الخمسينيات وبداية الستينات، والتي يطلق عليها المعجزة الاقتصادية. وما يزال البنك يساهم حتى اليوم في دعم الاقتصاد ودعم اعمال الشركات الألمانية وتمويل العديد من البرامج والمشاريع التي تهدف الى إعادة الهيكلة الاجتماعية والبيئية للاقتصاد والمساهمة في تطوير الصناعات المستقبلية المهمة من الناحية الاستراتيجية وتمويل الشركات الناشئة.
خلال ازمة كورونا وما تبعها من اغلاق اقتصادي تضررت العديد من الشركات الألمانية وعانت من تراجع كبير في إيراداتها، ولمواجهة الأثار السلبية لكورونا اقرت الحكومة الألمانية عدة برامج اقتصادية لمساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة. وقد تولي بنك إعادة الاعمار الحكومي KfW مسئولية تقديم جزء كبير من هذه المساعدات، خصوصا تلك التي اقرت على شكل قروض، ونتيجة لذلك ارتفع حجم القروض التي قدمها البنك خلال العام الأول للأزمة 2020م الى رقم قياسي غير مسبوق حيث بلغت قيمة القروض 135,3 مليار يورو، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 75 في المئة مقارنة بقيمة القروض التي قدمها البنك خلال اجمالي العام 2019م. وقد بلغ عدد طلبات القروض والمساعدات التي وافق البنك على تقديمها حوالي مليون عملية ائتمانية ما بين قرض ومنحه وتمويل آخر قدمت لدعم الشركات في مختلف القطاعات الاقتصادية والشركات الناشئة والمنظمات العامة وكذلك للطلاب.
هذا الحجم من القروض والتسهيلات الائتمانية تسبب في تراجع أرباح بنك إعادة الاعمار KfW في العام 2020م، والناتجة مباشرة عن الخصومات على الاستثمارات ومخصصات المخاطر الإضافية للقروض المعرضة لخطر التخلف عن السداد. الا ان هذا التراجع في الأرباح شهد انعكاسا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2021م، حيث عادت الأرباح للارتفاع مرة أخرى، وقام البنك بتحسين نتائجه بشكل ملحوظ في العام الحالي مقارنة بالعام السابق. اذ ارتفعت أرباح البنك بمقدار ثلاثة عشر ضعفًا تقريبًا خلال الفترة الممتدة من يناير إلى سبتمبر، بقيمة 1.93 مليار يورو، بينما وفي نفس الفترة من العام الماضي كانت أرباح البنك لا تتجاوز 145 مليون يورو فقط.
وتكمن أهمية بنك إعادة الاعمار في المهام التي تخطط أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد ايكاله للبنك. على الرغم من تناقض البرامج الانتخابية لهذه الأحزاب فان جميعها تتفق على ضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في تحسين البنية التحتية الأساسية ورقمنة العمل الحكومي والاقتصاد وتمويل التحول في الطاقة وتحقيق هدف خلو المانيا من انبعاثات الغازات العادمة في العام 2045م بشكل نهائي وغيرها من مشاريع التطوير والتنمية، وان تقوم المؤسسات والشركات التابعة للحكومة الاتحادية بالاقتراض نيابة عن الحكومة لتمويل برامج الحكومة الاتحادية القادمة.
وفي هذا الإطار تأتي أهمية دور بنك إعادة الاعمار والتنمية KfW والذي يعد أهم وأكبر مؤسسة مالية تتبع الحكومة الاتحادية، فبداية يبلغ إجمالي أصول البنك نحو 522,3 مليار يورو، وذلك بأرقام العام 2020م، وهو بذلك أيضا يمثل ثالث أكبر بنك ألماني. ثانياً تدخل مهام تحديث البنية التحتية الأساسية والرقمنة وتمويل التقنيات الموفرة للطاقة بالإضافة الى توفير الطاقة عبر تحويل نظام التدفئة إلى الطاقات المتجددة والأنظمة الكهروضوئية وغيرها من برامج التحول في الطاقة وحماية المناخ ضمن مهام بنك إعادة الاعمار الأساسية: كما يدعم البنك البلديات وكذلك الشركات والمؤسسات البلدية في تمويل اعمال انشاء وتطوير البنية التحتية، على سبيل المثال بناء القاعات الرياضية، وإعادة تأهيل أنابيب الصرف الصحي أو تطوير وسائل النقل العام المحلية مثل قطارات الانفاق او الترام. وبالتالي يمثل البنك الاداة المناسبة التي سيتم من خلالها انجاز كل مشاريع الحكومة الاتحادية القادمة في تحديث وتطوير الدولة والاقتصاد في ألمانيا.