قررت المفوضية الأوروبية ضخ ما يقرب من 43 مليار يورو للاستثمار في صناعة الرقائق الالكترونية داخل دول الاتحاد حتى العام 2030م، على ان يتم تمويل هذه الاستثمارات من ميزانية الاتحاد الأوروبي ومن القطاع الخاص. وبالرغم من انه لا يزال يتعين على البرلمان الأوروبي ودول الاتحاد الأوروبي الموافقة رسميًا على القانون، لكن هذا الامر يعتبر إجراء شكلي الى حد بعيد.
ويهدف ما يسمى بقانون الرقائق في المقام الأول إلى تقليل اعتماد القطاع الصناعي في دول الاتحاد على الواردات من الدول الآسيوية. حيث تُستخدم الرقائق الالكترونية في صناعات مثل صناعة السيارات والأجهزة المنزلية والهواتف المحمولة والعديد من السلع الأخرى. وكان القطاع الصناعي في ألمانيا قد عانى خلال جائحة كورونا من النقص في المعروض من الرقائق لفترة طويلة وتأثرت بعض الصناعات الى الدرجة التي دفعتها الى تقليص انتاجها كما حصل في قطاع صناعة السيارات.
وتزداد أهمية الرقائق الالكترونية، خصوصا ما تسمى (Microcontroller) والتي تلعب دوراً حاسماً في تطوير التقنيات الجديدة في صناعة السيارات مثل تقنيات القيادة الذاتية وانظمة مساعدة السائق المؤتمتة او تقنيات الأجيال الجديدة من السيارات الكهربائية. وبينما تسعى عدد من الشركات الألمانية لتعزيز قدراتها الذاتية في تطوير هذا النوع من الرقائق الإلكترونية مثل شركة فولكس فاجن، تعتمد شركات أخرى مثل مرسيدس وBMW على الشركات المصنعة للرقائق لتزويدها بحاجتها من هذا النوع من الرقائق.
ويهدف القانون أيضًا الى أن تنمو حصة الاتحاد الأوروبي في السوق العالمية للرقائق الالكترونية من 10 في المئة في الوقت الحاضر إلى 20 في المئة تقريبًا بحلول عام 2030م. وأكد مفوض الاتحاد الأوروبي للصناعة Thierry Breton أن القدرات الجديدة لصناعة الرقائق الإلكترونية الأوروبية يجب ألا تغطي فقط احتياجات الاتحاد الأوروبي الخاصة، ولكن يجب أيضًا ان تكون قادرة على التصدير إلى بقية العالم. من جانبه قال Achim Berg، رئيس اتحاد صناعة المعلومات والاتصالات في ألمانيا Bitkom، ان القانون قد تأخر كثيراً ويجب أن يدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن حيث “اقرت الولايات المتحدة بالفعل قانون الرقائق في صيف عام 2022م، وقررت تمويلًا لهذه الصناعة قدره 52.7 مليار دولار أمريكي.” مؤكدا ان وبالمقارنة تعد أوروبا متأخرة في هذا المجال. مضيفاً انه في ألمانيا وحدها، تعتمد تسع من كل عشر شركات صناعية على الرقائق الالكترونية في الإنتاج، ولا تستطيع 80 في المئة من هذه الشركات الاستغناء عنها.
فيما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية في ألمانيا، يمكن أن تستفيد ولاية ساكسونيا أنهالت على وجه الخصوص من التمويل الذي يوفره قانون الرقائق. ففي مارس 2022م، أعلنت شركة إنتل الأمريكية لتصنيع الرقائق أنها ستقوم بإنشاء مصنع جديد لإنتاج أحدث جيل من الرقائق في مدينة ماجديبورج عاصمة الولاية، اعتبارًا من عام 2027م. بالإضافة إلى ذلك، تريد شركة صناعة الرقائق Infineon البدء في بناء مصنع جديد في مدينة دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا هذا الخريف بكلفة تقترب من 5 مليار يورو والذي سيوفر حوالي 1000 فرصة عمل. كما تستثمر مجموعة Wolfspeed الأمريكية في تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية في ولاية سارلاند.
كما رحبت الشبكة الصناعية المختصة بتقنيات الرقائق في ولاية ساكسونيا Silicon Saxony بالقانون، وقال Frank Bösenberg المدير التنفيذي للشبكة “إن قانون الرقائق الأوروبي يخلق أمانًا للاستثمار والتخطيط لشركات صناعة الرقائق الالكترونية ومورديها”. حيث سيتم تعزيز قدرات الموردين الأوروبيين في مجالات تصميم الرقائق وإنتاج المواد الكيميائية وإنتاج الرقائق وكذلك عمليات الأتمتة. كما يثبت القانون قدرة أوروبا على اتخاذ القرار والتنفيذ.
وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية اتجاهًا تصاعديًا قويًا في صناعة الرقائق الالكترونية حيث تضاعفت المبيعات في هذه الصناعة أكثر من أربعة أضعاف من عام 1991م إلى عام 2022م، لتصل إلى 573 مليار دولار، فيما تشير التوقعات الى ان مبيعات صناعة الرقائق الالكترونية ستصل الى تريليون دولار بحلول العام 2023م.