تسعى دول الاتحاد الأوروبي الى توحيد جهودها للتعامل مع الاثار الاقتصادية للسياسات الصحية المقررة لمواجهة انتشار فيروس كورونا والتي تتضمن نهج موحد لإغلاق الحدود، والاقتناء المشترك لمعدات الحماية والتجهيزات الطبية بالإضافة الى حماية الشركات المتعثرة من عمليات الاستحواذ من دول ثالثة، خصوصا حماية الشركات في قطاع الصحة والبنية التحتية والشركات الأخرى التي تعتبر إستراتيجية من عمليات الاستحواذ حيث ستكون هنالك قاعدة اختبار أكثر صرامة للاستيلاء على الشركات. كما تطالب العديد من دول الاتحاد اصدار سندات حكومية مشتركه، او ما أطلق عليها اسم “سندات كورونا”. وتطالب البلدان المتضررة بشكل خاص من فيروس كورونا، مثل إيطاليا وإسبانيا، الحصول على مساعدة سريعة من شركائها في الاتحاد الأوروبي. وتدعو دول أوروبا الشرقية أيضًا إلى مزيد من الدعم، خاصة في شراء معدات الحماية، التي تخضع حاليًا لمنافسة شديدة في الأسواق الدولية.

من جهتها اكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين ان الاتحاد الأوروبي سيواجه اثار انتشار جائحة كورونا بكل الأدوات الممكنة وقالت فون دير لين “كل شيء يساعد في هذه الأزمة سيتم استخدامه”.  وتضمنت خطوات المفوضية الأوروبية لمواجهة الاثار الاقتصادية لجائحة كورونا الخطوات التالية:

  • أقرّ وزراء المالية في الاتحاد تفعيل حزمة الإجراءات الضامنة للاستقرار والنمو، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد، وذلك من اجل منح حكومات الدول الأعضاء إمكانيات أفضل لمواجهة اثار الجائحة عبر دعم النظام الصحي والعاملين فيه بالإضافة الى الأشخاص الذين ستؤثر عليهم الازمة بشكل أكبر.
  • أعلن البنك المركزي الأوروبي إقرار برنامج طواري لشراء السندات الحكومية للدول الأعضاء بقيمة 750 مليار يورو، وسيستمر هذا البرنامج حتى نهاية الازمة او على الأقل حتى نهاية العام 2020م. ويهدف هذا البرنامج الى خفض أعباء الفائدة على السندات الحكومية التي تصدرها الدول الأعضاء والتي كان من الممكن ان ترتفع بشكل كبير مما كان سيمنع بعض الحكومات من اصدار هذه السندات وعجز الحكومات عن توجيه الأموال لمواجهة الازمة. وبهذا البرنامج وبالإضافة الى ما تم شراءه فعلاً من سندات حكومية منذ بداية العام، ستبلغ قيمة ما سيشتريه البنك المركزي الأوروبي الى 1,1 ترليون يورو.
  • مناقشة إمكانية اصدار سندات حكومية موحدة لدول منطقة اليورو، ما يسمى “سندات كورونا”، وبحسب رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لين ” إذا ما كانت هذه السندات ستساعد، وكانت مرتبة بشكل صحيح، فسوف يتم استخدامها”.
  • التخفيف من قواعد الاتحاد الأوروبي، خصوصا في مجال التنافسية ومنع الاحتكار، لمنح حكومات الدول الأعضاء مجال أوسع لتقديم المساعدات للقطاع الخاص. كما اقر وزراء المالية الاوروبيون تقديم مساعدات للقطاع الخاص في دول الاتحاد للحفاظ على الشركات وفرص العمل، حيث تم تخصيص 37 مليار يورو من ميزانية الاتحاد لهذا الغرض الى جانب 40 مليار يورو قدمها لنفس الغرض بنك الاستثمار الأوروبي (EIB).
  • بالإضافة الى ذلك تسعى المفوضية الأوروبية في بروكسل في تفعيل صندوق إنقاذ اليورو ESM والذي يمتلك ما يقرب من 705 مليار يورو منها 410 مليار يورو متاحة للقروض. كما يمكن لبنك الاستثمار الأوروبي (EIB) إنشاء “صندوق كورونا” من اجل تقديم قروض للشركات في منطقة اليورو، اذ يمكن لبنك الاستثمار الأوروبي إصدار سندات جديدة لتمويل هذا الصندوق.

وفيما تتفق الدول الأعضاء على الكثير من هذه الخطوات، الا انها مختلفة حول عدد اخر منها، من أبرزها اصدار سندات حكومية موحدة لدول منطقة اليورو حيث تطالب 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي من بينها فرنسا، اسبانيا وإيطاليا وبدعم من البنك المركزي الأوروبي بإصدار هذه السندات، فيما ترفض ألمانيا، هولندا، فنلندا والنمسا ذلك، مستندة بالمادة 125 من معاهدة الاتحاد، التي تستبعد بشكل قطعي تحمل دولة عضو في الاتحاد بشكل مباشر التزامات دول أخرى في الاتحاد. وبدون تعديل معاهدة الاتحاد فسوف ترفض المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا والبرلمان الهولندي اصدار السندات الحكومية الموحدة. ومع توقع استمرار النقاش حول ذلك، وافق رؤساء الحكومات الأوروبية في مؤتمر قمة عقد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة على انشاء برنامج مساعدات وإعادة اعمار أوروبي مخصص لمساعدة دول الاتحاد الأكثر تضرراُ من ازمة كورونا، وكلف رؤساء الحكومات مجموعة وزراء المالية الاوروبيين والمفوضية الأوروبية لإعداد مقترحات في هذا المجال، ومن المتوقع ان يعقد أول اجتماع لهذا الغرض خلال الأسبوع القادم.

كما تدور نقاشات بين دول الاتحاد حول شروط تقديم القروض من صندوق إنقاذ اليورو ESM حيث تتمسك بعض الدول بمنظومة الشروط التي تُربط بالحصول على القروض ومنها التنازل عن السياسات النقدية الوطنية عبر اجراء إصلاحات يتم التفاوض بشأنها مع مؤسسات الإتحاد الأوروبي، وهو الامر الذي حدث في جدولة ديون اليونان. فيما ترد بعض الحكومات، كالحكومة الإيطالية بان ازمة كورونا لا ترجع الى أي خطأ ارتكبته الدول المحتاجة الى القروض. بالإضافة الى ذلك ما يزال تنفيذ المقترح الخاص بإنشاء برنامج لإعادة التأمين على البطالة الأوروبية والمخصص لمساعدة الدول التي تواجه صعوبات في تمويل برامجها الوطنية المخصصة لحماية الوظائف وفرص العمل، غير محدد بتاريخ معين. كل هذه الاختلافات والتي تبرز بشكل أكثر وضوحا بين دول شمال أوروبا الثرية ودول جنوب أوروبا التي تواجه صعوبات اقتصادية تهدد بشكل متزايد بانهيار الثقة بين الدول الأعضاء في الإتحاد.

 

 

Photo:Von Diliff – Eigenes Werk, CC BY-SA 3.0