برلين هي عاصمة جمهورية ألمانيا الاتحادية، وإحدى ولايات ألمانيا الست عشرة، كما أنها أكبر مدن ألمانيا من حيث عدد السكان حيث يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 3.77 مليون نسمة. وتعد برلين إحدى «الولايات/ المدن» الثلاث في ألمانيا الى جوار ولايتي هامبورج وبريمن، وتأتي هذه التسمية من كون حدود المدينة هي نفسها حدود الولاية. تبلغ مساحة برلين 891 كيلومتر مربع وبهذا تحتل المركز الرابع عشر من حيث المساحة بين الولايات الستة عشر، كما تحتل المركز الثامن على مستوى هذه الولايات من حيث عدد السكان.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لولاية برلين عام 2022م، نحو 179.4 مليار يورو أي بزيادة بلغت 13.9 مليار يورو أكثر من العام السابق، وهو ما يمثل نموًا بواقع 4.9 في المئة وهو ما يتجاوز نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في العام 2022م، البالغ 1.8 في المئة. ويعود هذا النمو الكبير في اقتصاد برلين الى النمو الذي حققه قطاع الخدمات والذي سجل نموا في العام 2022م، بنسبة 6.2 في المئة كما شهدت صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في برلين نموا كبيرا أيضا في نفس الفترة وبشكل غير متوقع بنحو 14 في المئة، وحقق كلا القطاعين معًا حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في برلين في عام 2022م. وبهذا الحجم من الناتج المحلي تأتي برلين في المرتبة السادسة بين اقوى اقتصاديات الولايات الفيدرالية الألمانية بعد ولايات شمال الراين-وستفاليا وولاية بافاريا، ولاية بادن فورتمبيرج، ولاية ساكسونيا السفلى وولاية هيسن.
الصناعة في برلين
على الرغم من سيطرة قطاع الخدمات على اقتصاد ولاية برلين الا ان الشركات الصناعية في الولاية تمثل ركيزة قوية لاقتصاد المدينة حيث بلغت إيراداتها في العام 2022م، أكثر من 28 مليار يورو وبلغ عدد موظفيها أكثر من 107 الاف موظف وموظفة. كما رفعت الشركات الصناعية في الولاية صادراتها في العام 2022م، حيث تم تصدير بضائع بقيمة 16.41 مليار يورو، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 532 مليون يورو عن الصادرات المسجلة في العام 2021م. وكانت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي أعلى قليلاً مما كانت عليه قبل عام، في حين زادت الصادرات إلى الولايات المتحدة والصين، أهم المشترين لمنتجات برلين، بقوة أكبر نسبيًا. حيث تم في العام 2022م، تصدير بضائع بقيمة 7.3 مليار يورو إلى الاتحاد الأوروبي، في حين بلغت قيمة الصادرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين 1.6 و1.4 مليار يورو على التوالي.
تمثل صناعة الادوية الى جانب إنتاج معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية وشركات صناعة المعدات الكهربائية اهم القطاعات الصناعية في برلين. وتتمتع صناعة الادوية في برلين بوضع خاص حيث تمتلك اغلب شركات هذا القطاع تاريخا من العمل يمتد الى القرن التاسع عشر، كما تستفيد الصناعة من العديد من المميزات التي تقدمها برلين والتي من أهمها القرب من صناع القرار في النظام الصحي الألماني والموقع الجغرافي المركزي لمنطقة العاصمة الألمانية والتي تتيح سهولة الوصول إلى أسواق أوروبا الغربية والوسطى والشرقية، الى جانب التكنولوجيا الحيوية المتطورة في برلين الناتجة عن مجتمع التعليم والبحث العلمي الكبير والمتنوع بالإضافة الى الخيارات العديدة لتنفيذ الدراسات السريرية اللازمة لتطوير الادوية والمستحضرات الصيدلانية الجديدة والتي يساعد على تحقيقها وجود عدد كبير ومتنوع من العيادات والمستشفيات المتخصصة والتي تصل في برلين الى أكثر من 125عيادة ومستشفى.
وتمثل صناعة الادوية في برلين جزءا من صناعة الرعاية الصحية التي تعد العاصمة الألمانية واحدة من المواقع الدولية الرائدة فيها. وينعكس هذا في أكثر من 280 شركة لتكنولوجيا المعدات الطبية وأكثر من 220 شركة عاملة في التكنولوجيا الحيوية و30 شركة لصناعة الأدوية. ويعمل حوالي 313.700 شخص في هذه الصناعة. وتشهد صناعة الرعاية الصحية في برلين نموا مستمرًا، فوفقًا للتوقعات، سيرتفع عدد العاملين في الرعاية الصحية بحلول العام 2030م، الى 368 ألف موظف وستولد قيمة مضافة إجمالية تبلغ حوالي 20 مليار يورو، وهو ما سيجعل برلين مركزًا لصناعة الرعاية الصحية في ألمانيا.
قطاع سياحي متطور
يمثل قطاع الخدمات بمختلف مجالاته اهم قطاع في اقتصاد العاصمة برلين وتأتي السياحة كأحد اهم قطاعات الخدمات في المدينة واحد أبرز معالم اقتصادها. وعلى الرغم من الوضع العالمي الذي تسوده الأزمات المختلفة، حققت برلين عودة قوية في مجال السياحة وصناعة المؤتمرات لتصبح في العام 2022م، أحد الوجهات الثلاث الأولى في السياحة الأوروبية إلى جانب باريس ولندن. حيث بلغ عدد ليالي المبيت في برلين العام الماضي 26.5 مليون ليلة لأكثر من 10.4 مليون سائح وزائر للمدينة، وهذا يعني أن عدد ليالي المبيت قد وصل إلى 78 في المئة من مستوى ما قبل أزمة كورونا، كما بلغ عدد الضيوف نحو 75 في المئة من عددهم في عام 2019م.
كما استقبلت برلين المزيد من الزوار الدوليين مرة أخرى في عام 2022م، حيث بلغ الزوار والسواح الأجانب الذين زاروا المدينة نسبة 38 في المئة من اجمالي الزوار وذلك بعد ان كانت نسبتهم في العام 2020م، نحو 29 في المئة. ولأول مرة، أصبحت الولايات المتحدة أكبر سوق أجنبي، متقدمة على بريطانيا وهولندا وإسبانيا. ومع ذلك، ظلت السياحة الداخلية من المانيا السوق الأكثر أهمية بالنسبة لبرلين بحصة بلغت 62 في المئة من الزائرين. وشهدت برلين في العام 2022م، موسمًا قويا للسياحة، خاصة بفضل الزوار المحليين حيث تجاوز عدد ليالي الإقامة للزائرين من داخل ألمانيا في شهر يوليو 2022م، المستوى المسجل في نفس الشهر من العام 2019م، بنسبة 9.4 في المئة.
في النصف الأول من العام 2023م، أحصى مقدمو خدمات الإقامة في برلين إجمالي 5.7 مليون زائر مع 13.8 مليون ليلة إقامة، ويمثل هذا زيادة بنسبة 30.2 في المئة في عدد الضيوف وزيادة في عدد الليالي بنسبة 23.9 في المئة مقارنة بالعام السابق. وتصدرت المملكة المتحدة عدد الزائرين الأجانب لبرلين في النصف الأول من العام 2023م، متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المقابل، ارتفع عدد الزائرين الأجانب الى برلين بشكل واضح من بولندا بنسبة زيادة بلغت 46.5 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، كما ارتفع عدد الزائرين من تركيا بنسبة 25 في المئة، جمهورية التشيك 14.2 في المئة ومن ليتوانيا زاد عدد الزائرين بنسبة 11 في المئة تقريبًا.
برلين والشركات الناشئة
تعد الشركات الناشئة في برلين محركات للاقتصاد والابتكار، خاصة في قطاعات التنقل والتكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التأمين بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي وقطاع معالجة وتحليل البيانات الضخمة. وتضم برلين أكثر من 3000 شركة ناشئة تم تأسيسها قبل أقل من عشر سنوات (ارقام العام 2021م). ويعد تطوير النظام البيئي للشركات الناشئة في برلين قصة نجاح مستمرة. فعلى الرغم من تأثير الازمات الاقتصادية والجيوسياسية في العالم على أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، بلغ حجم الاستثمارات التي تدفقت على الشركات الناشئة في برلين في العام 2022م، أكثر من 4.9 مليار يورو وهو ما يعني ان كل ثاني يورو تم استثماره في الشركات الناشئة في ألمانيا في عام 2022م، ذهب إلى الشركات الناشئة في العاصمة. وعلى المستوى الأوروبي تلقت الشركات الناشئة في برلين أكبر حجم من الاستثمارات في أوروبا بعد لندن وباريس.
ولا تعد برلين موقع للشركات الناشئة الأكثر جذبا للاستثمارات وحسب ولكن أيضا الأهم من حيث عدد الشركات الناشئة الجديدة والوظائف والتمويل الحكومي، حيث يتمتع مشهد الشركات الناشئة في برلين بالعديد من المميزات بالمقارنة بواقع الشركات الناشئة في عموم ألمانيا، حيث توظف الشركات الناشئة في برلين ما معدله 32.7 شخصًا، أي ما يقرب من 20 شخصًا أكثر من المعدل العام في ألمانيا. كما ان لدى 11.4 في المئة من الشركات الناشئة في برلين أكثر من 50 موظفًا، فيما تبلغ هذه النسبة 4 في المئة فقط في جميع أنحاء ألمانيا. كما تبلغ نسبة المؤسسين الإناث للشركات الناشئة في برلين 18.3 في المئة، وهي أعلى من المعدل الوطني البالغ 15.9 في المئة. كما يوجد في برلين أكبر عدد من المؤسسين والموظفين الأجانب في الشركات الناشئة في ألمانيا.
ويرجع تمتع برلين بجاذبية خاصة للشركات الناشئة الى عدة عوامل أساسية من أهمها امتلاك العاصمة بنية تحتية قوية ومتنامية من الناحية الفنية مع درجة عالية من الرقمنة حيث تلعب برلين دورًا رائدًا في مؤشر الرقمنة الألماني الخاص بمدى كفاءة تكنولوجيا المعلومات والأبحاث والحكومة الإلكترونية. كذلك تمتلك برلين العديد من صناديق وبرامج دعم وتمويل المشاريع الناشئة سواءً كانت حكومية او برامج لشركات خاصة او تسهيلات ائتمانية من البنوك والمؤسسات المالية حيث من المتوقع أن توفر هذه البرامج والصناديق أكثر من 700 مليون يورو للشركات الناشئة في برلين خلال العام الحالي. بالإضافة الى ذلك تحتوي برلين على أكبر عدد من المستثمرين المستعدين لضخ الاموال في المشاريع والأفكار التي تقدمها الشركات الناشئة (ما يسمى بملائكة الاعمال)، حيث يوجد في برلين 250 داعم مالي بينما تأتي ميونخ في المركز الثاني بنحو 156 مستثمر وفي هامبورج 84 مستثمر وفرانكفورت 56 مستثمر.
كما يميز برلين وجود أكثر من 150 من المسرعات والحاضنات ومساحات العمل المشتركة ومراكز الفكر الرقمية التي تديرها الشركات بالإضافة الى العديد من مراكز الابحاث والابتكار الأخرى ذات الصلة بالجامعات والتي تجعل من العاصمة مكانًا نموذجيًا للشركات الناشئة والمؤسسين الشباب. وفي هذا الجانب يجدر الإشارة الى ان الشركات الناشئة التي تم تأسيسها من الجامعات وظفت ما متوسطه 17 موظفًا وحققت متوسط مبيعات قدره 2.37 مليون يورو.
التعليم والبحث العلمي في برلين
تعد برلين واحدة من أكبر المدن التي تضم مؤسسات تعليمية وبحثية وأكثرها تنوعًا في أوروبا، وتساهم مؤسسات التعليم العالي المختلفة ومراكز الأبحاث المتنوعة في مد برلين خاصة وألمانيا عامة بالكفاءات والخبراء والباحثين المتخصصين الذين يساهمون بكثافة في البحث والابتكار وبالتالي في دعم تنافسية الاقتصاد وضمان نموه. وفي هذا الجانب تضم العاصمة الألمانية أربع جامعات عامة وأربع جامعات تقنية متخصصة بالإضافة الى جامعتين للدراسات الدينية هذا الى جانب 30 جامعة خاصة معترف بها من الدولة. كما يوجد ما يقرب من 70 مؤسسة بحثية غير جامعية في برلين. ويضم مشهد التعليم العالي والبحث العلمي في برلين أكثر من 250 ألف شخص سواءً كانوا مدرسين أو باحثين أو موظفين أو دارسين.
في جامعات برلين الأربع الكبرى يدرس حوالي 100 ألف طالب وطالبة، 20 ألف منهم طلاب أجانب ويعمل في هذه الجامعات نحو 20 ألف أستاذ وباحث أكاديمي، وتتعاون جامعات برلين في التدريس والبحث مع أكثر من ألف جامعة دولية. يضاف الى هذه الجامعات الكبرى أربع جامعات للعلوم التطبيقية التي تركز على الجانب العملي في الدراسة، ويدرس في هذه الجامعات أكثر من 68 ألف طالب وطالبة. كما بلغ عدد المسجلين في نحو 30 جامعة خاصة في برلين في العام الدراسي 2022/2023م، أكثر من 27 ألف طالب وطالبة.