اقتصاد حماية البيئة: الفرص والتحديات

اقتصاد حماية البيئة: الفرص والتحديات

     تمثل حماية البيئة ومنذ اكثر من عشر سنوات احد المواضيع والاهتمامات الرئيسية للحكومات الالمانية المختلفة والتي صاغت القوانين من اجل تحقيق الحياد المناخي وضمان حماية البيئة، ومع قرار المحكمة الدستورية العليا نهاية شهر ابريل بعدم كفاية قانون حماية البيئة الذي اقرته الحكومة عام 2019م، اقرت الحكومة منتصف شهر مايو تعديلات على القانون، تهدف هذه التغييرات في قانون حماية المناخ إلى تحديد هدف الحياد المناخي في ألمانيا وتحديد شكل مسار حماية المناخ بعد عام 2030م، حيث حددت ألمانيا لنفسها هدف أن تصبح محايدة مناخياً بحلول عام 2045.

     ترى العديد من الصناعات أن أهداف الحد من الانبعاثات الجديدة الأكثر صرامة تمثل عبئاً، اذ بحلول عام 2030م، سيتم خفض 65 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة بدلاً من 55 في المئة. وذلك مقارنة مع حجم الانبعاثات في العام 1990م. لقد أصبح مشروع قانون الحكومة أكثر تحديداً، على سبيل المثال، يجب إبطاء الانبعاثات في صناعة الطاقة إلى 108 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في نهاية العقد الحالي، بعد أن كان الهدف 175 مليون طن. في الصناعة، تم تخفيض الحد من 140 إلى 119 مليون طن، وفي قطاع النقل من 95 إلى 85 مليون طن.

     من خلال هذه التعديلات في متطلبات حماية المناخ، حملت الحكومة الاتحادية الصناعة الألمانية مسؤولية أكبر واعباء أكثر، مما ولد مخاوف من ارتفاع التكاليف مع ضرورة زيادة الاستثمارات في التقنيات الصديقة للبيئة. هذه الاعباء دفعت العديد من ممثلي الاتحادات الصناعية الى التحذير من ان هذه الاعباء والتكاليف قد تهدد القطاع الصناعي بتراجع قدرته التنافسية، كما سيهدد قدرة بعض الشركات على الاستمرار في العمل. فعلى سبيل المثال يشير اتحاد الصناعات الكيميائية VCI إلى أن شركات الصناعات الكيميائية، ومن اجل تحقيق هدف حياد المناخ المنصوص عليه في القانون، تحتاج وحدها إلى المزيد من الكهرباء الخضراء أكثر مما تستهلكه ألمانيا حالياً ككل. كذلك ومن أجل تلبية متطلبات المناخ، يتعين على صناعة الصلب أن تطور تقنيات جديدة تماما باستخدام طاقة الهيدروجين، وهي مسالة بحاجة لمزيد من الاموال والوقت لإنجازها. كما يحاجج انصار تخفيف الاعباء البيئية على القطاع الصناعي ” إنه لن يساعد المناخ العالمي إذا تم تدمير الصناعة المبتكرة في ألمانيا بينما في أماكن أخرى في العالم ينبعث المزيد من ثاني أكسيد الكربون”. وفي نفس الإطار، يمكن أن تؤدي الأهداف المناخية أيضاً إلى زيادة تكلفة الغذاء، اذ من المحتمل أن يؤدي الالتزام بالزراعة الصديقة للمناخ إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على المزارعين.

     بالإضافة الى التأثيرات السلبية على الصناعة والزراعة سيتأثر المستهلكون أيضاً بالأهداف المناخية الجديدة الأكثر صرامة، التي ستؤدي، على سبيل المثال، إلى زيادة أسعار الوقود أكثر مما كان متوقعاً. وينطبق الشيء نفسه على أسعار زيت التدفئة والغاز الطبيعي، ومن أجل معالجة هذا الوضع، اقرّت الحكومة انه يجب على المُلاك والمستأجرين تقاسم كلفة النفط أو الغاز المستخدم في التدفئة في المستقبل، حيث انه حتى الآن، يتحمل المستأجر وحده التكاليف. لكن اتحاد الملاك قدم شكوى الى المحكمة الدستورية لرفض قرار الحكومة باعتبار انه ليس للمالك أي تأثير على استهلاك المستأجر، وهو ما يمثل نقطة اضافية في عدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة المنازعات ومشاعر عدم الرضا في المجتمع.

     في الجهة المقابلة يقدر حجم صناعة حماية البيئة بالمليارات، كما انه مسؤول عن خلق مئات الآلاف من فرص العمل في ألمانيا، كما مثلت حماية البيئة والمناخ بشكل متزايد قطاعاً مربحاً للصناعة ومقدمي الخدمات. فبحسب احدث بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء، حققت صناعة حماية البيئة مبيعات بقيمة 73.6 مليار يورو في عام 2019م، بزيادة 3.1 في المئة عن العام السابق. وتم تحقيق ثلاثة أرباع هذه المبيعات في قطاع الصناعة، حيث حقق قطاع صناعة الآلات والمعدات (22.1 مليار يورو) ، صناعة المعدات الكهربائية (6.5 مليار يورو) وصناعة السيارات والشاحنات والحافلات  وأجزاء لها (5.8 مليار يورو).

     كما نما بشكل خاص بناء وصيانة أجهزة التحكم في تلوث الهواء. ارتفعت المبيعات هنا بأكثر من الثلث لتصل إلى 10.5 مليار يورو. في مجال التنقل الكهربائي (السيارات والشاحنات والحافلات) تم تحقيق مبيعات بقيمة 2.5 مليار يورو في عام 2019م، بزيادة قدرها 24 في المئة عن العام السابق. كما أدت تكنولوجيا القيادة والتحكم الموفرة للطاقة، وإنشاء توربينات الرياح، والعزل الحراري للمباني، وتجديد وبناء أنظمة الصرف الصحي إلى مليارات من الأعمال التجارية. كما تؤدي الأهمية المتزايدة لحماية البيئة للاقتصاد الألماني إلى خلق وظائف جديدة، ما يسمى ب “الوظائف الخضراء”، حيث بلغ عدد الموظفين الذين يعملون في صناعة حماية البيئة 305 ألف شخص (أكثر من ثلثيهم في قطاع الصناعة) في العام 2019م، وهو ما يمثل زيادة بنحو 16 ألف شخص مقارنة بالعام السابق.

 

Photo: Fotolia_57783621_M_©-vencav-Fotolia.com_.jpg 

2021-07-22T09:50:22+02:00
اذهب إلى الأعلى