المياه هي أحد أهم احتياجات الإنسان الأساسية ولا غنى عنها لكل الأنشطة الاقتصادية تقريبا، ومنها الزراعة وإنتاج الطاقة والصناعة والتعدين. ولإدارة الموارد المائية أهمية بالغة للتنمية الاقتصادية المستدامة. لكن موارد المياه تتعرض لضغوط لم يسبق لها مثيل، إذ أنه مع زيادة عدد السكان وازدياد الطلب على المياه من القطاعات الاقتصادية المتنافسة لا تبقى كميات كافية من المياه لتلبية الاحتياجات الإنسانية والحفاظ على التدفقات البيئية التي تصون سلامة الأنظمة الإيكولوجية. وتتعرض موارد المياه الجوفية للاستنزاف في كثير من الأماكن، الأمر الذي يجعل الأجيال الحالية والقادمة قريبة من حد الافتقار إلى أي وقاية من تقلبات المناخ المتزايدة.
يؤدي تدهور نوعية المياه من جراء مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية إلى تناقص كميات المياه العذبة المتاحة، وتدهور الأراضي، والإضرار بكثير من الأنظمة الإيكولوجية البرية والبحرية، وزيادة تكاليف معالجة المياه. كما توجد الآن شواهد عديدة على أن تغير المناخ سيؤدي إلى زيادة التقلبات المائية، ومن ثمَّ إلى وقوع ظواهر مناخية أكثر تواترا وشدة مثل السيول والفيضانات ونوبات الجفاف والعواصف القوية حيث ان 90 في المئة من الكوارث الطبيعية متعلقة بالمياه. وتشير تقديرات الخبراء إلى أنه بحلول عام 2080م، سيعيش نصف سكان العالم تقريبًا في بلدان تعاني من ندرة الموارد المائية، مقارنة مع 28 في المئة في الوقت الحالي. وتزداد أهمية المياه إذا ما عرفنا انها عنصر نادر في الطبيعة حيث ان 96.5 في المئة من المياه في العالم عبارة عن مياه مالحة غير صالحة للشرب والاستخدامات اليومية والصناعية بالإضافة الى ان 1.76 في المئة منها حبيسة في القمم الجليدية والأنهار الجليدية القطبية. وتمثل المياه السطحية والمياه الجوفية، التي يمكن الحصول منها على مياه الشرب، 1.7 في المئة فقط من إجمالي احتياطيات المياه.
الثروة المائية في ألمانيا
اما احتياجات مياه الشرب في ألمانيا والتي تبلغ نحو 5.5 مليار متر مكعب سنويا (بحسب اخر احصائيات في العام 2019م)، فتغطي المياه الجوفية ما يقرب من ثلثي هذه الاحتياجات، حيث بلغ نصيب المياه الجوفية في تأمين امدادات مياه الشرب 3.3 مليار متر مكعب وهو ما يعادل نسبة 62 في المئة من اجمالي مياه الشرب، كما جاء 839 مليون متر مكعب من الخزانات الجوفية السطحية والتي يتم تغذيتها عبر مياه الامطار، وهذا يتوافق مع حصة تقارب 16 في المئة. وساهمت مياه الأنهار والبحيرات والسدود بـ 738 مليون متر مكعب وبنسبة 14 في المئة تقريباً لتغطية احتياجات مياه الشرب. وساهمت مياه الينابيع بحوالي 436 مليون متر مكعب وبنسبة 8 في المئة. بلغ استهلاك الفرد اليومي من مياه الشرب في ألمانيا حوالي 121 لترًا من المياه في عام 2023م. منذ ما يقرب من 30 عامًا، كان المقيم في ألمانيا يستهلك في المتوسط حوالي 147 لترًا من الماء يوميًا.
وتعد الشركات العاملة في مناجم الفحم وشركات الكيماويات وشركات انتاج الطاقة وصناعة الأغذية أكبر مستهلكي المياه في ألمانيا، ويتركز الاستهلاك الصناعي للمياه بدرجة رئيسة في تبريد أنظمة الإنتاج وتوليد الطاقة، حيث استخدمت الشركات 84.7 في المئة من المياه في هذا المجال.
الاستراتيجية الوطنية للمياه في ألمانيا
في 15 مارس 2023م، وافقت الحكومة الاتحادية على الاستراتيجية الوطنية للمياه. تضع هذه الاستراتيجية وبرنامج العمل المرتبط بها الأساس للإدارة المستدامة للموارد المائية وحماية المياه. وقد جاء إقرار هذه الإستراتيجية بسبب التحديات المختلفة التي تواجه عملية إدارة المياه وحماية المياه بسبب تغير المناخ والعولمة وانتشار مدخلات المواد المتسربة الى المياه الجوفية والسطحية والتغير الديموغرافي. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى ضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية في عام 2050م وما بعده. وعلى المدى الطويل، ينبغي الحفاظ على الوصول إلى مياه الشرب عالية الجودة، وينبغي أيضا ضمان الاستخدام المسؤول للمياه الجوفية والسطحية في القطاعات الأخرى، وينبغي دعم التوازن المائي الطبيعي والتنمية البيئية للمسطحات المائية.
وتنقسم الاستراتيجية إلى 10 محاور اساسية:
- حماية واستعادة وتأمين التوازن المائي الطبيعي بشكل دائم ومنع نقص المياه وتضارب الأهداف.
- تنفيذ استخدام الأراضي المتوافق مع المياه والمتكيف مع المناخ في المناطق الحضرية والريفية.
- مواصلة تطوير الإدارة المستدامة للمياه وتحقيق أداء جيد وضمان استمراره.
- الحد من المخاطر الناجمة عن المواد المتسربة الى المياه الجوفية والسطحية.
- تطوير البنية التحتية للمياه بطريقة تتكيف مع المناخ والحماية من الأحداث المتطرفة وضمان الإمدادات.
- ربط دورات المياه والطاقة.
- تعزيز كفاءة الإدارات وتحسين تدفقات البيانات وتحسين الأطر التنظيمية وتأمين التمويل.
- حماية المناطق البحرية (بحر الشمال وبحر البلطيق) بشكل مكثف من المدخلات المادية من اليابسة.
- رفع مستوى الوعي حول المياه كمورد.
- حماية الموارد المائية العالمية بشكل مستدام بشكل مشترك مع بقية دول العالم.
الاستخدام الاقتصادي للمياه
بعيدا عن استهلاك المياه سواء في العمليات الصناعية او الزراعة او الاستخدامات المنزلية والشرب، تلعب المياه في شكلها كأنهار ومسطحات مائية أدوارا اقتصادية لا تقل أهمية، حيث تساهم مياه الأنهار والبحيرات في قطاعين أساسيين في الاقتصاد الألماني، قطاع النقل وقطاع الطاقة.
النقل النهري
تتمتع ألمانيا بشبكة من الأنهار والقنوات المائية الصالحة للملاحة النهرية تمتد بطول وعرض ألمانيا لمسافة اجمالية تصل الى 7476 كيلو متر، ويمثل نهر الراين الذي يبلغ طوله 1230 كيلو متر والذي يمر بالإضافة الى ألمانيا خلال أربع دول أوروبية هامة وهي هولندا، ليختنشتاين، فرنسا وسويسرا واحدا من اهم الطرق النهرية التي تستخدم في نقل السلع والبضائع، يضاف اليه نهر الدانوب والذي يقطع مع تفرعاته أوروبا من بحر الشمال وحتى البحر الأسود بطول 2860 كيلو مترا مارا بألمانيا والنمسا، سلوفاكيا، كرواتيا، صربيا، بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا ومولدافيا. وتساهم شبكة الخطوط والقنوات المائية والنهرية في المتوسط في نقل 230 مليون طن من السلع والبضائع والمواد الخام سنوياً وينخفض ويرتفع هذا الحجم من البضائع بحسب التغيرات المناخية خصوصا في فترات الجفاف والتي تتسبب في تراجع منسوب المياه في الأنهار الرئيسية مما يؤدي بالتالي الى إعاقة وإيقاف الملاحة في أكثر من نهر وقناة مائية لعدة أشهر.
يبلغ اجمالي حجم البضائع المنقولة في ألمانيا عبر الشحن النهري حوالي 7 في المئة من اجمالي البضائع المنقولة. ومع هذه المساهمة المحدودة نسبيا في قطاع النقل الا ان النقل النهري يساهم في التخف من الضغط على الطرق والسكك الحديدية حيث يبلغ متوسط سعة السفن النهرية ما بين 80-100 شاحنة. كما ان النقل عبر الأنهار أكثر مناسبة وحماية للبيئة من النقل عبر الشاحنات. ويمثل التبادل التجاري وتبادل السلع والبضائع استيرادا وتصديرا بين ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى أكثر من ثلثي حجم البضائع التي تم نقلها عبر الملاحة النهرية الألمانية، ويعد ميناء ديسبورج أكبر الموانئ النهرية في ألمانيا يليه في الأهمية ميناء كولونيا ثم ميناء هامبورج ومن ثم ميناء مانهايم.
الطاقة الكهرومائية
تعد الطاقة الكهرومائية احد مصادر الطاقة المتجددة التي عرفها الانسان واستغلها منذ وقت طويل سبق حتى الثورة الصناعية اذ استخدمت الحواجز المائية والانهار والجداول في تشغيل المطاحن وورش النجارة والحدادة وغيرها، وتعمل الية استغلال قوة المياه وفقا مبدأ تحويل الطاقة الحركية لتدفق المياه الى طاقة دورانية ميكانيكية عن طريقة منظومة من التروس الميكانيكية والتي يمكن استخدمها لدفع الآلات والمولدات الكهربائية ويتركز استخدام ألمانيا للطاقة المائية في الوقت الحاضر على توليد الطاقة الكهربائية، وتتطلب عملية الاستغلال الأفضل للمياه المتدفقة في توليد الكهرباء تواجد الظروف المواتية والملائمة كوجود التضاريس الجغرافية التي توفر مساقط المياه الطبيعية وكذلك ترتبط بمدى توافر السدود والحواجز المائية التي توفر مساقط مياه صناعية، في ألمانيا تعتمد محطات توليد الطاقة الكهرومائية الكبيرة وبنسبة 20 في المئة على المياه المخزنة داخل السدود والحواجز المائية في توليد الطاقة اما نسبة 80 في المئة المتبقية فيتم توليدها من الأنهار الكبيرة التي تمر في ألمانيا خصوصا تلك التي تمر في الولايات الجنوبية. وقد بلغ نسبة الطاقة الكهربائية المنتجة من المحطات الكهرومائية في ألمانيا في العام 2023م حوالي 4 في المئة، وهو ما يساوي 18.7 تيرا وات/ساعة من الكهرباء.
معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي العامة
يرتبط 96 في المائة من سكان ألمانيا بشبكة وقنوات المجاري العامة والتي يتجاوز مجموع اطوال قنوات هذه الشبكة 540 ألف كيلو متر، ووفقا لبيانات المكتب الإحصائي الاتحادي، فان ما يقرب من عشرة الاف محطه من محطات معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي الحكومية تقوم في المتوسط سنوياً بتنقية حوالي 10 مليارات متر مكعب من المياه العادمة، ثم تقوم بعد ذلك بتصريفها وإعادة ضخها في المياه السطحية من انهار وبحيرات. وتتوزع كمية المياه العادمة هذه ما بين حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه العادمة الناتجة عن الاستهلاك المنزلي والاستخدام الصناعي والتجاري والتي تم تصريفها في شبكة المجاري وقنوات التصريف، بالإضافة الى نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه المتسربة الى شبكات التصريف من مياه الامطار.
كما تكتسب عملية توفر كمية المياه الكافية لإدامة العمليات الصناعية وتوفير المياه الازمة للاستهلاك الزراعي والمنزلي أهمية كبرى فان عملية معالجة المياه العادمة لا تقل أهمية عنها وذلك بهدف حماية البيئة وحماية مصادر المياه الطبيعية والمسطحات المائية من التلوث الذي تسببه مياه الصرف المختلفة، اذ انه الى جانب هدف حماية البيئة الذي يعد واحدا من المبادئ والاهداف الأساسية التي تتبعها الحكومة الألمانية. فان القيمة الاقتصادية لعملية معالجة المياه العادمة، سواء جاءت عبر استخلاص العديد من المواد الأولية الهامة وإعادة تدويرها او تمثلت في تنقية المياه وإعادة استخدامها، لا تقل أهمية عن تحقيق الأهداف البيئية بل تعد عملية تكميلية لها.