عقب لجوء الرئيس الأميركي Donal Trump إلى التهديد بزيادة الضرائب على الحديد والألومنيوم المصدّر إلى بلده بنسبة 10 و25 في المئة على التوالي، وإدراج السيارات الأجنبية، وبخاصة الألمانية منها، على لائحة السلع التي ستخضع لضرائب جمركية إضافية مُحتملة، يقف العالم على شفير حرب حمائية بعد أن هدد الاتحاد الأوروبي والصين ودول أخرى باتخاذ إجراءات مماثلة على الصادرات الأميركية. وانعكس الأعلان الأميركي سلباً على البورصات الدولية التي تراجعت بشدة وخسرت خلال أسبوع أرباحها التي حقتها في نهاية 2017 وبداية 2018، ما يهدد الانتعاش الاقتصادي في أوروبا والعالم إن لم يتم التعقل، خاصة وأن الجميع سيكون خاسراً.

وإلى جانب التراجع الشديد في بورصة فرانكفورت تأثرت مؤشرات الاقتصاد الألماني سلباً أيضاً رغم أن اتجاهها العام لا يزال جيداً حتى الآن. وأظهر معهد بحوث الاقتصاد الألماني Ifo في ميونيخ الصادر في أواخر شهر فبراير الماضي أن التفاؤل تراجع جزئياً لدى غالبية مسؤولي الشركات الألمانية السبعة آلاف في البلاد الذين يتم استطلاعهم شهرياً، الأمر الذي سبب هبوطاً ملحوظاً في مؤشر أجواء أعمال الشركات بعد تراجعه 2,2 نقطة من 117,6 إلى 115,4. وعقّب رئيس المعهد Clemens Fuest على الأمر فقال “إن تفاؤل الاقتصاديين الألمان يواجه الآن عملية كبح في قطاعات الصناعة والتجارة والبناء، وبالتالي فان أجواء مسؤولي الشركات الألمانية تلقّت صدمة، وانخفضت التوقعات المتفائلة للنصف الأول من هذه السنة”. وأستدرك: “مع ذلك لا يزال خبراء الاقتصاد الألمان ينتظرون نمواً جيداً هذا العام”، لافتاً إلى أن النمو العام الحاصل في البلاد يشير إلى أن الاقتصاد سيحقق في الربع الأول معدل نمو من 0,7 في المئة، بزيادة 0,1 في المئة عن الربع الأخير من عام 2017.

وبدوره أوضح مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW في مانهايم أن مؤشر النمو في ألمانيا عن شهر فبراير الفائت انخفض 2,6 نقطة ليصل إلى 17,8 نقطة مع اتجاهه إلى الأسفل، علماً أن متوسطه على المدى الطويل هو 23,7 نقطة. ويقول خبراء إن بامكان الاقتصاد الألماني أن ينمو في الربع الأول من العام الجاري بصورة أعلى من الربع الأول من عام 2017م، الأمر الذي تدل عليه مؤشرات عدة، مشيرين إلى أن محرك النمو الأول هو الاستهلاك الداخلي القوي، وارتفاع الطلب والتجارة مع الصين. وهذا ما مكّن ألمانيا من احتلال المرتبة الأولى في حجم الصادرات إلى العالم العام الفائت وللسنة الثانية على التوالي. وقال رئيس المركز Achim Wambach إن نتائج الاستطلاعات تشير إلى أن أمام ألمانيا آفاق إيجابية، وأن وضعها الاقتصادي الحالي لا يزال إيجابياً رغم التلبد القائم، كما أن التوقعات بارتفاع معدل التضخم  في البلاد تتزايد أخيراً. وفي سياق متصل ذكر المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد DIW في برلين أن مؤشر النمو لديه سجّل 113 نقطة في فبراير الماضي. صحيح أن الرقم أقل بقليل من رقم شهر يناير، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من عتبة المئة نقطة التي تعني تحقيق نمو مقداره 0,3 في المئة. وقال رئيس المعهد Ferdinand Fichtner إن الاقتصاد الألماني “في انتعاش ولا يواجه ضغوطاً”.

وعلى الصعيد الأوروبي حقق مؤشر النمو ارتفاعاً طفيفاً يبلغ 1,3 نقطة في فبراير عن سابقه يناير ليصبح 57,7 نقطة. أما توقعات النمو في منطقة اليورو للأشهر الستة المقبلة فتراجعت 2,5 نقطة إلى 29,3 نقطة بحسب ما ذكره المكتب الإحصائي الأوروبي Eurostat أخيراً. ويعتقد الخبراء أن آفاق النمو في منطقة اليورو ككل إيجابية، وينتظرون أن يرتفع معدل التضخم المطلوب في ألمانيا وفي أوروبا من جديد إلى 2 في المئة تقريباً في المرحلة المقبلةً.

البطالة تهبط رغم الشتاء القاسي وارتفاع عدد العمال اللاجئين

سجّلت البطالة في ألمانيا هبوطاً فيها أكبر مما توقعه خبراء سوق العمل في شهر فبراير الفائت رغم البرد القارس الذي عمّ البلاد وأوقف مشاريع بناء وورشات تصليح أو عرقل وتيرتها. وبلغ عدد العاطلين عن العمل في الشهر المذكور 2,546 مليون شخص، بتراجع 24 ألفاً عن شهر يناير، إضافة إلى أن عدد العاطلين هو الأدنى منذ 25 سنة. ومقارنة مع فبراير 2017 انخفضت البطالة بمقدار 216 ألف شخص، وتراجع معدلها من جديد من 5,8 إلى 5,7 في المئة.

وقال Detlef Scheele   رئيس وكالة العمل الاتحادية BA إن العطالة عن العمل تواصل تراجعها في البلاد فيما يزداد عدد العاملين المسجلين في الصناديق الاجتماعية. وأضاف أن طلب الشركات على الأيدي العاملة في البلاد لا يزال عالياً، مسجّلاً وجود 764 ألف مكان شاغر فيها، بزيادة 90 ألفاً عن شهر فبراير 2017. وتابع أن عدد الباحثين عن عمل تراجع بدوره في الشهر المذكور. هذا وذكر مكتب الإحصاء المركزي في ألمانيا أن العدد الإجمالي للعاملين المسجلين في الصناديق الاجتماعية في ألمانيا بلغ في نهاية شهر يناير الفائت 44,28 مليون شخص، بزيادة 60 ألفاً عن شهر ديسمبر الذي سبقه. وبفضل الانتعاش الجيد الحاصل في البلاد ينتظر الخبراء ارتفاعاً جديداً في عدد العاملين من جهة، والمزيد من التراجع في البطالة من جهة أخرى، علماً أن عام 2017 سجّل أقل رقم للبطالة منذ قيام الوحدة الألمانية عام 1990.

وأجرى معهد سوق العمل وبحوث المهن IAB دراسة حول الكلفة المالية التي تسببها البطالة في ألمانيا للدولة سنوياً فقال إنها تشكل بالفعل مبلغاً باهظاً قُدّر بـ 55,5 مليار يورو في عام 2016. وأَضاف أن المبلغ هذا يوازي 1,77 في المئة من الناتج القومي السنوي الخام. وعلى الرغم من ضخامته، إلا أنه أقل اليوم بكثير إن قورن مع عام 2004 حيث بلغت نسبة الكلفة 4,2 في المئة. ولفت المعهد إلى أن الدولة الاتحادية تتحمل مع 32 في المئة القسم الأكبر من هذه الكلفة فيما تتحمل وكالة العمل الاتحادية 23 في المئة منها، فيما يتوزع الباقي على الصناديق الاجتماعية وحكومات الولايات الـ 16 والبلديات.

وأظهر استطلاع نشرته وكالة Ernst & Young للإستشارات الاقتصادية في 25 فبراير الفائت وجود زيادة ملحوظ في قيام شركات ألمانية بتشغيل لاجئين. وقالت الوكالة إنها سجلت هذه الزيادة لدى عدد من الشركات المتوسطة، فيما أعرب أكثر من نصف الشركات المستطلعَة عن تقبلها لفكرة توظيف لاجئين. وأضافت الوكالة أيضاً أن نسبة الشركات المتوسطة التي توظف لاجئين ارتفعت من 16 في المئة فقط في العام الماضي إلى 27 في المائة حالياً، وأن 52 في المائة من الشركات المتوسطة أبدت استعدادها لتوظيف لاجئين مقابل رفض 10 في المئة منها رفضاً مبدئياً لهكذا خطوة. وبلغ عدد الشركات التي استطلعتها الوكالة 2000 شركة متوسطة على مستوى ألمانيا، وتحددت أسس اختيار الشركة المتوسطة لكل من لا تقل مبيعاتها عن 20 مليون ولا تزيد عن مليار يورو. وأوضحت النتائج أن ثلثي الشركات المتوسطة يرى أن بإمكان اللاجئين الإسهام على المدى المتوسط في تخفيف النقص في القوى العاملة المتخصصة. إلى ذلك اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على دفع أجور للعمال الأوروبيين العاملين في غير بلدهم توازي ما يقبضه عمال البلد. ووصفت المفوضة الاجتماعية في بروكسل Marianne Thyssen القرار الصادر بأنه اختراق كبير سيستفيد منه أكثر من مليوني عامل أوروبي.

الرقمنة: 50 في المئة من الألمان يتخوفون من فقدان أعمالهم

مع بدء تركيز الحكومة الألمانية على توسيع مجالات الرقمنة Digatilisierung في مختلف مجالات العمل والحياة، وتخصيص فصل خاص عنها في برنامج الحكومة الرابعة التي شكلتها المستشارة الألمانية Angela Merkel للتحالف المسيحي ـ الاشتراكي للمرة الثالثة على التوالي، أظهرت دراسة جديدة أجرتها جامعة بادربورن Paderborn الشهر الماضي أن 47 في المئة من الألمان، أي كل ثاني شخص في البلاد تقريباً، يخشى أن تؤدي الرقمنة إلى فقدان عمله وقيمته في المجتمع، وبالتالي لمصدر عيشه. وبيّنت الدراسة أن القلق هذا ينسحب حتى على أصحاب الكفاءات الذين يحصلون على أجور مرتفعة نسبياً. لكن قلق فقدان العمل بسبب الرقمنة يساور بصورة أساسية بالطبع المواطنين ذوي المؤهلات والأجور المتدنية، إنما أيضاً العديدين الذين يعتقدون أن عملهم سيبقى آمنا من الرقمنة.

وبالرغم من أن الحكومة  المسيحية ـ الاشتراكية كانت قد حددت في تقريرها السنوي 2013/2014 هدف توسيع مجالات الرقمنة ورفع البلاد لتحتل المرتبة الأولى في أوروبا في حلول عام 2018، من الواضح أن برلين فشلت بوضوح في تحقيق هدفها هذا. مثال على ذلك فشلها في ربط كل الشقق والمنازل والإدارات والمدارس في كل أنحاء البلاد بشبكة الانترنت. من هنا تشديد برنامج التحالف الجديد الآن على العمل بوتيرة أعلى للحاق بعدد من الدول الأوروبية والغربية التي سبقتها في هذا المجال. وهذا ما أكدت عليه منظمة التعاون الأوروبية OECD في تقرير صادر عنها أواخر العام الفائت جاء فيه أن الدول الإسكندنافية، وهولندا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة تتقدم بوضوح على ألمانيا في شبكة الرقمنة باسثناء ما يتعلق بـ “الثورة الصناعية الرابعة” Industrie 4.0 حيث تحتل ألمانيا مرتبة جيدة.

ويستند الباحثون في جامعة بادربورن الألمانية على الاستطلاع الذي أجراه في شهر يناير من عام 2017 “معهد بحوث الرأي العام حول القضايا السياسية” القريب من النقابات العمالية، وتطرق فيه إلى أسباب نجاحات “حزب البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي اليميني وخلفياتها، خاصة وأن الحزب يستفيد كثيراً من القلق والتضعضع الاجتماعيين للعديد من المواطنين. وشمل الاستطلاع 4892 شخصاً ابتداء من الثامنة عشرة من العمر، وبرز فيه قلق الناس من تدهور مستوى حياتهم، وخوفهم أيضاً من خسارة ضمانهم المالي، أي معاش التقاعد. ووجدت الدراسة أن 25 في المئة من هؤلاء أبدوا قلقاً من خسارة مكان عملهم، وكان هذا ملموساً في شرق ألمانيا أكثر من غربها. وبلغت نسبة القلقين من تدهور وضعهم المالي الذين يتلقون أجراً شهرياً ضئيلاً ويعيشون على هامش المجتمع 90 في المئة، ما يعني أن القلق هذا يتراجع بقدر ما يرتفع مستوى الناس الاجتماعي والتعليمي والمالي. من هنا تبلغ نسبة القلقين على مستقبلهم الاجتماعي داخل هذه الفئة وما أعلى 38 في المئة، ونسبة القلقين على وضعهم المالي 47 في المئة.

ووجدت الدراسة أن أكثر من 50 في المئة من الفئة المتوسطة من الألمان يعربون عن قلقهم من تنامي التداعيات السلبية للرقمنة عليهم، وأن تخوفهم الأول هو زيادة الرقابة عليهم صوتاً وصورة في أمكنة عملهم. وإضافة إلى الرقمنة تلعب العولمة دوراً متزايداً كذلك في إخافة الناس من المزاحمة والمنافسة المستقبلية لهم. وتعمل أحزاب شعبوية مثل “حزب البديل من أجل ألمانيا” على استغلال قلق الناس وتضعضعهم العام لمصلحتها.

ماي تقرّ بـ«وقائع صعبة» وتأمل بتسوية لـ «الطلاق»

سبَّب الخطاب الذي ألقته رئيسة الوزراء البريطانية Theresa May في الثاني من شهر مارس الحالي لتحديد مواقف حكومتها من كيفية الطلاق مع الاتحاد الأوروبي في شهر مارس من العام المقبل، ردود فعل واسعة ركزت على أنها لم تحدد الخطوات المطلوبة، بل كررت مواقف عامة معروفة فيما تنتظر بروكسل منها تقديم اقتراحات عملية أخيراً رداً على اقتراحات الاتحاد. صحيح أن أبرز المفاوضين الأوروبيين Michel Barnier رحّب بخطاب ماي المتضمن نظرة المملكة المتحدة إلى علاقاتها مع الاتحاد بعد “بريكزيت”، والذي أقرّ بضرورة تحديد علاقات البلدين على أسس جديدة، مشيراً إلى اقتراحات سيقدّمها الاتحاد الأوروبي قريباً جداً للتفاوض مع لندن على اتفاق للتجارة الحرة. لكن السياسي الألماني Manfred Weber، زعيم تجمع الأحزاب المُحافظة في البرلمان الأوروبي “حزب الشعب الأوروبي”، عضو الحزب المسيحي الإجتماعي حليف حزب المستشارة Angela Merkel الحزب المسيحي الديمقراطي، اعتبر أن خطاب ماي “جعله أكثر قلقاً من السابق”، مضيفاً: “لا أرى كيف يمكن أن نصل إلى اتفاق، إذا كانت حكومة المملكة المتحدة تواصل دفن رأسها في الرمال بهذا الشكل”.

ولا يزال حزب المحافظين البريطاني يواجه خلافات حادة بين مؤيّد ومعارض للخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ يريد البعض تشدداً أكثر فيما يطالب البعض الآخر بقبول شروط بروكسل الخاصة بالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، الأمر الذي يهدد وحدة الحزب المحافظ. وشنّ اللورد Michael Heseltine، وهو مسؤول هام في الحزب حملةً مضادة لتوجهاتها معتبراً رؤيتها لـ “بريكزيت”، مجرد “عبارات عامة مبتذلة لا يمكن البناء عليها لإنجاز اتفاق يخدم مصلحة البريطانيين”، مؤكداً أن النواب المناهضين لأوروبا “يهددونها ويضعون سكيناً على عنقها”. وأضاف: “خطابها حدد ما تريده بريطانيا، وهي تجاهلت تأكيد بروكسل بأن مطالبها مرفوضة”. ورفضت ماي الدعوات لتنظيم استفتاء شعبي جديد، وقالت: “الشعب البريطاني صوّت لمصلحة الخروج، وأعتقد أن على الساسة البريطانيين تنفيذ القرار”. وكرّرت معارضتها وجود حدود فعلية داخل الاتحاد البريطاني بعدما طرحت بروكسل مسوّدة تقترح فيها بقاء إيرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي الأوروبي، فيما تبقى باقي بريطانيا خارجه، لكنها فشلت في ابتكار حلّ أفضل لتجنّب فرض قيود جمركية جديدة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا بعد الانسحاب.

لكن ماي لفتت “الى إمكان التوصل الى ترتيب يمنح بريطانيا حرية التوصل الى اتفاقات تجارة منفردة، ودعت “الى اتفاق تجارة حرّة يتجاوز ذاك المُبرم بين كندا والاتحاد الأوروبي، لكنه لا يصل الى مستوى الاتفاق الموقّع مع النرويج، العضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية”. وقالت إن التوصل الى اتفاق تجارة سيتطلّب “التزامات تبادلية ملزمة” لضمان المنافسة النزيهة، و”آلية تحكيم مستقلة”، في رفض صريح منها للمحكمة الأوروبية وقراراتها، الأمر الذي ترفضه بروكسل تماماً. ورفضت ماي كذلك اتحاداً جمركياً جديداً يتحكّم بحركة السلع، مشددة على “ضرورة حماية سلاسل الإمدادات المعقدة التي نشأت خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي”. وقالت ان بلادها ستقدم التزاماً قوياً بأن تبقى معاييرها التنظيمية مرتفعة، على مستوى معايير الاتحاد. وفيما دعم وزير الخارجية البريطاني Boris Johnson “رؤية ماي الواضحة والمقنعة” قال النائب عن حزب العمال البريطاني تشوكا أومونا إن رئيسة الحكومة “دفنت رأسها في الرمال”. ولمناسبة الزيارة الرسمية الأولى لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى بريطانيا، صرّح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للصحافيين بأن خروج بريطانيا المرتقب من الاتحاد الأوروبي “لا يؤثر على جاذبيتها باعتبارها وجهة للاستثمار”، متوقعاً أن ترتقي زيارة ولي العهد بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى.

وفي دراسة لمؤسسة الاستشارات المالية Oliver Wyman ومكتب المحاماة Clifford Chance عن حجم الخسائر المتوقّعة لدول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبريطانيا من جهة أخرى بسبب الـ “بريكزيت” تبيّن أن دول الاتحاد الـ 27 الباقية ستخسر 37 مليار يورو مقابل خسارة بريطانيا وحدها 32 مليار يورو. أما القطاع الاقتصادي الأكبر الذي سينوء تحت الحمل سيكون قطاع صناعة السيارات. وأعرب اتحاد الصناعة الألمانية BDI أخيراً عن أمله في أن تعقد بروكسل عقداً تجارياً مع بريطانيا مماثل لاتفاق التجارة مع النرويج، علماً أن لندن غير متحمسة لذلك.

ترامب يلوّح بحرب تجارية وأوروبا تحذر وتدافع عن مصالحها

أثار الرئيس الأميركي Donald Trump أخيراً غضباً دولياً قد يتحول إلى حرب تجارية في حال لم يتراجع عن قرار فرض رسوم جمركية على واردات الفولاذ والألومنيوم بمقدار 25 و10 في المئة على التوالي، وفرض رسوم على السيارات كذلك في حال لجأت بروكسل إلى اتخاذ تدابير مضادة. واستثنى ترامب من قراره دولاً مثل كندا والمكسيك واستراليا. وتوالت الانتقادات والردود المنددة بالقرار من انحاء العالم المختلفة، وبخاصة من بروكسل وبرلين، وأيضاً من الهيئات الاقتصادية، وأرباب العمل، وشركات صناعة المعادن والسيارات الألمانية واليابانية والصينية بصورة خاصة. وقال ترامب: “عندما نخسر بلايين الدولارات في التجارة مع كل الدول التي نتعامل معها تقريباً، فان الحروب التجارية جيدة ومن السهل كسبها”. وأضاف: “لا خيار آخر لدينا مع عجز تجاري يبلغ 800 مليار دولار”. ويرى اقتصاديون أن مثل هذه الخطوات ستضر بالعمال الأميركيين والقطاع الصناعي أيضاً، وقد يتسبب ارتفاع سعر الواردات في زيادة التضخم والحد من النمو. يُذكر ان الرئيس الأسبق   Georges W. Bush فرض رسماً من 30 في المئة على الفولاذ عام 2002 تسبب بخسارة 200 ألف وظيفة أميركية، وتمّ إلغاء هذه الرسوم بعد 18 شهراً عقب خسارة الولايات المتحدة دعوى أمام منظمة التجارة الدولية.

وجاء رد المفوضية الأوروبية سريعاً، اذ أعلن رئيس الاتحاد الأوروبي Jean Claude Junker أنه “سيرد بقوة وفي شكل متناسب دفاعاً عن مصالح أعضائه”. وقال: ” نحن نأسف بشدة لهذه الخطوة، التي يبدو أنها تمثل تدخلاً سافراً لحماية الصناعة المحلية الأميركية ولا تستند إلى أي مبرر للأمن القومي”. ورغم تأييد المستشارة الألمانية أنغيلا مركل موقف الاتحاد الأوروبي الرافض والمندد بالقرار، إلا أنها أيدت اجراء مفاوضات سريعة مع الرئيس الأميركي كي يستثني أوروبا من قراره، ويمتنع عن اتخاذ تدابير حمائية ضدها. وستكون الصين المتضررة الأكبر من قرار ترامب، وقالت إنها “لا تريد حرباً تجارية”، لكنها لن تقف “مكتوفة الأيدي” أمام التهديدات الأميركية لصادراتها. وفي طوكيو حذرت مجموعة Toyota لصناعة السيارات من “الاثر السلبي” للضرائب الباهظة التي يعتزم ترامب فرضها على واردات الفولاذ والالومنيوم، مؤكدة ان هذه الرسوم ستؤدي الى زيادة كبيرة في أسعار السيارات في السوق الاميركية. وأوضحت “أن أكثر من 90 في المئة من الفولاذ والالومنيوم اللذين نشتريهما للسوق الاميركية يأتي من الولايات المتحدة ذاتها”. كما حذرت أربع مجموعات صناعية ألمانية من تصاعد الإجراءات الحمائية وحثت برلين والاتحاد الأوروبي على أن يظلا ملتزمين بحرية التجارة. وقال مسؤولو المجموعات الأربع في بيان مشترك بعد اجتماع عقدوه في ميونيخ “إن الصناعة الألمانية قلقة للغاية بشأن قرار الحكومة الأمريكية فرض رسوم جمركية عقابية ذات تأثير واسع”. وقال البيان “من أجل منع دوامة للإجراءات الحمائية على ألمانيا والاتحاد الأوروبي مواصلة دعم النظام العالمي للتجارة.

وعقّب Carsten Brzeski الخبير الاقتصادي لدى المؤسسة المالية ING Diba بالقول “إن الخطر الذي تواجهه ألمانيا اليوم حقيقي” طالما أن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة وحدها تجاوز الـ 50 مليار يورو عام 2017. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الثالث لألمانيا بعد الصين وهولندا على صعيد المبادلات التي تشمل كل المنتجات، لكن أميركا هي الزبون الأول الشاري من ألمانيا قبل فرنسا والصين. لذا يرى الخبير بريجسكي “أن عوامل عدة تحد من الخطر المباشر على الاقتصاد الألماني، بفضل تنوع الصادرات التي لا تعتمد على وجهة واحدة”. ويرى خبراء أن ارتفاع سعر اليورو لم يخفض حجم الصادرات الألمانية، وأن هذا مؤشر إضافي إلى تمكن “الجودة الألمانية” من مقاومة تقلبات الأسعار، إما بسبب نوعيتها الفخمة كالسيارات، أو لأن ألمانيا تبيع منتجات ليس من السهل إيجادها في مكان آخر مثل الآلات الثقيلة والدقيقة الصنعة.

ويواجه ترامب حالياً معارضة قوية من داخل حزبه الجمهوري. فقد قدّم مستشاره الاقتصادي في البيت الأبيض Gary Cohn استقالته من منصبه على الفور بسبب خلافه مع نهج الرئيس الحمائي. وكان كوهن يعمل سابقاً في مصرف Golden Sachs   الأميركي. ووجه 107 نواب ينتمون إلى الحزب الجمهوري رسالة إلى رئيسهم يرفضون فيها خطوته ويعربون “عن قلق عميق” من نتائجها، ويحذرون من أن الرسوم الجمركية الإضافية “ستضر الاقتصاد الأميركي أكثر مما ستفيده”. وأعلن السيناتور الجمهوري Jeff Flacke أنه سيطرح مشروع قانون على الكونغرس للتصويت عليه بهدف وقف العمل بقرار فرض رسوم عالية على بعض الواردات. وانتقد رئيس لجنة المال في الكونغرس السيناتور الجمهوري Orrin Hatch، وكذلك رئيس الأغلبية الجمهورية فيه Mitch McConnell قرار ترامب قائلاً إنه قلق كزملائه الآخرين من نتائجه على المواطنين الأميركيين والشركات التي يعملون فيها. وأمام الولايات الأميركية فترة أسبوعين للاعتراض على قرار ترامب والمطالبة بتعديله او إدراج استثناءات تشمل دولاً محددة لدى وضعه موضع التنفيذ.

وبعد ردود الفعل العنيفة الأولية من جانب الاتحاد الأوروبي أعلنت مفوضة التجارة في المفوضية الأوروبية Cecilia Malmström أخيراً أن لا عجالة في الأمر، وأنها ستنتظر تطور الأمور، خاصة وأنه بعد بدء تنفيذ قرار فرض الرسوم الإضافية سيكون لدى الاتحاد الأوروبي 90 يوماً لاتخاذ الأجراءات اللازمة، ومنها تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة أمام منظمة التجارة الدولية WTO، وخطوات لحماية قطاع الفولاذ والألمنيوم في أوروبا. وبعد ذلك يتم نشر لائحة بالمنتجات الأميركية التي ستفرض عليها في أوروبا رسوماً جمركية إضافية في حال بقي الأمر ضرورياً.

التبادل التجاري العربي الألماني للعام 2017م

بلغت قيمة التبادل التجاري العربي الألماني خلال العام 2017م ( 48,3 ) مليار يورو،  مســــجلاً إنخفاضاً بنسبة ( – 2,1 ) بالمئة مقارنة بالعام 2016م، حيث سجلت قيمة الصادرات الألمانية الى الدول العربية إنخفاضاً بنسبة ( – 9,6 ) في المئة وبلغت ما قيمته ( 36,8 ) مليار يورو، في حين إرتفعت قيمة الواردات الألمانية من الدول العربية بنسبة  ( 33,9 )في المائة ووصلت قيمتها إلى ( 11,3 ) مليار يورو، وتصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلع الألمانية بين الدول العربية (11098,8  مليون يورو )، تليها المملكة العربية السعودية (6598,2  مليون يورو)، فجمهورية مصر العربية (4405,5  مليون يورو )، في حين تصدّرت ليبيا ( 2484,7 مليون يورو ) قائمة الدول العربية المُصدّرة إلى ألمانيا، تليها تونس (1765,6  مليون يورو )،  فجمهورية مصر العربية (1363,5  مليون يورو ).

التبادل التجاري العربي الألماني للعام 2017م