أجمع الخبراء ومعاهد البحوث في ألمانيا على صلابة النمو الاقتصادي في البلاد، على الأقل على مدى الأشهر الستة المقبلة، أي حتى نهاية العام الجاري. وقال معهد البحوث الاقتصادية Ifo في ميونيخ الذي يستفتي شهرياً سبعة آلاف شركة ألمانية إن مؤشر أجواء الشركات الألمانية عن شهر يوليو كانت إيجابية جداً وارتفع من 115,2 إلى 116 نقطة، وهو رقم قياسي لم يكن منتظراً، متجاوزاً رقمه القياسي الذي سجله في الشهر السابق، علماً أن خبراء كانوا قد توقعوا تراجعه بعض الشيء. وارتفع مؤشر سير الأعمال الحالية للشركات بقوة من 124,2 إلى 125,4 نقطة، كما ارتفع مؤشر توقعات الأعمال للأشهر الستة المقبلة من 106,8 إلى 107,3 في المئة.

 وعقّب رئيس المعهد Clemens Fuest على ذلك بالتأكيد “على ان الاقتصاد الألماني ما يزال يواصل تحليقه”، مشيراً إلى “أن أرباب العمل الألمان في وضع تفائلي جيد”. وبعد أن لفت إلى أن التفاؤل يشمل توقعاتهم أيضاً حتى نهاية العام الجاري، شدد “على أن طفرة البناء والاستهلاك الحاصلين، والنمو الحاصل في العالم إجمالاً يدفعان الاقتصاد الألماني كأكبر اقتصاد في أوروبا إلى الأمام”.

ونتيجة لذلك رفع خبراء المعهد الآن توقعاتهم السابقة للنمو الاقتصادي المتوقع لعام 2017 من 1,5 إلى 1,8 بصورة رسمية، وتوقعاتهم للنمو في عام 2018 من 1,8 إلى 2 في المئة. أما الحكومة الألمانية فلم تغير بعد توقعاتها للنمو لهذه السنة والسنة المقبلة وأبقتها على 1,5 و 1,6 في المئة على التوالي. في المقابل ذكر مركز البحوث الأوروبية في مانهايم الذي يستفتي شهرياً نحو 350 خبيرا مالياً واقتصادياً في ألمانيا وأوروبا أن توقعات هؤلاء تراجعت في شهر يوليو للشهر الثاني على التوالي، وانخفض مؤشره من 18,6 في يونيو إلى 17,5 نقطة في يوليو مقابل 20,6 نقطة في شهر مايو الماضي. أما مؤشر التوقعات للأشهر الستة المقبلة فسجل زيادة ملحوظة، بل وأعلى مما كان متوقعاً بعد ارتفاعه من 83,9 إلى 88 نقطة دفعة واحدة. ورأى رئيس المركز Achim Wambach أن الانطباع الأجمالي هو أن الاقتصاد الألماني يسير في خط تصاعدي، أيضاً بفضل النمو الحاصل في دول الاتحاد الأوروبي.

وبدوره أعلن معهد البحوث الألمانية DIW في برلين أن مؤشر النمو لديه يشير إلى أن الاقتصاد الألماني سيحقق نمواً قوياً في الربع الثاني من السنة الحالية، خاصة وأن المؤشر في شهر يونيو سجل 104 نقاط، “بزيادة أربع نقاط عن رقم المئة الذي يشير إلى وجود ارتفاع متوسط للاقتصاد في البلاد” على حد تعبير رئيس قسم النمو في المعهد Ferdinand Fichtner الذي ينتظر أن يسجل الربع الثاني من هذا العام نمواً أعلى من معدل 0,5 في المئة الذي سجّل في الربع الأول منه، وانتظر نمواً في الربع الثالث بنسبة 0,5 في المئة أيضاً.

وفي رأي الخبراء فان ما يدل على متانة الوضع الاقتصادي والمالي لألمانيا واقع أن معدل الدين العام على الدولة هبط خلال السنوات الست الأخيرة من أكثر من 80 إلى أقل من 70 في المئة من الناتج القومي العام السنوي للبلاد. وقال Ulrich Stephan كبير خبراء مصرف Deutsche Bank إن ألمانيا كانت الدولة الوحيدة ضمن الدول الصناعية السبع الأكبر في العالم التي تمكنت من احراز فائض في ميزانيتها على مدى ثلاث سنوات متتالية. وأضاف أنه في حال بقي الإنفاق الحكومي تحت المراقبة حتى عام 2020 ستتمكن ألمانيا من الالتزام من جديد بمعيار ماستريخت الذي ينص على ألا يتجاوز الدين العام في الموازنة العامة نسبة الستين في المئة.

ويتبيّن من مشروع موازنة الدولة للعام 2018 أن وزير المال Wolfgang Schäuble لا يزال مصراً على التمسك بالخلو من أي دين كما في الأعوام الماضية منذ 2014م، وهو يعتبر تحقيق هذا الأمر مفخرة له ولخطه الداعي إلى التقشف في أوقات الأزمات مقابل التيار الداعي إلى الصرف والاستثمار الحكومي لتحريك الاقتصاد كما يطرحه الحزب الاشتراكي الديمقراطي. إلا أن أمر الاستمرار في ذلك أوعدمه يعود أخيراً إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي ستجري في نهاية سبتمبر القادم، وما إذا كان شويبله سيعود وزيراً للمال. إلى جانب ذلك ثمة مطالبات داخلية وأوروبية ودولية منذ سنوات لألمانيا للاستفادة من وضعها المالي المريح وزيادة استثماراتها بحيث تستفيد منها أيضاً دول في منطقة اليورو ضعيفة. ويحث الرئيس الفرنسي الجديد Emmanuel Macron بدوره برلين على فعل ذلك.

سوق العمل الألمانية تسجل منذ سنة انخفاضاً متتالياً للبطالة

ما تزال سوق العمل في ألمانيا تسجل شهرياً، ومنذ نحو سنة تقريباً، انخفاضاً متتالياً في أعداد العاطلين عن العمل فيها، الأمر الذي يؤكد دون براهين كثيرة صلابة الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ سنوات وحاجتها الماسة إلى المزيد من اليد العاملة. فقد أعلنت وكالة العمل الاتحادية BA أخيراً أن البطالة هبطت في البلاد في شهر يونيو الفائت إلى 2,473 مليون شخص، بتراجع بلغ 25 الف عامل عن شهر مايو المنصرم و 142 ألفاً عن الشهر ذاته من العام الماضي. وبذلك تكون البطالة قد سجلت في يونيو أقل رقم للعاطلين عن العمل منذ عام 1991. وقالت الوكالة الاتحادية إن معدل البطالة انخفض من جديد من 5,6 في شهر مايو الفائت إلى 5,5 في المئة الآن.

وأعاد رئيس وكالة العمل الألمانية Detlef Scheele التراجع إلى عوامل مناخية مؤآتية وموسمية في الدرجة الاولى، مضيفاً أنه لولا ذلك لكانت البطالة ارتفعت بمقدار سبعة آلاف شخص (خمسة آلاف في غرب البلاد وألفان في شرقها) للمرة الأولى منذ شهر مارس 2016م. وأوضحت الوكالة أن عدد العاملين في ألمانيا وصل في نهاية شهر مايو الماضي إلى رقم قياسي جديد منذ الوحدة الألمانية عام 1990م وبلغ 44,1 مليون نسمة، بزيادة مقدارها 1,5 في المئة عن الشهر ذاته من العام 2016م. وعلّق Ulrich Stephan كبير خبراء المال في مصرف Deutsche Bank على الأمر فقال إن العدد القياسي هذا يفسر إقبال المستهلكين الألمان على المزيد من الشراء على حد ما ذكره باحثوا مؤسسة الاستهلاك الألمانية GfK الذين قالوا إن الاستهلاك المشهود في البلاد هو الأعلى حالياً منذ السنوات الست الأخيرة، خاصة وأن مبيعات القطعة في البلاد زادت بنسبة 6,3 في المئة عن شهر مايو 2016م. ولفت الخبير إلى أن من يعمل ويرتفع أجره يستهلك أكثر، ويدعم بالتالي نمو اقتصاد بلده.

إلى ذلك، وفي ذكرى مرور 33 سنة على الكفاح الكبير الناجح الذي قام به العمال والمستخدمون الألمان بمبادرة من اتحاد عمال المعادن القوي في البلاد IG Metal لإقرار قانون يحدد ساعات العمل الاسبوعية في البلاد بـ 35 ساعة تحت شعار “احتاج إلى والدي يوم السبت”، بدأ الاتحاد المذكور يُعد العُدّة لطرح مطلب خفض ساعات العمل إلى 28 ساعة في الأسبوع على أرباب عمل القطاع في جولة المفاوضات التي سيجريها معهم قريباً لتحديد تعرفات العمل. وقال رئيس الاتحاد المذكور Jörg Hofmann في مؤتمر نقابي عقد أخيراً “إن العاملين بحاجة إلى فترات عمل تتناسب مع حياتهم” في عالم متغيّر. وقال إن اتحاده يحضّر عرضاً بهذا الصدد لتمكين الأهل العاملين من الاهتمام أكثر بابنائهم خلال أيام الأسبوع أيضاً وليس فقط في نهايته. وأضاف أن من حق العاملين اليوم الحصول على اوقات فراغ مدفوعة الأجر للاهتمام بأفراد عائلاتهم ورعايتهم والعناية بهم صحياً، أو للقيام برحلة هامة. لكن رابطة أرباب العمل في قطاع المعادن Arbeitgeberverband Gesamtmetall رفضت الاقتراح بصورة قاطعة مبررة ذلك بوجود نقص غير قليل حالياً في القوى العاملة الكفوءة في البلاد. وبعد أن ذكرت الرابطة أن 18 في المئة فقط من العاملين لديها يعملون أكثر من 35 ساعة في القطاع، ردّ رئيس اتحاد المعادن Hofmann بأن عدد من يعمل ساعات أكثر في الأسبوع يتجاوز الـ 30 في المئة من العمال والمستخدمين. ورغم الخلاف القائم بين الطرفين إلا أن رابطة أرباب العمل أعربت عن استعدادها لاجراء مفاوضات في هذا الشأن مع ممثلي اتحاد المعادن.

من جهة أخرى أقرت الحكومة الألمانية أخيراً تقريراً تحت اسم “قانون الاعتراف 2017” Anerkennungsgesetz 2017 يتعلق بالاعتراف بشهادات الأجانب القادمين إلى المانيا للعمل فيها، ويسمح القانون للمرة الأولى بفحص الشهادات الأجنبية والموافقة على القبول بها ومعادلتها هنا، الأمر الذي سيساهم في سدّ نقص اليد العاملة الحاصل في قطاعات عديدة وتعزيز الاندماج في سوق العمل وفي المجتمع، على حد ما ذكرته وزيرة التربية والبحوث الاتحادية Johanna Wanka.

مركل وشولتز يتنافسان ببرنامجين على منصب المستشار

قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات النيابية العامة في ألمانيا يتسابق المرشحان الرئيسيان أنغيلا مركل عن الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري)، ومارتين شولتز عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي، على كسب أصوات الناخبين. وللوصول إلى ذلك طرح كل من المرشحين برنامجين غلب عليهما الطابع الاجتماعي والاقتصادي وكيفية التعاطي مع الهجرة إلى ألمانيا بعد أن أصبحت موضوع الساعة إثر قدوم نحو مليون لاجئ عام 2016م.

وقدمت المستشارة مركل برنامج الحزبين المسيحيين الشقيقين تحت عنوان “ألمانيا الواحدة، نعيش فيها بحب وراحة”، ويتضمن الوصول إلى هدف تأمين عمل للجميع حتى عام 2025م، مشيرة إلى أن الأمر سيتحقق في حال انخفضت البطالة من 5,5 في المئة حالياً إلى أقل من 3 في المئة. وإذ تحدثت في هذا الإطار عن هدف “تأمين الرخاء والأمن للجميع” في البلاد، قالت مركل إنها ستسعى في حال فوزها إلى وضع واقرار “قانون هجرة للكفاءات” بهدف تعبئة كل أمكنة العمل الفارغة في البلاد، لكنها رفضت اعتماد مثال قانون الهجرة الكندي الذي يعتمد على نظام تجميع النقاط لقبول المهاجر. في الوقت ذاته رفضت مطلب حليفها من الحزب الاجتماعي المسيحي Horst Seehofer بوضع سقف أعلى لقبول المهاجرين واللاجئين. وكان Seehofer طالب بتحديد سقف من 200 ألف لاجئ لهذا العام، لكن العدد لم يتجاوز الـ 60 ألفاً بحسب الاحصاءات الرسمية الصادرة أخيراً. ووعدت مركل مواطنيها بخفض ضرائب عنهم خلال السنوات الأربع القادمة بما قيمته 15 مليار يورو، وإلغاء “صندوق ضريبة التضامن” مع شرق ألمانيا تدريجاً بين أعوام 2020 و2030. وقالت إن حكومتها ستُسهّل شراء عقارات سكن من خلال دفع علاوة للأهل بقيمة 1200 يورو سنوياً عن كل طفل وعلى مدى عشر سنين كاملة. كما وعدت برفع علاوة انجاب الأطفال والاهتمام بهم. ولم تحدد مركل شيئاً واضحاً عن المتقاعدين الذين يزداد عددهم وكيفية تأمين تقاعدهم الشهري والزيادات عليه. في المقابل قالت إنها ستُقوّي الأجهزة الأمنية في البلاد وستمدُّها بالعدد والعتاد، والتزمت برفع عدد القوى الأمنية بمقدار 15 ألف شرطي. ووعدت بتخصيص ثلاثة مليارات يورو للبحوث الصحية والطبية لمكافحة أمراض السرطان والألزهايمر والخرف، وخمسة مليارات يورو لتزويد المدارس بالانترنت والكمبيوترات.

وفي برنامجه الانتخابي الذي أسماه “خطة المستقبل” طرح المرشح الاشتراكي شولتز نقاطاً عشر بعناوين مشابهة تقريباً لعناوين مركل، إنما ليقول أن ما يطرحه هو أعمق وأبعد مما طرحته المستشارة، معتبراً انها تقدم الحد الأدنى فيما هو يعد بالحد الاقصى الممكن. لذلك ردد خلال عرض برنامجه على الرأي العام بأنه يريد في حال فوزه بمنصب المستشار تخصيص استثمارات حكومية أكبر بكثير في البنى التحتية، وفي البناء، وفي التعليم الذي يريده مجاناً من الروضة وحتى الجامعة أو لتعلّم مهنة. كما يريد توسيع العدالة الاجتماعية، ودفع علاوات أعلى للعائلات والأطفال واعداً المتقاعدين بالابقاء على قيمة تقاعدهم الفعلية حتى عام 2030، وخفض مجالات العمل المؤقت لصالح العمل الدائم بأجر مقبول. وشدد شولتز على جعل الاستثمارات في البلاد “واجباً حكومياً” تلتزم به الدولة، لا قراراً حكومياً يُتخذ او لا يُتخذ تبعاً للمصالح. وأبرز شولتز في برنامجه أكثر من المستشارة موقع الاتحاد الأوروبي وأهميته وضرورة دعمه، خاصة وأنه كان لسنوات عديدة رئيساً لبرلمانه. وانتقد مركل لكونها وقفت، بحسب رأيه، ضد اتخاذ قرارات مصيرية تساعد على تجاوز الأزمة المالية التي أصابت دول منطقة اليورو، “ما أفقدها الكثير من الثقة بها”. ووصف قولها بأنها ستحدد بعد الانتخابات نهجها مع أوروبا بـ “الفضيحة التامة”، مضيفاً أن على ألمانيا أن تكون مستعدة لكي تفعل أكثر لمصلحة القارة، وأن ترفع مساهمتها في صندوق الاتحاد، واعداً بأنه سيفعل ذلك إن انتُخب مستشاراً. لكنه قال أيضاً إن دولاً مثل بولندا والمجر رفضت التضامن الأوروبي لأيواء اللاجئين يتوجب معاقبتها من خلال خفض الحصص المالية الأوروبية المقدّمة لها. ومقابل موافقة مركل على مطلب الولايات المتحدة بزيادة مساهمة ألمانيا في التسلُّح ضمن حلف الناتو بنسبة 2 في المئة من الناتج القومي السنوي رفض شولتز هذا الأمر رفضاً قاطعاً.

بريكزيت: جولة ثانية دون نتائج ولندن تشعر بثقل التداعيات

انتهت الجولة الثانية من مفاوضات “بريكزيت” بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي استغرقت أربعة أيام (من 17 إلى 20 يوليو الحالي) خلف أبواب مغلقة دون الوصول إلى نتائج ملموسة بين  Michel Barnier رئيس الفريق الأوروبي وبين David Davis رئيس الفريق البريطاني في ما يتعلق بقضية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وفي ما قال دافيس إن تقدما تحقق، أوضح بارنيه أن الخلافات بين الطرفين ما تزال عميقة. وبحث المجتمعون أربعة مسائل هامة لا يمكن أن تستمر مفاوضات الانفصال دون الاتفاق حولها وهي: حقوق عمل وإقامة 3,2 ملايين أوروبي في بريطانيا، حقوق عمل وإقامة نحو مليون بريطاني في الدول الأوروبية، المستحقات المالية المتوجب على بريطانيا دفعها بعد أن التزمت بها قبل اتخاذ قرار البريكزيت، وضمان حرية التنقل إلى أوروبا عبر شطر جنوب إيرلندا المتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي. وفي حال الاتفاق على النقاط الأربع فقط يتم الانتقال إلى نقطة كيفية تحديد العلاقات المشتركة بين الطرفين مستقبلا بعد الانفصال في شهر مارس 2019م.

وتتخوف أوساط سياسية بريطانية من أن يؤدي فشل المفاوضات في قضية المستحقات المالية أو حقوق المغتربين، إلى العجز عن التوصل إلى اتفاق حول الحدود الإيرلندية، وهو ما يهدد بإنفجار الوضع مجدداً في بلفاست، ما لم يُعطَ سكان إيرلندا الشمالية حق التنقل بحرية عبر الحدود، ذلك أن الجانب الأوروبي كان واضحاً جداً في تأكيد أن لا اتفاق على موضوع من المواضيع الثلاثة من دون الاتفاق عليها مجتمعة. في المقابل، فإن الموقف الذي يُفترض أن تتخذه لندن من هذه المسألة ومسائل أخرى موضع خلافات داخل حكومة Theresa May، إذ برز تيار داعم لوزير الخزانة البريطاني Philip Hammond، أحد أبرز الداعين إلى “خروج بريطاني سلس” الذي يبرز أولوية علاقات التجارة مع الاتحاد الأوروبي على مسألة الهجرة.

خلال ذلك تجد بريطانيا نفسها أكثر فأكثر عرضة لتداعيات الانفصال على اقتصادها. فقد ذكرت دراسة وضعهتا الشبكة الدولية للمراقبة والاستشارات Deloitte أخيراً أن المملكة ستواجه في السنوات المقبلة نقصاً كبيراً في القوى العاملة الكفؤة، وان خمسين في المئة من العاملين الأوروبيين من أصحاب الكفاءة العالية سيتركون بريطانيا خلال السنوات الخمس المقبلة. وأضافت أن قرار “بريكزيت” سيغير النظرة “إلى أن البلد أرض خصبة للعمل فيه” بعد أن ذكر 48 في المئة من العاملين الأجانب أن المملكة لم تعد بلداً جاذباً للعمل فيه. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة Markit في بريطانيا أخيراً أن ثقة الشركات فيها بمستقبل البلد بعد الانفصال هبطت إلى أدنى حد سُجّل في عام 2011. وبعد مصارف HSBC و Goldman Sachs و UBS وغيرها كثر، أعلن بنك الاستثمار الأميركي الضخم Citigroup إدارة ظهره للندن مرجحاً الانتقال إلى فرانكفورت لمتابعة أعمال فروعه المنتشرة في أوروبا كما ذكرت أخيراً جريدة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ”. وتم حتى الآن سحب آلاف من موظفي المصارف من العاصمة البريطانية.

ايجابيات وسلبيات نتائج قمة الـ 20 بهامبورغ اقتصادياً ومناخياً

أسفرت “قمة العشرين” التي استضافتها ألمانيا في مدينة هامبورغ التجارية والصناعية في 7 و8 من شهر يوليو الجاري، وترأستها المستشارة الألمانية Angela Merkel بحضور رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء، عن نتائج أيجابية وسلبية في الوقت ذاته في رأي عدد كبير من المراقبين والمحللين، علما أن الايجابيات فاقت السلبيات. وكانت التحضيرات المكثفة لقمة اليومين التي حضّرت لها المستشارة بعناية كبيرة، وتمثلت بجملة من الزيارات التي قامت بها إلى عدد كبير من الدول المشاركة فيها، بمثابة المفتاح الذي مكّن القمة من الخروج بقرارات وُصفت بـ “التاريخية” من قبل كثيرين، خاصة فيما يتعلق بحماية المناخ وبرفض التجارة الحمائية. وتضم مجموعة العشرين إضافة إلى ألمانيا كلا من الصين، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والمكسيك، وتركيا، وكندا، والبرازيل، وأستراليا، والأرجنتين، وإيطاليا، والهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والسعودية وجنوب أفريقيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وتحوز دول القمة هذه على 85 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي.

وبغض النظر عن أعمال العنف التي لجأت إليها مجموعات ألمانية من اليسار المتطرف المعادي للعولمة ضد القوى الأمنية على مدى يومين، والخسائر التي حصلت في ممتلكات الدولة والمواطنين وقُدّرت بأربعين مليون يورو، يمكن القول أن القمة انتهت برفض كامل للسياسة التجارية الحمائية التي يتمسك بها الرئيس الأميركي Donald Trump لوحده تقريباً من جهة، وبالتزام كامل أيضاً بحماية المناخ العالمي من جهة أخرى، حيث أكد 95 في المئة من القادة المشاركين، استعدادهم لتنفيذ “اتفاق باريس” الداعي إلى حماية الكرة الأرضية من أخطار ارتفاع حرارة الأرض بسبب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. فقط الولايات المتحدة أصرت هنا أيضاً على مواصلة استخدام الفحم الحجري لانتاج الطاقة، لكن الجواب تمثّل بمسارعة ولايات ومدن وشركات أميركية عديدة للاعلان عن التزامها قرار القمة المتخذ. وبالنسبة إلى ألمانيا يعني القرار أن نهاية استخدام الفحم الحجري وإغلاق المنشاءات التي تنتجه وتصنّعه فيها اقتربت، وتحديداً في عام 2019 بحيث ستكون أول بلد في العالم ينتج الفحم الحجري ويتخلى نهائيا عنه لصالح حماية الكرة الأرضية وكل الكائنات التي تعيش عليها.

ودافعت المستشارة الألمانية عن نتائج قمة العشرين في وجه الانتقادات التي كيلت لها وللقمة، فقالت إن التزام الدول الصناعية الرئيسية والدول النامية والصاعدة بالحفاظ على الحرية التجارية أمر هام للعالم ولألمانيا بصورة خاصة لكونها من أكبر الدول المصدّرة في العالم، كما أعربت عن فرحتها بالتأييد الكبير الذي حظي به “بيان باريس” حول حماية المناخ. وحيا رئيس منظمة التجارة الدولية Roberto Azevêdo نتائج القمة التي حضرها قائلا إن البيان الصادر عنه” قوي جداً، خاصة في ما يخص احترام الحرية التجارية ومحاربة النهج الحمائي، والعمل على حل المشاكل الاقتصادية المستعصية في عدد غير قليل من الدول النامية”. وقال أن القرارات تعني لمنظمته مضاعفة الجهود لمساعدة الدول النامية على كيفية الإستفادة من التجارة، وحضّ على حلّ “حرب المعادن” المستعرة منذ سنوات بين عدد من الدول النامية والصاعدة في مقدمها الصين وبين الدول الصناعية من خلال المفاوضات لا باللجوء إلى حلول أحادية الجانب، وعرض في هذا المجال ان تكون المنظّمة مكاناً دائماً للمفاوضات لحل الخلافات، وقال إن لدى المنظّمة آليات لمراقبة النهج التجاري المتبع من قبل جميع دول قمة العشرين للتأكد من تطبيقها المستمر لقرارات القمة.