ارتفع الناتج القومي الألماني في الفصل الثاني من العام الجاري بنسبة 0,6 في المئة مقارنة بالفصل الأول الذي كان قد سجّل في البداية نفس المعدل (إلا أن المراجعة اللاحقة للبيانات الاقتصادية للفصل الأول أظهرت أن الاقتصاد فيها نما في نهاية الأمر بمعدل 0,7 في المئة، أي بزيادة 0,1 في المئة عن التقديرات الأولى)، واعتبر خبراء الاقتصاد ذلك دليلاً واضحاً على النمو القوي الذي يشهده الاقتصاد الألماني في هذه المرحلة، رغم أن الخبراء كانوا ينتظرون نمواً من 0,7 في المئة في الفصل الثاني. وأعاد الخبراء النمو الحاصل في الفصل الثاني إلى الزيادات الحاصلة في استثمارات القطاعين العام والخاص، وإلى الاستهلاك العام المتزايد للمواطنين بفعل تدني البطالة وتوافر المال بين أيدي العاملين والمستخدمين.

هذا التطور المستمر يجعل تفاؤل خبراء الاقتصاد كبيراً بهذا العام والعام المقبل. وكما ذكر معهد بحوث الاقتصاد الألمانية Ifo في ميونيخ الشهر الماضي فان أجواء أرباب العمل “كانت في غاية الانشراح أكثر من أي وقت مضى”، الأمر الذي شجع رئيسه Clemens Fuest على القول “بأن الاقتصاد الألماني يتحرك حالياً بوتيرة سريعة”. وبالفعل ارتفع مؤشر “إيفو” عن أجواء الشركات الألمانية السبعة آلاف التي يستفتيها شهرياً من 115,2 إلى 116 نقطة، وهو رقم قياسي لم يكن منتظراً متجاوزاً رقمه القياسي الذي سجله في الشهر السابق، علماً أن بعض الخبراء توقعوا تراجعه بعض الشيء. وارتفع مؤشر سير الأعمال الحالية للشركات بقوة من 124,2 إلى 125,4 نقطة، كما ارتفع مؤشر توقعات الأعمال للأشهر الستة المقبلة من 106,8 إلى 107,3 نقطة. وعقّب رئيس المعهد كليمنس فوست على ذلك بالتأكيد “على أن أرباب العمل الألمان في وضع تفائلي جيد”. وبعد أن لفت إلى أن التفاؤل يشمل توقعاتهم أيضاً حتى نهاية العام الجاري، شدد “على أن طفرة البناء والاستهلاك الحاصلين، والنمو المسجّل في العالم إجمالاً يدفعان الاقتصاد الألماني إلى الأمام أكثر كأكبر اقتصاد في أوروبا “.

ونتيجة لذلك رفع خبراء المعهد الآن توقعاتهم السابقة لحجم النمو المتوقع لعام 2017 من 1,5 إلى 1,8 في المئة بصورة رسمية، وتوقعاتهم للنمو في عام 2018 من 1,8 إلى 2 في المئة. أما الحكومة الألمانية فلم تغير بعد توقعاتها للنمو لهذه السنة وللسنة المقبلة وأبقتها على 1,5 و 1,6 في المئة على التوالي، لكن من المنتظر أن تعدلها قريباً. إلى جانب ذلك أظهر مؤشر الاستهلاك في ألمانيا، ومركزه مدينة نورنبيرغ، وجود تفاؤل كبير لدى المستهلكين الألمان هو الأعلى منذ 16 عاماً يدفعهم إلى المزيد من الشراء والاستهلاك. وقال خبراء مركز بحوث السوق GfK إن غالبية الألفي مستهلك المشاركين في الاستطلاع ذكرت أن وضعها المالي “أفضل من أي وقت مضى منذ عام الوحدة الألمانية”، وأنها أكثر من ذلك “تنظر بثقة إلى التطور الاقتصادي الحاصل في البلاد”. وفي هذا المجال ارتفع مؤشر أجواء الاستهلاك بصورة مفاجئة إلى 10,8 نقاط، بزيادة 0,2 نقطة عن شهر يوليو الماضي. وقال خبير المركز Rolf Bürkl إن المستطلعين يتوقعون ارتفاع وتيرة النمو والشراء خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري، خاصة “بفضل استمرار السعر المعقول للنفط والفائدة المنخفضة”. ومع ذلك حذّر المركز من أن تفاقم الأزمة مع تركيا، وبدء مفاوضات “بريكست” بين بروكسيل و بريطانيا، وإمكان تفاقم السياسة الحمائية الأميركية قد يترك تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأوروبي، والألماني منه بصفة خاصة.

هذا واستقر اليورو أخيراً عند أعلى مستوياته أمام الدولار الأميركي في سنتين (سجّل اليورو 1,17 دولار في أواسط أغسطس الجاري)، مع توقع المستثمرين استمرار صعوده، لكن البيانات الاقتصادية الصادرة هدّأت المخاوف من أن تضُر قوة العملة الأوروبية الموحدة بآفاق النمو في دول منطقة اليورو. وسجّلت دول المنطقة نمواً مريحاً خلال الفصل الثاني من هذا العام يقدّر بـ 0,6 في المئة مقارنة بالفصل الأول الذي سجلت فيه نمواً من 0,5 في المئة تبعاً لمكتب الإحصاء الأوروبي Eurostat. وبذلك تكون منطقة اليورو قد نمت بالقدر ذاته الذي نمت فيه الولايات المتحدة. ورأى خبراء أن النمو في دول اليورو الـ 19 بدأ يتزايد بصورة ثابتة بعد وقت طويل من الانخفاض والتراجع، خاصة في الدول المتعثرة مثل اسبانيا والنمسا وقبرص حيث سجّل النمو فيها في الفصل الثاني 0,9 في المئة فيما كان النمو الأعلى في هولندا (1,5 في المئة) ولاتفيا (1,3 في المئة).

في غضون ذلك، اظهر تقرير لوزارة المالية الاتحادية ان الإيرادات الضريبية الاجمالية للحكومة الاتحادية الألمانية وللحكومات المحلية وغيرها من المؤسسات العامة (عدا عن الضرائب التي تُحصّلها البلديات) قد سجلت خلال شهر يوليو الماضي ارتفاعا ملحوظا بنسبة 9,2 % مقارنة بنفس الشهر من العام السابق،  وتأتي هذه الزيادة القوية في الإيرادات الضريبية لشهر يوليو بعد انخفاضها في شهر يونيو بنسبة 6,5 % وذلك عقب عدة اشهر متتالية من الارتفاع، ويرجع انخفاض المداخيل الضريبية في شهر يونيو الى قيام الحكومة بإعادة دفع المبالغ الخاصة بضريبة الوقود النووي لشركات انتاج الطاقة، وكذلك بسبب تراجع إيرادات الضرائب المستحقة عن الميراث وتراجع الضرائب المتأتية من ضريبة أرباح اسهم الشركات.

وبحسب التقرير أيضا فقد زادت إيرادات الحكومة الاتحادية لوحدها من الضرائب في شهر يوليو بنسبة 7,6 % مدفوعة بارتفاع الإيرادات الضريبية التي زادت بنسبة 7,4 % من ضريبة الطاقة فيما حققت إيرادات ضريبة التبغ زيادة كبيرة بلغت نسبتها 65,8 %، وكذلك رسوم التضامن التي زادت إيراداتها بنسبة 4,8 %، كما ارتفعت إيرادات ضرائب التأمين بنحو 1,7 %، بينما تراجعت إيرادات ضرائب المركبات بنسبة 6,5%، وانخفضت ضرائب استهلاك الكهرباء بنسبة 2,8 %.

وخلال الفترة الممتدة من شهر يناير وحتى شهر يوليو من العام الحالي بلغت قيمة الإيرادات الاجمالية في ألمانيا، وبدون احتساب الضرائب التي تُحصلها البلديات، ما يزيد عن 379 مليار يورو بالمقارنة مع مبلغ 365 مليار يورو لهذه الإيرادات الضريبية عن نفس الفترة من العام 2016م وهو ما يمثل زيادة بقيمة 14 مليار يورو تقريبا او ما نسبته 3,8 %.

ارتفاع طفيف للبطالة لا يغيّر الوضع الجيد في سوق العمالة

على الرغم من ارتفاع البطالة نوعاً ما في ألمانيا في شهر يوليو المنصرم سجل الشهر المذكور أقل رقم في عدد العاطلين عن العمل منذ الوحدة الألمانية في عام 1990. فقد سجلت وكالة العمل الاتحادية BA زيادة في البطالة مقدارها 45 ألف شخص مقارنة بشهر يونيو من جهة، وتراجعاً بمقدار 143 ألف شخص مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، وارتفع معدل البطالة في البلاد بنسبة 0,1 إلى 5,6 في المئة فقط. وبلغ عدد العاطلين عن العمل في يوليو 2,518 مليون شخص على حد ما ذكره رئيس الوكالة Detlef Scheele الذي قال إنه “مطمئن حالياً إلى الوضع الجيد في سوق العمل” فيما أعلنت وزيرة العمل الاتحادية Andrea Nahles أن وضع سوق العمل الألمانية “في أحسن حال” حالياً، مشيرة إلى أن الوكالة تتحدث عن وجود 750 ألف وظيفة فارغة في البلاد، بزيادة 76 ألفاً منها عن الشهر ذاته من العام السابق. وأضافت أنه مع وجود 2,5 مليون عاطل يصبح من الضرورة العمل على إعادة تأهيل قسم كبير منهم بتخصصات متنوعة لسد الفراغ في الكفاءات التي  يحتاج إليها الاقتصاد الألماني باستمرار في مجالات أخرى.

وأعرب رئيس الوكالة عن ارتياحه أيضاً للتراجع، ولو الطفيف، المسجل في أعداد العاطلين القدماء عن العمل بحيث بقي العدد تحت حدّ الـ 900 ألف شخص، مشيراً إلى أن الاتجاه إلى هبوط. أما في ما يخص اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا عامي 2015 و 2016 فلا تزال العوائق كبيرة أمامهم، والعدد الأكبر منهم لا يزال يتعلم اللغة الألمانية ويخضع لتدريبات مهنية. ومن الـ 492 ألف باحث عن عمل تمكن 280 ألفاً منهم من تسجيل أسمائهم لدورات اندماج وأشغال مهنية. ودعا عضو هيئة ادارة وكالة العمل Raimund Becker مواطنيه إلى اظهار الصبر إزاء عملية اندماج اللاجئين في المجتمع الألماني قائلاً إن تعلم لاجئ شاب ودخول سوق العمل سيستغرق فترة من خمس إلى ست سنوات. وفي هذا الإطار ذكرت الوكالة أن ما بين ثمانية وتسعة ألاف لاجئ ولاجئة من الشباب أصبحوا الآن لغوياً في وضع يمكنهم من تعلم مهنة ما مقابل ثلاثة آلاف فقط في السنة السابقة. وأضافت أن عدد اللاجئين الذين يمارسون مهنة منتظمة ارتفع أخيراً. وفي ما يخص إجمالي عدد العاملين في ألمانيا ذكرت وكالة العمل أنه بلغ في آخر شهر يونيو الماضي44,38 مليوناً، بزيادة تبلغ 670 ألفاً عن الشهر ذاته من العام السابق فيما بلغ عدد أعضاء صناديق التقاعد في آخر شهر مايو 32,14 مليوناً، بزيادة 744 ألفاً.

على المستوى الأوروبي، وبخاصة في منطقة اليورو، تشهد الدول الأعضاء فيها انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً أيضا يقود إلى تحسّن سوق العمالة فيها وإلى تراجع في معدل البطالة الذي هبط إلى أدنى حدَ له أخيراً منذ أكثر من ثمانية أعوام. وذكر مكتب الأحصاء الأوروبي Eurostat أن متوسط نسبة البطالة في دول منطقة اليورو انخفضت تدريجاً من 12 في المئة في أوج الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2013 إلى 9,2 في المئة حالياً. وفيما تبلغ نسبة البطالة حسب المعايير الأوروبية 3,8 في المئة في ألمانيا و4,1 في المئة في مالطا، تم تسجيل 21,7 في المئة في اليونان و 17,1 في المئة في إسبانيا. أما في دول الاتحاد الأوروبي فتحسّن وضع العمالة فيها بصورة ملحوظة، إذ سجلت البطالة فيها أخيراً معدل 7,7 في المئة، وهي الأقل منذ عام 2008.

صناعة السيارات الألمانية وفضيحة تشكيل تكتل غير قانوني

تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية حالياً أشد امتحان لمصداقيتها في تاريخها الطويل نسبياً بعد انكشاف الغش الذي مارسته في حق المستهلك الألماني، وفي حق الدولة والقانون الذي يمنع قيام تكتلات سرية لزيادة الأرباح بصورة غير شرعية. فبعد فضيحة التزوير الالكتروني لانبعاثات ثاني اوكسيد الكربون في سيارت الديزل التي مارستها شركة Volkswagen في الولايات المتحدة، والتي ستكلفها نحو 15 مليار يورو كعقوبات مالية بفعل الغش وتلويث البيئة، تبيّن في ألمانيا أخيراً أن التزوير هذا جزء ممنهج ومتفق عليه سراً منذ تسعينات القرن الماضي من جانب شركات السيارات الألمانية الرئيسية الثلاث: VW، Daimler و BMW المصنِّعة أيضاً لمحركات الديزل التي وُصفت في حينه بأنها “صديقة للبيئة” أكثر بكثير من سيارات البنزين. لكن الفضيحة الأخطر من ذلك إن تأكّد بالفعل أن السلطات الألمانية كانت على علم بالأمر وسكتت عنه طويلاً لمراعاة القطاع الصناعي الهام داخل الاقتصاد الألماني الذي يشغّل أكثر من مليون نسمة في البلاد والمتمتّع بشهرة عالية في العالم.

ولتهدئة الرأي العام الألماني جرى في برلين في الثاني من شهر أغسطس الجاري عقد قمة بين مسؤولين حكوميين ونقابيين ورؤساء شركات السيارات الألمانية للبحث في عملية الغش الخطيرة هذه ومواجهة آثارها. وشارك في القمة أيضاً مسؤولو ماركات أخرى تابعة للشركات الثلاث الأم مثل Audi و Porsche،إضافة إلى ممثلين عن فرع شركة Ford الأميركية في ألمانيا و Opel التي اشترتها شركة Peugeot الفرنسية. وتبيّن من المعلومات التي طُرحت أن 5,3 ملايين سيارة ديزل “يورو 5” و “يورو 6” بحاجة إلى تغيير برامج الانبعاثات الضارة فيها، أربعة ملايين منها عائدة لشركة VW وحدها. وتعهدت شركات السيارات المعنية بإنفاق حوالي 500 مليون يورو لتحديث برامج تشغيل المحركات التي تعمل بالديزل بهدف الحد مؤقتا من الضغوط السياسية على الشركات بهدف تنفيذ تغييرات في مكونات السيارات نفسها أكثر كلفة. ورغم أن القمة اتفقت على إضافة “سوفت وير” لمعالجة الخلل الحاصل، دار جدال طويل داخل القمة وخارجها حوله، حيث أكد خبراء أنه لن يخفض سوى القليل جداً من معدلات انبعاثات العوادم الملوثة للبيئة. ووفقا لهيئة البيئة الالمانية فإن سيارات الديزل “يورو 6” تتسبب في بثّ 507 مليغرامات من أوكسيد النيتروجين في كل كلم تقطعه، ما يعادل ستة أضعاف المسموح فيه في المختبر وهو 80 مليغرام. وقبل أن يستفحل الخلاف سارعت شركات السيارات الثلاث بعد القمة إلى تقديم محفزات إضافية إلى أصحاب سيارات الديزل القديمة لشراء سيارات ديزل أحدث لقاء حصولهم على ما بين 2000 وعشرة آلاف يورو عن كل سيارة ديزل يعيدونها إليها.

إلى جانب ذلك أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستُقاضي ألمانيا على خلفية فضيحة “فولكس فاغن” وغيرها في حال تبين أن مسؤوليها تغاضوا بالفعل عن المخالفات التي ارتكبتها هذه الشركات منذ أكثر من ربع قرن، أو عن تقديم معلومات إلى بروكسيل بهذا الشأن. وكشفت المفوضية أن لديها معلومات عن وجود تكتل سري منذ ثلاث سنوات فقط. وقالت Margrethe Vestager مفوضة التنافس الحر في الاتحاد إنها أبلغت وزير البيئة الألماني Dobrindt Alexandar  أنه في حال تأكدت الشكوك “فعلى الشركات المعنية معرفة أنها لن تفلت من عقاب شديد”. ومنذ عام 2014 حين قدمت شركة “دايملر” الألمانية شكوى ضد نفسها كي تفلت من المساءلة، أعلمت المكتب الاتحادي لمحاربة التكتلات في بون بالموضوع أيضاً. وكانت مجلة “دير شبيغل” الألمانية السباقة في الكشف عن فضيحة “التكتل السري” التي لم تنته ذيولها بعد.

الفقر في ألمانيا يتراجع نسبياً وفئوياً وكذلك ديون الدولة

أظهرت الأرقام الصادرة أخيرا عن استطلاع إحصائي لعيّنة مختارة  Mikrozensusفي ألمانيا أن عدد الفقراء في البلاد إلى تراجع نسبي وفئوي في السنوات الأخيرة، إنما ليس في محيط اللاجئين والأجانب القادمين إلى ألمانيا، وأن الفروقات الاجتماعية بين الألمان وغير الألمان ازدادت في العام السابق 2016. وبكلام أوضح تراجع الفقر بين الألمان في العام المذكور من 12,5 إلى 12,1 في المئة بينما ارتفع بين يحمل خلفية مهاجرة بمقدار 0,4 في المئة من 27,7 إلى 28,1 في المئة. ورأى المعهد العلمي الاجتماعي والاقتصادي WSI التابع لمؤسسة Hans-Böckler-Stiftung القريبة من النقابات العمالية أن الفارق هذا يعود قبل كل شيء إلى عامل الهجرة إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة، خاصة وأن غالبية المهاجرين اللاجئين الذين قدموا مؤخراً يعيشون مع أولادهم تحت حدّ الفقر.

وأشار خبيرا المعهد Eric Seils  و   Jutta Höhne بصورة خاصة في هذا المجال إلى القادمين من سورية والعراق مشيرين إلى ان كل ثمانية من عشر سوريين، وكل سبعة من عشر عراقيين فقراء. وفي الاجمال تراوح نسبة الفقر في ألمانيا في مكانها وتشكل 15,8 في المئة من اجمالي عدد السكان، بزيادة 0,1 في المئة عن عام 2016، إلا أن الجديد في الأمر أن الفقر يطال الآن عدداً متزايداً من الألمان الذين يتجاوزون الخامسة والستين من العمر، وبلغت نسبة هؤلاء 14,8 في المئة العام الفائت. وتنطلق دراسة المعهد من أن حدّ الفقر يبدأ مع من يحصل على أقل من 60 في المئة من الدخل الشهري البالغ 1978 يورو لكل عائلة مؤلفة من أب وأم وطفلين تحت سن الرابعة عشرة.

وتسعى الدولة الألمانية لمواجهة خطر اتساع الفقر في البلد من خلال رفع مخصصات التقديمات الاجتماعية المقدمة لهم، علماً أن ألمانيا تحتل مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى مرتبة تعلو قليلاً عن حدّ الوسط، وتتقدمها فرنسا والدنمارك ودول أخرى. وخصصت الحكومة الألمانية عام 2016 نحو 918 مليار يورو من التقديمات الاجتماعية بمختلف أشكالها، بزيادة 3,7 في المئة عن عام 2015 بحسب ما ذكرته وزيرة العمل الألمانية Andrea Nahles أخيراً، وقدرته بـ 29,3 في المئة من الناتج القومي لسنة 2016م والبالغ 3,123 بليون يورو.

من جهة أخرى أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن أن الدولة الألمانية، والولايات الستة عشرة، والبلديات، واصلت العام الفائت إعادة عشرات مليارات اليورو المستدانة إلى الدائنين في ألمانيا وخارجها. وبذلك انخفض الدين العام على كل مواطن ألماني نظرياً من 24829 إلى 24400 يورو. وفي المجموع انخفض مجمل الدين العام البالغ 2006 مليارات يورو بمقدار 15,1 مليار أو 0,7 في المئة مقارنة مع عام 2015. وفي التفاصيل:

  1. انخفض دين الدولة بمقدار 5,7 مليار يورو أو 0,5 في المئة ليصبح 1257 مليار يورو.
  2. انخفضت ديون الولايات بمقدار ثمانية مليارات يورو، أي 1,3 في المئة، لتصبح 605 مليارات يورو.
  3. تراجعت ديون البلديات بمقدار 1,4 مليار او 0,9 في المئة لتصبح 142,5 مليار يورو.

لكن إلى جانب العموميات هذه توجد بالطبع فروقات مناطقية كبيرة وهامة، إذ تمكنت ولاية ساكسن الشرقية من خفض ديونها بنسبة 19,3 في المئة، وولاية مكلنبورغ ـ فوربومرن الشرقية أيضاً بنسبة 10,3 في المئة. في المقابل زادت ديون ولاية هامبورغ الغربية بمعدل 7,8 في المئة، وولاية شليسفيغ ـ هولشتاين الغربية أيضاً بمعدل 6,1 في المئة، كما ارتفعت ديون ولايتي هسِّن والسار الغربيتين بصورة طفيفة.

صندوق النقد الدولي: الدول الصناعية والنامية تشهد نمواً قوياً

ذكر صندوق النقد الدولي IWF في تقريره الصادر أخيراً أنه يتوقع “تسارعاً في معدلات النمو الاقتصادي في العالم على الرغم من انعدام وضوح السياسة المالية للولايات المتحدة حتى الآن”. وتوقع الصندوق في تقريره أن ينمو مجمل الاقتصاد العالمي لهذا العام بمعدل 3,5 في المئة، وللعام المقبل 2018 بنسبة 3,6 في المئة بعد تسجيله نمواً من 3,2 في المئة لعام 2016. وأضاف خبراء الاقتصاد في الصندوق في تقريرهم الثاني المنقح لهذا العام: “من الواضح أن أوروبا تتحول حالياً إلى محرك للنمو الدولي”. ولفت الخبراء إلى أنهم ينتظرون خلال الأشهر القليلة القادمة “حصول أكبر انتعاش في اقتصاد العالم على مدى السنين العشر الماضية”.

ورفع خبراء الصندوق معدلات النمو في جميع مناطق العالم تقريباً، إن في ألمانيا ومجمل دول منطقة اليورو، أو في وسط أوروبا وشرقها، كما في اليابان والصين الدول الأسيوية الأخرى الصاعدة. وبالنسبة إلى الدول المتعثرة منذ الأزمة المالية والاقتصادية في أوروبا عام 2008 ينتظر الصندوق أن ينمو اقتصاد اسبانيا أكثر من ثلاثة في المئة هذه السنة. وقال خبراء الصندوق إن فرنسا وأيطاليا حققتا نمواً في الربع الأول من السنة الحالية أعلى مما كان منتظراً. بل وتابع التقرير يقول إن الخبراء يتوقعون نتائج أعلى في نمو اقتصاد الدول الأوروبية بفعل تراجع المخاطر السياسية في القارة، ولذلك فانهم لن يتفاجئوا في حال سجّلت دول منطقة اليورو نمواً وسطياً من 1,9 في المئة هذا العام.

أما على الجهة الأخرى من الجانب الأطلسي فتتكوّن صورة أخرى بعد ن خفّض الخبراء الدوليون توقعاتهم للنمو المنتظر في الولايات المتحدة. وقال كبير خبراء صندوق النقد الدولي Maurice Obstfeld في هذا الصدد إن فريقه خفّض توقعات الإدارة الأميركية والخبراء الأميركيين الخاصة بالانتعاش الاقتصادي المتوقع في البلاد للعامين الحالي والمقبل بسبب قلة الصرف الحكومي الحالي مقارنة بشهر أبريل الفائت. وقال محللون ماليون واقتصاديون أميركيون إن سياسة الرئيس الأميركي Donald Trump “محبطة للآمال”. وكان صندوق النقد ينتظر، مثله مثل أسواق المال، أن ينفذ ترامب بعد انتخابه مشروع تمويل البنى التحتية في البلاد الذي طرحه ولم يضعه موضع التطبيق حتى الآن. وإلى جانب أنه بدأ بداية مليئة بالمطبات دون أن يتمكن من تمرير أي مشروع قانون في مجلسي الكونغرس والنواب حتى الآن، تراجع عن وعده بتخصيص ألف مليار دولار لتجديد البنى التحتية، ليتحدث أخيراً عن تخصيص 200 مليار دولار فقط لهذا الغرض خلال الأعوام العشرة المقبلة.

وطالب صندوق النقد الدولي ألمانيا من جديد برفع الأجور فيها، وخفض الضرائب، وزيادة الاستثمارت في البنى التحتية كي تخفف الفائض المالي الكبير الحاصل في تجارتها الدولية السنوية وتوقف الاحتجاجات ضدها. ودعوا الألمان للقبول بأن ترتفع تكاليف المعيشة رغم أنتفاء الفائدة على ودائعهم. وفي ما يخص بريطانيا سجل خبراء الصندوق الدولي تراجعاً في آفاق النمو فيها بعد قرارها بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وتوقع صندوق النقد أن يحقق الاقتصاد البريطاني معدل نمو للعام الحالي من 1,7 في المئة بتراجع 0,3 في المئة عن توقعات شهر أبريل المنصرم، و1,5 في المئة عن عام 2018. وحذّر من أن لقرار “بريكزيت” تبعات سلبية جمّة على وحدة الاتحاد البريطاني وعلى أوروبا أيضاً، مشيراً إلى أن التبعات بدأت تبدو بصورة واضحة.