ارتفع حجم الاستثمارات في الشركات الناشئة في ألمانيا خلال النصف الأول من العام الحالي 2021م بشكل قياسي حيث بلغ مجموع التدفقات المالية من المستثمرين نحو 7,6 مليار يورو، وهذا يمثل ثلاثة اضعاف رأس المال الجديد الذي حصلت علية الشركات الناشئة الألمانية خلال نفس الفترة من العام الماضي، وأكثر من اجمالي الاستثمارات الجديدة في هذه الشركات في العام 2020م ككل. وامام عوائق الاستثمار والاعمال التي واجهتها الشركات الناشئة خلال العام السابق بسبب تفشي جائحة كورونا والاثار السلبية الناتجة عنها، فان التعافي السريع الذي يشهده العام الحالي يشير الى تسجيل ارقام قياسية في تمويل الشركات الناشئة.

     وارتفع عدد جولات التمويل (والتي تعني زيادة رأسمال الشركة من قبل مستثمرين خارجيين) بشكل كبير بنسبة 62 في المئة إلى 588، وفقا لدراسة حديثة أعدتها شركة الاستشارات المالية والضريبية، إرنست أند يونج EY. وبحسب هذه الدراسة تدفقت معظم الاستثمارات إلى الشركات الناشئة التي تتخذ من برلين مقرا لها، حيث جمعت الشركات الناشئة في العاصمة وحدها 4,1 مليار يورو، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما تم جمعه في نفس الفترة من العام الماضي (والذي بلغ 1,2 مليار يورو)، كما ارتفع عدد جولات التمويل في برلين بنسبة 74 في المئة إلى 263 جولة، تليها ولاية بافاريا في المرتبة الثانية باستثمارات جديدة في الشركات الناشئة بقيمة 2,5 مليار يورو.

     كما شهدت الولايات الفيدرالية الأخرى ارتفاعا كبيرا أيضا في حجم التمويل والاستثمارات الجديدة في الشركات الناشئة، وان كانت بقيمة اقل من ولايتي برلين وبافاريا، حيث  تلقت الشركات الناشئة في ولاية بادن فورتمبيرغ في النصف الأول من العام الجاري استثمارات جديدة بحوالي 307 مليون يورو (بزيادة بنسبة 192 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي)، وحصلت الشركات الناشئة في ولاية شمال الراين – وستفاليا على استثمارات بقيمة 171 مليون يورو (بزيادة بنسبة187 في المئة) ، في ولاية ساكسونيا حصلت الشركات الناشئة على 134 مليون يورو (بزيادة بنسبة 239 في المئة) ، في ولاية هيسن تلقت الشركات الناشئة تمويلا جديدا بقيمة 128 مليون يورو (زيادة بنسبة 1895 في المئة)، وفي ولاية هامبورغ تلقت الشركات الناشئة استثمارات جديدة بحوالي 110 ملايين يورو (زيادة بنسبة 330 في المئة).

     كما ارتفع عدد صفقات التمويل والاستثمار التي يزيد حجمها عن 100 مليون يورو من اثنين إلى خمسة عشر صفقة خلال النصف الأول من العام 2021م، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وتضاعف عدد جولات التمويل المتوسطة الحجم بين 50 و100 مليون يورو من ثمانية إلى 16. وتعيد الدراسة أسباب ازدهار تمويل الشركات الناشئة الى عدة عوامل، من أهمها توفر سيولة كبيرة في الأسواق التي تبحث عن فرص استثمارية جذابة، خصوصا في ظل بيئة أسعار الفائدة المنخفضة الحالية. إضافة الى ان تقدم عملية الرقمنة بشكل كبير خلال فترة الجائحة قد غير تقييم عمليات وتقنيات الرقمنة وفتح آفاقًا جديدة تمامًا لشركات التكنولوجيا المبتكرة.

      هذه السيولة المالية الكبيرة وهذا التحول في رؤية وتقييم شركات التقنية الناشئة تسببت في ان تتلقى الشركات الناشئة الفردية تمويلا بمبالغ كبيرة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات، حيث حصلت شركة Celonis الخاصة بالبرمجيات ومقرها في ميونيخ، على أكبر حجم تمويل جديد للشركات الناشئة في المانيا خلال النصف الأول من العام 2021م، حيث تلقت تمويلا جديدا بواقع 830 مليون يورو، تليها شركة Trade Republic للتجارة عبر الإنترنت في برلين، الذي شهد تطبيقها الخاص بتداول الأوراق المالية طفرة خلال جائحة كورونا، حيث حصلت الشركة على استثمارات جديدة بنحو 747 مليون يورو، ثم تأتي شركة Wefox للتأمين الناشئة في برلين وشركة Flixbus المشغلة للحافلات باستثمارات جديدة بحوالي539 مليون لكل منهما. كما حصلت شركة Gorillas لخدمات توصيل المواد الغذائية، والتي تتخذ من برلين ايضاً مقراً لها، ما يقرب من 241 مليون يورو كتمويل جديد.

      بالإضافة إلى شركات البرمجيات والتكنولوجيا المالية، كان قطاع النقل أيضًا قادرًا على الاستفادة من ذلك، حيث قفز حجم الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع من 434 مليون يورو إلى 1.4 مليار يورو. وتم تسجيل انخفاض في عدد الاستثمارات الجديدة في قطاع واحد فقط وهو قطاع الإعلام والترفيه.

     في سياق متصل أكدت دراسة أعدها الاتحاد الألماني للشركات الناشئة بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان شملت ما يقرب من 2000 شركة ناشئة، منها 354 شركة أسسها أفراد من عائلات من أصول مهاجرة، ان كل خامس مؤسس شركة لديه خلفية مهاجرة، ما يعني ان الأشخاص ذوو الخلفية المهاجرة يعتبرون قوة دافعة في مشهد الشركات الناشئة الألمانية. ومن الأمثلة البارزة على هذا التطور شركة تصنيع لقاح كورونا BioNTech. بالإضافة الى انه تم إنشاء العديد من الشركات الناشئة الأخرى مثل شركة السيارات المستعملة Auto1 أو شركة توصيل الطعام Delivery Hero أو شبكة ResearchGate من قبل مؤسسين من أصول أجنبية، اغلبهم مهاجرون من الجيل الأول أو الثاني في ألمانيا.

     ووفقا للدراسة فان مؤسسي الشركات الناشئة ذوو الأصول المهاجرة يتمتعون بمستوى تعليم جيد و “عقلية ريادة الأعمال” الضرورية، كما إنهم مستعدون لتحمل المخاطر و “التفكير بشكل أكبر”. كما ان المؤسسون المولودون في الخارج حاصلين على درجة جامعية في كثير من الأحيان أكثر من المتوسط، كما يهدف واحد من كل ثلاثة منهم تقريبًا إلى بيع الشركة الناشئة مقابل 100 مليون يورو على الأقل في المتوسط، بينما يخطط حوالي 20 في المئة فقط من المؤسسين الألمان للقيام بذلك، هذا بالإضافة الى إن النسبة العالية من المؤسسين ذوي الأصول المهاجرة يتمتعون بمستوى عالٍ من الديناميكية في تطوير وإدارة شركاتهم.

     كما اشارت الدراسة الى تطور هام في الميل المتزايد لدى المهاجرين لتأسيس شركات، حيث كان في السابق يتم نتيجة ان لديهم فرص اقل في سوق العمل، الا ان الوضع تغير في الوقت الحاضر حيث يتمتع المهاجرون او الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة في الوقت الحاضر بدرجة أكبر من التعليم العال مما ربط بين تأسيس الشركات والفرص التي تمتلكها في التطور والعمل.  كما توصلت الدراسة الى أن المؤسسين من أصول مهاجرة أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر من أولئك الذين ينتمون إلى عائلات ليس لها تاريخ في الهجرة.

     الا ان المهاجرين يواجهون عقبة التمويل والتي تعد العقبة الرئيسية امام تأسيس مشاريعهم الخاصة، اذ حصل المؤسسون ذوو الخلفية المهاجرة على ما متوسطه 1,1 مليون يورو كتمويل خارجي بينما كان المتوسط ​​لجميع المؤسسين 2,6 مليون يورو. ووفقًا لمؤلفي الدراسة، “هذا هو المكان الذي تظهر فيه الحواجز الهيكلية والثقافية داخل وخارج مشهد الشركات الناشئة.” وتسمي الدراسة أيضًا الحواجز البيروقراطية واللغوية على أنها تحديات رئيسية لمؤسسي الشركات الناشئة من أصول أجنبية.

 

 

Photo: shutterstock ©Liz Stevens