بعد سنوات من الخلاف، توصلت الولايات المتحدة وألمانيا الى حل لخلافهما حول خط أنابيب نورد ستريم 2 الألماني الروسي. حيث تخلت إدارة الرئيس بايدن عن معارضتها لاستكمال تمديد الانبوب، والذي تم انجاز ما يقرب من 98 في المئة منه، وعدم فرض عقوبات على الشركات المنفذة للأنبوب والتي نصت عليها عدة قوانين أصدرها الكونجرس الامريكي في وقت سابق بأغلبية أعضائه، وذلك  في مقابل ان تقوم ألمانيا باستخدام نفوذها وتأثيرها على موسكو من اجل استمرار عمل أنبوب الغاز الروسي الذي يمر عبر أوكرانيا وتمديد اتفاقية العبور والتي تنتهي العام 2024م لمدة عشر سنوات إضافية على الأقل، بالإضافة الى الاتفاق على انشاء صندوق لدعم أوكرانيا بقيمة مليار دولار امريكي تدفع ألمانيا من هذا المبلغ 150 مليون دولار. الى جانب ذلك تؤكد المانيا لروسيا انها ستفرض عقوبات على موسكو، بما في ذلك إيقاف أنبوب الغاز، في حالة ما استخدمت روسيا أنبوب الغاز كسلاح.

وتعود المعارضة الامريكية الشديدة لمد أنبوب الغاز الروسي الى أوروبا عبر ألمانيا، والذي يعد الثاني من نوعه وبطول يتجاوز 1200 كيلومتر وبتكلفة تقدر بحوالي 11 مليار دولار وبقدرة نقل غاز تصل الى 55 مليار متر مكعب في السنة، الى إدارة الرئيس باراك أوباما والتي اشتدت خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب والتي تم خلالها فرض حزمة قوانين تتضمن عقوبات على الافراد والشركات المنفذة للمشروع، وتبرر الولايات المتحدة معارضتها للمشروع بانه سيجعل أوروبا معتمدة بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي  وهو الامر الذي سيعطي موسكو القدرة على ابتزاز وتهديد الدول الأوروبية، فيما يشير عدد من الخبراء الى ان الولايات المتحدة تسعى من خلال محاولتها عرقلة ومنع انجاز مشروع (نورد ستريم 2 )الى تحسين فرص تسويق غازها الصخري وبيعة في الأسواق الأوروبية.

بعد الاتفاق مع ألمانيا على استكمال خط الانابيب تحاول الادارة الأمريكية تسويق الاتفاق على أنه أهون الشرين بالنسبة لأوكرانيا، حيث اكدت وزارة الخارجية الأمريكية إن السيناريو الأسوأ كان يمكن أن يكون لو تم تشغيل Nordstream 2 بدون اتفاق مع ألمانيا وبدون التدابير التي تم الاتفاق عليها، وقالت فيكتوريا نولاند، كبيرة الدبلوماسية الأمريكية: “هذا وضع سيئ وخط أنابيب سيئ، لكن علينا المساعدة في حماية أوكرانيا، وأشعر أنه من خلال هذه الاتفاقية، اننا اتخذنا بعض الخطوات المهمة في هذا الاتجاه”. من جهته تحدث المنسق عبر الأطلسي في الحكومة الألمانية، بيتر باير، عن “يوم جيد به أخبار سارة لأوكرانيا”.

ويأتي الاتفاق بعد نحو أسبوع تقريباً من زيارة المستشارة أنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة ولقائها بالرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي كان موضوع Nordstream 2 أحد المواضيع التي جرى التباحث حولها والذي أيضا تم سؤال الرئيس بايدن حوله خلال مؤتمر صحفي مع المستشارة والذي أجاب بالقول “يمكن أن يكون للأصدقاء الجيدين آراء مختلفة”. وبعد الاتفاق تمت ازالة أحد أكبر الملفات التي كانت تؤثر بالسلب على العلاقات الألمانية الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية.

بعد التسوية مع ألمانيا، يتعين على الحكومة الامريكية مواجهة رياح معاكسة قوية من الكونجرس الأمريكي، والذي كان أقر قوانين ضد نورد ستريم 2 بأغلبية ساحقة من الجمهوريين والديمقراطيين، تنص على عقوبات إلزامية ضد الشركات التي تشارك في نورد ستريم 2.  وكانت إدارة الرئيس بايدن قد امتنعت عن فرض تدابير عقابية على عدد من الشركات المنفذة والمشاركة في المشروع بحجة المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.

في برلين هناك ارتياح بشأن الاتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن نورد ستريم 2. ومع ذلك، تشير الخبيرة الأوروبية جوليا فريدلاندر من مركز أبحاث المجلس الأطلسي إلى أن الصفقة مع واشنطن ليست كافية، اذ انها تمثل بالنسبة للحكومة الألمانية مجرد بداية العمل الحقيقي، وتضيف فريدلاندر إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه كان السبيل المعقول الوحيد للخروج من “الفخ السياسي” الذي نصبه الألمان والأمريكيون لأنفسهم على مر السنين، اذ ان “واشنطن حولت خطأً مشكلة أوروبية إلى مشكلة أمريكية”.

من جهتها أصدرت وزارتا الخارجية في كل من أوكرانيا وبولندا بياناً مشتركاً حذرتا فيه من أن الاتفاق “خلق تهديدًا سياسيًا وعسكريًا وطاقيًا لأوكرانيا وأوروبا الوسطى”.  وتخشى الدولتان من تزايد النفوذ الروسي في أوروبا خصوصا في ضوء سياسة الرئيس بوتين تجاه أوكرانيا والصراع الدائر هناك، واحتمال فقد أوكرانيا لمداخيل بالمليارات من رسوم عبور الغاز في خط انابيب روسي يمر عبر أراضيها الى بقية الدول الأوروبية. على الرغم من التطمينات الألمانية والأمريكية المقدمة لأوكرانيا والتي تلقاها الرئيس الاوكراني خلال زيارته لبرلين ولقائه بالمستشارة ميركل وكذلك التطمينات الأمريكية المتوقع تقديمها خلال زيارة الرئيس الاوكراني الى واشنطن نهاية أغسطس القادم.

وبعد الاتفاق الألماني الأمريكي من المتوقع ان يتم الانتهاء من تنفيذ مشروع خط الانابيب Nordstream 2 بنهاية الشهر القادم.

 

Photo: Von C-M – Eigenes Werk, CC BY-SA 3.0