تواصل النمو الاقتصادي في ألمانيا في الربع الأول من العام الجاري، إنما ببطئ ملحوظ في وقت بدأت فيه أجواء الشركات وأرباب العمل الألمان تسجل تراجع على وقع تزايد الأزمات والتشنجات الدولية على خلفية إلغاء الرئيس الأميركي Donald Trum أخيراً الاتفاق النووي الدولي مع إيران، ومطالبته الشركات المتعاملة مع البلد بوقف أعمالها التجارية معه تحت طائلة الملاحقة القضائية والمالية في حال رفضها ذلك. ويتوقع خبراء كثر أن تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة وأوروبا بعض التحديات في حال قرر الرئيس الأميركي قريباً جداً فرض رسوم جمركية عالية على صادرات الصلب والألومنيوم من دولها بعد أن أجّل قراره هذا شهراً واحداً.
وأعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن أواسط الشهر الجاري أن النمو في الربع الأول من السنة الجديدة سجل 0,3 في المئة بعد تسجيله 0,6 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، ما يعني أن زخم النمو الاقتصادي تراجع إلى النصف. في المقابل ذكر معهد البحوث الاقتصادية Ifo في ميونيخ في أواخر شهر أبريل المنصرم أن الأجواء الإيجابية للشركات الألمانية وصلت إلى نهايتها على الأرجح بعد خامس تراجع لمؤشر الأجواء فيه الذي يعتمد على استطلاع مسؤولي سبعة آلاف شركة شهرياً. وقال المعهد إن أرباب العمل الألمان ينظرون بتشاؤم اليوم إلى الأشهر الستة القادمة. وبعد الإعلان عن أن مؤشر أجواء الشركات تراجع من 103,3 نقطة في شهر مارس إلى 102,1 نقطة في شهر أبريل للشهر الخامس على التوالي قال رئيس المعهد Clemens Fuest “إن وتيرة النمو في البلاد في انخفاض متتابع، لكن رغم ذلك تبقى أجواء النمو لدى الشركات الألمانية على مستوى عال”.
وعلى النسق ذاته رأى Achim Wambach رئيس مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW في مانهايم أن النزاع التجاري الدولي والحرب المستمرة في سورية يجعلان خبراء المال والبورصة ينظرون إلى المستقبل بصورة أكثر تشاؤميّة. وأضاف أن التراجع الواضح في كميات الإنتاج، وفي حجم الصادرات والمبيعات في ألمانيا في الربع الأول من السنة الحالية ينعكس سلباً على وتيرة النمو المنتَظَرة”. وذكر المعهد أن مؤشر الأجواء لديه انخفض من 5,1 نقطة فوق الصفر في مارس إلى 8,2 نقطة تحت الصفر في أبريل المنصرم، علماً أن الخبراء توقعوا انخفاض المؤشر إلى ثلاث نقاط تحت الصفر فقط. ويقف المؤشر الآن على انخفاض كبير من متوسطه المعروف البالغ 23,5 نقطة. وعقّب Andreas Scheuerle خبير مصرف Dekabank على توقعات معهد “إيفو” فقال إن مؤشر الأجواء فيه “يشير شكلاً إلى أن النمو يقف حالياً أمام مفترق، لكن ذلك لا يوضح إن كان سيبقى على هذه الحالة أو مدى الانحدار الذي سيصل إليه”. وتابع: “كل ركود حصل حتى الآن سبق وتوقعه معهد “إيفو”، لكن ليس كلَّ هبوط انتهى إلى ركود”. وأضاف أن توقعات العديد من الاقتصاديين تركز “على أن الانتعاش القوي الحاصل سيبرد الآن بعض الشيء”.
لكن مؤشر النمو التابع لمعهد التسويق والاتصالات IMK العائد لـ “مؤسسة هانس بوكلر” في برلين القريبة من النقابات العمالية كشف في أبريل الفائت “ازدياد مخاطر دخول الاقتصاد الألماني مرحلة ركود بين أبريل ويونيو من السنة الجارية، وباحتمال ارتفع من 6,8 إلى 32,4 في المئة”. وأضاف أن وضع الاقتصاد الألماني انتقل الآن من الضؤ الأخضر إلى الضؤ الأصفر، الأمر الذي يزيد القلق. وأعاد المعهد أسباب ذلك إلى التراجع الملموس في الانتاج الصناعي في البلاد، وتراجع مؤشرات أجواء الشركات وأرباب العمل، وكذلك التوترات الحاصلة في بورصات العالم المالية بفعل النهج التجاري الحمائي الذي تتبعه الولايات المتحدة اليوم. ورأى مدير المعهد Gustav Horn أن تزعزع الثقة داخل الأسواق بدأ حتى قبل أن تشمَل الضرائب الجمركية الأميركية دول الاتحاد الأوروبي. وتابع المدير هورن أن على الرغم من ذلك يرى خبراء المعهد أنه لا يزال من المبكر تعديل أو خفض توقعاتهم الجيدة للنمو لكل من عامي 2018 و 2019.
هذا ورفع اتحاد الصناعة الألمانية BDI ضغوطه على الحكومة الألمانية المسيحية الاشتراكية الجديدة برئاسة المستشار Angela Merkel من أجل المزيد من الاستثمار في البنى التحتية في البلاد، لافتاً إلى “وجود فرصة تاريخية حالياً للاستثمار في المستقبل”، وذكر الأمين العام للاتحاد Joachim Lang أن الحال الاقتصادية الجيدة في الوقت الراهن لن تستمر بصورة آلية وذاتية. وأظهرت حسابات الخبراء مطلع الشهر الجاري أن قيمة الضرائب التي ستدخل صناديق الدولة والولايات والبلديات في البلاد حتى عام 2022م ستبلغ ما بين 55 و60 مليار يورو، أي أعلى مما كان متوقعاً، “ما يعني قدرة الدولة على الاستثمار أكثر في الداخل” على حدّ قوله. وحضّ لانغ ألمانيا “على الاستثمار في مجالات النمو والابتكار وخفض الضرائب على الشركات بدلاً من تمويل المشاريع الاجتماعية”.
البطالة في ألمانيا تواصل هبوطها وزيادات جديدة على الأجور
واصلت البطالة في ألمانيا تراجعها فسجّلت في شهر أبريل الماضي 2،384 مليون عاطل عن العمل، بتراجع عن شهر مارس يبلغ 74 ألف شخص، وهذا أقل بعض الشيء مما سُجل خلال أشهر الشتاء المنصرم على حد ما ذكره Detlef Scheele رئيس وكالة العمل الاتحادية BA الذي أضاف أنه مقارنة بشهر أبريل 2017 هبطت البطالة بمقدار 185 ألف شخص. ويبلغ معدل البطالة في البلاد حالياً 5,3 في المئة. في الوقت ذاته ارتفع عدد المشتركين في صندوقي الضمان والصحة في أبريل بمقدار 32 ألف شخص ليصل العدد الإجمالي إلى 44,46 مليون مشترك، بزيادة 598 ألفاً عن الفترة ذاتها من العام السابق.
وعن البطالة ذكر معهد التسويق والاتصالات IMK الذي تشرف عليه مؤسسة هانس ـ بوكلر القريبة من نقابات العمال أخيراً انه يتوقع أن تتراجع البطالة في ألمانيا العام الجاري بمقدار 180 ألف شخص، وفي عام 2019 بنحو 120 ألفاً آخرين، وأن ينخفض معدل البطالة إلى 5 في المئة في السنة المقبلة. وقالت وكالة العمل الاتحادية إن الطلب على الأيدي العاملة الكفوءة لا يزال عالياً، وجرى في أبريل الماضي تسجيل 784 ألف فرصة عمل شاغرة، بزيادة 78 ألفاً عن الشهر ذاته من عام 2017. وارتفع مؤشر البحث عن عمل لدى الوكالة إلى 291 نقطة، بزيادة 19 نقطة عن شهر مارس من السنة المنصرمة. وأضافت الوكالة أن 692 ألف شخص عاطل عن العمل حصلوا على معونة بطالة في أبريل، أقل بـ 55 ألفاً عن الشهر ذاته من عام 2017.
وبعد مفاوضات شاقة واضرابات متفرقة لأكثر من مليوني عامل وموظف يعملون في مؤسسات الدولة والبلديات تمكنت نقابة Ver.di واتحاد الموظفين dbb من الوصول مع ممثلي الدولة إلى اتفاق على زيادة الأجور بنسبة وسطية تبلغ 3,19 في المئة على مراحل ثلاث تبدأ في الأول من شهر مارس وتنتهي في الشهر ذاته من عام 2020، أي بعد 30 شهراً. إضافة إلى ذلك يحصل كل موظف تقريباً على مبلغ إضافي من 250 يورو يدفع لمرة واحدة فقط. كما سيحصل المتدربون الشباب في مؤسسات الدولة في عامي 2018 و 2019 على زيادة على علاوتهم الشهرية تبلغ 50 يورو شهرياً. وكانت النقابتان قد طالبتا بزيادة على الأجور تبلغ 6 في المئة، ودفع 100 يورو إضافية على علاوات المتدربين. وعلّق Frank Bsirske رئيس نقابة Ver.di على النتائج بالقول “إنها مقبولة”.
أزمة السكن بألمانيا تتزايد مع وجود نقص من مليوني مسكن
ذكرت دراسة قام بها فريق باحث بطلب من مؤسسة Hans-Böckler-Stiftung أن سوق السكن في ألمانيا، وبخاصة في مدنها الكبيرة، ينقصها نحو 1,9 مليون مسكن في الوقت الراهن، لكن العدد سيرتفع ويُزيد الوضع سوءاً في حال لم تلجأ الدولة بسرعة إلى تأمين مساكن شعبية، بخاصة لأصحاب الدخل المنخفض غير القادرين على استئجار شقق مرتفعة الإيجار. وبحسب الدراسة فان الوضع هذا مأزوم جداً في مدينة ميونيخ في جنوب البلاد، وفي منطقة الراين ـ ماين أيضاً، وفي مدينتي كولونيا وبون في الغرب، وفي العاصمة برلين في الشمال الشرقي، وفي مدينتي لايبزغ ودريسدن في الجنوب الشرقي حيث لا تتوافر فيه هذه المدن المناطق الأعداد الكافية من المساكن الشعبية.
ووصل إلى هذه النتيجة الباحثون Henrik Lebuhn, Andrej Holm, Stephan Junker و Kevin Neitzel العاملون في كل من جامعة هومبولدت في برلين ومعهد غوته في فرانكفورت. وتلخص الدراسة الموضوعة منهم حاجات أكبر 77 مدينة في ألمانيا إلى المساكن التي تتناسب مع أوضاع المواطنين المالية وكيفية سدّ الثغرات في سوق السكن لتفادي أزمات سكنية واجتماعية لاحقة. ووضعت الدراسة لائحة مفصلة بتكاليف البناء، وقدرات المستأجر وأرباح المالك، وتوصلت إلى القول بأنه يتوجب على ايجارات المساكن الشعبية ألا تتجاوز نسبة 30 في المئة من الدخل الشهري لأفراد العائلة الواحدة. وأضافت الدراسة أن البحث اعتمد على بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء الصادرة عام 2014 حول البناء والسكن، وشدّدت على أن أي نسبة أعلى تُطلب أمر غير مبرر أبداً. وجاء في الدراسة أيضاً أن برلين تفتقد العدد الأكبر من المساكن الشعبية التي تقدّر بنحو 310 آلاف شقة. وتأتي مدينة هامبورغ في المرتبة الثانية مع ثغرة من 150 الف مسكن ، ثم مدينة كولونيا في المرتبة الثالثة مع 86 ألف شقة، وميونيخ في المرتبة الرابعة مع 79 ألف مسكن. وحتى في المدن الكبيرة التي لا تعاني من أزمة سكن ملحوظة يلمس المرء أن العرض المتوفر أقل من الطلب بآلاف عدة كما هو الحال في فولسبورغ، وكوبلنز وأولم.
ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن الأكثر تضرراً من الأمر هم الأفراد الذين يعيشون لوحدهم تحت حدّ الفقر المحدّد بأنه أقل من 60 في المئة من الأجر الشهري المتوسط للفرد، ما يعادل 890 يورو تقريباً في الشهر. وبامكان هؤلاء دفع أيجار سكن متواضع صغير بكلفة 4 أو 5 يورو للمتر المربع، لكن مثل هذه المساكن المتواضعة قليلة جداً في المدن الكبرى حيث ينقص 1,4 مليون مسكن لأفراد يعيشون تحت حدّ الفقر. لكن الوضع ليس أفضل كذلك بالنسبة إلى شخصين يعيشان سوياً لايجاد شقة متواضعة لهما، لكون الطلب أعلى من العرض. ومن الصعب كذلك إيجاد شقق لعائلات من أربع أو خمسة أشخاص تحتاج إلى مساكن كبيرة نسبياً، إنما دون قدرة على دفع إيجارها المرتفع مقارنة مع دخل العائلة. من هنا ترى الدراسة أنه لمواجهة هذه النواقص وغيرها لا بد من بناء المزيد من المساكن الشعبية الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تجميد مستوى إيجارها.
تأثير إلغاء الاتفاق النووي الإيراني على اقتصاد ألمانيا وأوروبا
إلى جانب الموقف السياسي الأوروبي، وبالتحديد موقف فرنسا وألمانيا وبريطانيا المختلف عن الموقف الأميركي القاضي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، برزت مخاوف الشركات الألمانية والأوروبية التي رأت أن الانسحاب سيؤدي إلى خسائر اقتصادية باهظة لها، الأمر الذي دفع ببرلين وباريس ولندن للتأكيد على “بذل كل جهد ممكن لحماية مصالح الشركات العاملة في إيران أمام الادارة الأميركية”.
وكانت واشنطن هددت بعد اعلان انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران بفرض عقوبات فورية على أية صفقة جديدة مع طهران، وأمهلت كل الشركات المتعاملة 180 يوماً لوقف أعمالها التجارية معها. ولم يتأخر السفير الأميركي الجديد في برلين Richard Grenell عن المطالبة “بانسحاب الشركات الألمانية من إيران فوراً”، و”التوقف فوراً” أيضاً عن أنشطتها التجارية فيها. كما أعلن مستشار الامن القومي الاميركي John Bolton كذلك أن اعادة العمل بالعقوبات الاميركية المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني “ستسري فوراً على العقود الجديدة”.
وأعرب كل من الرئيس الفرنسي Emanuel Macron والمستشارة الألمانية Angela Merkel ورئيسة الوزراء البريطانية Theresa May عن أسف بلدانهم الشديد للقرار الأمريكي. وفشل كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية خلال زيارتهما الاخيرة إلى واشنطن في تغيير موقف الرئيس الأميركي Donald Trump من فكرة الانسحاب من الاتفاق الدولي المبرم مع طهران عام 2015 والمصادق عليه من أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وأمام التخوفات التي أعربت عنها نقابات أرباب العمل في ألمانيا قال وزير الاقتصاد الألماني Peter Altmeier إن بلاده مستعدة لمساعدة شركاتها على الاستمرار في تنفيذ أنشطة في إيران. وأضاف الوزير أن حكومته “لا ترى سبباً ملحاً لتغيير برنامج ضمانات التصدير “هيرميس” الخاص بإيران”، وأبلغ إذاعة “Deutschlandfunk” عن استعداده “للحديث إلى جميع الشركات الألمانية المهتمة بما يمكننا فعله للحد من التداعيات السلبية عليها، ما يعني أن الأمر يتعلق بشكل ملموس بتحديد الأضرار ووضعها في أضيق حدود”. ويشمل هذا الأمر تقديم مشورات قانونية إلى من يحتاج إليها. ودعا في الوقت ذاته إلى “تجنب حصول موجة تصعيد” في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
وتمارس نحو 120 شركة ألمانية أعمالاً تجارية يقوم بها موظفون تابعين لها في إيران، من بينها شركة Siemens العملاقة، فضلا عن وجود نحو عشرة آلاف شركة ألمانية تتعامل مع إيران من خارجها، لكن الوزير ألتماير أشار في الوقت ذاته أيضا إلى أن حكومته “لا تملك إمكانية لحماية شركات ألمانية من قرارات الحكومة الأميركية أو استثناءها منها”، ما يبقي البلبلة سائدة داخل هذه الشركات. وانتقد مسؤولون في اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK وفي نقابة الصناعيين الألمان BDI بشدة دعوة الولايات المتحدة للشركات الألمانية بإنهاء صفقاتها مع إيران فوراً، وطالبوا برلين بتأمين الدعم لهم وحمايتهم من العقوبات المالية الأميركية المحتملة.
يُذكر أن صادرات البضائع الألمانية إلى إيران العام الماضي 2017م بلغت 2,97 مليار يورو (أي حوالي 3,36 مليار دولار)، أي ما نسبته أكثر بقليل من 0,2 في المئة من مجمل الصادرات الألمانية السنوية إلى العالم، علماً أن الحجم هذا أكبر من صادرات بريطانيا وفرنسا إلى إيران في الفترة ذاتها. في المقابل تبلغ قيمة صادرات الشركات الألمانية إلى الأسواق الأميركية حوالي 111 مليار دولار. وعبّرت شركات ألمانية كبيرة عن تخوفها من التعرض لخسائر مالية فقالت شركة Volkswagen إنها بدأت العام الماضي فقط بتصدير سيارات إلى إيران، وأن القرار الأمريكي قد يعني وقف التصدير. وأبدت شركة Henkel الألمانية مخاوفها من تأثير قرار ترامب على خططها التجارية المستقبلية مع إيران. لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني Norbert Röttgen رأى أنه “سيكون من الصعب الالتزام بالاتفاق النووي دون الولايات المتحدة” نظرا إلى أن الشركات الأوروبية التي تواصل تعاملاتها التجارية مع الجانب الإيراني قد تتعرض لعقوبات أميركية قاسية. وبدوره أوضح وزير الخارجية الألماني Heiko Maas أن حكومته تريد مساعدة شركات بلده بعد القرار الأمريكي، لكنه قد يصعب حمايتها من أي تبعات سلبية. وبطبيعة الحال ستتعرض الشركات الأميركية بدورها إلى ملاحقة قانونية في حال واصلت أعمالها مع إيران، وعلى رأسها شركة Boeing لصناعة الطائرات التي ستُضطر إلى الغاء صفقة بيع 80 طائرة معها بقيمة 17 مليار دولار، على حدّ ما صرّح به وزير المال الأميركي Steven Mnuchin.
رعاية المسنين الألمان وفرص العمل للاجئين إلى ألمانيا
تبعاً لإحصاءات رسمية ألمانية من المتوقع أن يرتفع عدد الذين سيصبحون فوق سنّ الـ 65 عاماً في البلاد أكثر من 23 مليوناً حوالي العام 2035. ومع تزايد عدد المعمِّرين والمتقاعدين في ألمانيا يمكن لقطاع العاملين على رعاية المسنين أن يفتح الباب أمام تأمين فرص عمل كثيرة للاجئين إلى البلاد من دول عديدة. وبادرت حكومات محلية في ألمانيا ونقابات وجمعيات وأحزاب تهتم برعاية الكبار في السن إلى تقديم مشاريع قوانين، وتنفيذ برامج تدريب، وتقديم استشارات لمساعدة اللاجئين على دخول سوق العمل الألمانية بصورة عامة، وقطاع رعاية المسنين بصورة خاصة. وتقر الحكومة الألمانية بوجود عشرات الآلاف من الوظائف الشاغرة في مجالي رعاية المسنين والرعاية الصحية، وذلك بسبب نقص العمالة المؤهلة. وردا على استفسار طرحته عليها الكتلة البرلمانية لحزب الخضر أقرّت الحكومة الألمانية بوجود نحو 36 ألف وظيفة شاغرة في مجال الرعاية الصحية، وإنها غير قادرة على شغلها بسبب نقص العمالة. وبحسب بيانات الحكومة هناك أيضاً 15 ألف وظيفة تخصصية شاغرة في مجال رعاية المسنين، إضافة إلى 8500 وظيفة مساعد. أما في قطاع التمريض، فثمة 11 ألف وظيفة متخصصة شاغرة بالإضافة إلى 1500 وظيفة مساعد غير مشغولة. واستندت الحكومة الألمانية في هذه الإحصاءات على معطيات الوكالة الاتحادية للعمل BA.
ويتقدم في المتوسط 21 شخصاً مؤهلاً فقط لكل 100 وظيفة في مجال الرعاية، يتم طرحها على المستوى الاتحادي، وفي مجال التمريض يرتفع هذا العدد إلى 41 متقدماً لكل 100 وظيفة. يُذكر أن نحو 2,8 مليون مسّن في ألمانيا يعتمدون على الرعاية الداخلية في المستشفيات، وقد يرتفع العدد في عام 2030 إلى 3,6 مليون مسّن. وتعتزم الحكومة الألمانية الجديدة عبر برنامج فوري توفير 8 آلاف فرصة عمل في هذا المجال في مؤسسات رعاية المسنين. وتسعى الحكومة إلى جعل هذا القطاع جاذبا للقوى العاملة عبر رواتب وظروف عمل أكثر جاذبية، ودعم التدريب المهني في هذا المجال.
ومعلوم أن ألمانيا استقبلت في عامي 2015 و2016 أكثر من 1,2 مليون لاجيء، تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و34 سنة. وأمام عزوف أكثرية الألمان عن مهنة رعاية المسنين يهدف البرنامج التأهيلي الذي تطرحه مبادرات العديدين إلى تدريب وتأهيل لاجئين للعناية بالعدد المتزايد من كبار السن في ألمانيا. وتقول المتحدثة باسم “جمعية بون للمهن الطبية والعناية بكبار السن” Birgit Schierbaum “إنها لفكرة ذكية منح اللاجئين فرصة، إذ لا يوجد ما يكفي من الشبان والشابات للعناية بكبار السن”. وهي ترى أن اللاجئين يرغبون في العمل، ومهنة العناية بكبار السن مهنة لها مستقبل وتفتح أمامهم أبواب التطور على الصعيد المهني”. وتعتقد Shilan Fendi المشرفة على برنامج التأهيل “أن الدافع للتعلم عال جداً لدى اللاجئين”، ويشمل البرنامج شهر تدريب عملي إلزامي في مشفى أو مركز طبي، وتساعد المشرفة Fendi المتدربين على إيجاد مكان شاغر لهم للتدرب. وتلحظ أن اللاجئين يجدون صعوبة في تفهّم أن شهاداتهم ومؤهلاتهم غير معترف بها في ألمانيا. وتقول: “يريد كثيرون منهم القفز بسرعة للعمل في المجالات التي كانوا يعملون فيها في بلدهم، دون أن يُدركوا أن ألمانيا تشترط مواصفات معينة للراغبين بالعمل في مجالات التمريض أو رعاية المسنين”. ويتيح الدوام في البرنامج التأهيلي للمتدربين الحصول على اعتراف بشهاداتهم، شرط تقديم صورة عن تلك الشهادات فيما يتحتم على البعض البدء من الصفر، وإنجاز المزيد من التدريب للحصول على عمل.
إلى ذلك ناقش برلمان ولاية هِسّن مشروع قرار يسمح للاجئين غير الحاصلين على شهادة التعليم الأساسي بالالتحاق بتأهيل مهني لسد تلك الثغرة. وقدمت الكتلة البرلمانية الحاكمة في برلمان الولاية في 28 مارس الماضي مشروع قانون يتيح لـ 480 لاجيء غير حاصل على شهادة، إتمام مرحلة التعليم الأساسي وفرصة العمل في رعاية كبار السن، بعد إتمامهم التأهيل المهني. ومن المقرر أن يكمل اللاجئون بالتزامن مع التأهيل المهني، الذي سيستمر ثلاث سنوات، مرحلة التعليم الأساسي. هذا ودعا رئيس حزب الخضر الألماني Robert Habeck الحكومة إلى منح الاقامة للاجئين الذين يعملون في التمريض قائلاً: “نحتاج إلى تصريح منتظم بالإقامة لمن يعمل في مهن التمريض والمساعدة، كخطوة أولى في قانون الهجرة”.