أظهر أرباب العمل الألمان تفاؤلاً إزاء بقاء أعمالهم الاقتصادية والتجارية والمالية الجيدة على الوتيرة ذاتها خلال العام 2017 المقبل على الرغم من استمرار الأزمة المالية الأوروبية، وقرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب الملياردير الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية بعد تصريحاته التي أثارت قلق أوروبا والعالم. وأظهر مؤشر معهد البحوث الاقتصادية الشهري Ifo في ميونيخ الصادر في 19 شهر ديسمبر الجاري أن أجواء الشركات السبعة آلاف المستَطلعة في البلاد تحسنت وارتفعت مجدداً إلى 111,0 نقطة، وهو الحدّ الأعلى له منذ عام 2011 بعد تسجيل 110,4 نقاط في شهر نوفمبر الماضي. وقال رئيس المعهد Clemens Fuest إن أرباب العمل “أعربوا عن ارتياحهم من جديد إلى سير أشغالهم الحالية، وينظرون إلى الأشهر الستة المقبلة نظرة أكثر تفاؤلاً”.

وفي التفاصيل، وباستثناء قطاع الصناعة حيث انخفض التفاؤل فيه بعض الشيء بسبب تراجع الطلب نوعاً ما، أعلن العاملون في قطاع البناء أن دفاترهم ملآنة بالطلبات التي سجلت رقماً قياسيا هذا العام، وكذلك في قطاع التجارة الخارجية، وفي سوق القطعة الذي تحسّن عن السابق. أما في ما يتعلق بقطاع الخدمات المتعددة فلحظ المؤشر وجود وضع جيد فيه. وفي ما يخص نشاط الاقتصاد الألماني في الربع الأخير من هذه السنة ذكر مؤشر IHS-Markit-Institut الصادر في أواسط شهر ديسمبر الجاري أن المبيعات تجري بصورة أفضل مما تم تسجيله منذ ربيع العام 2014. صحيح أن مؤشر المشتريات الصناعية والخدمات انخفض بنسبة 0,2 نقطة في الشهر الحالي، إلا أنه لا يزال على مستوى عالٍ يبلغ 54,8 نقطة. وذكر الخبير Philip Leake أن نمو الاقتصاد الألماني في أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر جاء أقوى من حجم نموه خلال فصل الصيف بمقدار 0,2 في المئة، مضيفاً “أن الصناعة الألمانية تبدو في وضع جيد جداً حالياً”. وارتفع مؤشر الصناعة بصورة مفاجئة من 54,3 إلى 55,5 بزيادة 1,2 نقطة، وسجّل أعلى رقم له منذ ثلاثة أعوام. أما مؤشر الخدمات فانخفض في المقابل بشدة من 55,1 إلى 53,8 نقطة.

وبدوره قدّم مؤشر النمو لمركز البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW  في مانهايم، الذي يستطلع شهريا آراء وتوقعات نحو 300 خبير اقتصادي ومالي في ألمانيا وأوروبا، بدوره صورة تفاؤلية . فقد ارتفع مؤشر المركز الصادر في أواسط الشهر الجاري بمقدار 4,7 نقاط ليصل إلى 63,5 نقطة. وبقيت توقعات الخبراء حول مسار نمو الاقتصاد في البلاد دون تغيرّ في شهر ديسمبر عن نوفمبر الفائت، أي 13,8 نقطة، ما يعطي تقديراً عاماً إيجابياً.  أما مؤشر النمو الحالي في منطقة اليورو فارتفع بشكل طفيف لم يتعدى النقطة الواحدة ليسجّل 8,3 نقاط سلبية، أي تحت الصفر. ويبقى التخوف من المحاذير المستقبلية حاضراً في الاستطلاع، وبخاصة الوضع الحرج في القطاع المصرفي الإيطالي.

وأمام المخاطر المالية هذه وغيرها قرر المصرف المركزي الأوروبي في اجتماع لقيادته عقد في مقره في فرانكفورت هذا الشهر مدّ فترة شرائه للسندات الحكومية ودعمه للبنوك حتى نهاية عام 2017 المقبل، إنما بحجم اجمالي أقل من السابق، أي 60 مليار يورو شهرياً بدلاً من 80 مليار يورو، وذلك ابتداء من شهر أبريل القادم. كما قرر البنك الابقاء على فائدة صفر في المئة على إيداعات المواطنين في الوقت الذي بدأ بنك الاحتياط الأميركي أواسط الشهر الحالي رحلة العودة المدروسة إلى رفع الفائدة رويداً رويداً مبتدئاً بنسبة 0,25 في المئة إلى نطاق 0,50 – 0,75 في المئة للمرة الأولى منذ ديسمبر 2015، الأمر الذي ساهم في أضعاف عملة اليورو بعض الشيء، وسرّع امكانية تعادل اليورو مع الدولار في وقت غير بعيد كما يتوقع خبراء مال. وكرد فعل إيجابي على القرار ارتفع مؤشر Dax الألماني في بورصة فرانكفورت فجأة وبعد مخاض طويل هذه السنة بسرعة إلى ما فوق الـ 11400 نقطة.

خبراء سوق العمل: انخفاض البطالة في ألمانيا وصل إلى نهايته

لم تشهد ألمانيا منذ وقت طويل توفّر فرص العمل فيها كما في هذه السنة على حد تأكيد معظم خبراء السوق أخيراً، ما خفّض معدل البطالة في البلاد إلى نحو 5,7 في المئة للمرة الأولى منذ ربع قرن. مع ذلك فان الارتياح الناتج عن هذا الوضع الجيد، مقارنة بأوضاع البطالة المرتفعة جداً في عدد غير قليل من الدول الأوروبية المتعثرة مثل اسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وصل على ما يبدو إلى نهايته المنظورة بحسب الخبراء الألمان أنفسهم، ما لا يعني أن البطالة في ألمانيا سترتفع بصورة مقلقة.

ولكن قبل دخول مرحلة الارتفاع المعقول سجّلت البطالة في شهر نوفمبر الفائت انخفاضاً جديداً مقابل شهر أكتوبر بلغ ثمانية آلاف شخص، أي من 2,540 إلى 2,532 مليون عاطل عن العمل، وانخفاضاً بمقدار 101 ألف شخص عن شهر نوفمبر من العام الفائت. صحيح أن خبراء السوق في وكالة العمل الاتحادية BA لا يتوقعون حصول تعديل كبير في هذا الرقم في نهاية  شهر ديسمبر الجاري، إلا أنهم يعتبرون أن نهاية هذه السنة ستختتم فصلاً مريحاً في مجال البطالة لتبدأ فصلاً آخر السنة المقبلة ترتفع خلاله بصورة لا تسبب قلقاً كبيراً للنقابات وللحكومة. وعلى سبيل المثال تبدو توقعات معهد سوق العمل وبحوث المهن IAB متفائلة في هذا الصدد.

وذكر رئيس قسم التوقعات في المعهد Enzo Weber أنه يتوقع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل السنة المقبلة إلى 2,618 مليون شخص وسطياً، حتى بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إثر  تصريحاته المقلقة لأوروبا. وأضاف الخبير فيبر أن النمو المتوقع لعام 2017 سينعكس أيجاباً على ألمانيا، ولو ليس بقوة عام 2016 الحالي، خاصة وأن النمو لا يزال يعتمد بصورة كبيرة ليس فقط على ضعف اليوروـ ما يسمح بزيادة الصادرات إلى الخارج ـ وإنما أيضاً على الفائدة الملغاة، والسعر المنخفض للنفط، وتوقع استمرار انتعاش سوق الاستهلاك الألمانية خلال العام القادم، إلى جانب المصاريف الحكومية على رعاية اللاجئين إلى البلاد. وفيما ينتظر “حكماء الاقتصاد” المعينين من قبل الحكومة الألمانية زيادة في العطالة عن العمل لا تتجاوز الأربعة آلاف شخص في عام 2017 ينظر خبراء الشركات الكبيرة في البلاد نظرة أكثر تشاؤماً إلى الموضوع ويتوقعون ارتفاعاً في البطالة من 2,53 إلى 2,7 أو 2,75 مليون شخص، ما يعني زيادة تصل إلى بين 30 و60 ألف شخص.

وفي ما يتعلّق باللاجئين الذين سيدخلون إلى سوق العمل الألمانية العام المقبل ذكرت وكالة العمل الاتحادية أن عددهم سيصل إلى 386 ألفاً بينهم 157 ألف شخص يمكن تصنيفهم على أنهم عاطلين فعليين عن العمل وتصنيف الباقين على أنهم لا يزالون في طور التهيئة مهنياً ودراسياً لدخول سوق العمل. اما خبير سوق العمل فيبر فيرى من جانبه أن عدد اللاجئين المهيئين لدخول سوق العمل عام 2017 لن يتجاوز الـ 90 ألف شخص. وفي هذا الإطار ينتظر خبراء وكالة العمل الاتحادية توفر فرص عمل جديدة في مجالات وقطاعات عدة مثل رياض الأطفال، المستشفيات ورعاية العجزة، كما في التجارة والبريد وقطاع الفنادق والمطاعم، وإلى حدّ ما في قطاعي البناء والصناعة. وفي المقابل سيشهد قطاعي المصارف وشركات التأمين في البلاد خسارة فرص عمل عديدة.

الفقر في ألمانيا يكبح النمو الاقتصادي ويطال الشباب والأطفال

من الصحيح أن ألمانيا تُعتبر من الدول الغنية في العالم، لكن الهوة فيها بين الغنى والفقر اتسعت في الأعوام القليلة الماضية بدلاً من أن تضيق، كما أن التوقعات للأعوام المقبلة لن تكون أفضل إذا لم يتخذ المسؤولون الخطوات والقرارات اللازمة على صعد مختلفة لردم الهوة المتزايدة. وبحسب دراسات تجري دورياً حول هذا الموضوع لا يشكل هذا الأمر خطراً على وحدة المجتمع وتماسكه فقط، بل وعلى قوة اقتصاد البلد أيضاً. وتلجأ الأحزاب والتنظيمات السياسية والمدنية إلى التنديد باستمرار بهذا الوضع، وتدعو منذ تسعينات القرن الماضي إلى القضاء على هذا الخلل المزمن داخل المجتمع، لكن التفاوت الحاصل في دخل فئات العاملين مستمر، وبصورة صارخة في أحيان عديدة.

وتفيد الإحصاءات الدورية في ألمانيا بأن كل عاشر عامل وموظف في البلاد يعمل بصورة مؤقتة فقط، بل وكل رابع مواطن يراوح عمره بين الـ 20 و الـ 24 سنة، وأن قسماً هاماً من هؤلاء الشباب، يتلقون أجراً ضئيلاً لا يسمح لهم بتأمين عيش معقول، ولا بالزواج وتأسيس عائلة. ولا تُخفي بيانات وكالة العمل الاتحادية النجاحات التي تتحقق في سوق العمل على مستوى مكافحة البطالة، وزيادة أعداد المشاركين في الصناديق الاجتماعية، والزيادات الدورية على الرواتب التي تحصل، الأمر الذي يعزز الحماية من الفقر، وكذلك الأوضاع المالية لقسم كبير من العائلات. لكن الـ 3,2 مليون عامل وموظف وعاطل عن العمل، خاصة النساء اللواتي يعشن لوحدهن أو مع أطفالهن، غير قادرين على التخطيط لحياتهم بسبب عوزهم وتقشفهم المستمرين.

ولا يشمل الرقم هذا مليون متدرب مهني وتلميذ على الأقل يعملون في مهن ظرفية الطابع، ولا توجد حول وضع هؤلاء سوى معارف قليلة. وفي الفترة الأخيرة وضع معهد العلوم الاجتماعية WSI العائد لمؤسسة Hans-Böckler-Stiftung التابعة للنقابات العمالية في البلاد بعض المعلومات الإحصائية حولهم التي تتعلق بأوضاع حياتهم وشروط عملهم. وتأكد من دراسات أخرى أيضاً أن عدم المساواة لا يفرز عدم ارتياح فقط، بل ويضغط سلباً على نتائج النمو في البلاد. وأكدت ذلك أيضاً منظمة التعاون الاقتصادي والإنمائي الأوروبية OECD في تقرير أخير لها قائلة “إن الهوة المتزايدة بين الغنى والفقر تنعكس بالفعل سلباً على وتيرة النمو في الدول المعنية”.

وبتكليف من مؤسسة “فريدريش إيبرت” الألمانية FES حقق المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية DIW في برلين في مدى تأثير التفاوت في الدخل على الناتج الاقتصادي القومي. وأظهرت الدراسة التي وضعها المعهد ونشرت أخيراً أنه لولا هذا التفاوت لكان الناتج القومي الألماني زاد بمقدار 40 مليار يورو من الناحية التقريبية. وبتعبير آخر فان التفاوت المتنامي كلّف البلاد منذ الوحدة الألمانية عام 1990 نحو نصف عِشر من النقطة، أي  0,05 نقطة سنوياً، ما يعني خسارة نقطتي نمو خلال ربع قرن. وواضح أن التأثير الأكبر للتفاوت هذا ينعكس سلباً جداً على “الرأسمال الإنساني” الذي لا يظهر بوضوح إلا بعد مرور أعوام وأعوام. ولأن أصحاب الدخل الضئيل لا يعودوا قادرين على تمويل تعليمهم وتدريبهم تتراجع انتاجيتهم الفعلية في العمل، وبالتالي انتاجية مجمل اقتصاد البلد. وتحدثت مؤسسة Eurostat الأوروبية عن وجود 13,4 مليون ألماني تحت حدّ الفقر المحدد بـ 1033 يورو شهرياً، مشيرة إلى متوسط ما قبضه هؤلاء في ألمانيا شهرياً عام 2015 بلغ 719 يورو، أي أقل بـ 30 في المئة من الحدّ المذكور

ومن عناصر الاجحاف الحاصل أيضاً التفاوت الموجود في معاشات التقاعد بين الشرقيين والغربيين منذ الوحدة. ولأن الشرقيين يتلقون معاشات تقاعد تقل بصورة ملموسة عن معاشات تقاعد الغربيين أقرت الحكومة أخيراً مشروع قانون لمساواة تقاعد الشرقيين بتقاعد الغربيين ابتداء من عام 2025، الأمر الذي سيزيل عندها الشعور بالغبن، ويرفع القدرة الشرائية للشرقيين. 

السكن في ألمانيا: مبادرة للقطاع لرفع نسبة التملك المنخفضة فيه

على عكس سكان دول أوروبية عدة معروف عن الألمان تفضيلهم تقليدياً العيش في شقق ومنازل مؤجرة بدلاً من تملكها، إلا أن الأمر بدأ يتغيّر مع ارتفاع الإيجارات بصورة متواصلة في السنين الأخيرة. ومع ذلك لا تزال ألمانيا بحسب مؤسسة الاحصاءات الألمانية الخاصة Statista في المرتبة ما قبل الأخيرة بين عشرين دولة أوروبية جرت المقارنة بينها. ففي حين تتدنى نسبة التملك هذه إلى 44 في المئة في سويسرا تبلغ نسبتها 53 في المئة في ألمانيا علماً أن مصادر أخرى تتحدث عن 45 في المئة فقط. وتسجّل رومانيا أعلى نسبة من تملك المساكن على هذه اللائحة حيث تبلغ 97 في المئة، ثم تنخفض تدريجاً إلى 83 في المئة في إسبانيا، و 72 في المئة في إيطاليا، و 62 في المئة في فرنسا، و57 في المئة في النمسا.

أمام هذا الوضع نشأ تجمع قطاعي يضم اتحادات بناء، ومكاتب هندسة معمارية، ومؤسسات عقارية في البلاد لتشجيع نحو 60 ألف شخص وعائلة على الأقل سنوياً على بناء مسكن لكل منهم، وفي الوقت ذاته تحفيز 340 ألف مستأجر سنوياً على شراء مساكنهم، وذلك من خلال تقديم تسهيلات تشجع على هذه الخطوة وتكون شروطها مناسبة للطرفين. وكما ذكر التجمع القطاعي فان الهدف هو رفع نسبة التملك في البلاد من 45 في المئة حالياً، كما يقول، إلى 50 في المئة حتى عام 2020. وواضح أن رغبة المزيد من الألمان في التملك أصبحت ملموسة أخيراً بغض النظر عن حقيقة النسبة المئوية المعلنة، خاصة وأن الرقمين المذكورين أعلاه لا يغيّران شيئاً في مرتبة ألمانيا المتدنية جداً.

وانطلقت أول حملة لهذا التجمع في برلين تحت شعار “التملك عوض الاستئجار”. وذكر معهد البحوث الخدماتية Eduard Pestel Institut في دراسة حول التملك في البلاد أن نسبة قليلة من المواطنين بين 25 و45 سنة تفكّر بتملك السكن الذي تسكنه، وأن 70 في المئة منهم يفضلون الاستئجار. وذكر مسؤول الدراسات في المعهد Matthias Günther أن انعدام الرغبة في التملك غير مفهوم، خاصة وأن المِلك حجر أساس لضمان العيش في مرحلة التقاعد حين يكون مرتب التقاعد محدوداً، مضيفاً أن نوعية البناء الجيدة في ألمانيا تضمن للمالك المتقاعد عدم اضطراره إلى تخصيص مال واهتمام كبيرين لإصلاح سكنه، كما تريحه من مسألة الزيادات الدورية على الايجار، أو الغاء عقد السكن لسبب أو آخر. ولحظت الدراسة أن قلّة من المتقاعدين الذين يتلقون مساعدات اجتماعية وطبية من الدولة تملك سكناً أيضاً.

وفي الوقت الذي ترى الدراسة عدم قدرة أصحاب الدخل المتدني أو الظرفي على التملك في المدن الكبيرة والجاذبة تلحظ في الوقت ذاته إن هذه الامكانية موجودة في مجموعة من المدن الصغيرة. لكنها رأت في أصحاب الدخل الشهري المراوح بين 1500 و2500  يورو طاقة جيدة يمكن استغلالها لتحقيق رغبة تملّك شقة أو منزل في المدن الكبيرة. ووجدت الدراسة أن رفع نسبة التملك في البلاد تتطلب أن تتحمّل الدولة والحكومات المحلية والبلديات مسؤوليتها. لذا طالبتها باتخاذ قرارات لمساعدة من يرغب في تملك مسكنه أو بناء مسكن جديد. وحضّت الحكومة الاتحادية على إعادة القانون الذي كان يسمح بدفع مساهمة مالية محددة لكل راغب في التملك السكني بعد إلغائه قبل عشر سنين، علماً أن دخل الدولة من الضرائب المفروضة على قطاع البناء يصل إلى أكثر من ثمانية مليارات يورو سنوياً.

وإذا أخذ المرء العاصمة برلين كمثال على النهضة العمرانية التي تشهدها منذ سنوات عديدة تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن ثمة نقص سكني فيها سيبلغ 300 ألف مسكن حتى عام 2030، خاصة وأن 40 ألف شخصا ينتقل سنوياً للعمل والعيش فيها. وتبعاً لدراسة وضعها مصرف Postbank أخيراً سينمو عدد سكان العاصمة بنسبة 7 في المئة حتى التاريخ المذكور. وفي حين جرى بناء 10700 مسكن فيها عام 2015، إلا أن الحاجة في المدينة تتطلب بناء عشرين ألف مسكن في السنة، الأمر الذي سينعكس ارتفاعاً في كلفة البناء بفعل ازدياد الطلب. ويقدر خبراء القطاع أن ارتفاع الكلفة سيبلغ خلال الـ 15 سنة القادمة ما بين 40 و50 في المئة، وهي نسبة عالية.

مبيعات متراوحة للسيارات وبروكسل تقاضي برلين بسبب VW

رغم تحقيق شركات السيارات الألمانية مبيعات أعلى هذه السنة، ألا أن الزيادات جاءت متواضعة بالمقارنة مع السنوات الماضية. فقد أعلنت مصلحة تسجيل السيارات في ألمانيا أن 276567  سيارة جديدة تم الترخيص لها في السوق الألمانية خلال شهر نوفمبر الفائت، بزيادة تبلغ 1,5 في المئة عن الشهر ذاته من السنة الماضية، وكانت شركةVolkswagen  من ضمن خمس شركات سيارات أوروبية ودولية سجلت خسارة في مبيعاتها في ألمانيا، وانخفضت مبيعات الشركة الالمانية بمقدار 16 في المئة. في المقابل حققت السوق الأوروبية مبيعات أعلى لشركات السيارات في الشهر المنصرم بلغت نسبتها 5,8 في المئة مقارنة مع نوفمبر 2015 على حدّ ما ذكرته رابطة صناعة السيارات الأوروبية ACEA أخيراً. وهنا أيضاً سجلت مبيعات السيارات الألمانية زيادة ضعيفة فيما ارتفعت المبيعات في كل من فرنسا وإيطاليا بمعدل 8 في المئة، وفي اسبانيا 13,5 في المئة. ومقارنة مع نوفمبر 2015 بلغت الزيادة 7 في المئة على حد ما ذكرته الرابطة.

واحتلت سيارة Renault الفرنسية المرتبة الأولى بعد تسجيل 17 في المئة زيادة في المبيعات، فيما اكتفى الخصمان Toyota  و VW بتحقيق زيادة من 6 في المئة، أما Fiat Chrysler الإيطالية فزادت مبيعاتها بنسبة 10 في المئة في حين خرجت Opel التابعة لـ GM الأميركية خاسرة واحد في المئة بسبب تراجع الجنيه البريطاني امام الدولار إثر قرار لندن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتستفيد سوق السيارات الأوروبية من انخفاض الفائدة على القروض، ومن تراجع سعر البنزين، ومن بدء تحسن الأوضاع الاقتصادية المتعثرة في عدد من دول جنوب أوروبا . وفي الاجمال تنتظر رابطة ACEA أن تصل نسبة الزيادة في مبيعات السيارات في السوق الأوروبية في العام الحالي إلى نحو خمسة في المئة. وتمكنت شركة VW في السوق الصينية وبعض الأسواق الأوروبية من تحقيق زيادات في مبيعاتها الشهرية. وعلى المستوى الدولي ذكرت الشركة أن ماركة “فولكسفاغن” باعت في الأشهر الـ 11 الأخيرة 5,4 مليون سيارة، بزيادة تصل إلى 1,6 في المئة عن العام السابق.

ومع أن المستهلك الألماني والأوروبي غير متهافت على السيارة الكهربائية وسيارة هايبريد العاملة ببطارية إلى جانب محرك عادي، إلا أن شركات السيارات الألمانية مثل BMW قررت دخول هذا الميدان من الباب الواسع معلنة أنها سترفع انتاجها منها إلى 100 ألف سيارة العام المقبل بعد بيعها 60 ألفاً منها هذا العام على حد ما قول رئيس الشركة Herald Kruger. ومنذ عام 2013 باعت الشركة مئة ألف سيارة من النوعين. لذا تحاول شركة “فولكسفاغن” الآن اللحاق بالأخرين في هذا المضمار، وقررت البدء بالخطوات اللازمة للإنتاج، لكنها أوضحت أن الأمر يتطلب الاستغناء عن عمل 30 ألف عامل فيها بينهم 23 ألفاً في ألمانيا.

إلى ذلك لا تزال “فولكسفاغن” تعاني من تداعيات فضيحة العوادم واللعب بقياس انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون في سيارات الديزل، الأمر الذي كشفته سلطات الولايات المتحدة وقررت تغريم الشركة 14,7 مليار يورو. وفيما لا تزال التحقيقات الأميركية مع “فولكسفاغن” مستمرة في قضية مماثلة فجّرت المفوضية الأوروبية مطلع الشهر الجاري أزمة مع الحكومة الألمانية متهمة إياها بالتغاضي عن تجاوزات الشركة، وامتناعها عن تقديم نتائج فحوص العوادم، وعن معاقبتها لنقضها العديد من القرارات والقوانين الخاصة بحماية المناخ. وفي الوقت ذاته قررت المفوضية الادعاء أيضاً على كل من اللوكسمبورغ، إسبانيا، بريطانيا، تشيخيا، ليتوانيا واليونان بتهمة التورط في هذه القضية مع الشركة. كما هدّدت المفوضية برفع دعوى على المانيا والدول المذكورة أمام المحكمة الأوروبية العليا إن لم تقدّم خلال شهرين أجوبة شافية عن الاتهامات الموجهة إليها.